علاقتي بالسينما.. والتلفزيون !! بقلم: تيسير مشارقة

أن يكون المرء مشاهداً للأفلام السينمائية، هذه علاقة طيبة بالسينما

تيسير مشارقة

أمام سينماتك القصبة، وخلال فترة انتظار بدء عرض أحد الأفلام الأوروبية هناك، وعندما دعوت أحد المخرجين الفلسطينيين (درويش أبو الريش) للإنضواء إلى جماعة السينما الفلسطينية، صرخ في وجهي مستنكراً "وأنت ما علاقتك بالسينما" [ فهو يعرف أنني الناطق الإعلامي باسم الجماعة] علماً بأنني كنت من المداومين على حضور الأفلام ولا يفوتني فيلم عربي أو أجنبي أو وثائقي يعرض هناك.

لم يشفع لي كوني المشاهد السينمائي بامتياز، وقد كنت أجلس وحيدا في الصالة كثيراً من الأحيان.. وقد كتب الإعلامي حسن البطل ذات نهار في زاويته بجريدة الأيام(الفلسطينية) مقالاً بعنوان"تيسير ..في الصالة وحده" معلقاً على أزمة شباك التذاكر وشح المشاهدين.

السؤال الإستنكاري ذاك، هو الذي دفعني لكتابة هذه القصة الصحفية حول (علاقتي بالسينما).. فالسينما تعني الحياة بالنسبة لي، وأنا من محبي الأفلام القوية التي لها أجنحة، أي تلك التي تمتلك من العناصر التشويقية بصرياً بحيث تحلق عالياً بنا وبأخيلتنا.

السينما بالنسبة لي حياة غنية وزاخرة بكل ما هو جديد، ومنذ أيام طفولتي أو شبابي بقيت متعلقاً بأفلام (سينما الأهلي) في حي "المحطة" بعمّان(الأردن). كنت هناك أزاحم الكبار والصغار لحضور الأفلام الهندية أو العربية أو أفلام الكراتيه العنيفة.

طبعاً لأننا كنّا من الفقراء والمعدمين من اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، فقد كانت لا تروق لنا إلا صالات العرض الفقيرة أو الشعبية.

كانت الصور المتحركة تسحرنا.

أذكر أول دخول التلفزيون إلى مخيم إربد عام 68، كنا ندخل إلى دار أم خليل العامر بتلفزيون أسود وابيض لنحضر الأفلام الوثائقية عن الحرب العالمية الثانية بـ "تعريفه واحدة"(خمس فلوس) ونشرب الشاي كتصليحة لتلك المشاهدة "التعريفية" أيضاً. كان بيت أم خليل داراً للشاشة الفضية الصغيرة و"سينما" تلفزيونية باهظة الثمن.

وهناك قصة ترتبط بتعريفة أم خليل التلفزيونية، فعندما كنا نحلق شعرنا على الصفر في مخيم إربد بقرش واحد، كانت الحلاقة نمرة واحد تساوي قرش ونصف. وذات يوم وقبل بدء الدوام المدرسي أخذت قرشاً ونصف من أمي لكي أحلق حلقة نمرة واحد ، وطمعاً مني في حلاقة كبارية(نمرة واحد للأولاد الكبار) وفي نفس الوقت دخول ديوان أم خليل، خبأت نصف القرش في صندلي وادعيت البلاهة بأني فقدت النصف قرش أمام حلاق المخيم. حلقت نمرة واحد كبارية، ونزلت من كرسي الحلاق لتسقط التعريفة من صندلي المفرغ من الجانبين. عفا عني الحلاق المحترم وسامحني بالتعريفة التي كنت أحتاجها في حضور البرنامج التلفزيوني اليومي وأخبار فلسطين والمسلسلات التي تحدثت عن الحرب العالمية الثانية. أذكر أنني خجلت من الحلاق كثيراً وشعرت بأن شعري قد طال مترين لهذا السبب. وأذكر أنني كنت أكره حلاقة نمرة صفر منذ هزيمة 67 وكنت أحب إطالة شعري منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.. وأذكر صوراً لي كيف كان شعري متهدلاً على كتفي، وما زلت أحب الشعر الطويل حتى يومنا هذا.

دخل جهاز التلفزيون منزلنا عام1972 عندما استقرت بنا الأحوال في مخيم حنيكين [حي الأمير حسن حالياً] المجاور لجبل النصر بعمّان.. وكنا قد هربنا إلى المخيم الجديد بعد الحرب الأهلية في الأردن والقصف الإسرائيلي الدوري لقواعد الفدائيين الفلسطينيين هناك. هدأت الأجواء فاشترى لنا أبي تلفزيون (جي في سي) في صندوق كبير كالخزانة.

