حجاب الفنانات.. قراءة في وقائع أخيرة

حجاب الفنانات.. قراءة في وقائع أخيرة
حجاب الفنانات.. قراءة في وقائع أخيرة

وسام كمال



كل يوم قول جديد وحادثة تتناقلها الألسنة بشأن الفنانات المحجبات.. فلانة ارتدت الحجاب، وأخرى عادت للفن. وكأنه لا توجد في الفن إشكالية سواهن. قد أكون على صواب، وقد أكون متحاملة، لكن أظن أن بعض الضيق سيتسرب من بين سطوري لقارئ القصص الأربع التالية.

خروج

نادية هلا.. اسم غير ذي شهرة واسعة في الوسط الفني. هي الفتاة الموديل للفيديو الكليب "قال إيه" للمطرب حمادة هلال، وإحدى بطلات مسلسل "ملك روحي". ربما يكون السبب في عدم ذيوع صيتها قصر الفترة التي عملت فيها في الفن، وقد يكون لانسحابها المبكر منه قبل أن تترك بصمة تجعل هواة اللطم والتصفيق لـ"تحجب" الفنانات يفعلون معها السيناريو ذاته.

رأيتها تصلي في مسجد كلية الإعلام بجامعة القاهرة -تدرس في الفرقة الثانية- ترتدي النقاب والإسدال الأسود، تسجد في خشوع، تدعو زميلة لها أن ترجع لسالف ملابسها الفضفاضة.

قالت لي صديقة: "هذه نادية هلا، لاحظتها أكثر من مرة، كانت قبل الحجاب غير مبتذلة بقواعد زمننا الحالي".

ولقد استعجبت جدا من مظهرها بعد الحجاب، رفضت فكرة إجراء حوار معها، أبت أن تصير بعد حجابها في إطار الشهرة، يبدو أنها خافت على نفسها أن ترتد في قرارها؛ أو أن يأخذ هذا من رصيد إخلاصها.. كان الله في عونها.

هذه النقلة ليست وحدها في الوسط الفني، كما خرجت هي سريعا وسحبت نفسها هروبا من وسط يعج بكسر الأطر الاجتماعية والأخلاقية والدينية.. ارتدت معها الحجاب مؤخرا فنانة أشهر من "نار على علم" كما يقولون، وهي عبلة كامل، قبل تصوير فيلم مقرر عرضه صيفا، تجر معها كمًّا لا بأس به من الاستفهامات.

لم تجر حوارات صحفية كمثيلاتها من فنانات المحجبات؛ ربما لأنها من الأساس لا تجري حوارات صحفية إلا لعدد محدود جدا من الصحفيين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، أو لأنها لا تهوى الحديث بل تعشق العمل والاجتهاد وتدع الآخرين يتحدثون عنها ولا تبالي هي إلا بما تقتنع.

ولكن هناك سببا لا يمكن تجاوزه في مسألة عدم تعليق عبلة على الحجاب إلا بقولها: "أشعر بتأنيب الضمير" على حياتها قبل الحجاب، وهو طلاقها من الفنان محمود الجندي بعد زواج لم يدم أكثر من عامين، وهو الخبر الذي أصاب الجميع بالدهشة لسبب منطقي أن يتزامن طلاقهما مع التزامها، خاصة أن الجندي من الفنانين المشغولين بالدعوة الإسلامية، وكان التوقع بأن يكون الحجاب بتأثر من زوجها، أو على أقل تقدير يكون سببا في التقريب بينهما على المستوى الروحي بعدما انسجما على المستوى الإيماني.

لم تقل عبلة شيئا عن الاعتزال بل على العكس اتخذت قرار حجابها قبل تصوير فيلمها "سيد العاطفي" -صورته كاملا بحجابها- وقالت إنه ليس لديها مانع في العمل بما يتلاءم مع التغيير الجديد.

عبلة فنانة لا غبار عليها.. الكل يشهد بتميزها وتلقائيتها وحشمتها في الملابس والمعاملات والماكياج نفسه لا تقرب منه اللهم إلا نادرا، وغالبا ما يكون على سبيل الدعابة والإضحاك كما كان في "اللمبي". ولم يهاجمها إلا "نقاد النواح على الأطلال" بسبب دخولها في زمرة الأفلام الكوميدية التي أصروا على أنها الأتفه في تاريخ السينما المصرية دون أن يجتهدوا في تبرير وصولها لأعلى الإيرادات.

عودة

عبير الشرقاوي ابنة المخرج المعروف جلال الشرقاوي عادت إلينا بكاميرا تليفزيونية بعد غياب فترة الاعتزال المؤقتة التي أعقبت حجابها؛ حيث أكدت في حوارها مع صحيفة الاتحاد أنها عادت "مستندة إلى آراء فقهية" -وهي جملة أحسبها تحمل المنطق التبريري- ونفت تماما أن يكون والدها السبب في عودتها، بل على العكس فقد نصحها بالرجوع للفقهاء قبل الإقدام على أي خطوة حتى لا تندم مستقبلا وتلقى مصيرا لا يليق بها.

إقحام

كل ما سبق لا يعدو أن يكون تقليديا، لكن جديد الوسط الفني فيما يتعلق بالحجاب، جاء للأسف على يد المخرج شريف صبري صاحب بدعة "كليبات الرقص الشرقي لروبي"؛ فكان صاحب السبق في جذب موديل ترتدي حجابا من يدها ليدخلها على قناة ميلودي "وما أدراك بأغانيها".

