القصة الكاملة لتورط السادات في شبكة تجسس لصالح ألمانيا النازية وسجنه
القصة الكاملة لتورط السادات في شبكة تجسس لصالح ألمانيا النازية وسجنه
غزة-دنيا الوطن
سبق صحافي عالمي يكشف وللمرة الاولى التفاصيل الكاملة لتورط الرئيس المصري السابق أنور السادات في العام 1942 بشبكة تجسس كانت تعمل لحساب ألمانيا النازية في مصر ابان الحرب العالمية الثانية واعتقاله والحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة ثلاث سنوات.
يأتي الكشف عن هذه المسألة التي جرى التعتيم عليها منذ البداية بأمر قضائي ، بعد افراج الحكومة البريطانية أخيراً عن الملف الخاص بالشبكة، ووضعه للمرة الاولى تحت تصرف الجمهور، بعدما احتفظ به سرياً لمدة 62 عاماً، ضمن الوثائق الحكومية في أرشيف الدولة البريطاني في لندن الذي يحتوي على ملفات ووثائق يعود تاريخها الى أكثر من ألف عام.
يتضح من وثائق الملف أن السادات كان ضمن مجموعة من الضباط المصريين المتعاطفين مع ألمانيا النازية ودول المحور والمؤيدين لها في حربها ضد بريطانيا والدول الحليفة بل ان دائرة المتعاطفين كانت أوسع من ذلك بكثير وتشمل، بالاضافة الى قطاعات الشعب البسيطة في مصر، عدداً من أفراد الطبقة الارستقراطية المصرية بمن فيهم الملك فاروق ذاته.
وفقاً للوثائق أجرى قائدا شبكة التجسس، المدعوان ايبلر وساندستيد اتصالاً بالسادات الذي كان ضابطاً برتبة «يوزباشي» سلاح الاشارة التابع للجيش المصري والتقيا به في أكثر من مناسبة, وكانت الشبكة مكلفة جمع أكبر قدر من المعلومات عن القوات البريطانية غرب قناة السويس ونقلها الى مقر قيادة قوات المحور بقيادة روميل الذي كان مرابطاً في ليبيا، تمهيداً للانقضاض على البريطانيين واحتلال مصر وانتزاع قناة السويس من قبضتهم.
صادف في حينه أن تعطل جهاز الاتصال اللاسلكي الخاص بالشبكة ، وأصبحت غير قادرة على نقل المعلومات المتجمعة لديها الى روميل, ونظراً لأن السادات كان ضابطاً في سلاح الاشارة ولديه خبرة بأجهزة الاتصال اللاسلكي طلب منه الكشف على الجهاز المعطل, وبالفعل حضر السادات الى المقر الذي أقام به قائدا الشبكة فوق قاربٍ راسٍ في النيل على مقربة من حي العجوزة في القاهرة، وأخذ جهاز اللاسلكي المعطل لاصلاحه.
في وقت لاحق انكشف أمر الشبكة وألقت أجهزة الأمن المصرية والقوات البريطانية القبض على أعضائها والمتورطين في نشاطها من ضمنهم السادات.
تم خلال التحقيق الكشف عن وجود تنظيم داخل الجيش المصري كان يعمل لصالح ألمانيا ودول المحور بقيادة عزيز المصري باشا، القائد الأسبق لسلاح الجو المصري وأحد الأصدقاء المقربين جدا للملك فاروق, واعترف عدد من المتورطين في الشبكة أنهم شكلوا طابوراً خامساً داخل الأراضي المصرية كان مستعداً لضرب القوات البريطانية من الخلف ومساعدة روميل على التقدم لاحتلال مصر.
تضمن الملف وقائع جلسات التحقيق مع المتورطين في القضية والاعترافات التي أدلوا بها والشهادات التي انتزعت منهم، بما فيها التحقيق مع السادات واعترافاته الشخصية، بالاضافة الى اعترافات المتهمين الآخرين في الشبكة عنه وعن دوره في القضية.
كذلك وجد في الملف قرار من محكمة التحقيقات العسكرية اتخذ بتاريخ 12/8/1942 بالحفاظ على سرية الملف ومنع تسرّب القصة الى وسائل الاعلام بناء على توجيهات عليا تلقتها المحكمة من وزير الدفاع الوطني المصري في حينه الجنرال أحمد باشا حمدي سيف النصر, مما يوضح الكيفية التي تمت بها عملية الحفاظ على سرية القصة وعدم تسرب تفاصيلها الى الرأي العام وحرمانه من معرفة الحقيقة بكاملها، سوى تلك الاشاعات التي تناقلتها الألسن، وحديث الناس عن تعاطف السادات شخصياً مع ألمانيا الهتلرية.
