العالم السري لأبو مصعب الزرقاوي:تفاصيل رحلة الرجل الشبح من أفغانستان إلى العراق
غزة-دنيا الوطن
مرة أخرى يدفع العالم دفعا إلى البحث عن العالم السري لأبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي صار منذ يومين خبرا رئيسيا في وسائل الاعلام العالمية من فضائيات وصحافة ومواقع انترنتية، منذ نشر أحد هذه المواقع المنسوب للقاعدة بيان إصابته بأسلوب يوحي أنه بيان نعي وتأبين وهو ما اتفق عليه العديد من الأصوليين الإسلاميين.
الجدل استمر طوال يوم (الأربعاء 25/5/2005) وتجدد يوم (الخميس 25/6) مع خبر عاجل بثه موقع إسلامي على الانترنت عن قرار لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بتعيين "أبو حفص القرني نائبا للمجاهدين". وهو بيان تم تحليله على نطاق واسع أيضا بأن الزرقاوي أم قتل بالفعل أو أن إصابته خطيرة للغاية، خاصة أن هناك أنباء تحدثت عن نقله للعلاج في دولة مجاورة للعراق بواسطة طببيبين كانا معه، أحدهما من الجزيرة العربية.
بيان تعيين أبي حفص القرني، يشير عمليا إلى زيادة سطوة أعضاء التنظيم من السعودية، وربما انتقال التنظيم إلى مرحلة جديدة، هنا علينا أن نتوقع شرايين إقتصادية جديدة ودعما لوجستيا من عناصر للقاعدة في مناطق أخرى في العراق ربما لم تكن متوافقة تماما مع منهج الزرقاوي.
واقعيا وفي مناطق أخرى وليكن الشيشان نموذجا وقبل ذلك الجزائر، لا يمكن أن يؤخذ مقتل زعيم التنظيم على أنه النهاية لعمليات التنظيم العسكرية، فمع الخلفاء كانت تنتقل لشكل أكثر شراسة وتتمدد لتتصل بجماعات أخرى. وهذا قد يكون سبب تحفظ المسئولين الأميركيين بشأن إحتمالات مقتله أو بشأن التحليلات التي استيشرت أن يكون ذلك مؤشرا لقرب انتهاء عمليات المقاومة في العراق.
غموض اسطوري
العالم السري لأبي مصعب الزرقاوي لا يقل في غموضه إن لم يزد عن العالم السري لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فأبو مصعب يتمتع بصفات غامضة جعلته أشبه بالأسطورة، يتحرك منذ الغزو الأميركي للعراق داخل دولة لا تتمتع بنفس المواصفات الجغرافية الصعبة لأفغانستان، حيث المفترض أن بن لادن يختفي فيها، والأخير لم يتبن عملية واحدة منذ سقوط حركة طالبان، بينما تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يتبنى بشكل يكاد يكون يوميا، عمليات تتم ضد الأميركيين والأجانب وقوات الشرطة العراقية، حتى تلك التي يروح ضحيتها المدنيون، فيما لا يتوقف البحث الأمريكي عن الزرقاوي، وفي كل مرة يقول أمريكيون أو مسئولون أمنيون عراقيون أنه أفلت في اللحظات الأخيرة.
هذا العالم السري الغامض جعل بعض المراقبين والصحفيين يصفه بالرجل الشبح والأكذوبة الأمريكية التي يصدقها الآخرون، فعندما ضربوا مدينة الفلوجة باعتبارها مركزا له ومركزا للمقاومة، ودمروها من بيت إلى بيت، لم يعثروا له على أثر رغم أنهم حاصروا المدينة من كل الجهات.
وفي محاولة لإزاحة بعض الجوانب من هذا العالم السري نشرت صحيفة " الرأي العام" الكويتية معلومات نسبتها للضابط المصري السابق في القوات الخاصة " سيف العدل" المسئول الأمني في "جيش قاعدة الإسلام العالمي" وهو أيضا من كبار المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية، ورصد مبلغ 25 مليون دولار لمن يدلي بأية معلومات تقود إلى القبض عليه. وكان قد هرب الى المملكة العربية السعودية, ومنها التحق بباكستان في 1988 ليشترك في القتال ضد السوفيات في افغانستان.
وكان من أعضاء "اللجنة الأمنية" للقاعدة طيلة سنوات, ويعتقد انه خلف محمد عاطف " أبو حفص المصري" في القيادة العسكرية بعد ان قتل هذا الأخير في الهجوم الأميركي على أفغانستان. وكان قد تردد في العام الماضي أنه معتقل في إيران، ثم تبين أن تلك الأخبار غير صحيحة.
يقول سيف العدل، في التقرير الذي نشرته الصحيفة، ان ما قرأه ابو مصعب الزرقاوي عن نور الدين زنكي كان له دور كبير في اختيار الانتقال إلى العراق بعد سقوط «الإمارة الإسلامية في أفغانستان»، وان "الحقد الذي يكنه أبو مصعب للأميركيين اصبح كفيلاً بتشكيل معالم جديدة لشخصيته".
وكتب سيف العدل، في ما يبدو انه تأريخ لسيرة الزرقاوي، ان "أبو مصعب ورفاقه الأردنيين والفلسطينيين اختاروا الذهاب إلى العراق، بعد دراسة ومناقشة طويلة، فهم بسحنهم ولهجاتهم يستطيعون الانخراط والاندماج بالواقع العراقي بسهولة، وقد كانت توقعاتنا ودراستنا المعمقة للأمور تشير إلى أن الأمريكان لا بد من أن يخطئوا ويغزوا العراق عاجلاً أم آجلاً، وان هذا الغزو سيهدف إلى إسقاط النظام، فلا بد لنا من أن نلعب دوراً مهماً في المواجهة والمقاومة".
ويضيف سيف العدل انه على أثر غزو افغانستان "شكلنا والزرقاوي حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية في ايران، وكان الاخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات سبقونا إلى هناك وبحوزتهم مبالغ وفيرة"، موضحا ان «الخطوات الإيرانية اللاحقة أربكتنا وأفشلت 75 في المئة من خطتنا، حيث تم اعتقال نحو 80 في المئة من افراد مجموعة الزرقاوي". ونشير هنا إلى أن سيف العدل نفسه تردد أنه من ضمن الذين اعتقلتهم ايران وظل ذلك سائدا لمدة طويلة بين التيارات الأصولية إلى أن ثبت عدم صواب ذلك.
سيرة أبي مصعب
يقول سيف العدل دون أن يحدد من الذين يقصدهم: " وصلتني رغبتكم في الكتابة عن تجربتي مع الأخ الحبيب أبو مصعب (أحمد فضيل), ترددت في ذلك كثيراً في البداية، لكن وبعد الاستخارة وجدت أن قلبي انشرح لهذا الأمر، ولذلك بدأت الذكريات والأفكار بالتوارد على ذهني تباعاً".. ثم يضيف: "بعد أن منَّ الله على المجاهدين المسلمين في أفغانستان بالنصر المبين على الكفرة والمشركين من المرتدين والروس، وبعد الخلافات التي أخذت بالبروز بين فصائل المجاهدين الأفغان، بدأ الكثير من اخوتنا العرب التفكير بالعودة إلى أوطانهم الأصلية، لا سيما الاخوة السعوديون واليمنيون والأردنيون، الذين لم تكن لديهم مشاكل أمنية في أوطانهم، على عكسنا نحن المصريين، وإخواننا السوريين والجزائريين والليبيين، فلم يكن لدينا خيار سوى البقاء في أفغانستان، أو التحول إلى ساحات جهاد ساخنة، أو الذهاب إلى مناطق آمنة بالنسبة لنا، لا توجد فيها حكومات مركزية قوية، وتوجد لنا فيها تحالفات قوية على الأرض".
ويستطرد: "من هنا كان اختيارنا للسودان والصومال، وبعض دول إفريقيا الضعيفة، وذهب بعض الاخوة مبكرين إلى الدول التي استقلت عن دولة الاتحاد السوفياتي المنهار، وبعض الاخوة ساح في بقاع الأرض، وكان هناك رأي من بعض الاخوة المخلصين الواعين، أن ما حصل ويحصل هو خسارة كبيرة لا بد من اتخاذ خطوات سريعة وعملية لإيقافها، واستدراك ما فات، فهذه الطاقات والخبرات التي تحملها هذه النفوس العظيمة المخلصة، لا بد من تجميعها وتأطيرها واستخدامها في إحداث التغير المنشود، فكانت فكرة قاعدة الجهاد المباركة خطوة أولى على هذا الطريق".
مرحلة الاعداد
ويتحدث سيف العدل عن مرحلة الإعداد قائلا: "بدأنا بتجميع المعلومات التي نحن بحاجة لها لاعادة ترتيب عملنا، وكان من أوليات هذا العمل هو تحصيل المعلومات القديمة والجديدة عن كل رواد الجهاد، الذين شاركوا في الجهاد على الساحة الأفغانية، وكان من هؤلاء الرواد اخوتنا الأردنيون والفلسطينيون على رأس القائمة التي لا بد من اعادة دراستها، وتجديد المعلومات عن شخوصها.
ولذلك كنا نتابع المحاكمات العسكرية التي تعقدها محكمة أمن الدولة الأردنية، لاخواننا من الأفغان الأردنيين العائدين، وكذلك للمجموعات الإسلامية الصغيرة المتعددة، التي كانت تحاول القيام ببعض الأعمال الجهادية ضد دولة العدو الصهيوني في فلسطين الحبيبة، انطلاقا من الأراضي الأردنية، وكان الأبرز ظهوراً من الناحية الإعلامية من بين هؤلاء الاخوة (الأخ أبو محمد المقدسي) و(الأخ أبو مصعب) من خلال متابعة وقائع محاكمتهما في قضية التوحيد (بيعة الإمام). وكان أخونا عمر أبو عمر (أبو قتادة) يركز على نشر انتاج هؤلاء الأخوة في مجلته (المنهاج) التي كان يصدرها في لندن, فقرأنا رسائل الأخ أبو محمد المقدسي، ورسائل الأخ أبو مصعب ومرافعتهما التاريخية أمام هيئة المحكمة".
وصول الزرقاوي إلى باكستان
يقول سيف العدل: " كان الأخ أبو قتادة الفلسطيني، لا يفتأ يبشرنا بأن لنا اخوة جيدين، ينشطون في الأردن، وأن لهم مستقبلا واعدا على طريق الدعوة المباركة.
فرحنا كثيراً عندما سمعنا عن اطلاق سراحهم أوائل عام 1999، ولم نفاجأ عندما وصلتنا معلومات أن الأخ أبو مصعب وبعض اخوته، قد وصلوا إلى باكستان.
وأقول لم نفاجأ بهم، لان فكرة الانحياز إلى جماعة المسلمين المجاهدة ومناصرتها أينما كانت، هي واجب على كل من يفهم الإسلام وعقيدته فهماً سليماً".
كانت المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى ان أبا مصعب كان يقصد الذهاب إلى الشيشان، فقد كانت الساحة الإسلامية الأكثر سخونة، والأكثر توجهاً في ذلك الوقت، وإذا ما حاولنا تحليل هذه المعلومات، فهي تشير إلى ان الأخ أبو مصعب على درجة عالية من الوعي والصدق في توجهاته. فالذهاب إلى الشيشان يعني الاستعداد التام للتضحية والعطاء في سبيل ما يؤمن به ويدعو له، فالتغير المنشود في واقع الأمة لا يمكن تحقيقه بالأماني والتبشير والتنظير بحتمية النصر، والتمكين النظري فقط، وانما هو بحاجة إلى ممارسة فعلية عملية صادقة ". ويشير سيف العدل إلى مشاكل حصلت لأبي مصعب ورفيقيه مع الأمن الباكستاني تتعلق بأمور الإقامة "أدت الى توقيفهم، وتم الاتفاق على إطلاق سراحهم شرط مغادرة باكستان، ولم يكن أمام أبو مصعب ورفيقيه إلا اختيار الدخول إلى أفغانستان".
في بيت الضيافة بقندهار
يقول سيف العدل "وصلتني أخبار عن وصول مجموعة من الأردنيين إلى قندهار، كنت مشغولاً بأمور تتعلق بعملي خارج المنطقة، وعدت إلى قندهار بعد وصول أبو مصعب بنحو أسبوعين، وبعد ذلك توجهت للقائه في بيت الضيافة المخصص لإقامة الضيوف والقادمين الجدد. أبو مصعب وأبو محمد المقدسي لم يكونا بحاجة إلى تزكية مسبقة لدينا، فأخبارهما ووقائع المحاكمات العسكرية التي عقدت لهما في الأردن، وما طرحاه من أفكار علنية في هذه المحاكمات كانت كما أسلفنا، كفيلة بتزكيته، وأبو قتادة وأحد مشايخ الجهاد الأردنيين كانوا أوصوا بهما خيراً.
ولا بد لي أن اذكر هنا أنني قمت بلقاء الأخ المسؤول لدينا عن متابعة أبو مصعب ورفيقيه، لأخذ صورة عما جرى بين الاخوة وبين أبي مصعب، وكانت النتيجة المحصلة تقول: ان أبو مصعب لديه أراء متشددة في بعض القضايا والأمور، لم يتم الاتفاق عليها بينه وبين الاخوة. هذا الأمر أثار حفيظتي، وفتح لدي باباً واسعاً من الذكريات الشخصية جعلتني أستعيد معظم المحطات المهمة في تاريخي وعلاقاتي، بعد أن هداني الله لفهم الإسلام السليم والصحيح في بداية الثمانينات.
هذه الذكريات أوجدت لدي تبريراً وعذراً مسبقاً لأبو مصعب قبل أن التقي به, وصلت إلى المكان الذي كان يقيم فيه أبو مصعب، بعد انتهاء صلاة العشاء، وكان برفقتي أحد الاخوة المصريين الذي تعود أصوله الى الجماعة الإسلامية في مصر، وهو من تلاميذ الشيخ عبد الآخر، والذي لم يكن على وفاق تام مع الاخوة الشيوخ، بسبب بعض الاجتهادات الحركية والعملية. دخلنا المضافة، فوجدنا الأخ أبو مصعب ورفيقيه على الباب في استقبالنا، فقد كنت بعثت بخبر قدومي قبل ساعتين من ذلك، تعانقنا مع الاخوة وقدمنا لهم التهاني بالسلامة والفرج ودخلنا الى المضافة.