احتار صبري كيف يخدم مطربا مثل هيثم سعيد -الحاصل على المركز التاسع في تصفيات سوبر ستار الماضية- الذي قرر أن يتبناه مؤخرا مع المنتج جمال مروان صاحب شركة ميلودي؛ فأحضر فتاة وألبسها حجابا على أحدث موضة وجينز "والذي منه"، وجعلها تتراقص على أنغام حبيبها المغني في منطقة مقطوعة، وهما يهتفان بكل حماس كي يتركهما الناس في حالهما "هما مالهم بينا ياليل"!.

بالطبع كان صنيعه الأخير مثارا للجدل بين الناس، أكثر من الجدل الذي صاحب روبي الفرعونية التي قدمها مؤخرا، ولكن تعليقه جاء هادئا في حوار لجريدة "عين" المصرية في عدد 14-4-2005: "لا أرى أي مبرر لما يقال؛ لأن ما وصلني من رد فعل تجاه هذا الكليب كان إيجابيا.. والناس مبسوطة به.. لأنني ببساطة لم أخترع فكرة التصوير من خيالي.. فهذا بالضبط ما يحدث في الشارع.. فعندما كنت أسير بسيارتي وأستمع إلى الأغنية لأبحث عن فكرة جديدة، شاهدت عشرات من الشباب والفتيات في نفس الموقف، ثم إنني لم أظهرهما في وضع سيئ، فإذا شاهدت الكليب جيدا فستلاحظ وجود دبل في أصابعهما"!!!!.

هذا ويمكن القول بأن صبري لم يجد ما يخلعه عن جسد روبي حتى يستأنف رحلته المثيرة على الكاميرا، ولكنه وجد في حجاب موديل هيثم سعيد ضالته المنشودة؛ فهناك عدد لا بأس به من المتدينين الجدد -وخاصة من الأثرياء- قد يرقى لهم ما أبداه شريف، وهناك أيضا المتحفظون على أعماله، والذين لن يبخلوا عليه باللعنات في كافة وسائل الإعلام. فصبري لم يقدم الحجاب كما يراد له، وإنما تاجر به لصالح نفسه وشهرته.

وقد سبق لصبري أن أخرج لروبي كافة أغانيها وفيلمها اليتيم الذي وجه له الجمهور صفعة لاذعة بعد أن خيب أمله في حجم الإيرادات المنتظر من فيلم لها أقل ما يوصف بأنه قد وضع بين أيدي عدة لجان لوضع تصور عن المشاهد التي يجب حذفها. وكعادة أبناء جلدتنا من المثقفين لم "يكسفوا" رغبته في توصيل "رسالته الإبداعية" بلغة الجسد العاري.



بعد أن عرضت قصص المحجبات الأربع التي وقعت أحداثها مؤخرا في الوسط الفني؛ فهل أستأذنكم في عرض ملاحظات قليلة عليها:

- إلى متى سنغالي من انشغالنا بالحديث عن أي فنانة ترتدي الحجاب، أليس من الأجدى أن نكتفي بنشر الخبر دون الإسهاب في الحوارات والتحليلات والتحقيقات. فلا أظن أن أحدا سيفلح بجعل حجاب الفنانة حدثا عظيما أو كارثة قومية. فلو كنت مكان فنانة إحداهن أعتقد أن بلبلة من نوع ما ستصيبني إذا ما تعرضت الأقلام والألسنة لحادث إيماني ما زال جنينا لم يلفظه رحم الثبات.

- أتصور أن هناك كارثة لم يفطن لها البعض، وهي أن الفنانات المحجبات كلهن كن متبرجات يسرن على التوليفة المطروحة في السينما والتليفزيون بدرجات مختلفة، لكن حادثا أهم لم يطرق باب التاريخ حتى الآن -في الدراما المصرية تحديدا- وهو دخول محجبة الوسط الفني بحجابها وشروطها وإبداعها؛ لذلك شعرت بالأسف لأن يكون فيديو كليب شريف صبري مستهلا للتجربة المنتظرة.

- خطر ببالي أن سؤال الاعتزال أصبح سخيفا بعد أن زاد عن حده؛ فأول ما يقال: هل ستعتزل؟ وكأن المنطق لدى بعض الإسلاميين أن الاعتزال للفنانة أتقى وأصلح لحالها.

أما بعض العلمانيين فيرون في بقائها عبئا على الفن، أو كما قال بعض الكتاب الصحفيين إن ظاهرة حجاب الفنانات مرض انتشر بينهن، وعلى الفن أن يتخلص منهن لا أن يضعن شروطا عليه. وينظر بعض العامة لذلك بمنطق الرغبة في التغيير لا بمنطق توقع التأثير: فماذا سيكون مظهر الفنانة المحجبة وتمثيلها بعد التمثيل؟ لأن الأمر لم يعد ذا تأثير يذكر. وإن كنت أرى أن الفنانات المحجبات يستطعن أن يؤثرن لو اتجهن لتشكيل لوبي يصر على أن تكون له بصمة.

- سؤال أخير أطرحه في خاتمتي على قناة الجزيرة، فقد أحترم عدم ضغط مسئولي القناة على المذيعة خديجة بن قنة لتترك القناة بعد حجابها، على أساس أنها احترمت رغبتها "الشخصية"، على حد تصريح خديجة. لكن يبقى السؤال: لماذا لم تدخل مذيعة محجبة أخرى مبنى الجزيرة؟ أم أن وجود خديجة يظل رمزا أكثر منه واقعا بأن للمذيعات المحجبات المتميزات مهنيا الفرصة في إثبات الوجود؟.

*اسلام اون لاين

التعليقات