مؤتمر الإعلام والحاكمية الرشيدة:اتهام عمرو موسى بتبادل المنافع مع الحكومات العربية.. يجمل وجهها مقابل الإبقاء عليه في منصبه

مؤتمر الإعلام والحاكمية الرشيدة:اتهام عمرو موسى بتبادل المنافع مع الحكومات العربية.. يجمل وجهها مقابل الإبقاء عليه في منصبه
مؤتمر الإعلام والحاكمية الرشيدة:اتهام عمرو موسى بتبادل المنافع مع الحكومات العربية.. يجمل وجهها مقابل الإبقاء عليه في منصبه

عمان-دنيا الوطن

أدى الدعم الأميركي لمؤتمر "الإعلام والحاكمية الرشيدة" الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين على مدى ثلاثة أيام في العاصمة الأردنية إلى مزاوجة بين المطالب الشعبية العربية، والمطالب الأميركية في الإصلاح، دون أن يحول دون حدوث مناقشات اتسمت بحدتها في نقد السياسة الأميركية في المنطقة العربية، في حين أن الرعاية الرسمية للمؤتمر لم تشفع له بنشر النتائج الإيجابية التي توصل إليها في الصحف الأردنية، التي اكتفت بنشر تقارير مقتضبة عن جلسات المؤتمر، وأخبار مختزلة عن البيان الختامي والإعلانات التي صدرت عنه.

جاء انعقاد المؤتمر بعد عدة أيام فقط من اختتام أعمال "الإدارة الرشيدة" لخدمة التنمية في البلدان العربية"، الذي انعقد في البحر الميت برئاسة الدكتور صلاح الدين البشير وزير العدل الأردني، وبمشاركة فقط 16 دولة من أصل 22 دولة عربية.. وهو المؤتمر الذي أثار تساؤلات حول امكانية ترشيد الإدارة دون ترشيد الحكم أولا..؟

المشاركة الأميركية والغربية في مؤتمر "الإعلام والحاكمية الرشيدة"، كانت أكثر من لافتة.. إذ كانت هناك إلى جانب كلمتي الدكتور مروان المعشر رئيس الوزراء بالوكالة، الذي حضر جلسة الإفتتاح مندوبا عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ونضال منصور رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين، في جلسة الإفتتاح، كلمة ثالثة فاجأت الحضور لعدم وجود سوابق لها، القاها ديفيد هيل القائم بأعمال السفارة الأميركية في عمان، اشار فيها إلى أن "حكومة الولايات المتحدة سعيدة بأن تدعم مركز حماية وحرية الصحفيين في مناقشة هذا الموضوع الهام"، لافتا إلى صعوبة "تخيل وجود حكومة فاعلة ومتجاوبة مع الشعب، دون وجود قطاع اعلامي قوي يتميز بالمهنية والإستقلال".. مؤكدا أن العناوين التي يناقشها المؤتمر "حيوية الآن وفي كل وقت".

وبدوره، اشار الدكتور المعشر، وهو أحد رجالات الإصلاح في الدولة الأردنية، إلى حقيقتين، في الكلمة التي لم يشر إلى أنه يلقيها نيابة عن الملك، الذي ناب عنه في حضور جلسة الإفتتاح، وهما:

أولا: أن التنمية الإقتصادية والاجتماعية والسياسية لا يمكن أن تزدهر وتستدام إلا بوجود المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الفاعلة، واتاحة المجال للمواطنين للتعبير عن آرائهم واسماع اصواتهم، وحيث تحترم حقوق الإنسان، وتتدفق المعلومات، وتتفاعل مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص مع الحكومة في مختلف مراحل العمل والبناء، في بيئة يسودها نظام قضائي مستقل، وتتوفر فيها الحرية المسؤولة، وسيادة القانون، وحق المساءلة، وتترسخ فيها قيم الشفافية، بيئة تستوعب اختلاف وتنوع وجهات النظر التي تنصب في بوتقة ومصلحة الأردن أولا ودائما.

ثانيا: تأكيد الدراسات على النتائج السياسية والإقتصادية والإجتماعية السلبية في الدول التي تفتقر إلى الحاكمية الرشيدة، وخاصة في مجال انتشار الفساد، وتردي أوضاع البنية التحتية، وارتفاع تكاليف الأعمال، وتدني مستويات الإستثمار الخاص، وتراجع معدلات النمو والعمالة، وضعف الإستقرار السياسي.

