أين اختفت شنطة الرئيس الراحل ابو عمار

أين الشنطة ؟
حتى التساؤل حول كيفية أو سبب موته تبخر من على ألسنة كبار المسؤولين.. فالمؤكد أنه مات مسموماً ولكن كيف ومَنْ
بقلم: حافظ البرغوثي
عرفات مات فعلاً.. لم يعد في الصورة الفلسطينية.. ضريحه المؤقت على يسار مدخل المقاطعة الشرقي قد يعمد أحد في وقت ليس ببعيد إلى المطالبة بحصاره وحجبه عن الأنظار حتى لا يبقى ماثلاً للعيان ويخدش المشهد العام وحتى لا يكون موضع إحراج في الاستقبالات الرسمية حيث ترفض وفود بعض الدول التي عادت عرفات حياً زيارته. حراس عرفات أيضاً تفرقوا وتم دمج القوة 17 في حرس الرئاسة.. والشخوص المزعجة التي طالما تحلقت حوله ومن خلفه لم تعد تظهر..
طاقم مكتبه تغير هناك كاتم أسراره وحامل الشنطة السوداء الذي ذهب ليعمل في السفارة الفلسطينية في موسكو.. دون أن يعرف أحد مصير الشنطة السوداء.. وهناك مدير العلاقات في مكتبه انسحب إلى حيث عائلته التي تقيم في لبنان. وهناك ضباط لم يعودوا يداومون وموظفون لم يعد أبو مازن بحاجة إليهم لأنهم «سودوا» مكتب عرفات بجلفهم وصلفهم وغطرستهم التي لم يطقها أحد. بعض موظفي مكتب عرفات في السنة الأخيرة كانوا يوجهونه ولا يمر أي قرار دون موافقتهم..
أحدهم عين وزيراً وآخر عين وكلاء ووكلاء مساعدين.. كانوا يسيطرون على عرفات عملياً ولهذا قال أحد أفراد طاقم مكتب عرفات إنه يجب إعادة النظر في كثير من القرارات التي وقعها عرفات في السنوات الأخيرة فهو عملياً كان رهين المحبسين.. محبس الحصار الإسرائيلي ومحبس حصار أفراد طاقمه. الناجيان من مكتب عرفات هما المقرب جداً منه رمزي خوري والناطق الإعلامي نبيل أبو ردينة. حيث احتفظ بهما أبو مازن في مكتبه لكن دون سطوة المرحلة السابقة.
أحد كبار مكتب عرفات كان يعمل كقاطع تذاكر للدخول على الرئيس حيث يتقاضى عطايا مادية من كبار رجال الأعمال مقابل تسهيل دخولهم.. أو نسبة عمولة من معاملات مالية كان يوقعها من عرفات. فالرئيس الراحل لم يؤسس مكتباً بروتوكولياً حقيقياً.. حيث يسمح لعدد محدود بالدخول عليه مباشرة فيما تغص قاعات الانتظار بالمراجعين. ولعل طريقة عرفات في الحكم الأبوي المباشر جعلت منه مرجعاً لكل شيء.. هذا يريد تعييناً وذاك ترقية.. وثالث مساعدة.. ورابع علاجاً وآخر تذاكر سفر للاستجمام.. كل هذه المعاملات كانت تتم مباشرة.. ونادراً ما رفض عرفات معاملة من هذا الشكل.. حيث ذكر الرئيس المؤقت روحي فتوح أنه وجد على مكتب عرفات ثلاثة آلاف معاملة علاج للعقم أو للزرع للنساء.. وهي تكلف قرابة ستة ملايين دولار.. لكن تبين أن ثمة تجارة سمسرة وراء هذه المعاملات حيث يتقاضى كبار الموظفين ممن ينجحون في توقيعها عمولات من مراكز العلاج.
عرفات هو من شاء أن يكون مكتبه هكذا لعلمه أن خير وسيلة لكسب الناس هي التواصل معهم.. سواء بالصورة حيث لا يخلو بيت من صورة له مع أحد أفراد العائلة أو بتوقيع كتب للمساعدة والعلاج. وهذا أدى إلى احتكاكات كثيرة بين الناس وطاقم مكتبه.. وكان عرفات يدرك مدى كره الكثيرين لأفراد طاقم مكتبه لكنه كان يبدد هذا الكره بشتم وإهانة بعض أفراد طاقمه أمام المراجعين والوزراء.. ذات يوم سمعته يقول لأحد المديرين في مكتبه:
«لساتك حمار.. أنت حمار.. كم مرة طلبت منك أن تتعلم القراءة والكتابة» فالمدير الكبير كان أمياً. أكثر الناس نسياناً لعرفات الآن هم من كانوا حوله.. أو من كانوا مستفيدين منه عن طريق العطايا والسيارات والمناصب دون وجه حق.. كنت أظنهم في حالة صدمة بعد وفاته لكن لا تظهر عليهم أية مظاهر حزن على راحل.. ولا يلاحظ على ضريحه من زوار سوى أناس بسطاء أو مسنين ظلت صورة عرفات في أذهانهم راسخة كثائر مات غيلة.