للوهلة الأولى تستنتج انك تجلس مع أشخاص عاديين جداً من حيث البساطة والتواضع، قمنا بالتعريف عن أنفسنا في شكل مبدئي، وبدأنا بالحديث, وجدت أنني اقف أمام رجل يتطابق معي في كثير من الصفات الشخصية، رجل صلب البنية لا يتقن فن الكلام كثيراً، يعبر عما يجول في نفسه وفكره بكلام مقتضب، لا يتنازل عن أي شيء مقتنع فيه، لا يهادن ولا يساوم، لديه هدف واضح يسعى الى تحقيقه، وهو اعادة الإسلام إلى واقع الحياة البشرية، ليست لديه تفاصيل كثيرة عن الطريقة والأسلوب والوسائل لذلك، سوى تحقيق التوحيد وفهم العقيدة السليمة وجهاد أعداء الأمة. تجربته الشخصية في الحياة والعمل ليست واسعة، لكن طموحه كبير، وأهدافه واضحة، أسهبتُ في الاستفسار منه عن واقع الأردن وفلسطين, معلوماته عن الأردن كانت جيدة أما عن فلسطين فكانت ضعيفة جداً".
في إجتماع مع بن لادن والظواهري
ويواصل سيف العدل ذكرياته عن لقائه الأول بأبي مصعب فيقول: "بعد ذلك انتقلنا لموضوع النقاط الخلافية مع الاخوة، سمعنا منه ولم نناقشه في ذلك، فقد كان هدفنا كسبه إلى جانبنا ابتداء، استمرت جلستنا نحو خمس ساعات متواصــلة وسمعنا منه كل ما لديه، وتركناهم متواعدين على اللقاء بعد يومين. وفي صبيحة اليوم التالي، كان لي ترتيب مسبق للاجتماع بالشيخين، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكان لدينا جدول أعمال متفقا عليه للمناقشة، وبعد الانتهاء من جدول الاجتماع، طرحت موضوع الأخ أبو مصعب للنقاش، حيث أن الأخوة كان لديهم تصور مسبق وواع للموضوع، فالنقاط الخلافية مع أبو مصعب لم تكن جديدة علينا ولم تكن وحيدة، فمئات الاخوة الذين يأتونا من مناطق متعددة من العالم كنا نختلف معهم في بعض الأمور والقضايا، وكل هذا كان مصدره الفهم المتعدد لبعض جوانب العقيدة في ما يتعلق بالولاء والبراءة، وما يترتب عليهما من مواضيع التكفير والإرجاء، والقضية الثانية هي أساليب العمل، والتعامل مع الواقع المعاش، كلٌ في محيطه وموطنه الأصلي".
ويضيف سيف العدل إنه قام "بتقديم اقتراح للاخوة يقضي بتفويضي بالتعامل مع هذه الحالات،أي حالة أبو مصعب وما يشابهها، لأنه ليس من العدل فقهياً، ولا من الصحيح حركياً، ترك أو عدم التعاطي مع كل أخ أو مجموعة قد نختلف معها على جزئيات محدودة أو تفاصيل صغيرة.
أسباب خروج ابو مصعب من الأردن
المعلومات التي كانت لدينا تقول، أنه لا يوجد لـ «القاعدة» أو لفكرها في فلسطين والأردن، أنصار كثر، وكانت الخطة المتفق عليها بين الاخوة تعطي أهمية للتواجد والانتشار في الأردن وفلسطين، فالقضية الفلسطينية هي قلب الأمة الجريح النابض، ومن يكن في عمله على تماس معها يكون قريباً من مشاعر الأمة, وضرب الإسرائيليين والقضاء على دولتهم مرتبط بالتغير والتحرير في واقع الأمة، ولا تغير ولا تحرير إذا لم تضعف إسرائيل ويقضى عليها, فالنظام الإقليمي المرسوم بالمنطقة يرتبط استمراره بوجود دولة إسرائيل، وهو موجود لخدمة أهدافها وتمهيد الطريق أمامها للتوسع والانتشار، والارتباط بين النظام العربي القائم حالياً ووجود دولة إسرائيل هو ارتباط جدلي، والمتفق عليه لدينا في هذا الخصوص أنه لا تحرير من دون تغير، ولا تغير إذا لم تضعف إسرائيل ولا ضعف لإسرائيل إذا لم تضعف الأنظمة العربية الخادمة لها من ناحية، وإذا لم ترفع حبال الدعم الغربي عنها وعن الأنظمة, لذلك فالنتيجة المنطقية تقول لابد لنا من أن نتواجد في كل مكان على هذه الأرض، فكيف نترك هذه الفرصة السانحة للتواجد في فلسطين والأردن، وكيف نضيع فرصة التعامل مع أبو مصعب واخوته وأمثاله من سائر البلدان الأخرى.
وأخيراً، وافق الاخوة بعد ساعتين من النقاش المتواصل على تفويضي في التعامل مع هذا الموضوع، مع توفير ما يلزم لذلك, حمدت ُالله سبحانه وتعالى على هذا التوفيق الذي كان يؤرقني منذ أكثر من عشر سنوات، فأنا كذلك لم أكن على وفاق مع الجميع، خصوصاً في النواحي العملية الإجرائية التكتيكية والاستراتيجية منها، فقد بدأت هذه المشكلة معي منذ اليوم الأول لاعتقالي في مصر في 6/5/1987 على قضية إعادة تشكيل تنظيم الجهاد، والإعداد لمحاولة قلب نظام الحكم، والتي سجلت بقضية الجهاد "401" والتي اعتقل في ظروفها ما يقارب من ستة آلاف اخ بقي منهم للمحكمة 417، وارتبطت القضية بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق حسن أبو باشا، والكاتب الصحافي مكرم محمد احمد, كنت حينها ضابطاً في القوات الخاصة المصرية برتبة مقدم، وكان معي من القوات الخاصة والحرس الخاص الأخ الرائد محمد البرم".
ويستطرد سيف العدل: " وجدت أن الاخوة في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، لم يكونوا يمتلكون من الخبرات العملية ما يمكنهم من إحداث التغير المنشود، ويعود ذلك برأيي ورأي بعض الاخوة الى الحماس الزائد جداً، الذي يدفع إلى التسرع الشديد دائماً، والى التهور في بعض الأحيان، وكذلك إلى عدم امتلاك الخبرات اللازمة في العمل، وكذلك إلى عدم وجود خطة مسبقة على المدى القصير والبعيد، وعدم وجود رؤية لاستخدام طاقات الأمة وتفعيلها لأعلى المستوى البشري وليس المادي، فالتغير بحاجة إلى فكر وإنسان ومادة وقيادة مخلصة مجربة واعية، تمتلك رؤية وخطة تحدد من خلالها أهدافها ووسائلها، وتكون رايتها واضحة سليمة لا لبس فيها".
ويرى سيف العدل من وجهة نظره أن الأسباب التي دفعته للخروج من مصر بعد انتهاء القضية المذكورة " تتشابه كثيراً مع الأسباب التي دفعت أبو مصعب للخروج من الأردن، بل تكاد أن تتطابق لشدة تشابهها" ومن هذه الأسباب التي يراها:
1ـ " الأجهزة الأمنية في مصر والأردن أصبحت ترى أن التهديد الرئيسي الذي يواجه النظام، هو الجماعات الإسلامية العقائدية، التي لا ترى حلولاً وسطا، وتدعو إلى التغير الجذري الانقلابي الشامل، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وبناء على ذلك، فهي تتابع العمل الإسلامي ليل نهار، وتحاول أن توجه له ضربات استباقية لحرمانه من فرصة النجاح في عملية البناء الهادئ الهادف المنتج".
2 ـ " أصبحت الأجهزة الأمنية في هذين البلدين تقوم بمحاولات تجنيد عملاء ومخبرين لها في صفوف هذه الجماعات، وقد نجحت في هذا المجال أيما نجاح لأسباب عدة، لا مجال لذكرها هنا، مما ولد لدينا شعوراً بضرورة أن تكون قيادة هذا العمل بعيدة عن الضربات، حتى يتسنى لها التخطيط الجيد والتنفيذ الجيد".
3 ـ "الإمكانات الداخلية المادية في هذين البلدين اللازمة لإنجاح التغير الإسلامي المنشود غير متوافرة، ولا بد من طرق الأبواب الخارجية، والبحث عن تمويل كبير".
4 ـ " التواصل والتوحد مع الأفراد والجماعات الإسلامية المخلصة، لا يمكن أن يتم في ظل التواجد تحت رحمة وطول اليد للأجهزة الأمنية في هذه الدول، فكان لا بد من الخروج".
5 ـ "مناصرة القضايا الإسلامية الساخنة، فالحر الكريم لا يقبل الضيم والذل لأهله وأمته".
مشروع جديد يعتمد على الزرقاوي
ويقول سيف العدل: "بعد أن أخذت موافقة الشيخين على تفويضي بالتعامل مع حالة الأخ أبو مصعب وأمثاله، قمت بالاتصال ببعض الاخوة الذين أثق بقدرتهم الفكرية والنظرية، وبتجربتهم العلمية الواسعة، وعقدنا اجتماعا طارئا وسريعا، ناقشنا فيه الموضوع من كل جوانبه، وخرجنا بقرارات مهمة، بعد أن استمر اجتماعنا نحو 9 ساعات، تخللها توقفنا لأداء الصلاة وتناول وجبة طعام.
أصبح لدي تصور واضح وكامل عن مشروع جديد وكبير، نجاحه المبدئي يرتبط بموافقة الأخ أبو مصعب، وتوجهت إلى الله تعالى بالدعاء الصادق في أن يوفقني في اقناع أبو مصعب ورفاقه بهذا المشروع الجزئي في أهميته بالنسبة للمشروع الإسلامي الكبير، الذي نعمل من اجل انجاحه و انجازه.
في اليوم التالي كان موعدنا مع الأخ أبو مصعب في الساعة التاسعة صباحاً، توجهت أنا والأخ المصري الذي أشرت إليه في المرة السابقة، واصطحبنا معنا أحد الاخوة المنحدرين من جزيرة العرب، وهو حجازي الأصل، ومن الذين كان لهم باع طويل في قضايا الجهاد والعمل الإسلامي في ساحات متعددة، وكان على وفاق وتوافق معي في معظم القضايا.
لم ندخل هذه المرة الى المضافة وانما طلبنا من أبو مصعب أن يرافقنا منفرداً، صعد معنا الى السيارة، وتوجهنا إلى بيت الأخ الحجازي، وقمنا بتعريف أبو مصعب عليه، وشعرت أن ابو مصعب تقبله وانشرح صدره له. بدأت أنا بالحديث، فقد كنت صاحب المشروع الذي يمتلك التصور الكامل عن جوانبه وأهدافه. النقطة الأساسية في المشروع، تستند إلى ضرورة إيجاد منطقة في أفغانستان، يتم فيها إنشاء معسكر بسيط للتدريب اليومي، بحيث يقوم أبو مصعب بالإشراف عليه، وتهدف إلى استقطاب أخوة من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان والعراق وتركيا، لأهمية هذه المناطق بالنسبة لنا، وبسبب تقديرنا أننا ضعفاء فيها.
النقطة الثانية والتي كنا ناقشناها مع بعض الخبراء من الاخوة، أن المنطقة التي سيتم اختيارها يجب أن تكون بعيدة عن تواجدنا الرئيسي من ناحية، وان تقع على الحدود الغربية لأفغانستان، والمحاذية لإيران، ويرجع ذلك إلى أن طريق الاخوة الآمن، كان اصبح عن طريق إيران، بعد أن بدأت السلطات الباكستانية بالتشديد علينا وعلى حركتنا، بحيث اصبح وصول الاخوة العرب والآخرين إلى أفغانستان عن طريق باكستان صعب جداً، في حين أن الاخوة كانوا يستخدمون طريق تركيا ـ إيران ـ أفغانستان بسهولة ويسر".
معسكر في هيرات يشرف عليه أبو مصعب
وقال سيف العدل إن "المدينة المناسبة التي تم اختيارها كانت هيرات، وهي اقرب مدينه أفغانية الى الحدود الإيرانية، وبذلك فهي بعيدة نوعاً ما عنا، والوصول إليها والخروج منها اكثر يسراً، أما ما يخص الإمكانات المادية، تكفل الأخ الحجازي وبعض رفاقه بتوفيرها بما يتناسب مع الحجم البشري الذي سيتواجد في هيرات، وكذلك بما يتناسب مع مقتضيات العمل.
أحدى النقاط التي طرحناها أننا لا نريد من ابو مصعب ومن يتواجد معه بيعة كاملة، وانما نريد تنسيقا وتعاونا لخدمة أهدافنا المشتركة, وأوضحنا له أننا على استعداد لتقديم التدريب الخاص والمتخصص لأي فرد أو مجموعة متميزة من طرفه، وتكفلنا ان نقوم بعملية التنسيق مع الاخوة في حركة طالبان حتى لا تكون هناك أي إعاقات شكلية قد تطرأ في المستقبل، طرحنا موضوع إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من اجل تسهيل عملية عبور الاخوة دخولاً وخروجاً، من والى أفغانستان.
كان الهدف من وراء هذا الطرح كله، التواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي، وإيجاد فرصة لجمع الاخوة المخلصين، خصوصاً الذين لا تتفق وتتطابق أفكارهم مع أفكار القاعدة، من باب التكامل المرحلي، والتطابق في المستقبل القريب بإذن الله".
أبو مصعب يؤجل الرد على مشروع القاعدة
حاولنا أن نأخذ رداً سريعاً من أبو مصعب إلا انه قال: لدي مشاورة، فالأخ خالد العاروري والأخ عبد الهادي دغلس صحباني منذ بداية الطريق، ولهم الحق على بالمشورة والتناصح، واتفقنا على اللقاء بعد يومين، كان الموعد يوم الجمعة، وقد دعانا الأخ الحجازي على الغداء، وافق الجميع وأوصى أبو مصعب اصطحاب رفيقيه على الغداء، واتفقنا على ارسال سيارة لهم قبيل الصلاة، حتى نتمكن من الصلاة معاً.