وأقر المعشر بـ"إننا بحاجة لمزيد من الجهود لرفع سقف حرية الصحافة وتعزيز مهنيتها". وارتأى أن يختم كلمته بطرح عدد من التساؤلات كان أبرزها "هل تملك السلطة القضائية الحق الكامل في الفصل بالمسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع وفقا للقانون، ودون أية قيود أو تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة..؟". ولم يجب المعشر على التساؤلات التي طرحها، مكتفيا بالتمني على المؤتمر الخروج بإجابات واضحة عليها "لعلها تساعدنا على تحديد موقعنا الحالي، وأين سنتجه في المستقبل".

أما نضال منصور فقال في كلمته بكل صراحة أن الحكومات الأردنية لا تلتزم بتوجيهات الملك عبد الله الثاني لجهة رفع سقف الحرية إلى السماء، كما طالب مطلع عهده، وأشار إلى أن استطلاعا للرأي اجراه مركز حماية وحرية الصحفيين بين أن 71% من العينة المستطلعة آراؤها غير راضين عن حالة الإعلام الأردني، و58% يعتبرون أن التشريعات تشكل قيدا على حريتهم، و57% لا يرون أي تأثير لإلغاء وزارة الإعلام، و65% يعتقدون أن الحكومة تتدخل في الصحافة. وأضاف منصور "وتعددت أوجه الضغوط، فمن برلمانات لا تروق لها حرية الصحافة، إلى احزاب ما زالت أسيرة الأيديولوجيا والصوت الواحد، إلى نقابات لا ترضى بسلطة فوق سلطتها..؟". وقال منصور "إن التصدي للإرهاب أمر لا يمكن أن نهرب منه، لكن ذلك يجب أن لا يمس الحريات وهذا هو الأهم"..!

وبعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل، نوقشت خلالها، وألقيت اوراق عمل حول "مفهوم الحاكمية الرشيدة.. جدل لم يحسم"، "مشهد الحاكمية الرشيدة.. الحالة الراهنة"، "مبادرات الإصلاح العربي.. تطبيق لمفهوم الحاكمية الرشيدة أم هروب من استحقاقاتها"، "الحاكمية الرشيدة في العالم.. مقاربة للدراسة والتأمل مع الواقع العربي"، "البناء الديمقراطي طريق للحاكمية الرشيدة"، الذي تمت مناقشته في ثلاث ورشات متوازية بعناوين "المشاركة السياسية.. البرلمان نموذجا"، و"الشفافية ومحاربة الفساد"، "استقلال القضاء". وكانت هناك جلسة أخرى بعنوان "دور الإعلام في دعم مفاهيم الحاكمية الرشيدة"، ناقشت حالة التشريعات والحق في الوصول للمعلومات، حماية الإعلاميين والحالة المهنية، وادوار التغطية والرقابة والمساءلة للإعلام.

وقد شارك في ترؤس بعض الجلسات شخصيات من وزن طاهر المصري رئيس وزراء الأردن الأسبق، الدكتور منذر الشرع وزير التنمية السياسية الأردني، الدكتور ممدوح العبادي النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأردني، ناصر جودة وزير الإعلام الأردني الأسبق.

وصدر في ختام اعمال المؤتمر بيان، واعلان عمان، وبيان ختامي.

بيان واعلان

البيان تعلق بحالة الصحافة والإعلام في العراق، أدان قتل واختطاف الصحفيين في العراق، ودعا لإطلاق سراحهم فوراً، رافضا توجيه اللوم للصحفيين ومعاقبتهم، ودعا في ذات الوقت وسائل الإعلام كافة "التزام الموضوعية والمهنية في تغطيتها لتطورات الأحداث في العراق بشكل عادل ومنصف، والإبتعاد عن التحريض على العنف والإرهاب".

وأعلن "اعلان عمان دور الإعلام والحاكمية" ايمان المشاركين في المؤتمر بـ"الإعلام الحر والتعددي والمستقل". واعتبر أن "تطبيق الحاكمية الرشيدة تعنى بشكل اساسي توفير الآليات القانونية والحماية الضرورية للصحافة والإعلام للقيام بأعمال الرقابة على متخذي القرار، ولفت انتباه الجمهور إلى تجاوزات السلطات التنفيذية وكشف الفساد". وقال إن المؤتمرين يؤمنون بأن "هذه الآليات يجب أن تشمل ضمن ما تشمل وجود قانون يؤمن الحق في الحصول على المعلومات، والغاء القوانين التي تجرم الحق في ابداء الرأي، خاصة في مجال القذف والتشهير، فضلا عن ضرورة أن تتضمن أية تنظيمات لمهنة الإعلام مواثيق الشرف، يقوم عليها المشتغلون بالمهنة في اطار التنظيم الذاتي للمهنة". وطالب "الحكومات العربية أن تبادر إلى اصلاحات دستورية وتشريعية تضمن وجود رقابة وتوازن بين المؤسسات العامة، على أن تتضمن تلك الإصلاحات ضمان تداول السلطة من خلال انتخابات نزيهة وعادلة". وأكد الإعلان ايمان المؤتمرين "إن الحاكمية الرشيدة لن يتم انجازها دون برامج ملموسة مرتبطة بسقف زمني هدفها الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي".

