البرلمانية الحامل لم تعد نكتة وملكات الجمال يغزين الفضائيات

البرلمانية الحامل لم تعد نكتة وملكات الجمال يغزين الفضائيات
البرلمانية الحامل لم تعد نكتة وملكات الجمال يغزين الفضائيات!

أنور القاسم

أخيرا.. فعل بخور العود الذي تنفق عليه النساء الخليجيات سنويا ما ينوف علي ملياري دولار، معجزته بطرد الارواح الشريرة والشياطين والجن عن كاهل المرأة الكويتية، التي حصلت علي حقوق سياسية مبعثرة، بعد جلسات تبخير واستحضار واستغابة وعقد ديوانيات وفتاوي اجتراحية.

لكن هذه الحلوي التاريخية يبدو أنها لم تثر حمية الفضائية الكويتية ولا شهية الفضائيات والتلفزات الخليجية، التي لاذت بالصمت. ولا أسال شهدها ريق البرامج الحوارية، المهمومة بأوضاع المرأة في حواري الهند وجبال التيبيت، وبرودة نساء الاسكيمو، فمر حدث الاسبوع الماضي كنسمة صيفية غير مدللة اعلاميا.

الفضائية الكويتية اكتفت بنقل تجمع عشرات من الناشطات والناشطين المؤيدين للحقوق السياسية للمرأة أمام مقر مجلس الامة وهن يحتفلن بنشوة نصر تأخر اربعة عقود. وعرضت المحطة قبسات خجولة هنا وهناك حول تاريخية هذا الحدث، واشادت بهذه المكرمة وجرأة الحراك الحكومي، الذي يأتي قبل زيارة رئيس الحكومة المرتقبة للولايات المتحدة. فيما آثرت المطربة الكويتية شمس ان تحتفل بطريقتها فطارت لبيروت وسجلت ألبوما بعنوان مظاهرة الخليجية .

واسترعت انتباهي مقابلات اجراها مراسل التلفزيون الكويتي في السعودية سفر الشعباني مع بعض السعوديات والسعوديين لاستطلاع آرائهم حول هذا النصر، فتناقضت ردودهم بين مهنئ حار، وناقد بارد، بينما رأي احد المسؤولين انه شأن كويتي داخلي محض. هذا رغم بروز توجه حكومي سعودي بتدوير عجلة المرأة المقفلة.

وسائط الاعلام السعودية بدورها عكفت طوال الاسبوع الماضي علي استنطاق كتب التراث والفقه بحثا عن فتاوي تطوق نيل الشقيقات لحقوقهن البرلمانية والشعبية، علي اعتبار أن الخطوة الكويتية ربما تكون محاكاة لاغنية اسمهان الكلام الك يا جارة .

واللافت ان اكثر من مقال وتعليق اعتبر ان المرأة السعودية محصنة حيال عدوي انتقال الديمقراطية الانثوية، وحملت احدي الصحف مقالا طويلا بعنوان شاوروهن وخالفوهن ، في مقاربة للمنع وتماشيا مع التراث القبلي القسري. فيما تجرأ مقال آخر علي وصف المرأة السعودية بأنها رهينة المحبسين.

فهل تبريد القضية اعلاميا، وتحديدا فضائيا، كان لاسقاط حمل التظاهرة الشرعي، أم لتبريد جو الاخصاب الديمقراطي، الذي ينتقل الي خدور النساء الخليجيات، بلدا اثر آخر؟

فكما هو معروف وحتي حصول التصويت التاريخي يوم الاثنين الماضي في الكويت كانت المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي الست المحافظة تستطيع الترشح والتصويت فقط في قطر وعمان والبحرين، كما ان حقوقهن السياسية مفرغة نسبيا، نظرا لان مسيرة الانفتاح في دول الخليج العربية، كغيرها من الدول العربية، اقرب الي تحرير الاقتصاد منها الي تحرير النظام السياسي.

وللحق رغم افتقار الكويتيات للحقوق السياسية الاساسية، الا انهن كن علي الدوام مالكات لحرياتهن الفردية ويتمتعن بحق الكلام والسفر والتملك واللباس والتعليم، والشؤون العامة ... والتسلط احيانا.

وقد اسقطن بنضالهن الدؤوب المقولة الكويتية الشهيرة بان وجود عضو حامل في مجلس الامة سيكون نكتة. ورحم الله العلامة ياسوناري كاواباتا الحاصل علي جائزة نوبل للآداب، فكم كان ليفرح لو شاهد المرأة الكويتية تحصل علي حقوقها، أليس هو القائل ان الوطن بدون مرجة حرة سجن وان الجمال الخالص يصنعة ثلاثة فقط: الاطفال والنساء والرجال المسنون.

فهنيئا للشقيقات الكويتيات. وتمنياتنا علي الاعلام ان ينتصر لحقهن في الممارسة السياسية ويكرمهن كما افاض في تكريم اترابهن من عجارم الغناء وهيافات العرض وروبيات الرقص، مع اختلاف الممارسة العلنية طبعا..