فعلاً هذا ما حصل بعد يومين، قمنا بأداء صلاة الجمعة معاً، وتوجهنا الى بيت الأخ الحجازي، وكان الغداء عبارة عن كبسة عربية، وبدأنا بالحديث على الطعام، أخذ عبد الهادي بالاستفسار والاستيضاح عن بعض النقاط، واتضح من استفساراته أنه يتمتع بذكاء لا بأس به. وفقنا الله سبحانه وتعالى بالإجابة عن كل الاستفسارات التي طرحت، وكانت النتيجة الموافقة التامة على المشروع من قبل أبو مصعب ورفيقيه، وتم الاتفاق على أن نباشر الإعداد من الغد".
45 يوما تدريبا للزرقاوي ورفيقيه
ويشرح سيف العدل الخطة بأنها "كانت تقضي أن يبدأ أبو مصعب ورفيقاه نوعاً خاصاً من التدريب لمدة 45 يوما، وفي هذه الأثناء نتكفل نحن بالإعداد والتحضير في هيرات ومشهد على التوالي، وبدأ أبو مصعب بالاتصال برفاقه لحضهم على القدوم إليه. لاحظت أثناء التدريب أن أبو مصعب ورفيقيه، لديهم نهم شديد للتدريب، وكانوا يقسون على أنفسهم كثيراً، نحو الوصول إلى مستويات أعلى دائماً.
انتهت فترة التدريب سريعاً وبدأنا بالاستعداد للانتقال إلى هيرات، حسب الخطة، وقد وصلنا في هذه الأثناء اثنان من الاخوة السوريين، فقمنا بطرح فكرة هيرات عليهما، فوافقا عليها من دون تردد، وانتقلنا إلى هيرات، فوجدنا الاخوة قد اختاروا لنا منطقة تقع على أطراف هيرات، وتحوي على معسكر قديم صغير الحجم، وقد زودوه بما يلزم ابتداء.
أقمنا معهم في هيرات أربعة أيام، شعرت في نهايتها، أننا أصبحنا وأبو مصعب ورفاقه الأردنيون والسوريون على توافق تام بالأفكار، واتفقنا على اللقاء الشهري دورياً، شهرا يحضرون إلينا، وشهرا نحضر نحن إليهم، وأبقينا لديهم ثلاث سيارات بيك آب، من السيارات التي رافقتنا في رحلتنا، ووعدناهم بسيارات أخرى إذا لزم الأمر، وقمنا بتوديعهم وعدنا راشدين.
تركنا أبو مصعب مع رفيقيه خالد وعبد الهادي والاخوة السوريين، ونحن على يقين وقناعة انهم سينجحون، بل سيتفوقون في مشروعهم هذا، فالجميع كان يمتلك عزيمة قادرة على هد الجبال، فحرقتهم وهمهم على الإسلام والمسلمين لم أشاهد لها نظيرا، عندما وصلنا الى مقرنا، قدمنا تقريراً مفصلاً للاخوة، وشعرت أن الإنجاز الحاصل حاز الرضا والقبول".
عائلتان من حلب وصلتا هيرات
ثم يردف سيف العدل قائلا: "مر شهر كامل على عودتنا من هيرات، قمنا خلاله بإعداد ثلاث سيارات بيك آب، وحملناها بما يلزم من مواد نعتقد أن الاخوة هناك بحاجة إليها، وانطلقت أنا وخمسة من رفاقي العرب، بينهم الأخ الحجازي سالف الذكر، وصحبنا اثنين من الاخوة الأفغان، وصلنا الى هيرات بعد العصر، وكنا اخبرنا أبو مصعب عن موعد وصولنا، فوجدنا الاخوة بانتظارنا، وكانوا اعدوا لنا طعام الغداء، الملفت للإنتباه أن الطعام الذي قدم لنا احتوى على أصناف عديدة، وكان الطابع الشامي غالباً عليه، وكان متقن الصنعة ولذيذا، وكان يختلف عن الطعام الذي تناولناه في الأربعة أيام التي أقمناها في هيرات في الشهر الماضي، استفسرت عن الموضوع، فقيل لي أن عائلتين سوريتين، أصلهما من حلب، من الذين كانوا يقيمون في تركيا، وصلتا الى هيرات قبل خمسة أيام، وهما اللتان قامتا بإعداد الطعام, كان هذا الخبر مفرحاً جداً بالنسبة لي لأنه يعني أن الفكرة بدأت تأخذ طريقها إلى النجاح، حمدت الله كثيراً على ذلك وانتقلنا للاستفسار عن الأحوال وعن الصعوبات التي واجهتهم خلال الشهر الماضي، وما تم إنجازه بحيث كانت النتائج الحاصلة كما يلي:
1 ـ استطاع أبو مصعب ورفاقه تمتين العلاقة مع الاخوة المسؤولين في «طالبان» في المنطقة، ومن خلال هذه العلاقة، استعد الاخوة في «طالبان» لوضع كل إمكاناتهم المتوافرة لخدمة المشروع والسعي الى انجازه.
2 ـ العدد الذي تركناه في هيرات كان خمسة أفراد، أبو مصعب ورفيقيه، والأخوين من سورية, وجدنا أن العائلتين السوريتين اللتين قدمتا الى هيرات، تتكونان من 31 فردا وهم رب الأسرة وثلاثة شباب فوق سن السادسة عشرة، وامرأتان، وست فتيات، وهذا يعني أن عدد العرب في هيرات اصبح 18 شخصا.
3 ـ وجدنا أن الأخ أبو مصعب، وبالتعاون مع الاخوة السوريين أعدوا برنامجاً عسكرياً وثقافياً تعبوياً، كان رائعاً في تقديري آنذاك، بحيث كان يركز البرنامج الثقافي على البناء العقائدي وعلى حفظ القرآن وعلى دراسة التاريخ والجغرافيا.
4 ـ إتضح لنا أن الأخ أبو مصعب ورفاقه اتفقوا على رسم هيكلية تنظيمية لمجتمع متكامل، في ظل توقعاتهم بأن المئات من الاخوة وعوائلهم ستلتحق بهم، وتصل إلى هيرات قريباً.
5 ـ علمنا أن الأخ أبو مصعب أرسل إشارة إلى اخوته في الأردن، يبشرهم فيها عن بدايات نجاحه في أفغانستان، ويطلب ممن يستطيع الهجرة إليها بان يهاجر، وأرسل في طلب عياله وعيال خالد وعبد الهادي، وكذلك فعل الاخوة السوريون، وهذا إن دل فإنما يدل على قناعتهم بنجاح المشروع وأهميته.
حمدنا الله على هذا التقدم الرائع، وتناقشنا في المستجدات، في ما يتعلق بزيادة الإمكانات وفي ما يتعلق بمحطة مشهد واسطنبول".
عائلة ابو مصعب وثلاث عائلات سورية جديدة في هيرات
أمضينا لديهم ثلاثة أيام، شاركناهم فيها برنامجهم اليومي حيث كان الحماس والإخلاص غالباً عليهم، وودعناهم واتفقنا أن يحضروا إلى طرفنا بعد شهر، وعدنا إلى مقرنا مسرورين متفائلين، حتى أن الأخ الحجازي بدأ يفكر جدياً بالالتحاق بأبو مصعب ورفاقه في هيرات، وقمنا بإضافة المعلومات والنتائج الجديدة إلى ملف هيرات، الذي كنا فتحناه منذ ثلاثة شهور واطلعنا الاخوة المعنيين على المستجدات.
مجتمع إسلامي مصغر
مرت الأيام سريعاً، وجاء أجل موعدنا الشهري، حيث حضر فيه الأخ أبو مصعب والأخ السوري أبو الغادية، وكانت هناك بشائر جديدة؛ العدد في المعسكر من العرب اصبح 42 فرداً بين رجل وامرأة وطفل، من ضمنهم عائلة أبو مصعب ورفيقاه، وكذلك انضمام ثلاث عائلات سوريه جديدة، إحداها قدمت من أوروبا. وبدأ أبو مصعب يبشر بأنهم بدأوا ببناء مجتمع إسلامي مصغر، وان هناك اخوة أردنيين وفلسطينيين سوف يصلون قريباً إلى هيرات، وقال إن طريق إيران ـ أفغانستان أصبحت سالكة ومأمونة، هذه النقطة كانت جديدة ومهمة لنا في القاعدة، وقد قمنا باستغلالها جيداً في المستقبل القريب، بحيث أخذنا نستعيض بها عن الطريق القديم المار بباكستان، خصوصاً في ما يتعلق بحركة الاخوة العرب، وهذه النقطة جعلتنا نفكر بمحاولة بناء علاقة طيبة مع بعض الخيرين في إيران، من اجل تمهيد وتسهيل الطريق اكثر، وللتنسيق في بعض الأمور المشتركة، ولقد تم إنجاز التنسيق مع الإيرانيين لاحقاً.
التنسيق مع الايرانيين
يقول سيف العدل : "كان التنسيق مع أفراد مخلصين في توجهات عدائهم للأميركيين والإسرائيليين، ولم يكن التنسيق مع الحكومة الإيرانية، وخلال هذه الفترة لاحظت على أبو مصعب تطوراً مهماً في شخصيته، فعند لقائنا الأول قبل نحو أربعة شهور من هذا الوقت، لم يكن أبو مصعب مبادراً بالكلام، وكانت أفكاره واهتمامه بالأخبار السياسية العامة محدودة، وأما الآن فقد اصبح مبادراً بالكلام، يهتم بكل الأمور تقريباً، يبادر الى فتح العلاقات العامة التي قد تنجح مشروعه، ولاحظت انه أصبح اكثر إقناعا وتأثيرا على من يقابله في الحديث، حتى أن لهجته أصبحت اقرب إلى الفصيحة منها إلى اللهجة الدارجة، هذه الأمور مجتمعة، كانت تشير الى معالم تكوين شخصية قيادية متميزة, رفيقه السوري كان رائعاً، ويمتلك خبرات واسعة جداً، ويتقن لغات عدة منها الإنكليزية والتركية والقليل من الكردية, وأما بالنسبة للاخوة السوريين الذين تعرفت عليهم في أفغانستان فقد كانوا من أروع وأخلص الاخوة الذين عرفتهم في حياتي، فقد كان للمعاناة التي مروا بها، وما زالوا يعيشونها، دور كبير في تشكيل شخصياتهم، فهم مؤدبون ويطيعون قادتهم، لديهم دوافع للتعلم وكسب الخبرة النظرية والعملية، لذلك فقد كانت درجة اطمئناني على مشروع أبو مصعب تزداد كلما علمت أن أعدادا جديدة من الاخوة التحقوا به.
بقي مشروع أبو مصعب يتقدم ويتنامى، من ناحية أعداد الاخوة الذين تقاطروا للحاق به في هيرات، وكانت جنسياتهم بدأت بالتنوع أكثر، فأصبح لديه سوريون وأردنيون وفلسطينيون وبعض اللبنانيين والعراقيين, واستطاع أن يبني علاقة مع تنظيم «أنصار الإسلام» الكردي، الذي كان ينتشر في شمال العراق، وكانت له قواعد وجود واضح فيه.
مظاهر القيادة على شخصية الزرقاوي
ويمضي سيف العدل في ذكرياته عن ابي مصعب الزرقاوي: "توالت الزيارات الدورية التي كنا نقوم بها لهيرات، وكنا في كل زيارة نلحظ الجديد والتطور على كل المستويات، التنظيمية والإدارية، وقدرات الشباب العسكرية، ومع وصولنا إلى بداية سنة 2001 كان أبو مصعب أصبح شخصا آخر، من حيث الإمكانات والقدرات الشخصية التي اصبح يمتلكها، وانعكس كل هذا على نظرته للأمور، فقد أصبح يفكر في شكل أعمق من السابق في كل قضية تعترضه، وكذلك بدأ يفكر ويخطط للمستقبل في شكل استراتيجي، فقد بدأ يركز على بناء العلاقات مع كل الجنسيات والأعراق من الشباب العرب وغير العرب، الموجودين على الساحة الأفغانية، وبدأ يتجول في كل أفغانستان قاصدا الالتقاء بهم وسماع آخر أخبار مناطقهم الأصلية القادمين منها، ولذلك كان يبقي عبد الهادي دغلس في أغلب الحالات نائبا عنه في هيرات، ويتنقل بصحبة خالد العاروري وسليمان درويش أبو الغادية, وأستطيع القول ان مظاهر القيادة الشاملة بدأت تظهر جلية على شخصية أبو مصعب ومظاهرها كانت تتمحور في النقاط التالية:
1 ـ أصبح لديه همٌ عام على واقع الأمة الإسلامية بمجملها.
2 ـ التفاني والدقة ومحاولة الإنجاز السريع باتت احدى سماته.
3 ـ حب القراءة والاطلاع على كل شيء يدور في العالم أصبح من اهتماماته الدائمة.
4 ـ كان أبو مصعب معجبا بشخصية القائد الإسلامي الفذ نور الدين زنكي، الذي قاد عملية التحرير والتغير التي أكملها البطل صلاح الدين الأيوبي، ولذلك كان يسأل دائما عن أي كتاب متوافر عن نور الدين وتلميذه صلاح الدين، وأعتقد أن ما قرأه عن نور الدين وانطلاقه من الموصل في العراق، كان له دور كبير في التأثير على أبو مصعب، في اختيار الانتقال إلى العراق، بعد سقوط حكومة «الإمارة الإسلامية في أفغانستان».
5 ـ ازداد اهتمام أبو مصعب بالأفراد الذين حوله، وكان يتحدث معي دوما عن الأساليب التي تقوي الترابط الاجتماعي والنفسي بينهم، وأخذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم زواجه ببنات أصحابه أبو بكر وعمر عائشة وحفصة مثلا يُحتذى، فقام بالزواج من بنت أحد أصحابه الفلسطينيين الذين التحقوا به من الأردن، وأخذ رفاق أبو مصعب يتزوجون ويزوجون بناتهم لبعضهم البعض، مع أن أعمار بعض الفتيات كانت صغيرة نوعا ما، إذا ما قارناها بأعمار أقرانهن السائدة في عالمنا العربي, استطاع أبو مصعب واخوته أن يصبحوا عائلة واحدة متماسكة ومتراحمة، من كل النواحي العقائدية والاجتماعية والاقتصادية، وأعتقد أن المودة التي أصبحت تربطهم، باتت شبيهة بما كان عليه صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعتقد أن هذا المثال الحديث والقريب، يجب أن يكون درسا صحيحا ومتجددا لكل العاملين في مجال الدعوة والحركة الإسلامية الحديثة.