جميع هذه التفاصيل مذكورة في الملف الى جانب تفصيلات أخرى دقيقة عن الشبكة ذاتها ونشاطها والأشخاص الذين عملوا فيها أو كانوا على اتصال بها والتي تشكل في مجموعها وثيقة تاريخية مهمة جداً حول الخلفية والتوجهات السياسية لمختلف فئات الشعب المصري من القمة الى القاعدة ابان الحرب العالمية الثانية، وبشكل خاص السادات الذي حكم عليه بالسجن واحتجز خلف القضبان حتى انتهت الحرب العالمية الثانية، و شاءت الأقدار أن تجعل منه رئيساً لجمهورية مصر في العام 1970 ولعب حتى اغتياله في العام 1981 دورا بارزاً على الساحتين العربية والدولية.
كذلك تشكل المعلومات الواردة في الملف عن الشبكة بتفاصيلها التصويرية الدقيقة قصة جاسوسية من الدرجة الأولى تتميز عن غيرها من القصص في أنها واقعية، تورد الحقائق وأسماء الأشخاص والأماكن الفعلية بشكل مدهش.
واعتبارا من اليوم نبدأ بنشر القصة الكاملة:
الحلقة الرابعة / انهار الضابط ويبر أثناء التحقيق وكشف للبريطانيين عن البعثة المصرية
لم يلتق ايبلر وساندستيد أحداً في أسيوط التي وصلاها صباح الأحد 24 أيار (مايو) 1942، سوى شخص بسيط يدعى أحمد تفاهما معه على مساعدتهما لقاء أجر في نقل الأمتعة التي كانت بحوزتهما, ومن أسيوط استقلا القطار في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم ذاته ووصلا القاهرة في المساء، حيث دفعا لأحمد أجره فتركهما عائداً الى أسيوط.
وقوع ضابط الاتصال
في الأسر
واجهت ايبلر و ساندستيد صعوبة في العثور على فندق أو نزل في القاهرة، وأمضيا ساعات طويلة حتى اهتديا الى بنسيون ناديا في شارع توفيق فمكثا فيه ليلتين فقط، قبل أن ينتقلا الى شقة في شارع «بورصة» الجديدة.
ما لم يكن يعلمه ايبلر وساندستيد أو حتى ألماسي في تلك المرحلة أن ويبر، حلقة الوصل المركزية في مقر قيادة الجيش الألماني في الزويرة، كان في 27 أيار (مايو) 1942 مشاركاً في رحلة استطلاعية عادية جداً مع مجموعة من الجنود الألمان شمال ليبيا، حين تعرضت سيارتهم قرب موقع بير هاشم لهجوم من كمين نصبه رجال كوماندوز تابعين للجيش البريطاني كانوا يعملون خلف الخطوط الألمانية، فقتلوا عدداً من الجنود الألمان وأسروا ضابطين ألمانيين كان ويبر أحدهما والثاني ضابط يدعى وولتر أبريل، مما أدى الى تعطل الاتصال في الزويرة التي كان من المقرر أن يشرف ويبر عليها، وبضمنها الاتصال ببعثة القاهرة.
وتبين أن ويبر وابريل ألمانيان مولودان في فلسطين ويتكلمان العربية بطلاقة، الى جانب أن ويبر يجيد الانكليزية, فويبر مولود في العام 1912 وعاش معظم حياته في فلسطين وفيها التحق بعضوية الحزب النازي الألماني في العام 1934، وسافر في العام 1936 الى ألمانيا للحصول على دورة تدريب عسكرية, كذلك ابريل الذي يكبر ويبر بسبعة أعوام، فهو مولود في فلسطين وهناك تعرّف على ويبر واشترك معه في فتح مصلحة لتصليح السيارات في مدينة حيفا، ظلت قائمة حتى نشوب الحرب العالمية الثانية، حيث عاد الى ألمانيا في العام 1939 والتحق بفرقة عسكرية متخصصة في مقاومة الدبابات، حيث نقل الى بلجيكا وعمل ضمن القوات التي كانت تعد للهجوم ضد بريطانيا، لكن سرعان ما تقرر ارساله في العام 1941 الى طرابلس الغرب.