جمال موجود فن مش موجود

لم تفوت الفضائيات العربية، في حمي تنافسها، استخدام كل الاسلحة الانثوية الممكنة، بدءا بكشف المستور، تعريجا علي الغنج والدلع والظواهر من الامور، وليس انتهاء باستثمار بهاء ملكات الجمال لتسويق البرامج الفضائية، في ظاهرة عربية بجدارة.

فالجو مشحون بالمنافسة هذه الايام بين المحطات الخليجية علي شراء طلة ملكات جمال لبنان المحظوظات، اللواتي بتنا يحضين بالجمل بما حمل.

فقد جذب انتباهي في محطة ام بي سي برنامج تقدمه ملكة جمال لبنان جويل بحلق يدعي شي ستايل يعاقر بواطن الجمال ويجتهد بتقديم الزينة النسائية بالكثير من الجمال والعرض والتصنع والقليل من الاختصاص والمهنية.

بينما استعانت دبي علي قضاء حاجتها في المنافسة بالملكة دينا عازر لتقديم برنامج عن المرأة والزينة مجاراة للموجة، وتجميلا للشاشة، وأملا باقصاء اصابع المشاهدين عن ازرار الريموت كونترول.

ويتردد ان فضائية اخبارية خليجية تتعاقد حاليا مع ملكة جمال او وصيفتها لتزيين شاشتها المتجهمة.

ويبدو ان محطة ال بي سي اللبنانية نجحت في تسويق وبيع هذه الظاهرة، حينما مكنت نيكول بردويل من تقديم برنامج صانع النجوم واتبعتها بنورما نعوم حينما قدمت برنامج استوديو الفن. كما تحضر المحطة حاليا لبرنامج يدعي علي هواكم ستقدمه ملكة الجمال آلين وطفة. ولم تتخلف مواطنتها فضائية المستقبل التي استثمرت برقة الملكة السابقة رولي.

واللافت في أغلب برامج ملكات الجمال هذه تكريسها لمبدأ ان الجمال فقط هو جواز المرور للتلفزيون، مما يحرم ويقصي الكفاءات الحقيقية القادرة والموهوبة، والتي تثري قسمات الاعلام الفضائي. ودون التنبه ايضا لمحاذير افتقار هاته الجميلات لأي معين ثقافي او للغة ونطق سليمين، او حتي لاداء صوتي وحركي مقبول.

كما انه رغم الرعاية الفائقة والتدليل المفرط للملكات في الرواتب والمكافآت فوق وتحت الجارور، والاقامة والبذخ في توفير آخر صرعات التقديم والعرض واللباس والمكياج لهن، الا انهن بقين عاجزات عن تحقيق الشهرة والمنافسة المتوقعة منهن حتي مع وجوه المحطات السياسية الاخبارية ـ الذكورية منها والانثوية ـ فما هو السر يا تري؟ اتراه في ان عبوس المقدمين ورزانة المقدمات تغلبا علي تقصعات العارضات.. عند جهينة الخبر؟

عودة برلسكوني الي صباه

يتقافز رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني أمام عدسات المصورين هذه الايام كغزال هصور بين قطيع الايائل من سمان زعماء الدول الصناعية الثماني الكبري، الذين يستعدون لعقد مؤتمرهم السنوي في بريطانيا.

والسر في خفة أصلع ايطاليا الانيق، الذي باح به لمحطة بي بي سي ، أنه نجح مؤخرا باتباع نظام غذائي صارم وانقاص وزنه، وزرع شعر أسود لقرعته اللامعة ولشياب ذوائبه، ليس ذلك فحسب فالرجل الذي اخذ يكثف من ظهوره الاعلامي بعد نصيحة له بالانطواء لكثرة عثراته وشطحاته الكلامية، بدا رشيقا ومزهوا بعد ازالة تجاعيد وجهه بعملية جراحية، فغدا ثلاثينيا، حسب شعوره، بعد ان خصم ربع قرن من عمره البالغ 68 عاما.

وما اجمل ان يتشبث الانسان بالشباب الدائم وبهاء الطلعة، لكن الدهاء في ان يجير الزعماء السياسيون تلبية نزواتهم الخاصة جدا لمصلحة الامة والوطن، فبرلسكوني برر مظهره الجديد بأنه اظهار للاحترام لأولئك الذين يتوقعون منك أن تمثلهم علي الصعيدين الدولي والوطني. فيما يري معظم حكامنا العواجيز الذين يمثلون مجتمعات في غاية الشباب، ان بروز كروشهم وجاهة وخدرهم وخمولهم عن التحرك والاصلاح رصانة، وصباغة الشعور قمة التغيير ..

كاتب من أسرة القدس العربي

[email protected]

*القدس العربي

التعليقات