البيان الختامي

أما البيان الختامي للمؤتمر فأكد "على أن الحكم الرشيد يضمن أن تكون السياسات المنتهجة ملبية لمصالح المواطنين، وتحقق تمتعهم بكافة الحقوق والحريات على قدم المساواة، ودونما تمييز، ويوفر آليات مناسبة لتقييم السياسات وتصحيحها والتصدي لإساءة استخدام السلطة والنفوذ واهدار المال العام". وطالب بـ"احترام سيادة القانون وخضوع أجهزة الدولة ذاتها لأحكامه" و"ضمان الشفافية وحرية تداول المعلومات والوصول إلى البيانات والوثائق الحكومية"، و"ضمان المساءلة والمحاسبة للقائمين على الشأن العام".

وشدد البيان الختامي على "أن فرص بناء اعلام حر في العالم العربي تتطلب توافر بيئة سياسية حاضنة تقوم على احترام حرية الرأي والتعبير والتعددية وتوافر أطر قانونية وديمقراطية تضمن استقلال المؤسسات والمنابر الإعلامية، وتعطي الحق للإعلاميين في ممارسة دورهم المهني دون مراقبة مسبقة أو ضغوط سياسية أو أمنية أو مالية ودون ضغوط واكراهات مجتمعية، وتكفل للإعلام الحق في الوصول إلى المعلومات والبيانات والوثائق الحكومية".

واعتبر البيان الإهتمام الرسمي بقضايا الإصلاح "مؤشرا ايجابيا على اقرار الحكومات العربية عامة بالحاجة إلى ادخال اصلاحات ضرورية في هذا المجال". وأعرب عن الأسف لأن الإلتزامات التي عبرت عنها حكومات المنطقة عبر المبادرات الرسمية المتعددة لم تترجم إلى جهود فعلية ملموسة تلبي التوقعات والتطلعات المنشودة للمجتمعات من أجل الإصلاح الديمقراطي والحكم الرشيد، ولم تجد تعبيرها في برامج وخطط عملية مربوطة بتوقيتات زمنية لتعزيز قيم المشاركة والشفافية والمحاسبية".

ولاحظ الإعلان أن أيا من البلدان العربية لم تقم "بإصلاحات دستورية تحد من الإحتكار الأبدي للسلطة، وتعيد التوازن في العلاقة بين السلطات وتضمن استقلال أي منها على الأخرى وتضع حدا لتغول السلطة التنفيذية على سلطة الرقابة والتشريع، وتحول دون تدخلها في شؤون العدالة وتلزمها باحترام القضاء والخضوع للقانون". كما أنها "لم تتخذ (حكومات البلدان العربية) اجراءات تشريعية تؤدي إلى اعمال آليات الشفافية والمحاسبية سواء فيما يتعلق بالحق في المعرفة والنفاد إلى المعلومات وتلقيها وتداولها أو فيما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام وحريات التعبير عموما المحاصرة بكم هائل من النصوص العقابية والعقوبات المغلظة السالبة للحرية والتي تقف عائقا أمام النقاش الحر للسياسات والسلوك الحكومي، وتجعل من تصدي وسائل الإعلام للإنحرافات والفساد واستغلال النفوذ مغامرة محفوفة بالمخاطر".

وقال "إن أغلب حكومات البلدان العربية لم تتخل عن هيمنتها شبه المطلقة على وسائل الإعلام السمعي والبصري، أو تخفف من القيود الصارمة على حرية اصدار الصحف، أو تمتنع عن تطبيق سياسات انتقائية في الدعم المالي المقدم للصحف أو في توزيع حصص الإعلانات التي تظل حكرا على الحكومة توجهها للصحف الأكثر مسايرة وممالأة لسياساتها".

اجراءات ومبادرات

وطالب البيان الختامي الحكومات العربية أن تقوم بجملة اجراءات عملية هي:

1ـ اعمال مبادىء الفصل بين السلطات ووضع حد للهيمنة المطلقة للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشرييعة والقضائية.

2ـ ارساء الدعائم الأساسية لإستقلال القضاء وحصانته.

3ـ ضمان التداول الديمقراطي للسلطة والمؤسسات التمثيلية عبر انتخابات حرة ونزيهة وعلى أساس تعددي تكفل خلالها فرض متكافئة للمتنافسين، وتحديد سقف زمني لبقاء شاغلي المناصب العليا في الحكم.