استدعي ويبر في تشرين الأول (أكتوبر) 1939 للخدمة العسكرية وتلقى تدريباً على استعمال أجهزة اللاسلكي, وفي العام 1940 وقع الاختيار عليه لمرافقة بعثة عسكرية ألمانية سرية برفقة 50 جندياً تظاهروا أنهم مجموعة من السائحين، لكنهم خبأوا كميات من الأسلحة في أمتعتهم, وبعد نحو شهر عاد الى ألمانيا وتلقى مزيدا من التدريب على استعمال الشيفرة، وتم اختياره ليشارك في بعثة الى العراق عن طريق سورية, لكن هذه البعثة ألغيت وتم ارساله الى اسطنبول لانشاء محطة اتصال لاسلكي سرية للألمان، ثم ً الى أثينا لتولي الاشراف على ترتيب عملية التقاط البث اللاسلكي الألماني من سورية ثم الى باريس بعد عودته في مطلع العام 1942 لتلقي دورة للتعرف على أساليب القتال المتبعة لدى الجيش البريطاني لدى عودته في شباط (فبراير) 1942 الى برلين طلب منه التوجه حالاً الى طرابلس الغرب في شمال أفريقيا, وهناك اطلع على تفاصيل البعثة التي قام بها ألماسي الى أسيوط وشارك في الاجتماعات التي كانت تعقد هناك لبحث تفاصيل الخطة الموضوعة لهذه البعثة.
أخضع ويبر وابريل للتحقيق من جانب البريطانيين الذين صمموا على انتزاع أكبر قدر من المعلومات من الضابطين الألمانيين الأسيرين, ولم يتمالك ويبر نفسه وأبلغ المحققين عن البعثة المصرية التي اتجهت الى أسيوط، وأن ايبلر كان رئيس العملاء الألمان في مصر, وكل ما كان يعلمه أن ايبلر وساندستيد وصلا الى أسيوط، وعلى الأرجح بزيهما الأوروبي، ولم يكن يملك أي تفاصيل أخرى عمّا حصل لهما لاحقاً.
كما أبلغ ويبر وابريل المحققين أنه كان من المقرر أن يبقى ساندستيد في أسيوط مع جهاز لاسلكي محمول، فيما يتوجه ايبلر الى القاهرة أو الاسكندرية لجمع المعلومات عن الجيش البريطاني, ولم يكن لدى ويبر أي معلومات حول الكيفية التي كان مقرراً أن ينقل بها ايبلر المعلومات من القاهرة الى أسيوط لبثها باللاسلكي الى الألمان.
وفقاً لروايات الأخرى كان مقرراً أن يبقى ايبلر وساندستيد في أسيوط و يعيشا في مزرعة يملكها والد ايبلر هناك و يقومان بارسال المعلومات باللاسلكي منها, لكن ايبلر خشي من افتضاح الأمر, وتضاربت أقوال الأسرى الألمان حول هذه النقطة، ونفى ايبلر لاحقاً بعد وقوعه في الأسر أن يكون والده يملك أي مزرعة في أسيوط، وقال أنه اختلق القصة وأبلغ ألماسي بها ليقنعه بتغيير رأيه بالنسبة للطريق التي كان مقرراً أن يسلكها من ليبيا الى مصر والتي كانت ستمر من وادي حلفا في الجنوب بدلاً من أسيوط.
نسج الخيوط في القاهرة
كان ايبلر ابنا غير شرعي ولد في العام 914 1 في الاسكندرية لأم ألمانية تدعى جوانا ايبلر عادت الى ألمانيا مع ابنها وأطلقت عليه هناك اسم يوهان ايبلر, وما لبثت جوانا أن وضعت في ألمانيا ابناً آخر هو ثمرة علاقة غرامية عابرة مع ضابط بريطاني تعرفت عليه في مصر قبيل عودتها الى ألمانيا.
في ألمانيا تعرفت جوانا الى رجل مصري اسمه صلاح جعفر اقترن بها و تبنى ايبلر وأخيه غير الشقيق وأطلق عليهما اسم حسين وحسن جعفر, وعادت جوانا وابناها مع زوجها الى مصر في العام 1933، وأصبح صلاح قاضياً في المحاكم المصرية, وعاش الزوجان معاً حتى انفصلا في العام 1937.
في ذلك العام عاد ايبلر الى ألمانيا، حيث تعرّف على فتاة دنماركية فتزوجها وسافر معها الى الدنمارك وأقام معها هناك, لكنه ما لبث أن عاد الى ألمانيا في العام 1940 فجرى تجنيده في الجيش الألماني، كسائق شاحنة أولاً، ثم في سلاح الاشارة، ومنه الى قسم الترجمة، لاتقانه الفرنسية والعربية والألمانية بطلاقة والمامه بالأنكليزية و معرفتة الجيدة باللغات الاسكندنافية, بعدها انتقل الى قسم المسح الطوبوغرافي ورسم الخرائط التابع للجيش الألماني وتخصص في تدقيق الخرائط عن المناطق التي يعرفها في أفريقيا.
