تحفظات على هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية

تحفظات على هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية
غزة-دنيا الوطن

رأى نواب ومحللون فلسطينيون أن "هيئة الكسب غير المشروع" التي شكلها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بهدف محاربة الفساد في مؤسسات السلطة لن تتمكن من أداء مهامها دون عدة ضوابط من أهمها وجود جهاز قضائي قوي وفعال.

وقالوا في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" السبت 18-6-2005: إن تحديد المفاهيم وخاصة مفهوم الفساد ووضع الضوابط التشريعية ووجود نظام قضائي قوي هي شروط لازمة لنجاح عمل الهيئة التي يرأسها نائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني.

وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد قرر يوم 11-6-2005 تعيين النائب إبراهيم أبو النجا وزير الزراعة السابق، رئيسا للهيئة. ولم يتطرق قرار عباس للصلاحيات التي تتمتع بها الهيئة أو آليات العمل التي تحقق لها النجاح في أداء مهامها.

وتعهد أبو النجا بمحاسبة أي مسئول فلسطيني يثبت تورطه في قضايا فساد وكسب غير مشروع. وأوضح أنه سيباشر عمله فور نيله الثقة من المجلس التشريعي، وأن الخطوة الأولى في مسيرة "هيئة الكسب غير المشروع" ستكون مطالبة كل من يخضع لقانون الكسب غير المشروع تقديم الذمة المالية للهيئة المستقلة ماليا وإداريا.

ويتيح قانون الكسب غير المشروع استجواب أي مسئول فلسطيني وبأثر رجعي منذ قيام السلطة عام 1994.

مستقلة إداريا وماليا

وقال أبو النجا إن الهيئة مستقلة إداريا وماليا ولها صلاحية مساءلة أي سياسي أو مسئول وستكون معنية بالذمة المالية لكل موظفي السلطة الفلسطينية وكل ما لديهم من مكتسبات ومنقولات وعقارات عليهم إثباتها، وإذا ثبت أن هناك مخالفات أو شيئا غير دقيق أو كسبا غير مشروع فانه يتم تحويل هذا الشخص إلى النيابة العامة.

وكي تمارس الهيئة عملها رسميا يلزم أن يوجه عباس رسالة بهذا الشأن إلى رئيس المجلس التشريعي الذي بدوره يدعو إلي اجتماع للمجلس يتم فيه منح الثقة لرئيس الهيئة.

رسالة للخارج



وأعرب الدكتور حسن خريشة نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عن أمله في أن يكون تشكيل الهيئة خطوة جادة باتجاه تفعيل قانون الكسب غير المشروع.

لكنه اعتبر أن "قرار تشكيل اللجنة هو رسالة للخارج أكثر من الداخل لأن طريقة الاختيار لم تكن سليمة، حيث كان يجب أن يطلب من رئيس الهيئة المكلف الاستقالة من عضوية التشريعي، وتقديم ذمم مالية للمسئولين".

وحجبت بعض الهيئات الأجنبية مساعداتها للسلطة بسبب مزاعم الفساد.

وأضاف خريشة: "قبل تعيين الشخص المسئول عن هذا الموضوع يجب أن تسبقه إجراءات حقيقية؛ منها أن يكون لدينا نيابة عامة قادرة حتى تحيل لها الملفات، وقضاء فلسطيني مستقل قادر على جلب الحقوق. هذان الشرطان غير متوفرين حتى اللحظة".

ورأى خريشة أنه "في ظل عدم وجود قضاء حقيقي قادر على جلب الحقوق وعدم وجود نيابة عامة قوية. أعتقد أن هذه تبقى خطوة ترقيعية ليس إلا".

كما انتقد ترشيح عباس لنائب كرئيس للهيئة دون أن يتحدث عن ضرورة استقالة هذا النائب من المجلس التشريعي تنفيذا للبرنامج الإصلاحي للمجلس الذي يحظر تولي النواب أي منصب رسمي.

وقال خريشة: "عندما نتحدث عن هيئة الكسب غير المشروع، فإننا نتحدث عن فتح ملفات كبيرة أجلت لسنوات طويلة، وحسب القانون فإن الكسب غير المشروع يسرى بأثر رجعي أي منذ بداية تأسيس السلطة عام 1994".