4ـ منح المجالس النيابية صلاحيات كافية لتفعيل دورها في الرقابة على الأداء الحكومي واستخدام الآليات البرلمانية المتعارف عليها في البلدان الديمقراطية لتعزيز ضمانات الشفافية والمساءلة والمحاسبية.

5ـ تكريس مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يضمن اخضاع التجاوزات والإنحرافات والخروقات التي تمارس من قبل أجهزة الدولة وموظفيها العموميين للمحاسبة والعقاب.

6ـ انهاء كافة مظاهر التمييز القانوني أو المؤسسي على أساس النوع أو الإنتماء القومي أو العرقي أو السياسي أو الديني أو المذهبي، واعمال مبادىء المساواة أمام القانون والإقرار بالحق في التعددية الفكرية والسياسية والحزبية.

7ـ اطلاق حرية تأسيس الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية ورفع القيود على انشطتها وافساح المجال لدورها في صنع السياسات أو التأثير عليها ومراقبة وتقييم الأداء الحكومي في شتى المجالات.

ودعا البيان الختامي إلى اطلاق عدد من المبادرات التشريعية لتفعيل دور الإعلام في دعم الحاكمية الرشيدة، وذلك عن طريق:

1ـ المراجعة الشاملة للتشريعات الإعلامية العربية وتخليصها من النصوص والتعبيرات الفضفاضة وغير المنضبطة التي تسمح بتجريم حرية تداول الأفكار والآراء والمعلومات، ووضع تخوم فاصلة بين جرائم السب والقذف والإهانة وبين حق النقد الذي ينبغي أن يكون مباحاً.

2ـ الغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم الصحافة والنشر وحظر التوقيف والحبس الإحتياطي في الجرائم المتعلقة بحرية ابداء الرأي.

3ـ اطلاق حرية اصدار الصحف والحق في تملكها دون قيود والغاء كافة أشكال الرقابة المسبقة على الصحف وحظر ايقافها اداريا من دون حكم قضائي، والغاء نظام الترخيص المسبق في عملية اصدار الصحف والعودة إلى نظام الإخطار.

4ـ ضمان حق الصحفيين في الوصول إلى مصادر المعلومات وكفالة حقهم في الحفاظ على سرية مصادرهم، واعتماد عقوبات مناسبة على المسؤولين والهيئات التي تعوق حق الصحفي في الوصول إلى المعلومات.

5ـ الإقرار القانوني بحق الصحفيين والإعلاميين في انتقاد المؤسسات العمومية والمنتخبة والشخصيات العامة فيما يخص ممارستها لمهامها.

6ـ رفع القيود على حرية التنظيم النقابي للمشتغلين في حقل الإعلام من دون تدخلات حكومية، وضمان تعدد البنى النقابية، وحظر العضوية الإلزامية في النقابات كشرط لممارسة المهنة.

7ـ اعادة النظر في التشريعات التي تبنتها بعض الحكومات لمكافحة الإرهاب للحيلولة دون استخدام نصوصها في تقييد الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير عموما.

وقال البيان الختامي إن مناقشاته أسفرت عن جملة رغبات منها "انشاء مرصد اعلامي اقليمي وتشجيع إنشاء مراصد وطنية لرصد الإنتهاكات التي يتعرض لها العاملون في حقل الإعلام من جهة وتقييم الأداء الإعلامي في حفز التطور الديمقراطي وارساء قيم حقوق الإنسان وتعزيز الحاكمية الرشيدة".

اقتراحات

وخلص البيان الختامي إلى عدد من الإقتراحات التي تم تداولها في جلسات المؤتمر من بينها: "تقييم مدى اتساق البنية التشريعية في البلدان العربية مع المعايير الدولية للإعلام الحر، واعداد تشريعات بديلة تلبي التطلعات إلى اعلام تعددي، مستقل، وحر"، "البدء في تأسيس شبكة من المدافعين العرب عن حرية الإعلام وانشاء شبكة من مراكز المساعدة القانونية في مختلف العواصم العربية" و"تنفيذ برامج لتدريب الإعلاميين على آليات الكشف عن الفساد وتوثيق المعلومات حوله، ونشر تقارير حوله بمختلف وسائل النشر بما فيها شبكة المعلومات الدولية"، و"تنفيذ برامج لتدريب القضاة والمدعين العموميين العرب ومن في حكمهم على استخدام المواثيق الدولية التي صدقت عليها دولهم في اعمالهم، وتعميم قواعد الفقه الدولي في التعامل مع قضايا حرية التعبير ووسائل الإعلام، ومعاونتهم على استخدامها في احكامهم وقراراتهم".

