أخطر ما في الصورة السينمائية هو ما نطلق عليه تعبير التأثير النائم بقلم: تيسير مشارقة

ملاحظات حول السينما الفلسطينية
(لا بد منها: من أجل الفن)
بقلم تيسير مشارقة
السينما الفلسطينية في التسعينات أصبحت سينما مجتمع فلسطيني ، وكان رائد السينما الواقعية المجتمعية بامتياز المخرج حنا الياس. والسلطة الوطنية الفلسطينية غير قادرة ضمن إمكاناتها المالية المتاحة على دعم سينما فلسطينية وطنية. وفي الوقت التي تظل فيه السينما الفلسطينية حائرة ما بين التمويل والهوية الوطنية؛ لا يمكن إعفاء السينمائيين الفلسطينيين من اللآئمة، لأنهم تخاذلوا عن توجيه اللوم للقائمين على الثقافة الفلسطينية بضرورة كشف الغطاء ومنح قطاع السينما دعماً كافياً لنشوء أو تطوّر سينما فلسطينية حقيقية، بعيداً عن عملية الاسترزاق السينمائي التسوّلي الذي يكاد يخزي ويحرج السينمائيين الفلسطينيين. فالسينمائي الفلسطيني ينهل من مصادر التمويل المختلفة وأحياناً يقع في ورطة الأجندات التمويلية المختلفة. ولكن وبالمراس تعوّد السينمائي أن يجد منفذا من شباك تلك الأجندات المتعددة التي يخضع لها الشعب الفلسطيني بمستوياته المتعددة. السينما الفلسطينية بدأت تتحرر من إشكالية الهوية المرتبطة بالتمويل. فصار أي تمويل ينهض بسينما فلسطينية الهوية .وخلاصة جدل الهوية والتمويل، أن مرحلة "الفن من أجل الفن" (في فلسطين وغيرها) لا يمكن أن تتكرس أو تظهر إلا في مجتمع له موارده الغنية وفي ظل وجود أكاديميات ومدارس سينمائية تجريبية وفي ظل رفاه وحياة هادئة.
لا نقاد و سينما "دوغما" فلسطينية
هناك تقصير إعلامي فلسطيني كبير، مع وضع خط عريض تحت كلمة "تقصير"، في متابعة الشأن السينمائي الوطني. ويمكن للباحث أو الناقد أن يتحدّث عن تطوّر نظري ووجود "مدرسة فلسطينية" في السينما لها خصائصها الفكرية والأسلوبية والتمويلية. فالفلسطينيون يصنعون سينما سريعة الخطى شبيهة بسينما الدوغما الأوروبية أو الاسكندنافية.وهذه السينما أقرب ما تكون بالتجريبية وتفتقر للقواعد الكلاسيكية في الإخراج والمونتاج. وما زال قطاع السينما الفلسطيني يفتقر للناقد السينمائي المتخصص الفلسطيني. كما أن المحطات التلفزيونية الفضائية والأرضية الفلسطينية تتعفف من بث وعرض أفلام فلسطينية حديثة أو تخصيص برامج متخصصة في السينما باعتبار هذا الحقل ليس مهماً وليس أولوية على أجندة القائمين على الإعلام والسياسة.
السينمائي الفلسطيني تحرر من الثوري
بالامكان فهم التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني بدراسة مستفيضة وعلمية وحثيثة للفيلم الفلسطيني.فبالفيلم الفلسطيني نستطيع أن نفسر العلائق المجتمعية في مجتمع متحوّل ووتيرة الأحداث تسير بين جنباته وداخله بعجالة هائلة. وبعد بيروت خرجت السينما الفلسطينية من تحت عباءة الثورة، أو لنقل إنها تحررت من سطوة الثوري.. ودخلت في مرحلة رومانسية مجتمعية جديدة، بحثاً عن ملاذ مجتمعي آخر غير مجتمع الثورة.. وفي ذلك تطوّر انثروبولوجي هام. كسرت السينما الفلسطينية الحديثة وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية قاعدة النمطية . فلم يعد الفيلم الفلسطيني المقاوم والمسيّس هو الطاغي.
تأقلم قسري لسينما مجتمعية
السينما الفلسطينية داخل الوطن المحتل كان لها أزمتها الإحتلالية ممثلة بقيود وشروط المحتل ولجأ العديد من السينمائيين لتغيير عناوين أفلامهم لتمريرها من تحت مقص الرقيب الإسرائيلي (وحتى العربي..لاحقاً). أما السينما الفلسطينية في المنافي والمهاجر فقد تحررت وبقيت خاضعة لشروط الفكرة والتمويل الأجنبي. السينما الفلسطينية ظلت أسيرة الأيديولوجيا والتمويل حتى ظهور السلطة الوطنية الفلسطينية الذي شكل منعطفاً تاريخيا لبدء ظهور سينما من نوع آخر "سينما فلسطينية" مجتمعية .