حتى التساؤل حول كيفية أو سبب موته تبخر من على ألسنة كبار المسؤولين.. فالمؤكد أنه مات مسموماً ولكن كيف ومَنْ؟ فهذا سؤال بات محرماً. مع أن عرفات قال لبعض مقربيه عبارة ذات مغزى «لقد وصلوا إلى غرفة نومي». لكن السؤال لم يعد يطرح الآن حتى لا يثير حفيظة الإسرائيليين أو التشكيك في مقربيه. وحل محله السؤال عن مصير «الشنطة» التي سافرت مع عرفات من المقاطعة. كان من عادة عرفات أن يحمل مبلغاً من المال في شنطة أينما ذهب..
كان المبلغ عادة 170 ألف دولار ثم ارتفع إلى نصف مليون دولار يغرف منه كعطايا وهبات دون محاسبة لحامل الشنطة عند العودة.. أحد الخبثاء من الخارج وهو صحافي طلب من عرفات ذات مرة مبلغاً نقدياً من المال فأمر حامل الشنطة بإحضار المبلغ في مظروف.. لكن الصحافي المحنك قام بفتحه وعد المبلغ فوجده ناقصاً فاستدعى عرفات حامل الشنطة ووبخه على ذلك فاعتذر بأنه أخطأ في المظروف وجاء بالباقي.
ولكن كم من الأخطاء ارتكبها حامل الشنطة طوال عقود؟ فأغلب من كان عرفات يهبهم أموالا لم يكونوا يجرؤون على عدها بل يضعونها بسرعة في جيوبهم وينصرفون ويظنون أن عرفات قلل المبلغ عمداً وليس حامل الشنطة. الشنطة الأخيرة كانت تحوي مليوناً وستمائة ألف دولار كانت مع عرفات عشية مغادرته المقاطعة في رحلة الوفاة.. لكن آثارها فقدت حتى الآن.. وفتح تحقيق في وفاة الشنطة ولم يفتح أي تحقيق رسمي في وفاة عرفات.
- رئيس تحرير «الحياة الجديدة» - فلسطين
حتى التساؤل حول كيفية أو سبب موته تبخر من على ألسنة كبار المسؤولين.. فالمؤكد أنه مات مسموماً ولكن كيف ومَنْ
بقلم: حافظ البرغوثي
عرفات مات فعلاً.. لم يعد في الصورة الفلسطينية.. ضريحه المؤقت على يسار مدخل المقاطعة الشرقي قد يعمد أحد في وقت ليس ببعيد إلى المطالبة بحصاره وحجبه عن الأنظار حتى لا يبقى ماثلاً للعيان ويخدش المشهد العام وحتى لا يكون موضع إحراج في الاستقبالات الرسمية حيث ترفض وفود بعض الدول التي عادت عرفات حياً زيارته. حراس عرفات أيضاً تفرقوا وتم دمج القوة 17 في حرس الرئاسة.. والشخوص المزعجة التي طالما تحلقت حوله ومن خلفه لم تعد تظهر..
طاقم مكتبه تغير هناك كاتم أسراره وحامل الشنطة السوداء الذي ذهب ليعمل في السفارة الفلسطينية في موسكو.. دون أن يعرف أحد مصير الشنطة السوداء.. وهناك مدير العلاقات في مكتبه انسحب إلى حيث عائلته التي تقيم في لبنان. وهناك ضباط لم يعودوا يداومون وموظفون لم يعد أبو مازن بحاجة إليهم لأنهم «سودوا» مكتب عرفات بجلفهم وصلفهم وغطرستهم التي لم يطقها أحد. بعض موظفي مكتب عرفات في السنة الأخيرة كانوا يوجهونه ولا يمر أي قرار دون موافقتهم..
أحدهم عين وزيراً وآخر عين وكلاء ووكلاء مساعدين.. كانوا يسيطرون على عرفات عملياً ولهذا قال أحد أفراد طاقم مكتب عرفات إنه يجب إعادة النظر في كثير من القرارات التي وقعها عرفات في السنوات الأخيرة فهو عملياً كان رهين المحبسين.. محبس الحصار الإسرائيلي ومحبس حصار أفراد طاقمه. الناجيان من مكتب عرفات هما المقرب جداً منه رمزي خوري والناطق الإعلامي نبيل أبو ردينة. حيث احتفظ بهما أبو مازن في مكتبه لكن دون سطوة المرحلة السابقة.