في هذا القسم تعرّف ايبلر على ساندستيد المولود في العام 1913 في أولدنبرغ لأب كان بروفيسورا في الكيمياء, ساندستيد كان فارع الطول، له شاربان ولون بشرته فاتح وعيناه زرقاوان, تلقى تعليمه في ألمانيا، حيث عاش حتى العام 1930 قبل أن ينتقل الى أوغندا وكينيا وطنجنيقا وموزامبيق، وعمل أثناء اقامته في أفريقيا ممثلاً لشركة النفط الأميركية تكساس أويل وتنقل مديراً لمكاتبها في دار السلام وكمبالا ونيروبي ومومباسا, كان يتكلم الانكليزية والسواحيلي بطلاقة وقليلاً من الفرنسية والايطالية, في بداية الحرب عام 1939 ألقت القوات البريطانية القبض عليه في دار السلام وأطلق سراحه لاحقاً في عملية تبادل للأسرى ونقل الى ألمانيا، حيث عمل في البداية في قسم المسح الطوبوغرافي ورسم الخرائط التابع للجيش الألماني وتخصص في تدقيق الخرائط عن المناطق التي كان يعرفها في أفريقيا.
نقل ساندستيد و ايبلر من هذا القسم على الى براندنبروغ ثم الى ميونخ، حيث تلقيا تدريبات خاصة ومكثفة على استعمال أجهزة الاتصال اللاسلكية التي أصبح ساندستيد خبيراً فيها، قبل أن يتم تكليفهما بالسفر الى مصر.
بعد وصوله الى القاهرة اتصل ايبلر مباشرة بوالدته جوانا ايبلر التي أصبحت تعرف بالسيدة جعفر ففزعت عندما شاهدته، لدرجة أنه فضل البقاء بعيداً عنها, لكنه حافظ على اتصال معها, في المقابل أقام اتصالاً مع أخيه غير الشقيق حسن جعفر الذي علم بحقيقة المهمة التي حضر ايبلر من أجلها الى مصر، وأبدى استعداداً لمساعدته.
حسن ولد في العام 1916 في شتوتغارت في ألمانيا، حيث ظل يعيش طوال 17 عاماً وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي قبل أن ينتقل الى مصر في العام 1933، حيث التحق بكلية «ليسيه فرانسيز» ومدرسة ماليكة في شبرا، ثم جامعة قصر النيل وكلية سانت جورج في شبرا، وذلك ارضاء لوالده القاضي صلاح جعفر المولع بالتعليم والذي توفي في العام 1941، أي قبل وصول ايبلر وساندستيد الى مصر, وكان يعتاش مع والدته من دخل التوفيرات التي تركها والده قبل وفاته التي كانت تؤمن مبلغ 18 جنيهاً استرلينياً في الشهر لكل منهما، مما أدى الى تشويش العلاقة بينه وبين أقاربه الآخرين الذين لم يتوقفوا عن الغمز والاشارة الى الشكوك في كونه ابناً حقيقياً لوالده.
زار ايبلر وساندستيد بعد وصولهما الى مصر وكيل العقارات هارالي في شارع قصر النيل للبحث عن سكن ملائم, عرض عليهما في البداية شقة تابعة لسيدة ايطالية، بعدها عرض شقة في شارع بورصة الجديدة تابعة لسيدة تدعى تيريز جوليرميه معروفة باسم مدام جيرمين، فوافقا على استئجار الشقة ودفعا لها مبلغ 75 جنيهاً استرلينياً لمدة ثلاثة أشهر, وظن ساندستيد أن ايبلر كان يعرف تيريز، لكن ايبلر نفى ذلك.
في البداية مكثت تيريز معهما في الشقة لبضعة أيام، لكنهما اكتشفا أن الشقة ليست سوى وكرا للدعارة, وفي أحد الأيام وصل الى الشقة ألبير وهْبة، وهو يهودي مصري كان يعمل قواداً لتيريز، ففوجئ هناك بوجود ايبلر الذي كان على معرفة سابقة به منذ كانا يدرسان معاً في مدرسة ليسيه فرانسيز، وكان وهْبة يعرف أن اسم ايبلر الحقيقي هو حسين جعفر, ورداً على استفسار وهْبة عن اختفائه طوال الوقت، أبلغه ايبلر أنه كان يعيش منذ العام 1937في مزرعة في أسيوط.
تيريز جوليرميه سيدة فرنسية مُطلقة كانت متزوجة من مصري ولديها ابن في الثامنة من عمره وابنة عمرها 25 سنة تدعى سميرة خولوصي ملقبة بسيمون كانت تقيم في هيليوبوليس وتعتاش هي الأخرى من أعمال غير شريفة, وعلقت تيريز في الشقة صورة لسميرة التي يعتقد أنها مثلت في أحد الأفلام المصرية.