6 ـ بعد سنتين من العمل والبناء في هيرات، بدأ أبو مصعب يفكر في ارسال رفاقه الجيدين الذين يثق بهم إلى مناطق خارج أفغانستان، للعمل هناك في موضوع التجنيد وجمع الأموال، وكانت البداية على ما أذكر في اتجاه تركيا وألمانيا، لأن الاخوة السوريين الذين كانوا التحقوا به، كانت لهم امتدادات جيدة في هاتين المنطقتين.
7 ـ أبو مصعب كان من أكثر الاخوة الذين التقيت بهم غيرة على أعراض ودماء وسمعة المسلمين.
هذه هي بعض معالم شخصية الأخ أبو مصعب قبيل أحداث 11/9/2001".
ابو مصعب و خطة هجمات 11 سبتمبر
ثم يتحدث سيف العدل عن ما حدق في 11 سبتمبر فيقول: "في تلك الفترة كنا في «القاعدة»، أكملنا العدة للقيام بالضربة الكبرى، وأبو مصعب لم يكن مطلعاً على الضربة قبل وقوعها، ولا على أهدافها، لذلك قمنا بشرح الأهداف جيداً له، وأطلعناه على بعض التفاصيل المهمة للأهداف المرحلية المقبلة، مع عرض احتمالات الرد الأميركي المتوقع، وكانت تقديراتنا أن الضربة لم تنجح إلا بتحقيق 20 في المئة مما كنا خططنا له، هذا النجاح كان كفيلاً بأن يقوم الأميركان بالرد المطلوب وحصل ما حصل.
ابو مصعب يقود معركة لتخليص أسراه
نعود إلى أبو مصعب، فقد بدأ بالوجود في قندهار برفقتنا اكثر من وجوده في هيرات، واكتسب الكثير من الدروس التي كان لها دور في تكوين صورة شاملة عن مجمل الصراع الدائر في العالم، بين الحق والباطل. بدأ الهجوم الأميركي في نهاية 2001، عاد أبو مصعب إلى هيرات ليكون على مقربة من إخوانه وجماعته، لم تكن لدينا خطة واضحة ومدروسة للمواجهة، منطقة هيرات كانت بها نسبة مهمة من الشيعة، تم قصف معسكرات طالبان وتجمعات قواتهم ومخازن أسلحتهم بعنف، وتحرك المخالفون والشيعة في المنطقة بسرعة وسيطروا علىهذه المنطقة، لم يكن أمام شباب «القاعدة» و«طالبان» وجماعة أبو مصعب إلا الانسحاب السريع، والانضمام إلينا في مناطق الشرق من أفغانستان, حدث وقبل خروج أبو مصعب وإخوانه من هيرات، أن وقعت مجموعة من رفاقهم في اسر قوات الشيعة والمخالفين، وكانت عملية إطلاق سراحهم وإنقاذهم شبه مستحيلة، أصر أبو مصعب ـ حسب ما روى لي ـ على تخليصهم من الأسر، وجمع نحو 25 مقاتلاً من جماعته، وصلى بهم ركعتين صلاة الحاجة، وقام بمهاجمة المنطقة التي احتجز فيها رفاقه، وكان الهجوم مباغتاً مما اربك المدافعين، الهجوم كان عنيفاً، لأنه كان هجوم المستميت الذي لا يرى حلاً غير إنقاذ اخوته، أو الموت دون ذلك".
ويعلق سيف العدل بأن هذه "النتيجة كانت فرار المدافعين، وإنقاذ جميع الاخوة من دون أدنى خسارة، وهذه الحادثة تدل على مدى النجاح الذي تحقق في معسكر أبو مصعب على مدى سنتين، وبعد أن قام أبو مصعب واخوانه بتحرير رفاقهم، اخذوا يستعدون للخروج من هيرات فخرجوا بقافلة مكونة من نحو 135 سيارة، كانت تجمع بينهم وبين العرب من القاعدة في المنطقة وكذلك ما تبقى من طالبان. الطريق كان طويلاً إلى قندهار، والطيران كان يحلق ويحوم في كل أجواء أفغانستان، إلا انه وصلت القافلة سالمة الى قندهار، كان قرارنا في البداية ان لا بد من الدفاع عن قندهار مهما كانت النتائج، بدأنا تأمين نساء الاخوة العرب وأطفالهم، بإرسالهم الى باكستان, وأخذنا بالاستعداد للمواجهة".
قصف بيت تواجد فيه الزرقاوي
ويحكي سيف العدل وقائع هجوم بالطيران بعد رصد مكالمة هاتفية فيقول:
" وفي أحد الأيام كان هناك اجتماع مع بعض الاخوة المهمين، وكان أبو مصعب من بينهم، قام أحد الاخوة باستخدام هاتفه الثريا الذي كان يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، غادرنا مكان الاجتماع أنا وثلاثة من الاخوة, بعد استخدام الأخ لهاتفه بدقائق وبعد عشرة دقائق من مغادرتنا، قامت طائرة أميركية بقصف البيت الذي كنا فيه، وكان أبو مصعب وبعض الاخوة ما زالوا فيه, القصف أسفر عن انهيار سقف المنزل، ولم يقتل أحد من الاخوة، لكن البعض أصيب بكسور، وكان منهم أبو مصعب، حيث كسر له بعض الأضلاع في صدره، وأصيب ببعض الكدمات والرضوض نتيجة انهيار السقف.
بدأ الهجوم على قندهار, وكان هناك قرار جديد من القيادة بضرورة الانسحاب إلى الجبال وإخلاء الجرحى إلى مناطق آمنة وغير مستهدفة، كان المطلوب من أبو مصعب الخروج إلى باكستان، كونه كان من المصابين، إلا انه أبى إلا الالتحاق بنا والاستمرار بالمشاركة في المعركة. الأميركان كانوا يخشون المواجهة المباشرة، ولذلك كانوا يعتمدون على قصف الطيران، وكانوا يستخدمون قوات الشمال من المنافقين والمخالفين في التقدم البري، ومما سلف نستطيع القول أن أبو مصعب ما كان له أن يهرب ولا أن يبتعد عن المواجهة، حتي ولو كان لديه عذر شرعي يستدعي ذلك".
التفكيك والعودة خلال سبع سنوات
وعن نتائج الهجوم الأمريكي يقول سيف العدل: "كان قرار القيادة الجريء بضرورة تفكيك الإمارة والاندماج والانخراط بالواقع الأفغاني من جديد، والعمل على العودة خلال سبع سنوات ضمن خطة محكمة ومدروسة، وقد بدأنا بتنفيذ الخطة فوراً، وبناءً على ذلك كان لا مجال لنا في القاعدة من الاستمرار في الوجود العلني السابق والاستمرار بالعمل بنفس الأنماط السابقة، فكان لا بد من الانسياح المنظم من جديد، في كل المناطق التي نستطيع الوصول إليها في هذا العالم.
كانت خطتنا الانسياح في الأرض جميعا، ومحاولة فتح معارك جديدة ومتعددة مع الأميركان من اجل تشتيت قواهم وحرمانهم من التركيز على منطقة واحدة.
والشكل الذي اختارته القيادة ( قيادة طالبان) للمواجهة في النهاية يعتمد على حرب العصابات الذي يتخذ أسلوب الفر والكر، وهذا يتطلب من الذين يقومون به أن يكونوا من أهل المنطقة، فسحنتنا ولغتنا ولهجتنا كعرب لا يتلاءم مع مثل هذه المهمات، أما من يتقن لغات ولهجات أهل البلاد، فكان له الخيار، البقاء أو الخروج منحازاً إلى اخوة آخرين في مناطق صراع أخرى.
وعملية خروج الاخوة وتفرقهم وانسياحهم في البلاد، تعطينا قوة وإمكانات مادية وبشرية اكثر، نستطيع استخدامها في المعركة، خصوصاً أن المعركة لم تعد محصورة في بقعة جغرافية محدودة وانما مجالها اصبح العالم كله. ويضيف سيف العدل: " كنا ندرك أن هذه الخطوات مهمة جداً لاستمرار الفكرة، ومهمة كذلك في عدم تمكين الأميركان من تحقيق جزء من أهدافهم، وهو القضاء على الاخوة والقضاء على القيادة.
والنتيجة أن الخسائر لدينا كانت قليلة والحمد لله، وان القيادة ما زالت سليمة وتمارس عملها بكفاءة من ارض أفغانستان، وان الشباب الذين إنساحوا في العالم، فتحوا ساحات صراع جديدة بينهم وبين الأميركان ومن يواليهم من المرتدين والمنافقين, ودليلنا على ذلك النتائج التي حققها الأخ أبو مصعب واخوته في العراق.
كنت أنا المسؤول عن تأمين بعض الاخوة العرب وإيصالهم الى إيران، ومن ثم توزيعهم حسب ما نراه مناسباً، وكان الأخ أبو مصعب ومجموعته من ضمن هؤلاء الاخوة".
الذهاب من أفغانستان إلى ايران
يقول سيف العدل: "بدأنا بالتوافد تباعاً إلى إيران، وكان الاخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات من الذين كانوا خارج أفغانستان، سبقونا الى هناك، وكان بحوزتهم مبالغ جيدة ووفيرة من المال، شكلنا حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية، وبدأنا باستئجار الشقق لإسكان الاخوة وبعض عائلاتهم. قام الاخوة في «الحزب الاسلامي» من جماعة قلب الدين حكمتيار بتقديم المساعدة الجيدة لنا في هذا المجال، فقاموا بتوفير الشقق وبعض المزارع التي يمتلكونها ووضعوها تحت تصرفنا.
بدأنا العمل واعدنا الاتصال بالقيادة، وبدأنا بمساندتها ودعمها من جديد، وكان هذا الأمر ضمن أهدافنا من عملية الخروج من أفغانستان، وبدأنا بتشكيل بعض المجموعات المقاتلة للعودة الى أفغانستان لتنفيذ مهمات مدروسة هناك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأنا بدراسة حالة المجموعات والاخوة من اجل اختيار أماكن جديدة لهم.
الأخ أبو مصعب ورفاقه الأردنيون والفلسطينيون اختاروا الذهاب الى العراق، بعد دراسة ومناقشة طويلة، فهم بسحنهم ولهجاتهم يستطيعون الانخراط والاندماج بالواقع العراقي بسهولة، وقد كانت توقعاتنا ودراستنا المعمقة للأمور تشير إلى أن الأميركان لا بد من أن يخطئوا ويغزوا العراق عاجلاً أم أجلاً، وان هذا الغزو سيهدف إلى إسقاط النظام، فلا بد لنا من أن نلعب دوراً مهماً في المواجهة والمقاومة، وهذه فرصتنا التاريخية التي قد نستطيع من خلالها إقامة دولة الإسلام التي سيكون لها الدور الأكبر في رفع الظلم وإحقاق الحق في هذا العالم بإذن الله، وكنت على وفاق مع أخي أبو مصعب بهذا التحليل ".
العلاقة مع صدام حسين
ويمضي سيف العدل مسلطا الضوء حول ما تردد قبل غزو العراق عن علاقة تنظيم القاعدة بالنظام العراقي المخلوع فيقول "لم تكن للقاعدة أية علاقة تذكر مع صدام حسين ونظامه، على العكس مما يشيعه الأميركان دائماً، فالأميركان كانوا دائماً يحاولون ربط صدام حسين ونظامه بالقاعدة، حتى يخلقوا لأنفسهم مبررات ومسوغات شرعية. كان لا بد لنا من وضع خطة لدخول الاخوة إلى العراق عن طريق الشمال، غير المسيطر عليه من قبل النظام، ومن ثم الانسياح جنوباً الى مناطق اخوتنا السنة الذين كان لنا بينهم بعض الاخوة. وكان الاخوة في جماعة «أنصار الإسلام» ابدوا الاستعداد لتقديم أي معونة لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف.
ايران تعتقل 80% من جماعة أبو مصعب
ويستطرد سيف العدل: "الأميركان لمسوا أن الإيرانيين يغضون الطرف عن نشاطنا في إيران، فبدأوا بشن حملة إعلامية مركزة على إيران، ، وبدأوا يتهمونها بأنها تساعد القاعدة والإرهاب العالمي, كانت ردة فعل الإيرانيين أن بدأوا بملاحقة الشباب واعتقالهم، والبدء بعملية ترحيلهم الى أوطانهم السابقة، أو الى حيث يريدون، المهم أن يخرجوا من إيران فقط.
الخطوات التي اتخذها ضدنا الإيرانيون أربكتنا وأفشلت 75 في المئة من خطتنا, تم اعتقال العدد الأكبر من الشباب, مجموعة أبو مصعب تم اعتقال نحو 80 في المئة من أفرادها، كان لابد من وضع خطة سريعة لخروج أبو مصعب والاخوة الذين بقوا طلقاء معه، الوجهة كانت العراق, الطريق، الحدود الشمالية بين العراق وإيران.
الهدف كان الوصول إلى مناطق السنة في وسط العراق، والبدء بالتحضير والبناء لمواجهة الغزو الأميركي وهزيمته, الاختيار لم يكن عشوائياً وانما كان مدروساً.
كراهية الزرقاوي للأميركان شكلت معالم جديدة لشخصيته
يحلل سيف العدل أبعادا جديدة اكتسبتها شخصية أبو مصعب فيقول "عندما ودعني قاصداً العراق كان أضيف إليها بعد جديد لم يكن سابقا، هذا البعد الجديد كان يتركز على ضرورة الاقتصاص من الأميركان على ما ارتكبوه من جرائم شاهدها بأم عينه أثناء القصف على أفغانستان، اصبح الحقد والعداء الذي يكنه أبو مصعب للأميركان كفيلاً بتشكيل معالم جديدة لشخصية أبو مصعب.
أنا لا أستطيع أن اكتب بالتفصيل عن هذه الشخصية الجديدة، فلم التق به ثانية بعد أن غادر إيران، لكني استطيع القول من خلال ما اسمعه عنه، انه اصبح قائداً محنكاً قادراً على إدارة الصراع مع قوى الكفر العالمي من الأميركان والاسرائيليين ومن والاهم والانتصار عليهم".