وإلى جانب ديفيد هيل القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأميركية الذي شارك بكلمة في جلسة الإفتتاح، شارك في جلسات العمل عدد من ممثلي المنظمات الدولية المدافعة عن حرية الإعلام، ترأس بعضهم جلسات نقاشية، وهم بيير فيلييت (رئيس صحفيون بلا حدود) آجنس كالامار (المدير التنفيذي لمنظمة المادة 19)، آلان مادو (رئيس شبكة اليونسكو الدولية للتواصل)، باتريك باسكر (نائب رئيس المركز الدولي للصحفيين)، جورج باباجيانيس (شبكة انترنيوز الإعلامية)، اورسولا اوين (رئيس تحرير مرصد الرقابة/الكشف على الرقابة)، بات كوين وبارت ديكسترا (الصوت الحر/هولندا)، مارك رومر (رئيس مجلس التبادل والأبحاث الدولية)، ايدن وايت (أمين عام الفدرالية الدولية للصحفيين)، جوهان فرتيز (مدير المعهد الدولي للصحافة).

الجدل الأول

إلى جانب هؤلاء كان هنالك مشاركون عرب ومن دول المنطقة، كان ابرزهم بختيار أمين (كردي) وزير حقوق الإنسان في الحكومة العراقية المؤقتة الذي اثارت ورقة العمل التي تقدم بها في اول جلسات المؤتمر جدلاً ساخناً تكرر في جلسات أخرى. فتحت عنوان "الحاكمية الرشيدة جدل لم يحسم"، كرر الوزير العراق لائحة الإتهامات التي يوجهها النظام الجديد في العراق لنظام الحكم السابق، معتبرا الإنتخابات الأخيرة التي جرت في العراق "جاءت كرد فعل على خمس عقود من حكم الإستبداد والحرمان وخنق الأصوات".

كان أول من تصدى للوزير العراقي حمادة فراعنة النائب الأردني السابق المعروف ببراغميته، وايمانه بإمكانية العمل مع الغرب وكذلك مع اسرائيل من أجل انجاز القواسم المشتركة التي يرى أنها تحقق مطالب عربية. سأل فراعنة الوزير العراقي، وماذا عن موقفك من الإحتلال الأميركي.. لماذا لم تتطرق إليه..؟!".

حاول طاهر المصري رئيس الجلسة احتواء الموقف قائلا أنا أعلن نيابة عنه أنه ليس مع الإحتلال، لكن شاكر الجوهري الكاتب الصحفي الأردني رفض ذلك، ولفت إلى أن جميع القوى التي تتشكل منها الحكومة العراقية الحالية عملت على تحريض اميركا على احتلال العراق، وقال إنها لا تزال تطالب بعدم انسحاب قوات الإحتلال.

ولاحظ الجوهري أن الوزير لم يغفل فقط الإشارة إلى موقفه المعروفة من الإحتلال، لكنه أغفل كذلك الإشارة إلى التعذيب الذي يمارس ضد المعتقلين العراقيين في سجون الإحتلال الأميركي. وقال إن الإنتخابات التي جرت مؤخرا في العراق لا تمثل موقف الشعب العراقي، ذلك أن الذين اقترعوا في هذه الإنتخابات يمثلون 59% من أصل المسجلين في سجلات الناخبين، وهؤلاء بدورهم يمثلون فقط 38% ممن يحق لهم الإقتراع.. أي أن نسبة الذين اقترعوا ممن يحق لهم الإقتراع تتراوح حوالي فقط العشرين بالمئة، رافضا أن تكون ديمقراطية العشرين بالمئة تمثل الشعب العراقي الذي قاطع الإنتخابات رفضا للإحتلال.

وانتقد الجوهري أداء الحكومة العراقية الحالية من حيث أنها تعمل على قيام نظام طائفي غير مسبوق في العراق، تكرسه من خلال فدرالية تمهد لتقسيم العراق، واستشهد على ذلك بإصرار الأحزاب الكردية على طرد مئتي ألف عربي من مدينة كركوك، في حين يوجد مليون كردي يعيشون على الرحب والسعة في بغداد.

وأعاد الجوهري إلى الأذهان تقريراً اميركيا كان قد حمل ايران مسؤولية السلاح الكيماوي الذي أدى إلى وقوع كارثة حلبجة في خضم تبادل استخدام الأسلحة الكيماوية بين الجيشين العراقي والإيراني قرب المدينة الكردية، وإلى أن الأحزاب التي فازت في الإنتخابات الأخيرة (القائمة الإئتلافية) كانت أول من مارس ارهاب تفجير السيارات المفخخة في شوارع العراق أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية. (حزب الدعوة، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، ومنظمة العمل الإسلامي).

