هيفاء و الابتذال و آلامنا بقلم:رائد عبد الرازق

هيفاء و الابتذال و آلامنا بقلم:رائد عبد الرازق
هيفاء و الابتذال و آلامنا

في يوم خميس و بينما أنا سهران في البيت لوحدي ، حيث ذهبت زوجتي و الأولاد لزيارة أهلها و يرغب الأولاد كثيراً في زيارة دار جدهم لأمهم لأن بيتهم واسع و فيه منطقة رملية واسعة و بعض أشجار يلعبون فيها ، أما جدهم لأبيهم فهو سارح في بلاد المنافي و اللجوء ، المهم و أنا سهران و أقوم ببعض الأعمال الإحصائية مللت من السكون فقمت بفتح التلفزيون لأقطع ذلك السكون الرهيب ، و بحثت عن شيء لا يهمني كثيراً لأثبت القناة عليه ، حيث ما كان يهمني هو قتل السكون أكثر من المتابعة ، فوقع اختياري على القناة الفضائية اللبنانية LBC و كان البرنامج يستضيف المغنية هيفاء وهبي المثيرة للجدل و للـ ............. .

المهم أخذت أعمل و لا أنتبه للحوار و لكني رغماً عن أنفي و أنف أبي و أنف جدي توقفت للحظات، فهيفاء هذه تجبر الجميع على الوقوف مرة بل مرات ، لا أعرف هل فساداً توقفت أم هي الطبيعة البشرية الفضولية ، أم لأزيد من درجة احتقاري للسقوط المريع للإعلام العربي ، المهم توقفت عند حديث هيفاء عن الابتذال ، حيث قالت أنها لا تقدم ابتذالاً و إنما فناً و أن قناة محترمة مثل ال بي سي أو روتانا لا تقدم ابتذالاً ، بل تقدم فناً أو ما شابه ذلك .

و هنا وجدتني على الفور أسأل نفسي، ما هو الابتذال في اللغة ؟ و بعدما اجتهدت قليلاً وجدت أن الابتذال هو الاستخدام المهين و الرخيص للجسد في سبيل الإثارة و الفتنة و جلب الأنظار، كما هو الاستخدام المتعمد للألفاظ السيئة أو القبيحة من أجل إهانة إنسان ما أو الاستخفاف بفكرة معينة، و أيضاً الابتذال هو استخدام أساليب حقيرة وضيعة للوصول إلى غرض معين قد يكون هو الآخر ( الهدف ) حقيراً ، و على الفور تداعت إلى ذاكرتي أغنية للغانية هيفاء و هي تقف فوق سلم و كانت ترتدي " شبه " تنورة حمراء و تظهر منها ساقيها الممشوقتين و يأتي رجلاً ينظر إليها من أسفل، على ماذا ينظر من الأسفل ؟ أو بمعنى آخر ماذا يمكن أن يرى من الأسفل ؟ يرى تاريخ الأمة العتيدة أم حاضرها الجميل أو مستقبلها الأسود ؟! و ماذا يريد أن يقول لنا مصور و منتج الأغنية بذلك المشهد ؟ هل يريد أن يقول لنا بأن هذه هي ثروة أمتنا و هذا هو أسمى تطلعات شبابنا ؟

المهم، بعد ذلك قالت هيفاء للمذيع الذي سألها عن رأي مجلة مصرية فيها : يروحو يشوفو روبي بتاعهم ، الله ، ألقط ، زبطت و حكمت على نفسها بنفسها ، و كأنها تقول إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة ، و هي بذلك تعترف أنها مثل روبي أو أقل منها أو أكثر بشوية بسيطة أو " نونة زغنونة " على رأي ابني الصغير أيوب الذي يعشق أكل الزعتر و زيت الزيتون لعمق ارتباطه الفطري بالأرض ، و هل يمكن أن يكون غير ذلك ؟

إذا كان ما تقدمه هيفاء وهبي ليس ابتذالاً فما هو الابتذال ؟ اعتبروني ساقط لغة عربية و قادم من كوالالامبور و لا أعرف لغة الضاد و أسألكم : قولوا لي ما هو الابتذال ؟

الابتذال يا سادتي هو هيفاء بعينها، و معها اليسا و معها نانسي و كل فتاة أو امرأة ، و لا أقول مغنية أو غانية ، تظهر ما لا يجب إظهاره على كل من هب و دب ، فإذا كان إظهار ثلاث أرباع نهدي هيفاء وهبي و كامل ظهر اليسا و خمس أسداس أفخاذ نانسي ليس ابتذالاً ، فما هو الابتذال ؟ لا تقولوا لي هو قراءة القرآن أو حضور درس ديني أو عرض لشريط علمي كي أبقى أحتفظ بجزء من عقلي على الأقل في زمن وضيع أصبح الوضيع فيه سيد و السيد بلا قيمة ، إياكم أن يقول لي أحد بأن الابتذال هو تقديم فيلم وثائقي عن عروبة القدس و تاريخها العريق ، و أحذركم أشد تحذير من أن تقولوا لي بأن عرض إخباري عن حقوق اللاجئين هو الابتذال ، كما أنهاكم عن أن تقولوا إن رفض احتلال أميركا للعراق و رفض تجويع شعبها و رفض حصاره و رفض نشر السرطان فيه هو الابتذال ، و من لديه رأي آخر فليقل علنا نفهم لغة جديدة في عصر عاهر أصبح فيه عاهرو العرب يتمايلون و يتراقصون فيجنون أموالا طائلة و يطل علينا شيوخ نصابين عبر قنوات عاهرة يدعوننا للتدين و يجنون أيضاً ثروات هائلة ، في حين أن عامل نظافة و جامع قمامة في أحقر بقعة في العالم العربي أشرف من أشرفهم .

أرجوكم يا سادة الإعلام العربي و القنوات الافتضاحية الرخيصة ارحمونا، ارحمونا من تفاهتكم و سفاهاتكم و سخافاتكم و احترموا كرامتنا، احترموا معاناتنا، فنحن وقعنا بين أضلع مثلث كله لهب و نار و قهر: حكام طغاة لا يخشون الله لحظة بل لا يخطر الرب على عقولهم إطلاقا، و شيوخ دين متحجرون و متخلفون يرفضون أي شيء جديد، و إعلام فاسد من أعماق القاع إلى أعلى قمم النخاع.

ارحمونا أو على الأقل ارحموا أطفالنا الذين تعودوا على نانسي من اليوم ، فماذا تراهم سيعملون غداً ؟ و على ماذا سيبحثون بعد نانسي ؟ عن مكوناتها أم ماذا ؟

ارحمونا و ارحموا آلامنا ، فنحن لا نجد الخبز و البيض و الحليب الا بشق الأنفس ، تحدثوا عن معاناتنا و عن قهرنا و آلامنا ، عبروا عنا و عن أنيننا الذي لا ينقطع ليل نهار .

ارحمونا و ارحموا جروحنا فالسكين لا يكاد يخرج من ظهر الا و دخل من خاصرة ، لبنان يتشكل من جديد و فلسطين تسرق و العراق يبكي و الجزائر تنزف و السودان تموت و أنتم تقولون لنا أن هيفاء تقدم فناً .

ارحمونا و ارحموا جراحنا النازفة ليل نهار .

و يا الله تب علينا و خلصنا من هذا القهر .

رائد عبد الرازق

التعليقات