مرة أخرى يدفع العالم دفعا إلى البحث عن العالم السري لأبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي صار منذ يومين خبرا رئيسيا في وسائل الاعلام العالمية من فضائيات وصحافة ومواقع انترنتية، منذ نشر أحد هذه المواقع المنسوب للقاعدة بيان إصابته بأسلوب يوحي أنه بيان نعي وتأبين وهو ما اتفق عليه العديد من الأصوليين الإسلاميين.
الجدل استمر طوال يوم (الأربعاء 25/5/2005) وتجدد يوم (الخميس 25/6) مع خبر عاجل بثه موقع إسلامي على الانترنت عن قرار لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بتعيين "أبو حفص القرني نائبا للمجاهدين". وهو بيان تم تحليله على نطاق واسع أيضا بأن الزرقاوي أم قتل بالفعل أو أن إصابته خطيرة للغاية، خاصة أن هناك أنباء تحدثت عن نقله للعلاج في دولة مجاورة للعراق بواسطة طببيبين كانا معه، أحدهما من الجزيرة العربية.
بيان تعيين أبي حفص القرني، يشير عمليا إلى زيادة سطوة أعضاء التنظيم من السعودية، وربما انتقال التنظيم إلى مرحلة جديدة، هنا علينا أن نتوقع شرايين إقتصادية جديدة ودعما لوجستيا من عناصر للقاعدة في مناطق أخرى في العراق ربما لم تكن متوافقة تماما مع منهج الزرقاوي.
واقعيا وفي مناطق أخرى وليكن الشيشان نموذجا وقبل ذلك الجزائر، لا يمكن أن يؤخذ مقتل زعيم التنظيم على أنه النهاية لعمليات التنظيم العسكرية، فمع الخلفاء كانت تنتقل لشكل أكثر شراسة وتتمدد لتتصل بجماعات أخرى. وهذا قد يكون سبب تحفظ المسئولين الأميركيين بشأن إحتمالات مقتله أو بشأن التحليلات التي استيشرت أن يكون ذلك مؤشرا لقرب انتهاء عمليات المقاومة في العراق.
غموض اسطوري
العالم السري لأبي مصعب الزرقاوي لا يقل في غموضه إن لم يزد عن العالم السري لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فأبو مصعب يتمتع بصفات غامضة جعلته أشبه بالأسطورة، يتحرك منذ الغزو الأميركي للعراق داخل دولة لا تتمتع بنفس المواصفات الجغرافية الصعبة لأفغانستان، حيث المفترض أن بن لادن يختفي فيها، والأخير لم يتبن عملية واحدة منذ سقوط حركة طالبان، بينما تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين يتبنى بشكل يكاد يكون يوميا، عمليات تتم ضد الأميركيين والأجانب وقوات الشرطة العراقية، حتى تلك التي يروح ضحيتها المدنيون، فيما لا يتوقف البحث الأمريكي عن الزرقاوي، وفي كل مرة يقول أمريكيون أو مسئولون أمنيون عراقيون أنه أفلت في اللحظات الأخيرة.
هذا العالم السري الغامض جعل بعض المراقبين والصحفيين يصفه بالرجل الشبح والأكذوبة الأمريكية التي يصدقها الآخرون، فعندما ضربوا مدينة الفلوجة باعتبارها مركزا له ومركزا للمقاومة، ودمروها من بيت إلى بيت، لم يعثروا له على أثر رغم أنهم حاصروا المدينة من كل الجهات.
وفي محاولة لإزاحة بعض الجوانب من هذا العالم السري نشرت صحيفة " الرأي العام" الكويتية معلومات نسبتها للضابط المصري السابق في القوات الخاصة " سيف العدل" المسئول الأمني في "جيش قاعدة الإسلام العالمي" وهو أيضا من كبار المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية، ورصد مبلغ 25 مليون دولار لمن يدلي بأية معلومات تقود إلى القبض عليه. وكان قد هرب الى المملكة العربية السعودية, ومنها التحق بباكستان في 1988 ليشترك في القتال ضد السوفيات في افغانستان.
وكان من أعضاء "اللجنة الأمنية" للقاعدة طيلة سنوات, ويعتقد انه خلف محمد عاطف " أبو حفص المصري" في القيادة العسكرية بعد ان قتل هذا الأخير في الهجوم الأميركي على أفغانستان. وكان قد تردد في العام الماضي أنه معتقل في إيران، ثم تبين أن تلك الأخبار غير صحيحة.
يقول سيف العدل، في التقرير الذي نشرته الصحيفة، ان ما قرأه ابو مصعب الزرقاوي عن نور الدين زنكي كان له دور كبير في اختيار الانتقال إلى العراق بعد سقوط «الإمارة الإسلامية في أفغانستان»، وان "الحقد الذي يكنه أبو مصعب للأميركيين اصبح كفيلاً بتشكيل معالم جديدة لشخصيته".
وكتب سيف العدل، في ما يبدو انه تأريخ لسيرة الزرقاوي، ان "أبو مصعب ورفاقه الأردنيين والفلسطينيين اختاروا الذهاب إلى العراق، بعد دراسة ومناقشة طويلة، فهم بسحنهم ولهجاتهم يستطيعون الانخراط والاندماج بالواقع العراقي بسهولة، وقد كانت توقعاتنا ودراستنا المعمقة للأمور تشير إلى أن الأمريكان لا بد من أن يخطئوا ويغزوا العراق عاجلاً أم آجلاً، وان هذا الغزو سيهدف إلى إسقاط النظام، فلا بد لنا من أن نلعب دوراً مهماً في المواجهة والمقاومة".
ويضيف سيف العدل انه على أثر غزو افغانستان "شكلنا والزرقاوي حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية في ايران، وكان الاخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات سبقونا إلى هناك وبحوزتهم مبالغ وفيرة"، موضحا ان «الخطوات الإيرانية اللاحقة أربكتنا وأفشلت 75 في المئة من خطتنا، حيث تم اعتقال نحو 80 في المئة من افراد مجموعة الزرقاوي". ونشير هنا إلى أن سيف العدل نفسه تردد أنه من ضمن الذين اعتقلتهم ايران وظل ذلك سائدا لمدة طويلة بين التيارات الأصولية إلى أن ثبت عدم صواب ذلك.
سيرة أبي مصعب
يقول سيف العدل دون أن يحدد من الذين يقصدهم: " وصلتني رغبتكم في الكتابة عن تجربتي مع الأخ الحبيب أبو مصعب (أحمد فضيل), ترددت في ذلك كثيراً في البداية، لكن وبعد الاستخارة وجدت أن قلبي انشرح لهذا الأمر، ولذلك بدأت الذكريات والأفكار بالتوارد على ذهني تباعاً".. ثم يضيف: "بعد أن منَّ الله على المجاهدين المسلمين في أفغانستان بالنصر المبين على الكفرة والمشركين من المرتدين والروس، وبعد الخلافات التي أخذت بالبروز بين فصائل المجاهدين الأفغان، بدأ الكثير من اخوتنا العرب التفكير بالعودة إلى أوطانهم الأصلية، لا سيما الاخوة السعوديون واليمنيون والأردنيون، الذين لم تكن لديهم مشاكل أمنية في أوطانهم، على عكسنا نحن المصريين، وإخواننا السوريين والجزائريين والليبيين، فلم يكن لدينا خيار سوى البقاء في أفغانستان، أو التحول إلى ساحات جهاد ساخنة، أو الذهاب إلى مناطق آمنة بالنسبة لنا، لا توجد فيها حكومات مركزية قوية، وتوجد لنا فيها تحالفات قوية على الأرض".
ويستطرد: "من هنا كان اختيارنا للسودان والصومال، وبعض دول إفريقيا الضعيفة، وذهب بعض الاخوة مبكرين إلى الدول التي استقلت عن دولة الاتحاد السوفياتي المنهار، وبعض الاخوة ساح في بقاع الأرض، وكان هناك رأي من بعض الاخوة المخلصين الواعين، أن ما حصل ويحصل هو خسارة كبيرة لا بد من اتخاذ خطوات سريعة وعملية لإيقافها، واستدراك ما فات، فهذه الطاقات والخبرات التي تحملها هذه النفوس العظيمة المخلصة، لا بد من تجميعها وتأطيرها واستخدامها في إحداث التغير المنشود، فكانت فكرة قاعدة الجهاد المباركة خطوة أولى على هذا الطريق".
مرحلة الاعداد
ويتحدث سيف العدل عن مرحلة الإعداد قائلا: "بدأنا بتجميع المعلومات التي نحن بحاجة لها لاعادة ترتيب عملنا، وكان من أوليات هذا العمل هو تحصيل المعلومات القديمة والجديدة عن كل رواد الجهاد، الذين شاركوا في الجهاد على الساحة الأفغانية، وكان من هؤلاء الرواد اخوتنا الأردنيون والفلسطينيون على رأس القائمة التي لا بد من اعادة دراستها، وتجديد المعلومات عن شخوصها.
ولذلك كنا نتابع المحاكمات العسكرية التي تعقدها محكمة أمن الدولة الأردنية، لاخواننا من الأفغان الأردنيين العائدين، وكذلك للمجموعات الإسلامية الصغيرة المتعددة، التي كانت تحاول القيام ببعض الأعمال الجهادية ضد دولة العدو الصهيوني في فلسطين الحبيبة، انطلاقا من الأراضي الأردنية، وكان الأبرز ظهوراً من الناحية الإعلامية من بين هؤلاء الاخوة (الأخ أبو محمد المقدسي) و(الأخ أبو مصعب) من خلال متابعة وقائع محاكمتهما في قضية التوحيد (بيعة الإمام). وكان أخونا عمر أبو عمر (أبو قتادة) يركز على نشر انتاج هؤلاء الأخوة في مجلته (المنهاج) التي كان يصدرها في لندن, فقرأنا رسائل الأخ أبو محمد المقدسي، ورسائل الأخ أبو مصعب ومرافعتهما التاريخية أمام هيئة المحكمة".
وصول الزرقاوي إلى باكستان
يقول سيف العدل: " كان الأخ أبو قتادة الفلسطيني، لا يفتأ يبشرنا بأن لنا اخوة جيدين، ينشطون في الأردن، وأن لهم مستقبلا واعدا على طريق الدعوة المباركة.
فرحنا كثيراً عندما سمعنا عن اطلاق سراحهم أوائل عام 1999، ولم نفاجأ عندما وصلتنا معلومات أن الأخ أبو مصعب وبعض اخوته، قد وصلوا إلى باكستان.
وأقول لم نفاجأ بهم، لان فكرة الانحياز إلى جماعة المسلمين المجاهدة ومناصرتها أينما كانت، هي واجب على كل من يفهم الإسلام وعقيدته فهماً سليماً".
كانت المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى ان أبا مصعب كان يقصد الذهاب إلى الشيشان، فقد كانت الساحة الإسلامية الأكثر سخونة، والأكثر توجهاً في ذلك الوقت، وإذا ما حاولنا تحليل هذه المعلومات، فهي تشير إلى ان الأخ أبو مصعب على درجة عالية من الوعي والصدق في توجهاته. فالذهاب إلى الشيشان يعني الاستعداد التام للتضحية والعطاء في سبيل ما يؤمن به ويدعو له، فالتغير المنشود في واقع الأمة لا يمكن تحقيقه بالأماني والتبشير والتنظير بحتمية النصر، والتمكين النظري فقط، وانما هو بحاجة إلى ممارسة فعلية عملية صادقة ". ويشير سيف العدل إلى مشاكل حصلت لأبي مصعب ورفيقيه مع الأمن الباكستاني تتعلق بأمور الإقامة "أدت الى توقيفهم، وتم الاتفاق على إطلاق سراحهم شرط مغادرة باكستان، ولم يكن أمام أبو مصعب ورفيقيه إلا اختيار الدخول إلى أفغانستان".
في بيت الضيافة بقندهار
يقول سيف العدل "وصلتني أخبار عن وصول مجموعة من الأردنيين إلى قندهار، كنت مشغولاً بأمور تتعلق بعملي خارج المنطقة، وعدت إلى قندهار بعد وصول أبو مصعب بنحو أسبوعين، وبعد ذلك توجهت للقائه في بيت الضيافة المخصص لإقامة الضيوف والقادمين الجدد. أبو مصعب وأبو محمد المقدسي لم يكونا بحاجة إلى تزكية مسبقة لدينا، فأخبارهما ووقائع المحاكمات العسكرية التي عقدت لهما في الأردن، وما طرحاه من أفكار علنية في هذه المحاكمات كانت كما أسلفنا، كفيلة بتزكيته، وأبو قتادة وأحد مشايخ الجهاد الأردنيين كانوا أوصوا بهما خيراً.
ولا بد لي أن اذكر هنا أنني قمت بلقاء الأخ المسؤول لدينا عن متابعة أبو مصعب ورفيقيه، لأخذ صورة عما جرى بين الاخوة وبين أبي مصعب، وكانت النتيجة المحصلة تقول: ان أبو مصعب لديه أراء متشددة في بعض القضايا والأمور، لم يتم الاتفاق عليها بينه وبين الاخوة. هذا الأمر أثار حفيظتي، وفتح لدي باباً واسعاً من الذكريات الشخصية جعلتني أستعيد معظم المحطات المهمة في تاريخي وعلاقاتي، بعد أن هداني الله لفهم الإسلام السليم والصحيح في بداية الثمانينات.
هذه الذكريات أوجدت لدي تبريراً وعذراً مسبقاً لأبو مصعب قبل أن التقي به, وصلت إلى المكان الذي كان يقيم فيه أبو مصعب، بعد انتهاء صلاة العشاء، وكان برفقتي أحد الاخوة المصريين الذي تعود أصوله الى الجماعة الإسلامية في مصر، وهو من تلاميذ الشيخ عبد الآخر، والذي لم يكن على وفاق تام مع الاخوة الشيوخ، بسبب بعض الاجتهادات الحركية والعملية. دخلنا المضافة، فوجدنا الأخ أبو مصعب ورفيقيه على الباب في استقبالنا، فقد كنت بعثت بخبر قدومي قبل ساعتين من ذلك، تعانقنا مع الاخوة وقدمنا لهم التهاني بالسلامة والفرج ودخلنا الى المضافة.