الوزير العراقي رد على كل ذلك مكتفيا فقط بإعلان عدم موافقته على ما يجري في سجن أبو غريب، ونفى صحة نسبة المسجلين في سجلات الناخبين التي اوردها الجوهري، دون أن يورد نسبة رسمية.

دساتير البساطير

موضوع العراق أثير مرة أخرى في جلستي عمل "دور الإعلام في دعم مفاهيم الحاكمية الرشيدة"، وذلك حين اسهب متحدثون غربيون في الحديث عن الحرية التي تحققت للصحفيين العراقيين، وللعراق عموما في ظل الإحتلال الأميركي، وكانت المفاجأة أن تحدث ابراهيم نوار (مصري) وهو مدير المنظمة العربية لحرية الصحافة، ومقرها لندن، في ذات الإتجاه، مشيداً بديمقراطية الإحتلال الأميركي في العراق، وقال إذا خرج الأميركان من العراق فليست من ضمانات بالحفاظ على حريات الصحفيين التي تحققت في وجودهم، وزعم أن الأميركان يعيدون بناء الدولة العراقية الآن على أسس ديمقراطية. وانتقد التشريعات الإعلامية في الدول العربية وقدم سوريا مثالاً على ذلك حيث أن مجلس الوزراء هو صاحب الولاية في اصدار التراخيص الصحفية. وكان لافتا أن بان كولين تحدث عن وجود صحافة جيدة في الوطن العربي، كما هو الحال في دول العالم الأخرى، واشار إلى أن أنور السادات رئيس مصر السابق كان قد قال يوما أن مصر مقدسة أكثر من الصحافة، مبديا تأييده لذلك. واشار في ذات السياق محاولاً تأكيد صحة مقولته أنه سأل صحفيا فلسطينيا يوما عن توجهاته السياسية، وما إذا كان يعمل بمهنية مجردة فأجابه بأن الإعلام الفلسطيني يعمل في خدمة الثورة.

الجوهري رد على هذه الآراء في جملة نقاط:

أولا: رفض تأميم الصحافة والإعلام، وعدم جواز مصادرة حريتهما لمصلحة الحاكم الذي يختزل الدولة في شخصه كما كان يفعل السادات.

ثانيا: رفض حدوث ذلك أيضا في فلسطين حيث كان ياسر عرفات (الرئيس السابق) يختصر الثورة والكيانية الفلسطينية في شخصه، ولم تكن أجهزته الأمنية تتوانى عن تعذيب الصحفيين واعتقالهم في حالة مطالبتهم بالإصلاح ونقدهم لفساد السلطة.

ثالثا: إن مشكلة الشعوب العربية الأساسية هي مع "القائد الرمز"، لأنها تريد حرية وديمقراطية حقيقية تحل ارادة الشعب محل ارادة هذا القائد.

رابعا: إن ما ذهب إليه بان كولين يتماهى مع عملية خلط المهني بالسياسي، بخلاف ما تجمع عليه اوراق العمل من ضرورة الفصل بين الإثنين.

خامساً: لماذا اختار ابراهيم نوار سوريا فقط كمثال لولاية مجلس الوزراء على ترخيص اصدار الصحف، مع أن هذا ما هو قائم في جميع الدول العربية، وما إذا كان نوار أراد أن يسيء فقط للدولة العربية الوحيدة التي ما زالت تقول "لا"، بقدر الإمكان، للأميركيين، واغفال وجود ذات الوضع في الدول الحليفة لأميركا التي يجوز لها ما لا يجوز لغيرها..؟!

سادسا: كيف يشيد ايدين وايت بنتائج الديمقراطية العراقية التي اسفرت عن فوز الملالي والعمائم في العراق، في حين أن الغرب يرفض افرازات نتائج الإنتخابات في ايران التي تفرز عمائم وملالي آخرين لحكم ذلك البلد..؟ ولماذا يكون رجال الدين مرفوضون في مكان ومقبولون في مكان آخر..؟ وهل يحدث ذلك على قاعدة تحالفهم مع الأميركان أو معارضتهم لهم..؟

سابعا: إن بساطير جنود الإحتلال لا يمكن أن تنتج دساتير وحريات ديمقراطية للشعوب. البساطير لا تنتج دساتير، وإلا، فلم ترفض الدساتير التي تنتجها بساطير الإنقلابات العسكرية وتقبل دساتير بساطير الإحتلال..؟ ما الفرق بين هذا البسطار وذاك..؟

ثامنا: ما هي الصحافة العربية الجيدة..؟ وما هي الصحافة العربية التي لا تعاني من التقييدات..؟ وأكد مطالبته برفع القيود عن الصحافة والصحفيين العرب.