لغة السينما وبلاغة المشهد في العتمة
(الفيلم السينمائي) الذي يعرض في قاعة معتمة ويكون المشاهد فيها وحيداً بالرغم من أن الناس تجلس حواليه، يكون تأثيره أعظم وأقوى من مشاهدة نفس الفيلم السينمائي من شاشة فضية صغيرة منزلية تلفزيونية في غرفة مضاءة وسط جمهور متعدد المستويات من الناحية التصنيفية المجتمعية.السينما تحتمل الأفكار الواضحة والمواربة، وهناك اللغة البصرية ولغة الصورة السينمائية ذات التأثيرات المتعددة ، السلوكية والمعرفية والعاطفية (الوجدانية / النفسية). صحيح أن الفيلم يخطفك من أشغالك ويسرقك من همومك ويجعلك في حالة استرخاء ولكنه في نفس الوقت يرسلك في عوالم أخرى فانتازية ، وإلى ما ورائيات الصور المرئية، بحيث يجعل تأثيرها يتسلل إلى ذاتك وقلبك وعقلك في حالة استرخاء وعلى حين غفوة.
أخطر ما في الصورة السينمائية هو ما نطلق عليه تعبير "التأثير النائم"، فالصورة في بعدها الأول لا تتكلم شيئاً أحياناً: (مشهد سير سيارة بسرعة ما على طريق )، ولكن الصورة في بعدها الثاني والثالث (الواعي ـ المخطط له، واللاواعي ـ غير المخطط له) هي التي تتسلل إليك وتنطبع بشكل لا واع وخلسة وتنويمياً في عقلك ونفسك:(منظر إعلانات سجائر في خلفية السيارة التي تسير بسرعة ما عل الطريق).خلفيات الصور يكون تأثيرها أحياناً أبلغ وأكثر قوة من تأثير الصور ذاتها. ومن ذلك ما زالت هوليود تسيطر على الأذهان والعقول وهي التي تقدم لنا تصوراتناعن الواقع، وتجعلنا نخضع للواقع. فمثلاً ، كيف يمكن أن نقنع الأسود أو الملون الهندي بعدم تفوق الأبيض عليه عقليا وسياسياً وثقافة، طالما السينما كرّست لنا ذلك بفعل السينما المهليدة(من هوليود).أمام هذا الواقع الفكري والنظري ، ينبغي على السينمائيين الفلسطينيين، تدارك وعي لغة السينما بتداعياتها ومدارسها لصياغة جملة سينمائية فلسطينية من لون خاص.
(لا بد منها: من أجل الفن)
بقلم تيسير مشارقة
السينما الفلسطينية في التسعينات أصبحت سينما مجتمع فلسطيني ، وكان رائد السينما الواقعية المجتمعية بامتياز المخرج حنا الياس. والسلطة الوطنية الفلسطينية غير قادرة ضمن إمكاناتها المالية المتاحة على دعم سينما فلسطينية وطنية. وفي الوقت التي تظل فيه السينما الفلسطينية حائرة ما بين التمويل والهوية الوطنية؛ لا يمكن إعفاء السينمائيين الفلسطينيين من اللآئمة، لأنهم تخاذلوا عن توجيه اللوم للقائمين على الثقافة الفلسطينية بضرورة كشف الغطاء ومنح قطاع السينما دعماً كافياً لنشوء أو تطوّر سينما فلسطينية حقيقية، بعيداً عن عملية الاسترزاق السينمائي التسوّلي الذي يكاد يخزي ويحرج السينمائيين الفلسطينيين. فالسينمائي الفلسطيني ينهل من مصادر التمويل المختلفة وأحياناً يقع في ورطة الأجندات التمويلية المختلفة. ولكن وبالمراس تعوّد السينمائي أن يجد منفذا من شباك تلك الأجندات المتعددة التي يخضع لها الشعب الفلسطيني بمستوياته المتعددة. السينما الفلسطينية بدأت تتحرر من إشكالية الهوية المرتبطة بالتمويل. فصار أي تمويل ينهض بسينما فلسطينية الهوية .وخلاصة جدل الهوية والتمويل، أن مرحلة "الفن من أجل الفن" (في فلسطين وغيرها) لا يمكن أن تتكرس أو تظهر إلا في مجتمع له موارده الغنية وفي ظل وجود أكاديميات ومدارس سينمائية تجريبية وفي ظل رفاه وحياة هادئة.
