تسويق عنيف يضرب الحرية الشخصية... برامج الموضة تنتهك خصوصيات المشاهدين
تسويق عنيف يضرب الحرية الشخصية... برامج الموضة تنتهك خصوصيات المشاهدين
غزة-دنيا الوطن
لا يمكن وصف فكرة وطريقة تقديم برنامج "بصراحة أحلى" على شاشة "أم بي سي" إلا بالتجلي الأكبر لاتجاه سائد اليوم في مجتمعاتنا، ساهمت وسائل الإعلام نفسها بتكريسه، وهو: عنف الموضة. أن تكون "على الموضة" فتلك دعوة صريحة، لحوحة وقاسية لم يعد يراد لك أن تواجهها بالتجاهل أو الاستيعاب البطيء أو موالفة الأمر بحسب مزاجك ورغبتك الشخصية. كن على الموضة أو فلتكن خارج "المجموعة". و"المجموعة" تسوّق نفسها بحذاقة كبرى تمكنها من الادعاء، زيفا أو حقيقة، بأنها "لوبي" ضاغط على أنفاسك وحريتك الشخصية، ما لم تنضم إلى جوّها و"مسيرتها".
تقتحم مقدمة البرنامج "أم بي سي" جويل إذاً خزائن ملابس الناس وتتفقدها بعين ثاقبة، من المفترض كما يشير "الجينيريك" أنها عين "خبيرة". تبحث عن الثقوب في أطراف السراويل، يستفزها بهتان اللون، تثير اشمئزازها آثار البقع على أطراف الأكمام وتجعلها الخيطان المدلاة من القماش تخرج عن طورها. تتقصّد المذيعة أن تؤدي دورها على هيئة من العدائية المفرطة تجاه خزائن المشتركين فتسخر من أذواقهم واختياراتهم وألوانهم المفضلة وأيضاً من ظروفهم التي جعلتهم يختارون هنداما "غير مرتب"، بحسب تقويمها "كمصممة أزياء غير خبيرة". في مبالغتها بإظهار قرفها مما لا يعجبها، تخال لوهلة أنها ستخرج من جيوب الملابس المتجمّعة أمامها أكواماً من الضفادع أو الجراد أو القمل. ذلك القرف الذي يظهر على وجهها وهي تعاين الملابس يبثّ إليك هذا الانطباع بسهولة. فأصابعها تلتقط أنفها، لتعطيل حاسة الشم التي قد تورّد لها روائح مؤذية و"غير مرتبة" مثل العرق أو رطوبة الخزائن المقفلة أو "النفتلين"، وجبينها مقطّب على الاستغراب والدهشة والغضب، كما أن لسانها يسوق تعبيرات مثل: "ياي شي بيقرف... ياي، ما بصدق... ياي، شو هيدا..."، وغيرها من التوصيفات العنيفة التي تستبق التخلّص من الملابس اللعينة ورميها في سلة المهملات. في حلقات مقبلة، ربما نتوقع انضمام بعض أنواع المحروقات إلى عدة البرنامج كي تساعد المذيعة على إتمام مهمتها بنظافة من دون التعرض إلى خطر الإصابة بمرض معد يسري إليها من ملابس العباد. لكن هذا خيار قد يستدعي خطر الدخان والتلوث و"شحبرة" الوجوه.
وبعيداً من الافتراضات، تكون المرحلة التالية، المتوقعة، باصطحاب المشتركين إلى متاجر وصالونات تجميل وحلاقة ورياضة ضمن "بيزنس" الترويج الإعلاني غير المباشر لهذه المحلات، وهو جوهر الفكرة وبيت القصيد.
في فقرة صباحية من حزمة "عالم الصباح" على شاشة تلفزيون "المستقبل" تمارس خبيرة الأزياء هادية سنّو عنفا آخر بذريعة الموضة. في إحدى الحلقات، يتم إجلاس إحدى الفتيات (العارضات) على كرسي، فيما يمعن مزيّن الشعر بتحريك مقص الموضة خاصته في شعر الفتاة التي بدت ضاحكة باستمرار من دون أن تنطق بحرف. وفي الوقت الذي يقدم كل من المزيّن وسنّو الشروحات الحيّة المباشرة إلى جمهور المشاهدين، سنستمع إليهما يتكلمان عن الفتاة بصيغة الغائب:" إنها... هي... أنظروا إليها". وهي، كما دائماً، لا تقوى على النطق: فقط الابتسامة، وسعادة الاستسلام لمنظّري الموضة وخبرائها وارتداء حال من الاستلاب إزاء خطابهم و"فكرهم".
في زمن مضى، كانت مجاراة الموضة خياراً لكثر بيننا. ما يريد التلفزيون، وخلفه شركات ومؤسسات عملاقة، أن يكرّسه اليوم هو النقيض: الموضة حاجة وجودية، حضورها في حياتك يجعلك IN وغيابها يرميك OUT!