أحد كبار مكتب عرفات كان يعمل كقاطع تذاكر للدخول على الرئيس حيث يتقاضى عطايا مادية من كبار رجال الأعمال مقابل تسهيل دخولهم.. أو نسبة عمولة من معاملات مالية كان يوقعها من عرفات. فالرئيس الراحل لم يؤسس مكتباً بروتوكولياً حقيقياً.. حيث يسمح لعدد محدود بالدخول عليه مباشرة فيما تغص قاعات الانتظار بالمراجعين. ولعل طريقة عرفات في الحكم الأبوي المباشر جعلت منه مرجعاً لكل شيء.. هذا يريد تعييناً وذاك ترقية.. وثالث مساعدة.. ورابع علاجاً وآخر تذاكر سفر للاستجمام.. كل هذه المعاملات كانت تتم مباشرة.. ونادراً ما رفض عرفات معاملة من هذا الشكل.. حيث ذكر الرئيس المؤقت روحي فتوح أنه وجد على مكتب عرفات ثلاثة آلاف معاملة علاج للعقم أو للزرع للنساء.. وهي تكلف قرابة ستة ملايين دولار.. لكن تبين أن ثمة تجارة سمسرة وراء هذه المعاملات حيث يتقاضى كبار الموظفين ممن ينجحون في توقيعها عمولات من مراكز العلاج.
عرفات هو من شاء أن يكون مكتبه هكذا لعلمه أن خير وسيلة لكسب الناس هي التواصل معهم.. سواء بالصورة حيث لا يخلو بيت من صورة له مع أحد أفراد العائلة أو بتوقيع كتب للمساعدة والعلاج. وهذا أدى إلى احتكاكات كثيرة بين الناس وطاقم مكتبه.. وكان عرفات يدرك مدى كره الكثيرين لأفراد طاقم مكتبه لكنه كان يبدد هذا الكره بشتم وإهانة بعض أفراد طاقمه أمام المراجعين والوزراء.. ذات يوم سمعته يقول لأحد المديرين في مكتبه:
«لساتك حمار.. أنت حمار.. كم مرة طلبت منك أن تتعلم القراءة والكتابة» فالمدير الكبير كان أمياً. أكثر الناس نسياناً لعرفات الآن هم من كانوا حوله.. أو من كانوا مستفيدين منه عن طريق العطايا والسيارات والمناصب دون وجه حق.. كنت أظنهم في حالة صدمة بعد وفاته لكن لا تظهر عليهم أية مظاهر حزن على راحل.. ولا يلاحظ على ضريحه من زوار سوى أناس بسطاء أو مسنين ظلت صورة عرفات في أذهانهم راسخة كثائر مات غيلة.
حتى التساؤل حول كيفية أو سبب موته تبخر من على ألسنة كبار المسؤولين.. فالمؤكد أنه مات مسموماً ولكن كيف ومَنْ؟ فهذا سؤال بات محرماً. مع أن عرفات قال لبعض مقربيه عبارة ذات مغزى «لقد وصلوا إلى غرفة نومي». لكن السؤال لم يعد يطرح الآن حتى لا يثير حفيظة الإسرائيليين أو التشكيك في مقربيه. وحل محله السؤال عن مصير «الشنطة» التي سافرت مع عرفات من المقاطعة. كان من عادة عرفات أن يحمل مبلغاً من المال في شنطة أينما ذهب..
كان المبلغ عادة 170 ألف دولار ثم ارتفع إلى نصف مليون دولار يغرف منه كعطايا وهبات دون محاسبة لحامل الشنطة عند العودة.. أحد الخبثاء من الخارج وهو صحافي طلب من عرفات ذات مرة مبلغاً نقدياً من المال فأمر حامل الشنطة بإحضار المبلغ في مظروف.. لكن الصحافي المحنك قام بفتحه وعد المبلغ فوجده ناقصاً فاستدعى عرفات حامل الشنطة ووبخه على ذلك فاعتذر بأنه أخطأ في المظروف وجاء بالباقي.
ولكن كم من الأخطاء ارتكبها حامل الشنطة طوال عقود؟ فأغلب من كان عرفات يهبهم أموالا لم يكونوا يجرؤون على عدها بل يضعونها بسرعة في جيوبهم وينصرفون ويظنون أن عرفات قلل المبلغ عمداً وليس حامل الشنطة. الشنطة الأخيرة كانت تحوي مليوناً وستمائة ألف دولار كانت مع عرفات عشية مغادرته المقاطعة في رحلة الوفاة.. لكن آثارها فقدت حتى الآن.. وفتح تحقيق في وفاة الشنطة ولم يفتح أي تحقيق رسمي في وفاة عرفات.
- رئيس تحرير «الحياة الجديدة» - فلسطين
التعليقات