وكان عريب الرنتاوي الكاتب الصحفي الأردني الآخر قد أكد في ورقة عمل قدمها للمؤتمر، حظيت بترحيب معظم المشاركين العرب، أن الحكام العرب يفتعلون خمس ذرائع للهروب من استحقاقات الإصلاح، وهي:

اولا: التذرع بالصراعات الإقليمية، مع أن اسرائيل اقامت دولة ديمقراطية لشعبها اليهودي.

ثانيا: ضرورة أن يتم الإصلاح من الداخل، دون تدخل الخارج، وهو الأمر الذي لم يتم قبل أن يتدخل الخارج، حين تطلبت مصالحه ذلك.

ثالثا: التمسك بالسيادة، مع أن انظمة الحكم تفرط بالسيادة السياسية والإقتصادية، وتستجيب لكل الإملاءات الأميركية، ولا ترفض إلا الإملاءات التي تتعلق بالإصلاحات الديمقراطية، حيث هنا تتم مقايضة التنازلات في فلسطين والعراق وكل مكان، مقابل تنازل اميركا عن دمقرطة المنطقة.

رابعا: التذرع بخصوصية المجتمع العربي، ورفضه للديمقراطية، حيث يتم تحريك ادوات النظام لرفض الديمقراطية باسم الشعب.

خامسا: التذرع بأن الديمقراطية من شأنها أن تفضي إلى الفلتان الأمني وفوز الإسلاميين ووصولهم إلى سدة الحكم، مع أن غياب الديمقراطية هو الذي انتاج الإرهاب، وزاد من انتشار التيارات الأصولية في المنطقة.

وكان لعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية نصيبا من النقد في معرض تعقيب أحد المتداخلين على كلمة القاها محمد الخمليشي الأمين العام المساعد للجامعة، تناولت أداء الجامعة العربية باعتباره يمثل قمة الإصلاح، حيث نفى المتداخل ذلك، كاشفا عن أن موسى نفسه قال في جلسة خاصة على هامش مشاركته في اجتماعات مؤتمر الإدارة الرشيدة الذي انعقد الأسبوع الماضي، أن ذلك المؤتمر وفر له مادة يستطيع أن يضمنها تقرير لقمة الجزائر عن اصلاحات تحققت جراء قرارات قمة تونس. وقال المتداخل إن موسى بات يتبادل الخدمات والمنافع مع الحكومات العربية.. يعمل على تجميل وجه النظام العربي من أجل الإبقاء عليه في منصبه.

استقلال القضاء ونقده

غير أن أكثر المناقشات جدوى التي شهدها المؤتمر تمت لدى مناقشته "استقلال القضاء" في ورشة عمل ترأسها طاهر حكمت وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الأسبق بمشاركة الدكتور صلاح الدين البشير وزير العدل الحالي، وشارك فيها بشكل اساس المستشار هشام بسطويسي، نائب رئيس محكمة النقض المصرية، والمحامي ناصر أمين رئيس مركز استقلال القضاء ومقره القاهرة.

كان المستشار بسطويسي أول المتحدثين، والذي بدأ ورقته بتوجيه نقد إلى مبدأ تشكيل المحاكم الإستثنائية، وأكد على أهمية وجود محاكم دستورية تفصل في قضايا الطعن بعدم دستورية القوانين وطالب بتشكيل نواد للقضاة مهمتها وقف تأثير السلطات التنفيذية على القضاة، مؤكدا عدم جواز سيطرة مجلس القضاء الأعلى على نوادي القضاة لأن اداراتها يتم اختيارها بالإنتخاب، واقترح تشكيل اتحاد للقضاة العرب بهدف الدفاع عن استقلالية القضاء، والتصدي لتغول السلطات التنفيذية عليه.

أما فيما يخص العلاقة بين القضاء والصحافة، فقال المستشار البسطويسي أنه، وقضاة آخرون، يستندون إلى الدستور وقوانين الإتفاقيات الدولية من أجل عدم معاقبة الصحفيين بموجب قوانين جائرة لا تزال سارية المفعول في مصر، كما في الدول العربية الأخرى.

وأكد ناصر أمين على حصانة القضاء، رافضا مبدأ تعيين أو عزل القضاة لأسباب غير متعلقة بكفاءة القاضي وقدرته على أداء عمله. وأجاز في ذات الوقت محاكمة القضاة حين يخطئون في اصدار الأحكام، لافتا في ذات الآن إلى أن هناك قضاة ضبطوا بالجرم المشهود في حالة تلبس وهم يتقاضون رشى، مشيرا إلى ضرورة التفريق بين حرية التعبير والإساءة، لدى النظر في قضايا المطبوعات والنشر. وقال إن فقدان الثقة بالقضاء يجعل المواطن يفكر في كيفية أخذ حقه بيده، وهذا أمر خطير.