*الحياة
غزة-دنيا الوطن
لا يمكن وصف فكرة وطريقة تقديم برنامج "بصراحة أحلى" على شاشة "أم بي سي" إلا بالتجلي الأكبر لاتجاه سائد اليوم في مجتمعاتنا، ساهمت وسائل الإعلام نفسها بتكريسه، وهو: عنف الموضة. أن تكون "على الموضة" فتلك دعوة صريحة، لحوحة وقاسية لم يعد يراد لك أن تواجهها بالتجاهل أو الاستيعاب البطيء أو موالفة الأمر بحسب مزاجك ورغبتك الشخصية. كن على الموضة أو فلتكن خارج "المجموعة". و"المجموعة" تسوّق نفسها بحذاقة كبرى تمكنها من الادعاء، زيفا أو حقيقة، بأنها "لوبي" ضاغط على أنفاسك وحريتك الشخصية، ما لم تنضم إلى جوّها و"مسيرتها".
تقتحم مقدمة البرنامج "أم بي سي" جويل إذاً خزائن ملابس الناس وتتفقدها بعين ثاقبة، من المفترض كما يشير "الجينيريك" أنها عين "خبيرة". تبحث عن الثقوب في أطراف السراويل، يستفزها بهتان اللون، تثير اشمئزازها آثار البقع على أطراف الأكمام وتجعلها الخيطان المدلاة من القماش تخرج عن طورها. تتقصّد المذيعة أن تؤدي دورها على هيئة من العدائية المفرطة تجاه خزائن المشتركين فتسخر من أذواقهم واختياراتهم وألوانهم المفضلة وأيضاً من ظروفهم التي جعلتهم يختارون هنداما "غير مرتب"، بحسب تقويمها "كمصممة أزياء غير خبيرة". في مبالغتها بإظهار قرفها مما لا يعجبها، تخال لوهلة أنها ستخرج من جيوب الملابس المتجمّعة أمامها أكواماً من الضفادع أو الجراد أو القمل. ذلك القرف الذي يظهر على وجهها وهي تعاين الملابس يبثّ إليك هذا الانطباع بسهولة. فأصابعها تلتقط أنفها، لتعطيل حاسة الشم التي قد تورّد لها روائح مؤذية و"غير مرتبة" مثل العرق أو رطوبة الخزائن المقفلة أو "النفتلين"، وجبينها مقطّب على الاستغراب والدهشة والغضب، كما أن لسانها يسوق تعبيرات مثل: "ياي شي بيقرف... ياي، ما بصدق... ياي، شو هيدا..."، وغيرها من التوصيفات العنيفة التي تستبق التخلّص من الملابس اللعينة ورميها في سلة المهملات. في حلقات مقبلة، ربما نتوقع انضمام بعض أنواع المحروقات إلى عدة البرنامج كي تساعد المذيعة على إتمام مهمتها بنظافة من دون التعرض إلى خطر الإصابة بمرض معد يسري إليها من ملابس العباد. لكن هذا خيار قد يستدعي خطر الدخان والتلوث و"شحبرة" الوجوه.
وبعيداً من الافتراضات، تكون المرحلة التالية، المتوقعة، باصطحاب المشتركين إلى متاجر وصالونات تجميل وحلاقة ورياضة ضمن "بيزنس" الترويج الإعلاني غير المباشر لهذه المحلات، وهو جوهر الفكرة وبيت القصيد.
في فقرة صباحية من حزمة "عالم الصباح" على شاشة تلفزيون "المستقبل" تمارس خبيرة الأزياء هادية سنّو عنفا آخر بذريعة الموضة. في إحدى الحلقات، يتم إجلاس إحدى الفتيات (العارضات) على كرسي، فيما يمعن مزيّن الشعر بتحريك مقص الموضة خاصته في شعر الفتاة التي بدت ضاحكة باستمرار من دون أن تنطق بحرف. وفي الوقت الذي يقدم كل من المزيّن وسنّو الشروحات الحيّة المباشرة إلى جمهور المشاهدين، سنستمع إليهما يتكلمان عن الفتاة بصيغة الغائب:" إنها... هي... أنظروا إليها". وهي، كما دائماً، لا تقوى على النطق: فقط الابتسامة، وسعادة الاستسلام لمنظّري الموضة وخبرائها وارتداء حال من الاستلاب إزاء خطابهم و"فكرهم".
في زمن مضى، كانت مجاراة الموضة خياراً لكثر بيننا. ما يريد التلفزيون، وخلفه شركات ومؤسسات عملاقة، أن يكرّسه اليوم هو النقيض: الموضة حاجة وجودية، حضورها في حياتك يجعلك IN وغيابها يرميك OUT!
*الحياة
التعليقات