*الراي العام
غزة-دنيا الوطن
سبق صحافي عالمي يكشف وللمرة الاولى التفاصيل الكاملة لتورط الرئيس المصري السابق أنور السادات في العام 1942 بشبكة تجسس كانت تعمل لحساب ألمانيا النازية في مصر ابان الحرب العالمية الثانية واعتقاله والحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة ثلاث سنوات.
يأتي الكشف عن هذه المسألة التي جرى التعتيم عليها منذ البداية بأمر قضائي ، بعد افراج الحكومة البريطانية أخيراً عن الملف الخاص بالشبكة، ووضعه للمرة الاولى تحت تصرف الجمهور، بعدما احتفظ به سرياً لمدة 62 عاماً، ضمن الوثائق الحكومية في أرشيف الدولة البريطاني في لندن الذي يحتوي على ملفات ووثائق يعود تاريخها الى أكثر من ألف عام.
يتضح من وثائق الملف أن السادات كان ضمن مجموعة من الضباط المصريين المتعاطفين مع ألمانيا النازية ودول المحور والمؤيدين لها في حربها ضد بريطانيا والدول الحليفة بل ان دائرة المتعاطفين كانت أوسع من ذلك بكثير وتشمل، بالاضافة الى قطاعات الشعب البسيطة في مصر، عدداً من أفراد الطبقة الارستقراطية المصرية بمن فيهم الملك فاروق ذاته.
وفقاً للوثائق أجرى قائدا شبكة التجسس، المدعوان ايبلر وساندستيد اتصالاً بالسادات الذي كان ضابطاً برتبة «يوزباشي» سلاح الاشارة التابع للجيش المصري والتقيا به في أكثر من مناسبة, وكانت الشبكة مكلفة جمع أكبر قدر من المعلومات عن القوات البريطانية غرب قناة السويس ونقلها الى مقر قيادة قوات المحور بقيادة روميل الذي كان مرابطاً في ليبيا، تمهيداً للانقضاض على البريطانيين واحتلال مصر وانتزاع قناة السويس من قبضتهم.
صادف في حينه أن تعطل جهاز الاتصال اللاسلكي الخاص بالشبكة ، وأصبحت غير قادرة على نقل المعلومات المتجمعة لديها الى روميل, ونظراً لأن السادات كان ضابطاً في سلاح الاشارة ولديه خبرة بأجهزة الاتصال اللاسلكي طلب منه الكشف على الجهاز المعطل, وبالفعل حضر السادات الى المقر الذي أقام به قائدا الشبكة فوق قاربٍ راسٍ في النيل على مقربة من حي العجوزة في القاهرة، وأخذ جهاز اللاسلكي المعطل لاصلاحه.
في وقت لاحق انكشف أمر الشبكة وألقت أجهزة الأمن المصرية والقوات البريطانية القبض على أعضائها والمتورطين في نشاطها من ضمنهم السادات.
تم خلال التحقيق الكشف عن وجود تنظيم داخل الجيش المصري كان يعمل لصالح ألمانيا ودول المحور بقيادة عزيز المصري باشا، القائد الأسبق لسلاح الجو المصري وأحد الأصدقاء المقربين جدا للملك فاروق, واعترف عدد من المتورطين في الشبكة أنهم شكلوا طابوراً خامساً داخل الأراضي المصرية كان مستعداً لضرب القوات البريطانية من الخلف ومساعدة روميل على التقدم لاحتلال مصر.
تضمن الملف وقائع جلسات التحقيق مع المتورطين في القضية والاعترافات التي أدلوا بها والشهادات التي انتزعت منهم، بما فيها التحقيق مع السادات واعترافاته الشخصية، بالاضافة الى اعترافات المتهمين الآخرين في الشبكة عنه وعن دوره في القضية.
كذلك وجد في الملف قرار من محكمة التحقيقات العسكرية اتخذ بتاريخ 12/8/1942 بالحفاظ على سرية الملف ومنع تسرّب القصة الى وسائل الاعلام بناء على توجيهات عليا تلقتها المحكمة من وزير الدفاع الوطني المصري في حينه الجنرال أحمد باشا حمدي سيف النصر, مما يوضح الكيفية التي تمت بها عملية الحفاظ على سرية القصة وعدم تسرب تفاصيلها الى الرأي العام وحرمانه من معرفة الحقيقة بكاملها، سوى تلك الاشاعات التي تناقلتها الألسن، وحديث الناس عن تعاطف السادات شخصياً مع ألمانيا الهتلرية.
