الموساد الاسرائيلي:من غزة الى لبنان

هآرتس –
تقرير :
من سنُصفي هذا الصباح
بقلم: يوسي ملمان
عرف نائب رئيس الموساد سلفا متى سينهي ولايته، وخطط للخروج حينما يحين الموعد في عطلة دراسية.كان يخاف فعل ذلك زمنا كثيرا لئلا ينطبق عليه: "بعيد من العين، بعيد من القلب" وان تتضرر بذلك احتمالاته ليصور كمرشح رائد للحلول محل رئيس الموساد مئير دغان. على ذلك، فبدل الخروج للدراسة يزن الآن ان يطلب تعيينه رئيس قسم قيسارية.
ستنتهي ولاية دغان بعد سنتين ونصف فقط، في خريف 2007، وليست لديه أية نية في ان يستقيل قبل الوقت. بل هو مستمتع بالمنصب وسيزيد استمتاعه به مع كل يوم يمر. قبل سنتين ونصف عينه رئيس الحكومة اريئيل شارون لرئاسة الموساد ولمناصب خاصة، بدل افرايم هليفي الذي استقال، واستعدادا لمنتصف ولايته يجهزون في الموساد لدورة تعيينات جديدة لرؤساء أقسام ورؤساء وحدات.
ينافس اثنان على المنصب المُخلى للنائب وهما: (ح)، رئيس "ادارة مقر القيادة" والرقم 3 في هرمية الموساد، و (ن)، رئيس قسم "تسومت". عيّن دغان (ن) و (ح) لمنصبيهما الحاليين قبل نحو سنتين، وبالأساس بفضل خبرتهما العملية. مرّ كلاهما بمسار متشابه لقيادة الوحدات الأكثر عملية في الموساد. كان (ن) رئيس قسم "نفيعوت". واضطر هليفي سلفه في المنصب ان يستقيل بعقب عدد من الأخطاء العملية ومنها اعتقال عملاء الموساد في سويسرا وفي قبرص. على حسب نشرات اجنبية، "نفيعوت" مسؤولة عن تسلل "لاشياء ثابتة" (مبانٍ، مثلا)، من أجل الحصول على معلومات، ومن جملة ذلك تخبئة اجهزة تنصت.
كان المنصب الأرفع لـ (ح) رئيس قسم قيسارية، الذي اعتبر على حسب نشرات اجنبية، مسؤولا عن الاتصال بـ "المقاتلين" - وهم عملاء الموساد المُدخلون بهويات مستعارة الى دول عربية واسلامية. في أخريات فترة هليفي استقال (ح) للتقاعد بعد أكثر من عشرين سنة من العمل في الموساد. في مرحلة معينة، عندما احتار شارون في سؤال من يحل محل هليفي، ذكر (ح) كمرشح ممكن لمنصب رئيس الموساد. يريد دغان، بتأييد شارون، ان يجعل الموساد جهة أكثر عملية. بعد زمن قصير من توليه المنصب، في لقاء مع رؤساء الأقسام، أعلن عن نيته تحويل الموساد الى منظمة قتالية رشيقة وطلب من مرؤوسيه تضحية ذاتية، وطاعة تامة وحفاظا على القيم بلا تهاون. ولكن بالتدريج تعلم مرؤوسوه في الموساد انه يطلب ولكنه لا ينفذ.
قبل نحو سنة نشر في الاعلام ان جهاز هاتف رئيس الموساد سُرق من سيارته - وهو اهمال، مرّ عليه المسؤول عن دغان، رئيس الحكومة، بلا توقف. في مقابل ذلك، بعد زمن ما فقد ضابط تجميع من الموساد وسيلة اتصال. وبخّه رئيس قسمه (ن)، وسُجل التوبيخ في ملفه الشخصي. في هذه الحالة قرر دغان ان الاهمال كان خطيرا جدا وان العقوبة كانت خفيفة جدا. لقد غير قرار رئيس القسم وقرر ان لا يُدرج ضابط التجميع في نهاية مهمته في المنصب الذي أُعد له، وهو نائب رئيس قسم عملي، بل كمسؤول عن أقراص في مقر القيادة لنشاطات غير عملية.
عن الاستقالات والإقالات:
كتعبير محسوس عن النيات العملياتية أحاط دغان نفسه برجال عمليات وقدم رجال موساد من المستويات المتوسطة في الوحدات العملياتية، على حساب أفراد قسم البحث و"تيفل" - وهو قسم العمل السياسي والاتصال للخدمات الاجنبية. تعكس تعيينات دغان ايضا التغيير البنيوي الذي أدخله. قسّم الموساد فيما يمكن ان يُسمى "ادارتين"، أو بُنيتين علويتين. في "الادارة العملياتية" جمعت كل الأقسام والوحدات العملياتية، التي تشتمل وفق نشرات اجنبية على قيسارية، ونفيعوت، وتسومت، وتيفل، وقسم الاستخبارات، ووحدات تقنية. المسؤولية عن الادارة العملياتية هي لنائب رئيس الموساد (ن). في "ادارة مقر القيادة" رُكزت الوحدات التي تعالج التخطيط، والموارد البشرية، والاشراف الداخلي، واللوجستيكا (البريد، والمواصلات)، والأمن، والحوسبة واشياء اخرى. أقيم في رئاسة مقر القيادة وبهذا تقررت مكانته كرقم 3 في المنظمة. هناك اتفاق واسع على ان (ح) هو رجل ذو سحر وجاذبية وذو قدرة إقناع كبيرة. هذه الاشياء، مع زيادة سجِله العملياتي، دفعت شارون ودغان الى إعادته للخدمة الفعلية. يعتبر وزير الدفاع موفاز ايضا، ورئيس هيئة الاركان موشيه يعلون من بين مؤيديه. ولكن يوجد له نُقاد ايضا، يزعمون ان عالمه ضيق كأبعاد هذه العملية أو تلك وتنقصه الرؤية الشاملة والعمق المطلوبان من نائب رئيس الموساد، فضلا عن رئيس الموساد.