لا نقاد و سينما "دوغما" فلسطينية
هناك تقصير إعلامي فلسطيني كبير، مع وضع خط عريض تحت كلمة "تقصير"، في متابعة الشأن السينمائي الوطني. ويمكن للباحث أو الناقد أن يتحدّث عن تطوّر نظري ووجود "مدرسة فلسطينية" في السينما لها خصائصها الفكرية والأسلوبية والتمويلية. فالفلسطينيون يصنعون سينما سريعة الخطى شبيهة بسينما الدوغما الأوروبية أو الاسكندنافية.وهذه السينما أقرب ما تكون بالتجريبية وتفتقر للقواعد الكلاسيكية في الإخراج والمونتاج. وما زال قطاع السينما الفلسطيني يفتقر للناقد السينمائي المتخصص الفلسطيني. كما أن المحطات التلفزيونية الفضائية والأرضية الفلسطينية تتعفف من بث وعرض أفلام فلسطينية حديثة أو تخصيص برامج متخصصة في السينما باعتبار هذا الحقل ليس مهماً وليس أولوية على أجندة القائمين على الإعلام والسياسة.
السينمائي الفلسطيني تحرر من الثوري
بالامكان فهم التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني بدراسة مستفيضة وعلمية وحثيثة للفيلم الفلسطيني.فبالفيلم الفلسطيني نستطيع أن نفسر العلائق المجتمعية في مجتمع متحوّل ووتيرة الأحداث تسير بين جنباته وداخله بعجالة هائلة. وبعد بيروت خرجت السينما الفلسطينية من تحت عباءة الثورة، أو لنقل إنها تحررت من سطوة الثوري.. ودخلت في مرحلة رومانسية مجتمعية جديدة، بحثاً عن ملاذ مجتمعي آخر غير مجتمع الثورة.. وفي ذلك تطوّر انثروبولوجي هام. كسرت السينما الفلسطينية الحديثة وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية قاعدة النمطية . فلم يعد الفيلم الفلسطيني المقاوم والمسيّس هو الطاغي.
تأقلم قسري لسينما مجتمعية
السينما الفلسطينية داخل الوطن المحتل كان لها أزمتها الإحتلالية ممثلة بقيود وشروط المحتل ولجأ العديد من السينمائيين لتغيير عناوين أفلامهم لتمريرها من تحت مقص الرقيب الإسرائيلي (وحتى العربي..لاحقاً). أما السينما الفلسطينية في المنافي والمهاجر فقد تحررت وبقيت خاضعة لشروط الفكرة والتمويل الأجنبي. السينما الفلسطينية ظلت أسيرة الأيديولوجيا والتمويل حتى ظهور السلطة الوطنية الفلسطينية الذي شكل منعطفاً تاريخيا لبدء ظهور سينما من نوع آخر "سينما فلسطينية" مجتمعية .
لغة السينما وبلاغة المشهد في العتمة
(الفيلم السينمائي) الذي يعرض في قاعة معتمة ويكون المشاهد فيها وحيداً بالرغم من أن الناس تجلس حواليه، يكون تأثيره أعظم وأقوى من مشاهدة نفس الفيلم السينمائي من شاشة فضية صغيرة منزلية تلفزيونية في غرفة مضاءة وسط جمهور متعدد المستويات من الناحية التصنيفية المجتمعية.السينما تحتمل الأفكار الواضحة والمواربة، وهناك اللغة البصرية ولغة الصورة السينمائية ذات التأثيرات المتعددة ، السلوكية والمعرفية والعاطفية (الوجدانية / النفسية). صحيح أن الفيلم يخطفك من أشغالك ويسرقك من همومك ويجعلك في حالة استرخاء ولكنه في نفس الوقت يرسلك في عوالم أخرى فانتازية ، وإلى ما ورائيات الصور المرئية، بحيث يجعل تأثيرها يتسلل إلى ذاتك وقلبك وعقلك في حالة استرخاء وعلى حين غفوة.
أخطر ما في الصورة السينمائية هو ما نطلق عليه تعبير "التأثير النائم"، فالصورة في بعدها الأول لا تتكلم شيئاً أحياناً: (مشهد سير سيارة بسرعة ما على طريق )، ولكن الصورة في بعدها الثاني والثالث (الواعي ـ المخطط له، واللاواعي ـ غير المخطط له) هي التي تتسلل إليك وتنطبع بشكل لا واع وخلسة وتنويمياً في عقلك ونفسك:(منظر إعلانات سجائر في خلفية السيارة التي تسير بسرعة ما عل الطريق).خلفيات الصور يكون تأثيرها أحياناً أبلغ وأكثر قوة من تأثير الصور ذاتها. ومن ذلك ما زالت هوليود تسيطر على الأذهان والعقول وهي التي تقدم لنا تصوراتناعن الواقع، وتجعلنا نخضع للواقع. فمثلاً ، كيف يمكن أن نقنع الأسود أو الملون الهندي بعدم تفوق الأبيض عليه عقليا وسياسياً وثقافة، طالما السينما كرّست لنا ذلك بفعل السينما المهليدة(من هوليود).أمام هذا الواقع الفكري والنظري ، ينبغي على السينمائيين الفلسطينيين، تدارك وعي لغة السينما بتداعياتها ومدارسها لصياغة جملة سينمائية فلسطينية من لون خاص.
التعليقات