جميع هذه التفاصيل مذكورة في الملف الى جانب تفصيلات أخرى دقيقة عن الشبكة ذاتها ونشاطها والأشخاص الذين عملوا فيها أو كانوا على اتصال بها والتي تشكل في مجموعها وثيقة تاريخية مهمة جداً حول الخلفية والتوجهات السياسية لمختلف فئات الشعب المصري من القمة الى القاعدة ابان الحرب العالمية الثانية، وبشكل خاص السادات الذي حكم عليه بالسجن واحتجز خلف القضبان حتى انتهت الحرب العالمية الثانية، و شاءت الأقدار أن تجعل منه رئيساً لجمهورية مصر في العام 1970 ولعب حتى اغتياله في العام 1981 دورا بارزاً على الساحتين العربية والدولية.
كذلك تشكل المعلومات الواردة في الملف عن الشبكة بتفاصيلها التصويرية الدقيقة قصة جاسوسية من الدرجة الأولى تتميز عن غيرها من القصص في أنها واقعية، تورد الحقائق وأسماء الأشخاص والأماكن الفعلية بشكل مدهش.
واعتبارا من اليوم نبدأ بنشر القصة الكاملة:
الحلقة الرابعة / انهار الضابط ويبر أثناء التحقيق وكشف للبريطانيين عن البعثة المصرية
لم يلتق ايبلر وساندستيد أحداً في أسيوط التي وصلاها صباح الأحد 24 أيار (مايو) 1942، سوى شخص بسيط يدعى أحمد تفاهما معه على مساعدتهما لقاء أجر في نقل الأمتعة التي كانت بحوزتهما, ومن أسيوط استقلا القطار في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم ذاته ووصلا القاهرة في المساء، حيث دفعا لأحمد أجره فتركهما عائداً الى أسيوط.
وقوع ضابط الاتصال
في الأسر
واجهت ايبلر و ساندستيد صعوبة في العثور على فندق أو نزل في القاهرة، وأمضيا ساعات طويلة حتى اهتديا الى بنسيون ناديا في شارع توفيق فمكثا فيه ليلتين فقط، قبل أن ينتقلا الى شقة في شارع «بورصة» الجديدة.
ما لم يكن يعلمه ايبلر وساندستيد أو حتى ألماسي في تلك المرحلة أن ويبر، حلقة الوصل المركزية في مقر قيادة الجيش الألماني في الزويرة، كان في 27 أيار (مايو) 1942 مشاركاً في رحلة استطلاعية عادية جداً مع مجموعة من الجنود الألمان شمال ليبيا، حين تعرضت سيارتهم قرب موقع بير هاشم لهجوم من كمين نصبه رجال كوماندوز تابعين للجيش البريطاني كانوا يعملون خلف الخطوط الألمانية، فقتلوا عدداً من الجنود الألمان وأسروا ضابطين ألمانيين كان ويبر أحدهما والثاني ضابط يدعى وولتر أبريل، مما أدى الى تعطل الاتصال في الزويرة التي كان من المقرر أن يشرف ويبر عليها، وبضمنها الاتصال ببعثة القاهرة.
وتبين أن ويبر وابريل ألمانيان مولودان في فلسطين ويتكلمان العربية بطلاقة، الى جانب أن ويبر يجيد الانكليزية, فويبر مولود في العام 1912 وعاش معظم حياته في فلسطين وفيها التحق بعضوية الحزب النازي الألماني في العام 1934، وسافر في العام 1936 الى ألمانيا للحصول على دورة تدريب عسكرية, كذلك ابريل الذي يكبر ويبر بسبعة أعوام، فهو مولود في فلسطين وهناك تعرّف على ويبر واشترك معه في فتح مصلحة لتصليح السيارات في مدينة حيفا، ظلت قائمة حتى نشوب الحرب العالمية الثانية، حيث عاد الى ألمانيا في العام 1939 والتحق بفرقة عسكرية متخصصة في مقاومة الدبابات، حيث نقل الى بلجيكا وعمل ضمن القوات التي كانت تعد للهجوم ضد بريطانيا، لكن سرعان ما تقرر ارساله في العام 1941 الى طرابلس الغرب.
