تحنيط الفنانات المحجبات

تحنيط الفنانات المحجبات
تحنيط الفنانات المحجبات!

وسام كمال



عندما أراد المخرج السينمائي العالمي المعروف جان لوك التعبير عن إعجابه بإبداع المخرجة الإيرانية سميرة مخمالياف الفائزة بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان "كان" لعام 1998 قام بإهدائها حجابا؛ وكان تعليقها على الهدية بأن السيد لوك يعلم أنني مسلمة أرتدي حجابا لم يمنعني من الإبداع!.

إذن ليس بين الحجاب والإبداع علاقة عكسية؛ إنما الأمر يتصل في الأول والآخر بمن ترتديه؛ وهل لديها الرغبة في أن يكون لها بصمة.. ليس فقط أن تكون شاهدة على عصرية الإسلام وعدم تحريمه التمثيل، أو أن تعتقد أن وجودها في التمثيل هو بالأساس لتكون قدوة لمشاهداتها من الفتيات المبهورات بشاشة الكاميرا.

تصدير صورة القدوة!

للوهلة الأولى أدركت أن ميرنا المهندس (ارتدت الحجاب وخلعته بعد فترة مؤكدة على أنها تعجلت ولم تفكر جيدا) لن تكمل المشوار، تأكد لي ذلك بعد الحديث الفضائي الذي أجرته لقناة النيل للمنوعات عقب ارتدائها الحجاب مباشرة؛ إذ أكدت على أنها وافقت على إجراء حوار تليفزيوني لتوجه رسالة لغير المحجبات باعتبارها قدوة لهن لكي يقدمن على نفس الخطوة.

علمت من إقدام ميرنا على التحدث بهذا الشكل أنها ستخلع الحجاب حتما وتتراجع للوراء؛ لأنها ببساطة نصبت نفسها قدوة دون أن يكون لها رصيد كاف من الالتزام والعلم الديني الذي يحصنها من التذبذب.. وبالفعل خلعت ميرنا الحجاب ووجدت نفسها غير قادرة على الخوض في مثل هذا الطريق.

الحدوتة المكررة أن أي بنت تلتزم للمرة الأولى في غير أسرة ملتزمة دينيا؛ تتشدد جدا وتحاول أن تقوم بأي إجراء شكلي لتقول لنفسها وللعالم كله (يا ناس ها أنا على طريق الله).. ولكن التدرج يحمي الإنسان من الرجوع للوراء مرة أخرى.. فكل خطوة يخطوها بثبات تمكنه من المضي نحو ما يريد.

التزام الفنانات والحجاب



لا أعنى بذلك أن الحجاب الدليل الوحيد للالتزام.. ولكن من الطبيعي الربط بين الحجاب والالتزام؛ وهذا ما حدث مع عبير صبري.. فالكل توقع أنها سوف ترتدي الحجاب بعد حرصها على الصلاة في وقتها -حتى في وقت العمل- وحضور الدروس الدينية.. والآن هناك القيل والقال حول إمكانية أن ترتدي وفاء عامر الحجاب هي الأخرى؛ لأنها توقفت عن تقبيل زملائها من الرجال؛ وبدأت تتردد على حلقات العلم.

وامتدادا لهذا التصور؛ يعجبني إلى حد كبير نموذج الفنانة عفاف شعيب؛ لأنها كانت فنانة ملتزمة قبل الحجاب وتحسن انتقاء أدوارها وتتحشم في ملابسها؛ وهذا ما سهّل التزامها.. لذلك فهي لم تتشدد بعد الالتزام بل عددت من أدوارها الفنية، وتضع ما يحتاجه الدور من ماكياج.. ولا أعني بذلك أنني مع وضعها لماكياج واضح وزائد عن الحد؛ ولكني أحترم فيها خطواتها الثابتة؛ وعدم قلبها لحياتها 180 درجة بقرارات التزام عشوائية.. فهي نجمة على طول الخط وكفى دفؤها في مسلسل رأفت الهجان.

ولا بد أيضا من الإشارة لمنى عبد الغنى وبساطتها بدون ماكياج.. وثقتها بنفسها واعتدالها في الالتزام ووجهها البشوش الذي يفيض بالنور؛ وملابسها الفضفاضة الأنيقة.. ولكني آخذ عليها وعلى بقية زميلاتها من الفنانات المحجبات الطريقة التي وضعن بها أنفسهن في خانة "اليك" وتحنيط فنهن داخل الحجاب مقتصرات على تمثيل الأدوار الدينية وتقديم البرامج الدينية؛ متناسيات أن للفن دورا في خدمة المجتمع، وخدمة المجتمع جزء لا يتجزأ من خدمة الدين.

فالبعض اعترض على أن يقوم ممثل مثل أحمد الفيشاوي بعد التزامه بتصوير إعلان يرقص ويغني فيه.. فمن الذي أفتى بأن المتدين لا يغني ولا يرقص ولا يضحك في إطار يرضي الله؟ فلماذا لا تمثل الممثلة المحجبة دور الفتاة الجامعية التي تعشق زميلها؟ أليس ذلك يحدث في الواقع.. فكثير من الجامعيات محجبات ولبعضهن تجارب عاطفية ليس لأحد أن ينكرها.

لا للشهرة!

نقطة أخرى أود إثارتها تعليقا على كلام منى عبد الغني الذي ذكرت فيه: "لا يوجد عندي أي حنين للكاميرا كما يقولون؛ فحنيني الوحيد هو لإرضاء الله سبحانه وتعالى، والتمثيل كما أكد علماء الإسلام حلاله حلال وحرامه حرام بما يقدم من خلاله، وأنا عندما اشتركت في مسلسل ابن ماجة قدمت دورا دينيا، وعندما قررت العمل كمذيعة قدمت برنامجا دينيا".

السؤال هو: لماذا تحاول الفنانات المحجبات دوما نفي أي رغبة لديهن في الشهرة والحنين إلى الكاميرا؟ هل حب الشهرة والتميز يغضب الله عز وجل؟! أليس من حق كل إنسان أيا كان أن يطمح في التفوق على زملائه؟ أم أن هذا المطلب حكر على غير المحجبات.. وعلى الفنانات المحجبات تحري النية في تمثيلهن؟ فإذا رأت إحداهن في أنها تريد أن تحسن في عملها ويعلي الله نجمها في مجالها (التمثيل)؛ فلتذهب إلى الجحيم؟ ولكن إن رأت في نفسها جوهرة الإسلام وقدوة للباغيات وفلتة عصرها وتعمل فقط لوجه الدعوة وخدمة الدين فلها أجرها حتى وإن لم تفقه في الإبداع والتمثيل.. فعلينا أن نتحملها بنواياها الطيبة!

*اسلام اون لاين

التعليقات