وفي معرض تأكيده على ضرورة احترام السلطات التنفيذية لقرارات القضاء، اشار أمين إلى قرار اصدره قاض بريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية بنقل قاعدة عسكرية جوية كانت تقع قرب محكمة لأن تواصل اقلاع وهبوط الطائرات العسكرية يؤثر سلبا على عمل القضاة، فكان أن التزم ونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا بقرار القاضي قائلا إنه يفضل أن تهزم بريطانيا في الحرب على أن يقال أن قرارات القضاء لا تحترم فيها.

وكانت ورقة العمل الأخيرة للدكتور صلاح الدين البشير وزير العدل الأردني الذي أبدى أن استقلال القضاء هو وسيلة لا غاية في حد ذاتها.. ذلك أن استقلال القضاء يشكل ضمانة لتقدم المجتمع في كل مجالات الحياة.

واقترح الوزير التوصل إلى ميثاق شرف بين الصحافة والقضاء، يقضي بدعم الصحافة لإستقلال القضاء، وهو ما فتح باب النقاش حول العلاقة بين الصحافة والقضاء، حيث أوضح شاكر الجوهري أن دعم الصحافة لإستقلال القضاء كان من بين عوامل هامة أخرى أدت في نهاية المطاف إلى اصدار قانون استقلال القضاء، لكنه طالب مقابل ذلك باعتراف القضاء بسلطة الصحافة باعتبارها سلطة رقابة تشمل ولايتها مجلس النواب المكلف دستوريا بالرقابة والتشريع، قائلا لم نعد نقبل اعتبار الصحافة سلطة رابعة دون تشريعات قانونية تؤكد هذه السلطة.

وأشار الجوهري إلى أن القضاء الأردني مثل على الدوام صمام أمان للصحافة، حيث أنه قرر براءة أو عدم مسؤولية الصحف والصحفيين عن أكثر من تسعين بالمائة من القضايا التي حركتها الحكومات ضد الصحافة والصحفيين، لكنه لفت مع ذلك إلى مفارقة تمثلت في احالة المدعي العام لكاتب صحفي بتهمة ذم القضاء لأنه طالب بتعديل واصلاح الأنظمة واللوائح المتعلقة بتحصيل أموال الدولة من خلال مذكرات جلب تعيد المسافرين من الحدود وتوقفهم في النظارات عدة أيام من أجل دفع ثمانية قروش في بعض الأحيان، علما أن هناك كتاب رسمي مرفوع من النيابة العامة يطالب بذات ما طالب به المقال الذي يحاكم صاحبه الآن بتهمة ذم القضاء..!

ولفت الجوهري إلى أن الإصلاح تسبقه عملية هدم، وعلى ذلك فإن الدعوة للإصلاح تتطلب كذلك نقد ما هو قائم من أخطاء في حين أن المادة 191 في قانون العقوبات الأردني ترتب عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين على كل من يذم ولو موظفاً صغيراً من موظفي الدولة فيما يتعلق بأدائه لعمله..! وطالب بإلغاء هذه المادة، كما سبق أن ألغيت المادة 150 عقوبات.

وقال الجوهري إن القضاء يستطيع أن يساعد الصحافة من خلال تغليب نصوص الدستور والاتفاقات الدولية على القوانين الجائرة، كما أشار إلى ذلك المستشار البسطويسي. وأشار الجوهري إلى مثال القاضي البريطاني الذي اورده أمين معتبرا اياه نموذجا على أخطاء جسيمة يمكن أن يرتكبها القضاة، ذلك أن نقل المحكمة بعيداً عن القاعدة الجوية أقل كلفة، وأفضل من وجهة نظر مصالح الدولة في زمن الحرب، من نقل القاعدة الجوية، وما يمكن أن يلحقه ذلك من اخطار امنية جسيمة بالدولة من أجل ارضاء مزاجية قاض..!

ولقيت مداخلة الجوهري تأييدا لكل ما ورد فيها من قبل وزير العدل، ورئيس الجلسة، وقضاة اردنيون شاركوا في هذه الجلسة. بل إن طاهر حكمت رئيس الجلسة، وهو وزير اسبق للعدل ورئيس أسبق لمجلس القضاء الأعلى أكد على حق الكتاب والصحفيين في النقد، بما في ذلك نقد قرارات القضاء، على أن يكونوا ملمين بما يكتبونه ويعرفون ما يخوضون فيه من موضوعات.

التعليقات