للوهلة الأولى تستنتج انك تجلس مع أشخاص عاديين جداً من حيث البساطة والتواضع، قمنا بالتعريف عن أنفسنا في شكل مبدئي، وبدأنا بالحديث, وجدت أنني اقف أمام رجل يتطابق معي في كثير من الصفات الشخصية، رجل صلب البنية لا يتقن فن الكلام كثيراً، يعبر عما يجول في نفسه وفكره بكلام مقتضب، لا يتنازل عن أي شيء مقتنع فيه، لا يهادن ولا يساوم، لديه هدف واضح يسعى الى تحقيقه، وهو اعادة الإسلام إلى واقع الحياة البشرية، ليست لديه تفاصيل كثيرة عن الطريقة والأسلوب والوسائل لذلك، سوى تحقيق التوحيد وفهم العقيدة السليمة وجهاد أعداء الأمة. تجربته الشخصية في الحياة والعمل ليست واسعة، لكن طموحه كبير، وأهدافه واضحة، أسهبتُ في الاستفسار منه عن واقع الأردن وفلسطين, معلوماته عن الأردن كانت جيدة أما عن فلسطين فكانت ضعيفة جداً".
في إجتماع مع بن لادن والظواهري
ويواصل سيف العدل ذكرياته عن لقائه الأول بأبي مصعب فيقول: "بعد ذلك انتقلنا لموضوع النقاط الخلافية مع الاخوة، سمعنا منه ولم نناقشه في ذلك، فقد كان هدفنا كسبه إلى جانبنا ابتداء، استمرت جلستنا نحو خمس ساعات متواصــلة وسمعنا منه كل ما لديه، وتركناهم متواعدين على اللقاء بعد يومين. وفي صبيحة اليوم التالي، كان لي ترتيب مسبق للاجتماع بالشيخين، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكان لدينا جدول أعمال متفقا عليه للمناقشة، وبعد الانتهاء من جدول الاجتماع، طرحت موضوع الأخ أبو مصعب للنقاش، حيث أن الأخوة كان لديهم تصور مسبق وواع للموضوع، فالنقاط الخلافية مع أبو مصعب لم تكن جديدة علينا ولم تكن وحيدة، فمئات الاخوة الذين يأتونا من مناطق متعددة من العالم كنا نختلف معهم في بعض الأمور والقضايا، وكل هذا كان مصدره الفهم المتعدد لبعض جوانب العقيدة في ما يتعلق بالولاء والبراءة، وما يترتب عليهما من مواضيع التكفير والإرجاء، والقضية الثانية هي أساليب العمل، والتعامل مع الواقع المعاش، كلٌ في محيطه وموطنه الأصلي".
ويضيف سيف العدل إنه قام "بتقديم اقتراح للاخوة يقضي بتفويضي بالتعامل مع هذه الحالات،أي حالة أبو مصعب وما يشابهها، لأنه ليس من العدل فقهياً، ولا من الصحيح حركياً، ترك أو عدم التعاطي مع كل أخ أو مجموعة قد نختلف معها على جزئيات محدودة أو تفاصيل صغيرة.
أسباب خروج ابو مصعب من الأردن
المعلومات التي كانت لدينا تقول، أنه لا يوجد لـ «القاعدة» أو لفكرها في فلسطين والأردن، أنصار كثر، وكانت الخطة المتفق عليها بين الاخوة تعطي أهمية للتواجد والانتشار في الأردن وفلسطين، فالقضية الفلسطينية هي قلب الأمة الجريح النابض، ومن يكن في عمله على تماس معها يكون قريباً من مشاعر الأمة, وضرب الإسرائيليين والقضاء على دولتهم مرتبط بالتغير والتحرير في واقع الأمة، ولا تغير ولا تحرير إذا لم تضعف إسرائيل ويقضى عليها, فالنظام الإقليمي المرسوم بالمنطقة يرتبط استمراره بوجود دولة إسرائيل، وهو موجود لخدمة أهدافها وتمهيد الطريق أمامها للتوسع والانتشار، والارتباط بين النظام العربي القائم حالياً ووجود دولة إسرائيل هو ارتباط جدلي، والمتفق عليه لدينا في هذا الخصوص أنه لا تحرير من دون تغير، ولا تغير إذا لم تضعف إسرائيل ولا ضعف لإسرائيل إذا لم تضعف الأنظمة العربية الخادمة لها من ناحية، وإذا لم ترفع حبال الدعم الغربي عنها وعن الأنظمة, لذلك فالنتيجة المنطقية تقول لابد لنا من أن نتواجد في كل مكان على هذه الأرض، فكيف نترك هذه الفرصة السانحة للتواجد في فلسطين والأردن، وكيف نضيع فرصة التعامل مع أبو مصعب واخوته وأمثاله من سائر البلدان الأخرى.
وأخيراً، وافق الاخوة بعد ساعتين من النقاش المتواصل على تفويضي في التعامل مع هذا الموضوع، مع توفير ما يلزم لذلك, حمدت ُالله سبحانه وتعالى على هذا التوفيق الذي كان يؤرقني منذ أكثر من عشر سنوات، فأنا كذلك لم أكن على وفاق مع الجميع، خصوصاً في النواحي العملية الإجرائية التكتيكية والاستراتيجية منها، فقد بدأت هذه المشكلة معي منذ اليوم الأول لاعتقالي في مصر في 6/5/1987 على قضية إعادة تشكيل تنظيم الجهاد، والإعداد لمحاولة قلب نظام الحكم، والتي سجلت بقضية الجهاد "401" والتي اعتقل في ظروفها ما يقارب من ستة آلاف اخ بقي منهم للمحكمة 417، وارتبطت القضية بمحاولة اغتيال وزير الداخلية المصري الأسبق حسن أبو باشا، والكاتب الصحافي مكرم محمد احمد, كنت حينها ضابطاً في القوات الخاصة المصرية برتبة مقدم، وكان معي من القوات الخاصة والحرس الخاص الأخ الرائد محمد البرم".
ويستطرد سيف العدل: " وجدت أن الاخوة في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، لم يكونوا يمتلكون من الخبرات العملية ما يمكنهم من إحداث التغير المنشود، ويعود ذلك برأيي ورأي بعض الاخوة الى الحماس الزائد جداً، الذي يدفع إلى التسرع الشديد دائماً، والى التهور في بعض الأحيان، وكذلك إلى عدم امتلاك الخبرات اللازمة في العمل، وكذلك إلى عدم وجود خطة مسبقة على المدى القصير والبعيد، وعدم وجود رؤية لاستخدام طاقات الأمة وتفعيلها لأعلى المستوى البشري وليس المادي، فالتغير بحاجة إلى فكر وإنسان ومادة وقيادة مخلصة مجربة واعية، تمتلك رؤية وخطة تحدد من خلالها أهدافها ووسائلها، وتكون رايتها واضحة سليمة لا لبس فيها".
ويرى سيف العدل من وجهة نظره أن الأسباب التي دفعته للخروج من مصر بعد انتهاء القضية المذكورة " تتشابه كثيراً مع الأسباب التي دفعت أبو مصعب للخروج من الأردن، بل تكاد أن تتطابق لشدة تشابهها" ومن هذه الأسباب التي يراها:
1ـ " الأجهزة الأمنية في مصر والأردن أصبحت ترى أن التهديد الرئيسي الذي يواجه النظام، هو الجماعات الإسلامية العقائدية، التي لا ترى حلولاً وسطا، وتدعو إلى التغير الجذري الانقلابي الشامل، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وبناء على ذلك، فهي تتابع العمل الإسلامي ليل نهار، وتحاول أن توجه له ضربات استباقية لحرمانه من فرصة النجاح في عملية البناء الهادئ الهادف المنتج".
2 ـ " أصبحت الأجهزة الأمنية في هذين البلدين تقوم بمحاولات تجنيد عملاء ومخبرين لها في صفوف هذه الجماعات، وقد نجحت في هذا المجال أيما نجاح لأسباب عدة، لا مجال لذكرها هنا، مما ولد لدينا شعوراً بضرورة أن تكون قيادة هذا العمل بعيدة عن الضربات، حتى يتسنى لها التخطيط الجيد والتنفيذ الجيد".
3 ـ "الإمكانات الداخلية المادية في هذين البلدين اللازمة لإنجاح التغير الإسلامي المنشود غير متوافرة، ولا بد من طرق الأبواب الخارجية، والبحث عن تمويل كبير".
4 ـ " التواصل والتوحد مع الأفراد والجماعات الإسلامية المخلصة، لا يمكن أن يتم في ظل التواجد تحت رحمة وطول اليد للأجهزة الأمنية في هذه الدول، فكان لا بد من الخروج".
5 ـ "مناصرة القضايا الإسلامية الساخنة، فالحر الكريم لا يقبل الضيم والذل لأهله وأمته".
مشروع جديد يعتمد على الزرقاوي
ويقول سيف العدل: "بعد أن أخذت موافقة الشيخين على تفويضي بالتعامل مع حالة الأخ أبو مصعب وأمثاله، قمت بالاتصال ببعض الاخوة الذين أثق بقدرتهم الفكرية والنظرية، وبتجربتهم العلمية الواسعة، وعقدنا اجتماعا طارئا وسريعا، ناقشنا فيه الموضوع من كل جوانبه، وخرجنا بقرارات مهمة، بعد أن استمر اجتماعنا نحو 9 ساعات، تخللها توقفنا لأداء الصلاة وتناول وجبة طعام.
أصبح لدي تصور واضح وكامل عن مشروع جديد وكبير، نجاحه المبدئي يرتبط بموافقة الأخ أبو مصعب، وتوجهت إلى الله تعالى بالدعاء الصادق في أن يوفقني في اقناع أبو مصعب ورفاقه بهذا المشروع الجزئي في أهميته بالنسبة للمشروع الإسلامي الكبير، الذي نعمل من اجل انجاحه و انجازه.
في اليوم التالي كان موعدنا مع الأخ أبو مصعب في الساعة التاسعة صباحاً، توجهت أنا والأخ المصري الذي أشرت إليه في المرة السابقة، واصطحبنا معنا أحد الاخوة المنحدرين من جزيرة العرب، وهو حجازي الأصل، ومن الذين كان لهم باع طويل في قضايا الجهاد والعمل الإسلامي في ساحات متعددة، وكان على وفاق وتوافق معي في معظم القضايا.
لم ندخل هذه المرة الى المضافة وانما طلبنا من أبو مصعب أن يرافقنا منفرداً، صعد معنا الى السيارة، وتوجهنا إلى بيت الأخ الحجازي، وقمنا بتعريف أبو مصعب عليه، وشعرت أن ابو مصعب تقبله وانشرح صدره له. بدأت أنا بالحديث، فقد كنت صاحب المشروع الذي يمتلك التصور الكامل عن جوانبه وأهدافه. النقطة الأساسية في المشروع، تستند إلى ضرورة إيجاد منطقة في أفغانستان، يتم فيها إنشاء معسكر بسيط للتدريب اليومي، بحيث يقوم أبو مصعب بالإشراف عليه، وتهدف إلى استقطاب أخوة من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان والعراق وتركيا، لأهمية هذه المناطق بالنسبة لنا، وبسبب تقديرنا أننا ضعفاء فيها.
النقطة الثانية والتي كنا ناقشناها مع بعض الخبراء من الاخوة، أن المنطقة التي سيتم اختيارها يجب أن تكون بعيدة عن تواجدنا الرئيسي من ناحية، وان تقع على الحدود الغربية لأفغانستان، والمحاذية لإيران، ويرجع ذلك إلى أن طريق الاخوة الآمن، كان اصبح عن طريق إيران، بعد أن بدأت السلطات الباكستانية بالتشديد علينا وعلى حركتنا، بحيث اصبح وصول الاخوة العرب والآخرين إلى أفغانستان عن طريق باكستان صعب جداً، في حين أن الاخوة كانوا يستخدمون طريق تركيا ـ إيران ـ أفغانستان بسهولة ويسر".
معسكر في هيرات يشرف عليه أبو مصعب
وقال سيف العدل إن "المدينة المناسبة التي تم اختيارها كانت هيرات، وهي اقرب مدينه أفغانية الى الحدود الإيرانية، وبذلك فهي بعيدة نوعاً ما عنا، والوصول إليها والخروج منها اكثر يسراً، أما ما يخص الإمكانات المادية، تكفل الأخ الحجازي وبعض رفاقه بتوفيرها بما يتناسب مع الحجم البشري الذي سيتواجد في هيرات، وكذلك بما يتناسب مع مقتضيات العمل.
أحدى النقاط التي طرحناها أننا لا نريد من ابو مصعب ومن يتواجد معه بيعة كاملة، وانما نريد تنسيقا وتعاونا لخدمة أهدافنا المشتركة, وأوضحنا له أننا على استعداد لتقديم التدريب الخاص والمتخصص لأي فرد أو مجموعة متميزة من طرفه، وتكفلنا ان نقوم بعملية التنسيق مع الاخوة في حركة طالبان حتى لا تكون هناك أي إعاقات شكلية قد تطرأ في المستقبل، طرحنا موضوع إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من اجل تسهيل عملية عبور الاخوة دخولاً وخروجاً، من والى أفغانستان.
كان الهدف من وراء هذا الطرح كله، التواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي، وإيجاد فرصة لجمع الاخوة المخلصين، خصوصاً الذين لا تتفق وتتطابق أفكارهم مع أفكار القاعدة، من باب التكامل المرحلي، والتطابق في المستقبل القريب بإذن الله".
أبو مصعب يؤجل الرد على مشروع القاعدة
حاولنا أن نأخذ رداً سريعاً من أبو مصعب إلا انه قال: لدي مشاورة، فالأخ خالد العاروري والأخ عبد الهادي دغلس صحباني منذ بداية الطريق، ولهم الحق على بالمشورة والتناصح، واتفقنا على اللقاء بعد يومين، كان الموعد يوم الجمعة، وقد دعانا الأخ الحجازي على الغداء، وافق الجميع وأوصى أبو مصعب اصطحاب رفيقيه على الغداء، واتفقنا على ارسال سيارة لهم قبيل الصلاة، حتى نتمكن من الصلاة معاً.