وأضاف: "مطلوب من كل المسئولين أن يقدموا إقرارات ذمة مالية حتى تستطيع أن تحاسبهم، ولا يجوز أن تحاسبهم على الذمة المالية الحالية. يجب أن نعرف ماذا كان لديهم سابقا، لأننا إذا حاسبنا الناس من الآن فصاعدا؛ فهذا معناه أن هناك محاولات لتبيض بعض الأموال".

مطالب بضوابط وضمانات

واعتبر "عدلي صادق" الكاتب والمحلل السياسي، عضو المجلس الثوري لفتح، أنه "لا يوجد هيئة حقيقية لمكافحة الفساد حتى الآن".

وأوضح أن فكرة هذه الهيئة كانت في وثيقة الإصلاح التي تقدم بها المجلس التشريعي عام 2002، معتبرا أن ما جرى حتى الآن هو "التحايل على المسألة لأن تشكيل الهيئة يكون حسب أصول يراعى فيها وجود كل العناصر المختصة والمشهود لها بالنزاهة في السلطة والمجتمع المدني وأن تكون أبعد مسافة عن السلطة التنفيذية".

وقال إنه لا يعتبر أن تسمية أبو النجا رئيسا لهذه الهيئة إنجازا، "لأن المسألة ليس فقط تسمية رئيس لها؛ المفروض أن يكون هناك هيئة ومختصون".

وأوضح قائلا: "نفهم أن يكون أبو النجا سقفا تشريعيا أو سياسيا لهذه الهيئة. لكن لا نفهم أن يكون هو وحده من يمثل الهيئة. لا بد من وجود مجلس للهيئة من الاختصاصيين القادرين على التعاطي مع المسائل والجوانب التي يضرب فيها الفساد أطنابه".

وحذر من أن ضعف القضاء سيعيق عمل الهيئة، وطالب بتوحيد المؤسسة القضائية، وإبعادها أكثر عن السلطة التنفيذية وبتشريعات واضحة.

وقال صادق:" القضاء يتلازم مع قضية مكافحة الفساد، لأن قضايا فساد كثيرة موجودة لدى النيابة لم تتوافر لها الوسائل القانونية ولا الوسائل الأمنية التي تبت فيها وتحسم".

وكشف عضو المجلس الثوري لفتح أنه سلم الرئيس عباس عدة ملفات تتعلق بفساد بعض المسئولين وقال: سألت الرئيس عنها؛ فأخبرني أن لديه لجنة تبحث في كل الملفات كي تحيلها للنيابة".

وأضاف: "ذكرنا له بعض الأسماء، وطلبنا منه أن يرفع الغطاء الشرعي عنها، كي تتهاوى من تلقاء نفسها، فأجابني: (أحتاج إلى ملفات وأي ملف يصلني مستعد أن أحوله للنيابة)".

تحديد المفاهيم

ورأى أشرف العجرمي الكاتب والمحلل السياسي من غزة أن مكافحة الفساد "مسألة ليست هينة وتحتاج لجهد كبير جدا لأن الموضوع مرتبط بتحديد مفهوم الفساد".

وقال: "هناك وجهات نظر عديدة في تعريف الفساد في بلادنا، فالبعض لا يرى أن بعض المسئولين فاسدون لأنهم حصلوا على الأموال عبر رسائل رسمية من مؤسسة الرئاسة، وهناك من يرى أن المال إن لم يكن ناتجا عن عمل مشروع، فهو مال مسروق.. فيجب تحديد ما هو الكسب غير المشروع قبل أن تبدأ الهيئة عملها".

وأضاف: لا نريد استباق الأمور فلننتظر حتى نرى كيف يمكن للجهاز القضائي والشرطة متابعة قضايا الفساد ومساعدة هذه الهيئة.

لكنه نبه إلى مشكلة كبيرة تعترض عمل القضاء الفلسطيني، قائلا: إن"السلطة القضائية تخضع للابتزاز والتهديد، وأحيانا التدخل من السلطة التنفيذية خاصة الأجهزة الأمنية بشكل أساسي والعائلات وغير ذلك".

التعليقات