تراجع برامج الحوار على الفضائيات:المشاهدون ملوا السياسة وانشغلوا بجرائم الانحراف الجنسي وإدمان المخدرات

تراجع برامج الحوار على الفضائيات:المشاهدون ملوا السياسة وانشغلوا بجرائم الانحراف الجنسي وإدمان المخدرات
تراجع برامج الحوار على الفضائيات:المشاهدون ملوا السياسة وانشغلوا بجرائم الانحراف الجنسي وإدمان المخدرات

غزة-دنيا الوطن

تزخر الفضائيات العربية والأجنبية بكثير من البرامج الحوارية التي تختلف في الطرح والتخصص، فبعضها اقتصر في طرحه على الجانب السياسي واللعب على أوتار المفارقات والمتناقضات السياسية عند الآخرين، وذلك بالاعتماد على أجندات سياسية وأيديولوجية تحرك القائمين على هذه القنوات، وتؤطر للخريطة البرامجية وللموضوعات التي يتم طرحها في هذه البرامج، من خلال اعتماد أسلوب الإثارة وتهييج الشعوب ومداعبة مشاعر رجل الشارع، من خلال الفصل بين فقه الواقع السياسي، وحاجات الحكام، وحجم وتأثير التدخل الأجنبي وعدم القدرة على الفصل بين المصلحة الوطنية والمصلحة الدولية.

واللافت للنظر أن هذه البرامج الحوارية ذات الصبغة السياسية غير الحيادية - كما يستشف في كثير منها - تغض الطرف بصورة غير مهنية عما يدور في عقر دارها من أحداث سياسية، وتعطيها قدراً كبيراً من الأهمية والمتابعة عندما تقع في دول أخرى، وهو ما يمكن أن يقال عنه: إنه نوع من "الشيزوفرينيا المهنية" والممارسة العرجاء للعمل الإعلامي، الذي يفترض أنه لا هدف له إلا الحقيقة والحيادية.

وفي ظل موجة المد والجزر للبرامج السياسية التي اشتهرت عبر شاشات كثير من الفضائيات العربية، برزت موجة أخرى مغايرة من البرامج التي اختارت الخروج من دائرة الجدل العقيم و"السفسطائية" التي تلاعب مشاعر الجماهير من دون أن تقدم أو تؤخر، واتجهت إلى دائرة أكثر اتساعا، ووضعت على عاتقها مسؤولية إصلاح الخلل الاجتماعي، من خلال مناقشة قضايا التفكك الأسري، والطلاق، والاعتداءات الجنسية، وإدمان المخدرات، وبيوت العجزة وكبار السن ومشكلات البطالة... وغير ذلك كثير من القضايا الاجتماعية التي باتت تؤرق عيش المواطن العادي وتستنفد كثيراً من وقته وماله، فيما اصطلح بتسميته "برامج الحوار الاجتماعي".

وقد برزت نوعية أخرى من البرامج التي يمكن اصطلاحا تسميتها بالبرامج الحوارية، حيث تعتمد على مضامين فنية وثقافية وغنائية منوعة، تعتمد في قالبها الفني على شعبية أحد نجوم الساحة الفنية واستضافته ومحاورته واستغلال تعلق كثير من شخوص الفئة الشبابية به لتحقيق نسبة مشاهدة عالية.

إن المتابع لهذه النوعيات المختلفة من البرامج الحوارية، يلاحظ مدى التراجع والانتكاسة الكبيرة التي عصفت ببرامج الحوار السياسي، وانخفاض نسب المشاهدة الخاصة بها، بعد أن أصبح صراع الديكة والصوت الأعلى والخروج عن بروتوكول الحوار الهادئ والنقاش المفيد واحترام الند، هي السمات المميزة لتلك النوعية من البرامج، ومن ذلك مثلا برنامج "الاتجاه المعاكس"، و "الرأي الآخر" وبرامج أخرى مشابهة يبدو أنها لم تعد كليشيهاتها تبهر أحداً، بل إن نورها قد خبا وانطفأ لا سيما أن ضيوفها من حملة مؤهلات "البوكيت موني" من العيار الثقيل، الذين تؤشر بوصلات مواقفهم السياسية على قدرة فائقة في التحول من موقف سياسي أو عقائدي إلى آخر، بصورة أسرع من معدل تغيير الرياح لاتجاهها، تبعا للشاشة التي يطلون من خلالها على الجماهير التي لا يرون فيها إلا مجموعات من "الدهماء"، الأمر الذي أفقدهم وأفقد هذه البرامج التي تروج لهم كثيراً من الاحترام، بعد أن خلت جعبتهم إلا من الصياح والشعارات البراقة.

وعلى العكس من هذا الحال المأساوي لهذه النوعية من برامج الحوار السياسي، يلاحَظ مدى تزايد نسب مشاهدة برامج الحوار الاجتماعي الخاصة بمشكلات رجل الشارع، التي تحاول تركيز حزمة كبيرة من الضوء على الخلل في كثير من النواحي الاجتماعية والحياتية، والمسببات والمحفزات التي تقود إلى الوقوع فيها، والخروج ببعض التوصيات لعلاج الآثار السلبية التي تصيب المجتمع وأفراده جراء مثل هذه المشكلات، ومن هذه البرامج "سيرة وانفتحت"، الذي يستقطب نسبة مشاهدة عالية جدا، بسبب طرحه الجريء وتناوله الخلل في المجتمع بعين صحفية فاحصة، معتمدا أسلوب النقد الذاتي، والحديث عن الذات قبل التعرض للآخرين، فالبرنامج يقوم على مهنية وحرفية عالية، معيارها النقد للذات، وليس على إلقاء التهجم على الآخرين، وهو يسلط الضوء على مشكلات المجتمع المحلي، بصورة جريئة دون اعتبار لحساسيات العيب والخجل، ومن ذلك تناوله جرائم الانحراف الجنسي، واغتصاب المحارم، وإدمان المخدرات... إلخ.

وقد برزت بقوة نوعية أخرى من برامج الحوار، التي يمكن تصنيفها على أنها برامج حوارية ثقافية فنية منوعة، ومن ذلك برامج "خليك في البيت"، و"لمن يجرؤ" وهي برامج بحسب كل المعايير ذات نسب مشاهدة صارخة، وعائداتها من الاتصالات والمشاهدة هي الأعلى على الإطلاق. وهذه البرامج ذات طابع ترفيهي تثقيفي في آن معاً، وغالبية الضيوف فيها، من قادة أو رموز الحركات الثقافية والفنية، من شعراء وأدباء وفنانين ومطربين، تتم محاورتهم بأساليب تتراوح بين الاستفزاز والاستعداء، وإعطائهم الحق في الرد على ما يقال بحقهم، وقد أثبتت هذه النوعية من البرامج، أنها الأكثر رواجا من حيث نسب المشاهدة، وأنها ستكون في المستقبل البرامج الحوارية التي "لا يشق لها غبار".

*الوطن

التعليقات