فعلاً هذا ما حصل بعد يومين، قمنا بأداء صلاة الجمعة معاً، وتوجهنا الى بيت الأخ الحجازي، وكان الغداء عبارة عن كبسة عربية، وبدأنا بالحديث على الطعام، أخذ عبد الهادي بالاستفسار والاستيضاح عن بعض النقاط، واتضح من استفساراته أنه يتمتع بذكاء لا بأس به. وفقنا الله سبحانه وتعالى بالإجابة عن كل الاستفسارات التي طرحت، وكانت النتيجة الموافقة التامة على المشروع من قبل أبو مصعب ورفيقيه، وتم الاتفاق على أن نباشر الإعداد من الغد".
45 يوما تدريبا للزرقاوي ورفيقيه
ويشرح سيف العدل الخطة بأنها "كانت تقضي أن يبدأ أبو مصعب ورفيقاه نوعاً خاصاً من التدريب لمدة 45 يوما، وفي هذه الأثناء نتكفل نحن بالإعداد والتحضير في هيرات ومشهد على التوالي، وبدأ أبو مصعب بالاتصال برفاقه لحضهم على القدوم إليه. لاحظت أثناء التدريب أن أبو مصعب ورفيقيه، لديهم نهم شديد للتدريب، وكانوا يقسون على أنفسهم كثيراً، نحو الوصول إلى مستويات أعلى دائماً.
انتهت فترة التدريب سريعاً وبدأنا بالاستعداد للانتقال إلى هيرات، حسب الخطة، وقد وصلنا في هذه الأثناء اثنان من الاخوة السوريين، فقمنا بطرح فكرة هيرات عليهما، فوافقا عليها من دون تردد، وانتقلنا إلى هيرات، فوجدنا الاخوة قد اختاروا لنا منطقة تقع على أطراف هيرات، وتحوي على معسكر قديم صغير الحجم، وقد زودوه بما يلزم ابتداء.
أقمنا معهم في هيرات أربعة أيام، شعرت في نهايتها، أننا أصبحنا وأبو مصعب ورفاقه الأردنيون والسوريون على توافق تام بالأفكار، واتفقنا على اللقاء الشهري دورياً، شهرا يحضرون إلينا، وشهرا نحضر نحن إليهم، وأبقينا لديهم ثلاث سيارات بيك آب، من السيارات التي رافقتنا في رحلتنا، ووعدناهم بسيارات أخرى إذا لزم الأمر، وقمنا بتوديعهم وعدنا راشدين.
تركنا أبو مصعب مع رفيقيه خالد وعبد الهادي والاخوة السوريين، ونحن على يقين وقناعة انهم سينجحون، بل سيتفوقون في مشروعهم هذا، فالجميع كان يمتلك عزيمة قادرة على هد الجبال، فحرقتهم وهمهم على الإسلام والمسلمين لم أشاهد لها نظيرا، عندما وصلنا الى مقرنا، قدمنا تقريراً مفصلاً للاخوة، وشعرت أن الإنجاز الحاصل حاز الرضا والقبول".
عائلتان من حلب وصلتا هيرات
ثم يردف سيف العدل قائلا: "مر شهر كامل على عودتنا من هيرات، قمنا خلاله بإعداد ثلاث سيارات بيك آب، وحملناها بما يلزم من مواد نعتقد أن الاخوة هناك بحاجة إليها، وانطلقت أنا وخمسة من رفاقي العرب، بينهم الأخ الحجازي سالف الذكر، وصحبنا اثنين من الاخوة الأفغان، وصلنا الى هيرات بعد العصر، وكنا اخبرنا أبو مصعب عن موعد وصولنا، فوجدنا الاخوة بانتظارنا، وكانوا اعدوا لنا طعام الغداء، الملفت للإنتباه أن الطعام الذي قدم لنا احتوى على أصناف عديدة، وكان الطابع الشامي غالباً عليه، وكان متقن الصنعة ولذيذا، وكان يختلف عن الطعام الذي تناولناه في الأربعة أيام التي أقمناها في هيرات في الشهر الماضي، استفسرت عن الموضوع، فقيل لي أن عائلتين سوريتين، أصلهما من حلب، من الذين كانوا يقيمون في تركيا، وصلتا الى هيرات قبل خمسة أيام، وهما اللتان قامتا بإعداد الطعام, كان هذا الخبر مفرحاً جداً بالنسبة لي لأنه يعني أن الفكرة بدأت تأخذ طريقها إلى النجاح، حمدت الله كثيراً على ذلك وانتقلنا للاستفسار عن الأحوال وعن الصعوبات التي واجهتهم خلال الشهر الماضي، وما تم إنجازه بحيث كانت النتائج الحاصلة كما يلي:
1 ـ استطاع أبو مصعب ورفاقه تمتين العلاقة مع الاخوة المسؤولين في «طالبان» في المنطقة، ومن خلال هذه العلاقة، استعد الاخوة في «طالبان» لوضع كل إمكاناتهم المتوافرة لخدمة المشروع والسعي الى انجازه.
2 ـ العدد الذي تركناه في هيرات كان خمسة أفراد، أبو مصعب ورفيقيه، والأخوين من سورية, وجدنا أن العائلتين السوريتين اللتين قدمتا الى هيرات، تتكونان من 31 فردا وهم رب الأسرة وثلاثة شباب فوق سن السادسة عشرة، وامرأتان، وست فتيات، وهذا يعني أن عدد العرب في هيرات اصبح 18 شخصا.
3 ـ وجدنا أن الأخ أبو مصعب، وبالتعاون مع الاخوة السوريين أعدوا برنامجاً عسكرياً وثقافياً تعبوياً، كان رائعاً في تقديري آنذاك، بحيث كان يركز البرنامج الثقافي على البناء العقائدي وعلى حفظ القرآن وعلى دراسة التاريخ والجغرافيا.
4 ـ إتضح لنا أن الأخ أبو مصعب ورفاقه اتفقوا على رسم هيكلية تنظيمية لمجتمع متكامل، في ظل توقعاتهم بأن المئات من الاخوة وعوائلهم ستلتحق بهم، وتصل إلى هيرات قريباً.
5 ـ علمنا أن الأخ أبو مصعب أرسل إشارة إلى اخوته في الأردن، يبشرهم فيها عن بدايات نجاحه في أفغانستان، ويطلب ممن يستطيع الهجرة إليها بان يهاجر، وأرسل في طلب عياله وعيال خالد وعبد الهادي، وكذلك فعل الاخوة السوريون، وهذا إن دل فإنما يدل على قناعتهم بنجاح المشروع وأهميته.
حمدنا الله على هذا التقدم الرائع، وتناقشنا في المستجدات، في ما يتعلق بزيادة الإمكانات وفي ما يتعلق بمحطة مشهد واسطنبول".
عائلة ابو مصعب وثلاث عائلات سورية جديدة في هيرات
أمضينا لديهم ثلاثة أيام، شاركناهم فيها برنامجهم اليومي حيث كان الحماس والإخلاص غالباً عليهم، وودعناهم واتفقنا أن يحضروا إلى طرفنا بعد شهر، وعدنا إلى مقرنا مسرورين متفائلين، حتى أن الأخ الحجازي بدأ يفكر جدياً بالالتحاق بأبو مصعب ورفاقه في هيرات، وقمنا بإضافة المعلومات والنتائج الجديدة إلى ملف هيرات، الذي كنا فتحناه منذ ثلاثة شهور واطلعنا الاخوة المعنيين على المستجدات.
مجتمع إسلامي مصغر
مرت الأيام سريعاً، وجاء أجل موعدنا الشهري، حيث حضر فيه الأخ أبو مصعب والأخ السوري أبو الغادية، وكانت هناك بشائر جديدة؛ العدد في المعسكر من العرب اصبح 42 فرداً بين رجل وامرأة وطفل، من ضمنهم عائلة أبو مصعب ورفيقاه، وكذلك انضمام ثلاث عائلات سوريه جديدة، إحداها قدمت من أوروبا. وبدأ أبو مصعب يبشر بأنهم بدأوا ببناء مجتمع إسلامي مصغر، وان هناك اخوة أردنيين وفلسطينيين سوف يصلون قريباً إلى هيرات، وقال إن طريق إيران ـ أفغانستان أصبحت سالكة ومأمونة، هذه النقطة كانت جديدة ومهمة لنا في القاعدة، وقد قمنا باستغلالها جيداً في المستقبل القريب، بحيث أخذنا نستعيض بها عن الطريق القديم المار بباكستان، خصوصاً في ما يتعلق بحركة الاخوة العرب، وهذه النقطة جعلتنا نفكر بمحاولة بناء علاقة طيبة مع بعض الخيرين في إيران، من اجل تمهيد وتسهيل الطريق اكثر، وللتنسيق في بعض الأمور المشتركة، ولقد تم إنجاز التنسيق مع الإيرانيين لاحقاً.
التنسيق مع الايرانيين
يقول سيف العدل : "كان التنسيق مع أفراد مخلصين في توجهات عدائهم للأميركيين والإسرائيليين، ولم يكن التنسيق مع الحكومة الإيرانية، وخلال هذه الفترة لاحظت على أبو مصعب تطوراً مهماً في شخصيته، فعند لقائنا الأول قبل نحو أربعة شهور من هذا الوقت، لم يكن أبو مصعب مبادراً بالكلام، وكانت أفكاره واهتمامه بالأخبار السياسية العامة محدودة، وأما الآن فقد اصبح مبادراً بالكلام، يهتم بكل الأمور تقريباً، يبادر الى فتح العلاقات العامة التي قد تنجح مشروعه، ولاحظت انه أصبح اكثر إقناعا وتأثيرا على من يقابله في الحديث، حتى أن لهجته أصبحت اقرب إلى الفصيحة منها إلى اللهجة الدارجة، هذه الأمور مجتمعة، كانت تشير الى معالم تكوين شخصية قيادية متميزة, رفيقه السوري كان رائعاً، ويمتلك خبرات واسعة جداً، ويتقن لغات عدة منها الإنكليزية والتركية والقليل من الكردية, وأما بالنسبة للاخوة السوريين الذين تعرفت عليهم في أفغانستان فقد كانوا من أروع وأخلص الاخوة الذين عرفتهم في حياتي، فقد كان للمعاناة التي مروا بها، وما زالوا يعيشونها، دور كبير في تشكيل شخصياتهم، فهم مؤدبون ويطيعون قادتهم، لديهم دوافع للتعلم وكسب الخبرة النظرية والعملية، لذلك فقد كانت درجة اطمئناني على مشروع أبو مصعب تزداد كلما علمت أن أعدادا جديدة من الاخوة التحقوا به.
بقي مشروع أبو مصعب يتقدم ويتنامى، من ناحية أعداد الاخوة الذين تقاطروا للحاق به في هيرات، وكانت جنسياتهم بدأت بالتنوع أكثر، فأصبح لديه سوريون وأردنيون وفلسطينيون وبعض اللبنانيين والعراقيين, واستطاع أن يبني علاقة مع تنظيم «أنصار الإسلام» الكردي، الذي كان ينتشر في شمال العراق، وكانت له قواعد وجود واضح فيه.
مظاهر القيادة على شخصية الزرقاوي
ويمضي سيف العدل في ذكرياته عن ابي مصعب الزرقاوي: "توالت الزيارات الدورية التي كنا نقوم بها لهيرات، وكنا في كل زيارة نلحظ الجديد والتطور على كل المستويات، التنظيمية والإدارية، وقدرات الشباب العسكرية، ومع وصولنا إلى بداية سنة 2001 كان أبو مصعب أصبح شخصا آخر، من حيث الإمكانات والقدرات الشخصية التي اصبح يمتلكها، وانعكس كل هذا على نظرته للأمور، فقد أصبح يفكر في شكل أعمق من السابق في كل قضية تعترضه، وكذلك بدأ يفكر ويخطط للمستقبل في شكل استراتيجي، فقد بدأ يركز على بناء العلاقات مع كل الجنسيات والأعراق من الشباب العرب وغير العرب، الموجودين على الساحة الأفغانية، وبدأ يتجول في كل أفغانستان قاصدا الالتقاء بهم وسماع آخر أخبار مناطقهم الأصلية القادمين منها، ولذلك كان يبقي عبد الهادي دغلس في أغلب الحالات نائبا عنه في هيرات، ويتنقل بصحبة خالد العاروري وسليمان درويش أبو الغادية, وأستطيع القول ان مظاهر القيادة الشاملة بدأت تظهر جلية على شخصية أبو مصعب ومظاهرها كانت تتمحور في النقاط التالية:
1 ـ أصبح لديه همٌ عام على واقع الأمة الإسلامية بمجملها.
2 ـ التفاني والدقة ومحاولة الإنجاز السريع باتت احدى سماته.
3 ـ حب القراءة والاطلاع على كل شيء يدور في العالم أصبح من اهتماماته الدائمة.
4 ـ كان أبو مصعب معجبا بشخصية القائد الإسلامي الفذ نور الدين زنكي، الذي قاد عملية التحرير والتغير التي أكملها البطل صلاح الدين الأيوبي، ولذلك كان يسأل دائما عن أي كتاب متوافر عن نور الدين وتلميذه صلاح الدين، وأعتقد أن ما قرأه عن نور الدين وانطلاقه من الموصل في العراق، كان له دور كبير في التأثير على أبو مصعب، في اختيار الانتقال إلى العراق، بعد سقوط حكومة «الإمارة الإسلامية في أفغانستان».
5 ـ ازداد اهتمام أبو مصعب بالأفراد الذين حوله، وكان يتحدث معي دوما عن الأساليب التي تقوي الترابط الاجتماعي والنفسي بينهم، وأخذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم زواجه ببنات أصحابه أبو بكر وعمر عائشة وحفصة مثلا يُحتذى، فقام بالزواج من بنت أحد أصحابه الفلسطينيين الذين التحقوا به من الأردن، وأخذ رفاق أبو مصعب يتزوجون ويزوجون بناتهم لبعضهم البعض، مع أن أعمار بعض الفتيات كانت صغيرة نوعا ما، إذا ما قارناها بأعمار أقرانهن السائدة في عالمنا العربي, استطاع أبو مصعب واخوته أن يصبحوا عائلة واحدة متماسكة ومتراحمة، من كل النواحي العقائدية والاجتماعية والاقتصادية، وأعتقد أن المودة التي أصبحت تربطهم، باتت شبيهة بما كان عليه صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعتقد أن هذا المثال الحديث والقريب، يجب أن يكون درسا صحيحا ومتجددا لكل العاملين في مجال الدعوة والحركة الإسلامية الحديثة.