استدعي ويبر في تشرين الأول (أكتوبر) 1939 للخدمة العسكرية وتلقى تدريباً على استعمال أجهزة اللاسلكي, وفي العام 1940 وقع الاختيار عليه لمرافقة بعثة عسكرية ألمانية سرية برفقة 50 جندياً تظاهروا أنهم مجموعة من السائحين، لكنهم خبأوا كميات من الأسلحة في أمتعتهم, وبعد نحو شهر عاد الى ألمانيا وتلقى مزيدا من التدريب على استعمال الشيفرة، وتم اختياره ليشارك في بعثة الى العراق عن طريق سورية, لكن هذه البعثة ألغيت وتم ارساله الى اسطنبول لانشاء محطة اتصال لاسلكي سرية للألمان، ثم ً الى أثينا لتولي الاشراف على ترتيب عملية التقاط البث اللاسلكي الألماني من سورية ثم الى باريس بعد عودته في مطلع العام 1942 لتلقي دورة للتعرف على أساليب القتال المتبعة لدى الجيش البريطاني لدى عودته في شباط (فبراير) 1942 الى برلين طلب منه التوجه حالاً الى طرابلس الغرب في شمال أفريقيا, وهناك اطلع على تفاصيل البعثة التي قام بها ألماسي الى أسيوط وشارك في الاجتماعات التي كانت تعقد هناك لبحث تفاصيل الخطة الموضوعة لهذه البعثة.
أخضع ويبر وابريل للتحقيق من جانب البريطانيين الذين صمموا على انتزاع أكبر قدر من المعلومات من الضابطين الألمانيين الأسيرين, ولم يتمالك ويبر نفسه وأبلغ المحققين عن البعثة المصرية التي اتجهت الى أسيوط، وأن ايبلر كان رئيس العملاء الألمان في مصر, وكل ما كان يعلمه أن ايبلر وساندستيد وصلا الى أسيوط، وعلى الأرجح بزيهما الأوروبي، ولم يكن يملك أي تفاصيل أخرى عمّا حصل لهما لاحقاً.
كما أبلغ ويبر وابريل المحققين أنه كان من المقرر أن يبقى ساندستيد في أسيوط مع جهاز لاسلكي محمول، فيما يتوجه ايبلر الى القاهرة أو الاسكندرية لجمع المعلومات عن الجيش البريطاني, ولم يكن لدى ويبر أي معلومات حول الكيفية التي كان مقرراً أن ينقل بها ايبلر المعلومات من القاهرة الى أسيوط لبثها باللاسلكي الى الألمان.
وفقاً لروايات الأخرى كان مقرراً أن يبقى ايبلر وساندستيد في أسيوط و يعيشا في مزرعة يملكها والد ايبلر هناك و يقومان بارسال المعلومات باللاسلكي منها, لكن ايبلر خشي من افتضاح الأمر, وتضاربت أقوال الأسرى الألمان حول هذه النقطة، ونفى ايبلر لاحقاً بعد وقوعه في الأسر أن يكون والده يملك أي مزرعة في أسيوط، وقال أنه اختلق القصة وأبلغ ألماسي بها ليقنعه بتغيير رأيه بالنسبة للطريق التي كان مقرراً أن يسلكها من ليبيا الى مصر والتي كانت ستمر من وادي حلفا في الجنوب بدلاً من أسيوط.
نسج الخيوط في القاهرة
كان ايبلر ابنا غير شرعي ولد في العام 914 1 في الاسكندرية لأم ألمانية تدعى جوانا ايبلر عادت الى ألمانيا مع ابنها وأطلقت عليه هناك اسم يوهان ايبلر, وما لبثت جوانا أن وضعت في ألمانيا ابناً آخر هو ثمرة علاقة غرامية عابرة مع ضابط بريطاني تعرفت عليه في مصر قبيل عودتها الى ألمانيا.
في ألمانيا تعرفت جوانا الى رجل مصري اسمه صلاح جعفر اقترن بها و تبنى ايبلر وأخيه غير الشقيق وأطلق عليهما اسم حسين وحسن جعفر, وعادت جوانا وابناها مع زوجها الى مصر في العام 1933، وأصبح صلاح قاضياً في المحاكم المصرية, وعاش الزوجان معاً حتى انفصلا في العام 1937.
في ذلك العام عاد ايبلر الى ألمانيا، حيث تعرّف على فتاة دنماركية فتزوجها وسافر معها الى الدنمارك وأقام معها هناك, لكنه ما لبث أن عاد الى ألمانيا في العام 1940 فجرى تجنيده في الجيش الألماني، كسائق شاحنة أولاً، ثم في سلاح الاشارة، ومنه الى قسم الترجمة، لاتقانه الفرنسية والعربية والألمانية بطلاقة والمامه بالأنكليزية و معرفتة الجيدة باللغات الاسكندنافية, بعدها انتقل الى قسم المسح الطوبوغرافي ورسم الخرائط التابع للجيش الألماني وتخصص في تدقيق الخرائط عن المناطق التي يعرفها في أفريقيا.