نصب والدي (الله يرحمه) الهوائي(الأنتين) على سطح غرفة الزينكو ليقربنا من العالم الخارجي، ونقترب أكثر من أخبار البلاد (فلسطين) التي ضاعت قطعة قطعة. ولكن هذه الشاشة الفضية الصغيرة لم تشف غليلنا نحن الشباب وظلت عيوننا متعلقة بالشاشة الفضية الكبرى (المخملية) من القماش في دور العرض السينمائية الكبرى.

صالة "الحمراء" في قاع المدينة عمان(في شارع سقف السيل) كانت تجذبنا أيضاً كون بطاقات الدخول زهيدة نوعاً ما(شبيهة بثمن تذاكر سينما الأهلي)، ويحق للمشاهد شرب المرطبات وأكل الفستق السوداني وقزقزة البزر فيها بأريحية كبيرة.وكنّا نرحل إلى تلك الدور سيراً على الأقدام، لنوفر ثمن أجرة الطريق لشراء المرطبات والمكسرات التي نستهلكها بنهم في دور العرض.

سينما ريفولي، وبسمان، والرينبو، والأردن، والحسين، كانت تعد من دور السينما الراقية على جيوبنا الفقيرة. ولكننا نقوم أحياناً بالمغامرة بقروشنا القليلة إذا ما أردنا حضور فيلم كـ "العصفور " ليوسف شاهين، أو غيره من الأفلام السريعة (الآكشن) في حينه(مثال: صراع في جرش) ، أو أفلام "بروسلي" الخارقة.

سحبني أخي الذي يكبرني بسنوات قليلة من يدي إلى سينما الأهلي، بعد أو وجدني أعبث في الشارع وحيداً، وأذكر أول فيلم حضرته وكان من الأفلام الهندية الصارخة بالحب والانتقام وتلاه فيلم كاراتيه من النوع العنيف جداً، حتى أنني كنت أقفز من مقعدي مع كل وجبة عنف. وأخذت رجلي إلى تلك السينما، فصرت أصطحب أصدقائي وزملائي من المدرسة أو الحارة في مخيمنا الفلسطيني الكبير.

بعد رحيلي إلى بولندا للدراسة، ارتحلت معي هوايتي هذه. فكانت سينما الحي الطلابي(الأستوديو) محجاً لي هرباً من الضجيج الطلابي ومتاعب الدراسة.هناك تعرفت على أبرز الأفلام البولندية للمخرج اندريه فايدا، وأفلام أخرى لمن أسس ما عرف لاحقاً بـ"المدرسة السينمائية البولندية". وكان لي أن أطل على السينما الإسرائيلية أو المناصرة لليهود (مثل فيلم لانزمان بعنوان شواه ـ أي الكارثة).

بعد عودتي إلى فلسطين ، حرصت على حضور المهرجانات السينمائية: مهرجان رام الله الدولي للسينما ، ومهرجان"صورة الفلسطيني في السينما الإسرائيلية" ومهرجانات الأفلام الأوروبية ، ومهرجان السينما الأسترالية، وغيرها من الأفلام التي كان سينماتك القصبة يقوم بعرضها. وانشغلت أيضاً بحضور معظم الأفلام الوثائقية الفلسطينية لثلة من أصدقائي السينمائيين: صبحي الزبيدي، محمد بكري، يحيى بركات ، درويش ابو الريش، حيان يعقوب، علياء ارصغلي، بثينة خوري، طارق يخلف، محمد سوالمه... ولم يفتني حضور الأفلام الروائية الفلسطينية لكل من ميشيل خليفي ، رشيد مشهراوي، إيليا سليمان، حنا الياس.

وأذكر أيضا أنني أخذت عائلتي الصغيرة التي التحقت بي في فلسطين في أول رحلة سينمائية إلى سينما الوليد[ حضرنا حينذاك فيلماً للممثل محمد هنيدي"صعيدي في الجامعة الأميركية" وفيلمان أميركيان من نوع آكشن، أحدهما مترجم فقط إلى العبرية] وأخذنا معنا مرتديلا وساندويشات وعصير وتسالي لنا وللأطفال.. فكانت رحلة سينمائية مطلع عام 1999 ، عندما كانت الوليد السينما الوحيدة الفاعلة في رام الله.

التعليقات