6 ـ بعد سنتين من العمل والبناء في هيرات، بدأ أبو مصعب يفكر في ارسال رفاقه الجيدين الذين يثق بهم إلى مناطق خارج أفغانستان، للعمل هناك في موضوع التجنيد وجمع الأموال، وكانت البداية على ما أذكر في اتجاه تركيا وألمانيا، لأن الاخوة السوريين الذين كانوا التحقوا به، كانت لهم امتدادات جيدة في هاتين المنطقتين.
7 ـ أبو مصعب كان من أكثر الاخوة الذين التقيت بهم غيرة على أعراض ودماء وسمعة المسلمين.
هذه هي بعض معالم شخصية الأخ أبو مصعب قبيل أحداث 11/9/2001".
ابو مصعب و خطة هجمات 11 سبتمبر
ثم يتحدث سيف العدل عن ما حدق في 11 سبتمبر فيقول: "في تلك الفترة كنا في «القاعدة»، أكملنا العدة للقيام بالضربة الكبرى، وأبو مصعب لم يكن مطلعاً على الضربة قبل وقوعها، ولا على أهدافها، لذلك قمنا بشرح الأهداف جيداً له، وأطلعناه على بعض التفاصيل المهمة للأهداف المرحلية المقبلة، مع عرض احتمالات الرد الأميركي المتوقع، وكانت تقديراتنا أن الضربة لم تنجح إلا بتحقيق 20 في المئة مما كنا خططنا له، هذا النجاح كان كفيلاً بأن يقوم الأميركان بالرد المطلوب وحصل ما حصل.
ابو مصعب يقود معركة لتخليص أسراه
نعود إلى أبو مصعب، فقد بدأ بالوجود في قندهار برفقتنا اكثر من وجوده في هيرات، واكتسب الكثير من الدروس التي كان لها دور في تكوين صورة شاملة عن مجمل الصراع الدائر في العالم، بين الحق والباطل. بدأ الهجوم الأميركي في نهاية 2001، عاد أبو مصعب إلى هيرات ليكون على مقربة من إخوانه وجماعته، لم تكن لدينا خطة واضحة ومدروسة للمواجهة، منطقة هيرات كانت بها نسبة مهمة من الشيعة، تم قصف معسكرات طالبان وتجمعات قواتهم ومخازن أسلحتهم بعنف، وتحرك المخالفون والشيعة في المنطقة بسرعة وسيطروا علىهذه المنطقة، لم يكن أمام شباب «القاعدة» و«طالبان» وجماعة أبو مصعب إلا الانسحاب السريع، والانضمام إلينا في مناطق الشرق من أفغانستان, حدث وقبل خروج أبو مصعب وإخوانه من هيرات، أن وقعت مجموعة من رفاقهم في اسر قوات الشيعة والمخالفين، وكانت عملية إطلاق سراحهم وإنقاذهم شبه مستحيلة، أصر أبو مصعب ـ حسب ما روى لي ـ على تخليصهم من الأسر، وجمع نحو 25 مقاتلاً من جماعته، وصلى بهم ركعتين صلاة الحاجة، وقام بمهاجمة المنطقة التي احتجز فيها رفاقه، وكان الهجوم مباغتاً مما اربك المدافعين، الهجوم كان عنيفاً، لأنه كان هجوم المستميت الذي لا يرى حلاً غير إنقاذ اخوته، أو الموت دون ذلك".
ويعلق سيف العدل بأن هذه "النتيجة كانت فرار المدافعين، وإنقاذ جميع الاخوة من دون أدنى خسارة، وهذه الحادثة تدل على مدى النجاح الذي تحقق في معسكر أبو مصعب على مدى سنتين، وبعد أن قام أبو مصعب واخوانه بتحرير رفاقهم، اخذوا يستعدون للخروج من هيرات فخرجوا بقافلة مكونة من نحو 135 سيارة، كانت تجمع بينهم وبين العرب من القاعدة في المنطقة وكذلك ما تبقى من طالبان. الطريق كان طويلاً إلى قندهار، والطيران كان يحلق ويحوم في كل أجواء أفغانستان، إلا انه وصلت القافلة سالمة الى قندهار، كان قرارنا في البداية ان لا بد من الدفاع عن قندهار مهما كانت النتائج، بدأنا تأمين نساء الاخوة العرب وأطفالهم، بإرسالهم الى باكستان, وأخذنا بالاستعداد للمواجهة".
قصف بيت تواجد فيه الزرقاوي
ويحكي سيف العدل وقائع هجوم بالطيران بعد رصد مكالمة هاتفية فيقول:
" وفي أحد الأيام كان هناك اجتماع مع بعض الاخوة المهمين، وكان أبو مصعب من بينهم، قام أحد الاخوة باستخدام هاتفه الثريا الذي كان يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، غادرنا مكان الاجتماع أنا وثلاثة من الاخوة, بعد استخدام الأخ لهاتفه بدقائق وبعد عشرة دقائق من مغادرتنا، قامت طائرة أميركية بقصف البيت الذي كنا فيه، وكان أبو مصعب وبعض الاخوة ما زالوا فيه, القصف أسفر عن انهيار سقف المنزل، ولم يقتل أحد من الاخوة، لكن البعض أصيب بكسور، وكان منهم أبو مصعب، حيث كسر له بعض الأضلاع في صدره، وأصيب ببعض الكدمات والرضوض نتيجة انهيار السقف.
بدأ الهجوم على قندهار, وكان هناك قرار جديد من القيادة بضرورة الانسحاب إلى الجبال وإخلاء الجرحى إلى مناطق آمنة وغير مستهدفة، كان المطلوب من أبو مصعب الخروج إلى باكستان، كونه كان من المصابين، إلا انه أبى إلا الالتحاق بنا والاستمرار بالمشاركة في المعركة. الأميركان كانوا يخشون المواجهة المباشرة، ولذلك كانوا يعتمدون على قصف الطيران، وكانوا يستخدمون قوات الشمال من المنافقين والمخالفين في التقدم البري، ومما سلف نستطيع القول أن أبو مصعب ما كان له أن يهرب ولا أن يبتعد عن المواجهة، حتي ولو كان لديه عذر شرعي يستدعي ذلك".
التفكيك والعودة خلال سبع سنوات
وعن نتائج الهجوم الأمريكي يقول سيف العدل: "كان قرار القيادة الجريء بضرورة تفكيك الإمارة والاندماج والانخراط بالواقع الأفغاني من جديد، والعمل على العودة خلال سبع سنوات ضمن خطة محكمة ومدروسة، وقد بدأنا بتنفيذ الخطة فوراً، وبناءً على ذلك كان لا مجال لنا في القاعدة من الاستمرار في الوجود العلني السابق والاستمرار بالعمل بنفس الأنماط السابقة، فكان لا بد من الانسياح المنظم من جديد، في كل المناطق التي نستطيع الوصول إليها في هذا العالم.
كانت خطتنا الانسياح في الأرض جميعا، ومحاولة فتح معارك جديدة ومتعددة مع الأميركان من اجل تشتيت قواهم وحرمانهم من التركيز على منطقة واحدة.
والشكل الذي اختارته القيادة ( قيادة طالبان) للمواجهة في النهاية يعتمد على حرب العصابات الذي يتخذ أسلوب الفر والكر، وهذا يتطلب من الذين يقومون به أن يكونوا من أهل المنطقة، فسحنتنا ولغتنا ولهجتنا كعرب لا يتلاءم مع مثل هذه المهمات، أما من يتقن لغات ولهجات أهل البلاد، فكان له الخيار، البقاء أو الخروج منحازاً إلى اخوة آخرين في مناطق صراع أخرى.
وعملية خروج الاخوة وتفرقهم وانسياحهم في البلاد، تعطينا قوة وإمكانات مادية وبشرية اكثر، نستطيع استخدامها في المعركة، خصوصاً أن المعركة لم تعد محصورة في بقعة جغرافية محدودة وانما مجالها اصبح العالم كله. ويضيف سيف العدل: " كنا ندرك أن هذه الخطوات مهمة جداً لاستمرار الفكرة، ومهمة كذلك في عدم تمكين الأميركان من تحقيق جزء من أهدافهم، وهو القضاء على الاخوة والقضاء على القيادة.
والنتيجة أن الخسائر لدينا كانت قليلة والحمد لله، وان القيادة ما زالت سليمة وتمارس عملها بكفاءة من ارض أفغانستان، وان الشباب الذين إنساحوا في العالم، فتحوا ساحات صراع جديدة بينهم وبين الأميركان ومن يواليهم من المرتدين والمنافقين, ودليلنا على ذلك النتائج التي حققها الأخ أبو مصعب واخوته في العراق.
كنت أنا المسؤول عن تأمين بعض الاخوة العرب وإيصالهم الى إيران، ومن ثم توزيعهم حسب ما نراه مناسباً، وكان الأخ أبو مصعب ومجموعته من ضمن هؤلاء الاخوة".
الذهاب من أفغانستان إلى ايران
يقول سيف العدل: "بدأنا بالتوافد تباعاً إلى إيران، وكان الاخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات من الذين كانوا خارج أفغانستان، سبقونا الى هناك، وكان بحوزتهم مبالغ جيدة ووفيرة من المال، شكلنا حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية، وبدأنا باستئجار الشقق لإسكان الاخوة وبعض عائلاتهم. قام الاخوة في «الحزب الاسلامي» من جماعة قلب الدين حكمتيار بتقديم المساعدة الجيدة لنا في هذا المجال، فقاموا بتوفير الشقق وبعض المزارع التي يمتلكونها ووضعوها تحت تصرفنا.
بدأنا العمل واعدنا الاتصال بالقيادة، وبدأنا بمساندتها ودعمها من جديد، وكان هذا الأمر ضمن أهدافنا من عملية الخروج من أفغانستان، وبدأنا بتشكيل بعض المجموعات المقاتلة للعودة الى أفغانستان لتنفيذ مهمات مدروسة هناك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأنا بدراسة حالة المجموعات والاخوة من اجل اختيار أماكن جديدة لهم.
الأخ أبو مصعب ورفاقه الأردنيون والفلسطينيون اختاروا الذهاب الى العراق، بعد دراسة ومناقشة طويلة، فهم بسحنهم ولهجاتهم يستطيعون الانخراط والاندماج بالواقع العراقي بسهولة، وقد كانت توقعاتنا ودراستنا المعمقة للأمور تشير إلى أن الأميركان لا بد من أن يخطئوا ويغزوا العراق عاجلاً أم أجلاً، وان هذا الغزو سيهدف إلى إسقاط النظام، فلا بد لنا من أن نلعب دوراً مهماً في المواجهة والمقاومة، وهذه فرصتنا التاريخية التي قد نستطيع من خلالها إقامة دولة الإسلام التي سيكون لها الدور الأكبر في رفع الظلم وإحقاق الحق في هذا العالم بإذن الله، وكنت على وفاق مع أخي أبو مصعب بهذا التحليل ".
العلاقة مع صدام حسين
ويمضي سيف العدل مسلطا الضوء حول ما تردد قبل غزو العراق عن علاقة تنظيم القاعدة بالنظام العراقي المخلوع فيقول "لم تكن للقاعدة أية علاقة تذكر مع صدام حسين ونظامه، على العكس مما يشيعه الأميركان دائماً، فالأميركان كانوا دائماً يحاولون ربط صدام حسين ونظامه بالقاعدة، حتى يخلقوا لأنفسهم مبررات ومسوغات شرعية. كان لا بد لنا من وضع خطة لدخول الاخوة إلى العراق عن طريق الشمال، غير المسيطر عليه من قبل النظام، ومن ثم الانسياح جنوباً الى مناطق اخوتنا السنة الذين كان لنا بينهم بعض الاخوة. وكان الاخوة في جماعة «أنصار الإسلام» ابدوا الاستعداد لتقديم أي معونة لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف.
ايران تعتقل 80% من جماعة أبو مصعب
ويستطرد سيف العدل: "الأميركان لمسوا أن الإيرانيين يغضون الطرف عن نشاطنا في إيران، فبدأوا بشن حملة إعلامية مركزة على إيران، ، وبدأوا يتهمونها بأنها تساعد القاعدة والإرهاب العالمي, كانت ردة فعل الإيرانيين أن بدأوا بملاحقة الشباب واعتقالهم، والبدء بعملية ترحيلهم الى أوطانهم السابقة، أو الى حيث يريدون، المهم أن يخرجوا من إيران فقط.
الخطوات التي اتخذها ضدنا الإيرانيون أربكتنا وأفشلت 75 في المئة من خطتنا, تم اعتقال العدد الأكبر من الشباب, مجموعة أبو مصعب تم اعتقال نحو 80 في المئة من أفرادها، كان لابد من وضع خطة سريعة لخروج أبو مصعب والاخوة الذين بقوا طلقاء معه، الوجهة كانت العراق, الطريق، الحدود الشمالية بين العراق وإيران.
الهدف كان الوصول إلى مناطق السنة في وسط العراق، والبدء بالتحضير والبناء لمواجهة الغزو الأميركي وهزيمته, الاختيار لم يكن عشوائياً وانما كان مدروساً.
كراهية الزرقاوي للأميركان شكلت معالم جديدة لشخصيته
يحلل سيف العدل أبعادا جديدة اكتسبتها شخصية أبو مصعب فيقول "عندما ودعني قاصداً العراق كان أضيف إليها بعد جديد لم يكن سابقا، هذا البعد الجديد كان يتركز على ضرورة الاقتصاص من الأميركان على ما ارتكبوه من جرائم شاهدها بأم عينه أثناء القصف على أفغانستان، اصبح الحقد والعداء الذي يكنه أبو مصعب للأميركان كفيلاً بتشكيل معالم جديدة لشخصية أبو مصعب.
أنا لا أستطيع أن اكتب بالتفصيل عن هذه الشخصية الجديدة، فلم التق به ثانية بعد أن غادر إيران، لكني استطيع القول من خلال ما اسمعه عنه، انه اصبح قائداً محنكاً قادراً على إدارة الصراع مع قوى الكفر العالمي من الأميركان والاسرائيليين ومن والاهم والانتصار عليهم".
التعليقات