في هذا القسم تعرّف ايبلر على ساندستيد المولود في العام 1913 في أولدنبرغ لأب كان بروفيسورا في الكيمياء, ساندستيد كان فارع الطول، له شاربان ولون بشرته فاتح وعيناه زرقاوان, تلقى تعليمه في ألمانيا، حيث عاش حتى العام 1930 قبل أن ينتقل الى أوغندا وكينيا وطنجنيقا وموزامبيق، وعمل أثناء اقامته في أفريقيا ممثلاً لشركة النفط الأميركية تكساس أويل وتنقل مديراً لمكاتبها في دار السلام وكمبالا ونيروبي ومومباسا, كان يتكلم الانكليزية والسواحيلي بطلاقة وقليلاً من الفرنسية والايطالية, في بداية الحرب عام 1939 ألقت القوات البريطانية القبض عليه في دار السلام وأطلق سراحه لاحقاً في عملية تبادل للأسرى ونقل الى ألمانيا، حيث عمل في البداية في قسم المسح الطوبوغرافي ورسم الخرائط التابع للجيش الألماني وتخصص في تدقيق الخرائط عن المناطق التي كان يعرفها في أفريقيا.
نقل ساندستيد و ايبلر من هذا القسم على الى براندنبروغ ثم الى ميونخ، حيث تلقيا تدريبات خاصة ومكثفة على استعمال أجهزة الاتصال اللاسلكية التي أصبح ساندستيد خبيراً فيها، قبل أن يتم تكليفهما بالسفر الى مصر.
بعد وصوله الى القاهرة اتصل ايبلر مباشرة بوالدته جوانا ايبلر التي أصبحت تعرف بالسيدة جعفر ففزعت عندما شاهدته، لدرجة أنه فضل البقاء بعيداً عنها, لكنه حافظ على اتصال معها, في المقابل أقام اتصالاً مع أخيه غير الشقيق حسن جعفر الذي علم بحقيقة المهمة التي حضر ايبلر من أجلها الى مصر، وأبدى استعداداً لمساعدته.
حسن ولد في العام 1916 في شتوتغارت في ألمانيا، حيث ظل يعيش طوال 17 عاماً وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي قبل أن ينتقل الى مصر في العام 1933، حيث التحق بكلية «ليسيه فرانسيز» ومدرسة ماليكة في شبرا، ثم جامعة قصر النيل وكلية سانت جورج في شبرا، وذلك ارضاء لوالده القاضي صلاح جعفر المولع بالتعليم والذي توفي في العام 1941، أي قبل وصول ايبلر وساندستيد الى مصر, وكان يعتاش مع والدته من دخل التوفيرات التي تركها والده قبل وفاته التي كانت تؤمن مبلغ 18 جنيهاً استرلينياً في الشهر لكل منهما، مما أدى الى تشويش العلاقة بينه وبين أقاربه الآخرين الذين لم يتوقفوا عن الغمز والاشارة الى الشكوك في كونه ابناً حقيقياً لوالده.
زار ايبلر وساندستيد بعد وصولهما الى مصر وكيل العقارات هارالي في شارع قصر النيل للبحث عن سكن ملائم, عرض عليهما في البداية شقة تابعة لسيدة ايطالية، بعدها عرض شقة في شارع بورصة الجديدة تابعة لسيدة تدعى تيريز جوليرميه معروفة باسم مدام جيرمين، فوافقا على استئجار الشقة ودفعا لها مبلغ 75 جنيهاً استرلينياً لمدة ثلاثة أشهر, وظن ساندستيد أن ايبلر كان يعرف تيريز، لكن ايبلر نفى ذلك.
في البداية مكثت تيريز معهما في الشقة لبضعة أيام، لكنهما اكتشفا أن الشقة ليست سوى وكرا للدعارة, وفي أحد الأيام وصل الى الشقة ألبير وهْبة، وهو يهودي مصري كان يعمل قواداً لتيريز، ففوجئ هناك بوجود ايبلر الذي كان على معرفة سابقة به منذ كانا يدرسان معاً في مدرسة ليسيه فرانسيز، وكان وهْبة يعرف أن اسم ايبلر الحقيقي هو حسين جعفر, ورداً على استفسار وهْبة عن اختفائه طوال الوقت، أبلغه ايبلر أنه كان يعيش منذ العام 1937في مزرعة في أسيوط.
تيريز جوليرميه سيدة فرنسية مُطلقة كانت متزوجة من مصري ولديها ابن في الثامنة من عمره وابنة عمرها 25 سنة تدعى سميرة خولوصي ملقبة بسيمون كانت تقيم في هيليوبوليس وتعتاش هي الأخرى من أعمال غير شريفة, وعلقت تيريز في الشقة صورة لسميرة التي يعتقد أنها مثلت في أحد الأفلام المصرية.
*الراي العام
التعليقات