التغييرات والتعيينات المتوقعة تثير التوجسات في مقر قيادة الموساد. يدخل الى مكتب دغان رؤساء شُعب، ووحدات، وأقسام، يطلبون في حديث شخصي معه معرفة احتمالاتهم في ان تشتمل عليهم دورة التعيينات وان يتقدموا الى مناصب جديدة. واحد منهم هو (ن)، رئيس شعبة تسومت في السنوات الثلاث الأخيرة. على حسب نشرات اجنبية هذه هي الشعبة المسؤولة عن استعمال عملاء وهو في الأساس التسويغ الأساسي لوجود الموساد كمنظمة استخبارات.
خدم (ن) في لواء البحث الخاضع لـ "أمان" قبل ان ينتقل الى الموساد. يعتبر رجل تنفيذ ورجل استخبارات ممتازا، ولكن في وسط مرؤوسيه الآراء مختلفة عليه. فالى جانب المدح على مهنيته يوجه اليه نقد على اسلوب عمله، وعلى مركزيته الزائدة وعلى استقامته الفاضلة عن الحاجة. نشأ عند من تحدث اليه في الشهور الأخيرة انطباع انه اذا ما عُين نائبا لرئيس الموساد، أو على الأقل للمنصب الثالث في أهميته - رئيس ادارة هيئة القيادة - فانه سيستقيل في الصيف.كذلك رؤساء شُعب ووحدات، لم يلبث بعضهم في منصبه سوى زمن قصير جدا، مثل رئيس شعبة "تيفل"، يزنون الاستقالة. دُفع رئيس "تيفل" الى مواجهات مع دغان بسبب التقليصات من صلاحيات شعبته والتقليصات التي جرت عليها.
يستمتع دغان، كما انطبع في أذهان بعض المسؤولين الكبار في المنظمة، من الحج اليه، ومن الراغبين اليه، ومن الصلاحية والقوة اللتين جُعلتا في يديه. ليس دغان رجل ظرف وأدب، فلغته احيانا قاسية مهينة، وترك بعض من اجتمعوا به مكتبه موبَّخين أو مجروحين، بعد ان أهانهم أو لم يكن حساسا بما يكفي أو لم يكن مُنصتا لحاجاتهم. الانطباع المتراكم هو ان الموساد لا يزال يتصرف بخبل وفي جو من عدم اليقين يميزه منذ ان تولى دغان منصبه. في السنوات الـ 53 لوجود الموساد كان له عشرة مديرين والكثير من صراعات القوة الداخلية. تُتذكر على نحو خاص المعسكرات والدسائس في فترة افرايم هليفي.
عيّن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هليفي للمنصب في عام 1997، ولكنه خاف من ان لا يكون على درجة كافية من "العملياتية" فعيّن لنيابته قائد منطقة الشمال، عميرام لفين. منذ البدء حاول هليفي تحطيم سمة "الدبلوماسي" التي علقت به. على الرغم من تردداته، التي وصلت حدّ المخاوف الثقيلة، أجاز عمليات كثيرة نسبيا، وفيها عمليات مع درجة مخاطرة عالية، في دول عمل الموساد فيها عملا قليلا جدا، أو لم يعمل قط. ولكن نغصت فترة ولايته على نحو خاص الخصومات التي نمت بينه وبين نائبه لفين، التي تدهورت بسرعة الى العداء الشخصي الصريح.
تخلّق في الموساد معسكران، وأجرى المديرون تحقيقات مع مرؤوسيهم وانشأوا نظام "عملاء" ونمّامين في مكاتب خصومهم، من اجل الحصول على معلومات عن نياتهم. كانت الدسائس والمؤامرات الى جانب الأكاذيب والارتياب مسألة يومية. ويقول مسؤول في الموساد استقال مؤخرا: "حتى بالمقارنة مع الجو الصعب والمعسكرات التي كانت في فترة هليفي ولفين، فان الكآبة في موساد دغان شديدة".
منذ اللحظة الاولى أذاع دغان جو أنا وحدي وسواي لا شيء، أو، "أنا أعرف أفضل منكم". يتحدث مسؤول كبير في الموساد ترك منصبه في دورة الاستقالات الاولى بعد تعيين دغان، يتحدث عن لقاء مع رئيسه الجديد: "دخلت الى غرفته وأحضرت له تقريرا استخباريا. ولم يكد يتصفحه حتى قال في الحال: من الغد أريد فقط قائمة أهداف للتصفية". حاول الرجل، وهو ذو أسبقية في الموساد، ان يتفوه بشيء عن تقرير لجنة اغرنات، الذي حدد بعد حرب يوم الغفران مسؤولية الموساد وتقسيم الصلاحيات بينه وبين "أمان". على حسب قوله، غش دغان وجهه بتعبير احتقاري وتركه يفهم، بحركة يد استخفافية، ما هو رأيه في التقرير.
بسبب التغييرات البنيوية، والشخصية التي أجراها دغان في بداية طريقه قرر سبعة من رؤساء الشُعب والوحدات، ومثل هذا العدد على الأقل من رؤساء الوحدات، إنهاء عملهم. وأعلن مئات آخرون عن نياتهم الاستقالة، ايضا بسبب الخوف من ان الاصلاح الضريبي الذي يجريه وزير المالية نتنياهو سيمس بشروط استقالتهم السخية (عاد كثير منهم في هذه الاثناء عن نية الاستقالة). نشأ الانطباع بأن عُمال الموساد يصوتون بأرجلهم، وأثيرت المسألة في أحد الحضورات الاولى لدغان أمام حلقة متقاعدي الموساد.
عندما سُئل دغان عن وباء الاستقالات أذهل المتقاعدين عندما ابتدأ يتهجى على مسامعهم الجذر (ب.ر.ش) (استقال) على نحو فهم منه صلة واضحة بالتبرُز. فسر كثير من الحاضرين هذا كاستخفاف بهم ويعملهم المديد في خدمة الموساد. يُبين أحد مقربي دغان انه لم يكن سبب للاحساس بالاهانة من اقواله، لان للرجل "نوعا من الفكاهة، لا يُفهم دائما".
أسهم الرد الفاتر للمتقاعدين كما يبدو في غياب دغان عن مؤتمرهم الأخير، في كانون الاول من عام 2004. أوضح مساعدوه انه استدعي فجأة الى خارج البلاد، ولكن يعتقد كثير ان ذلك تعلُّل. في الواقع يعمل دغان بمنهجية لإفساد حلقة المتقاعدين. عندما اعتقل في نيوزيلندا الاسرائيليان اللذان كانا على حسب نشرات اجنبية من رجال الموساد، طلب دغان من رؤساء الشُعب طلبهم الى عُمالهم الكبار ان يوقعوا على وثيقة سرية، لتوكيد ان لا يُحدثوا المتقاعدين عن أي تفصيل عملياتي.
زادت خيبة أمل عدد من المسؤولين الكبار لأن دغان انشأ لنفسه في بداية ولايته "مطبخا صغيرا" من ثلاثة مستشارين خارجيين، أكثر من التشاور معهم وهم: يوفيل ديسكين، نائب رئيس "الشباك" (الذي عُين في الاسبوع الماضي رئيسا "للشباك")، وعميرام لفين وبنحاس بوخريس. عُين ديسكين، الذي كان آنذاك في عطلة دراسية من "الشباك"، مستشارا خاصا لشؤون محاربة الارهاب. أما لفين فقد رآه دغان مستشار عمليات خاصة وسأله رأيه في التعيينات ايضا. ليس من العجب ان عددا من أفراد معسكر لفين، ممن بقوا في الموساد، حظوا بترفيع في فترة دغان.
أما المستشار الثالث، العقيد (احتياط) بنحاس بوخريس، فقد تولى في الماضي قيادة الوحدة 8200 من "أمان" وهو اليوم مستشار رفيع في صندوق الاستثمار ايبكس. سأله دغان رأيه، في شؤون تقنية هي في مجال تخصص 8200، مثل: إبطال عمليات بث، وتنصتات، وحل شيفرات وما أشبه.
في المنظمة التي ألَّف فيها رؤساء الشُعب ورؤساء الوحدات دائما الحلقة التي اتخذت فيها القرارات المهمة، ليس من العجب ان يرى مسؤولون كبار في الموساد هذه الاعمال تعبيرا عن عدم ثقة بهم وبقدراتهم. من جهة ثانية، فانه ليس المقربون من دغان فقط بل ايضا رجال استخبارات قدماء يتحفظون من النقد ويزعمون انه يجب فهم التعيينات في سياق جداول الأولويات التي حددها دغان. "من المفهوم ضمنا ان رئيس الموساد مُخول ان يُعين الى جانبه مستشارين ورجالا يثق فيهم، حتى لو قدموا من الخارج"، يؤكد رئيس شعبة استقال قبل عقد من السنين. "وإن من المفهوم بما يكفي ايضا أن يكون مثل اولئك الذين يُقصون على اثر ذلك من دائرته الداخلية ويشعرون بالمرارة".
من غزة الى لبنان:
في عام 2000 انضم دغان الى المعركة العامة ضد الانسحاب من هضبة الجولان، وانتسب الى
الليكود، وفي سنة 2001 تولى مع عضو الكنيست عوزي لنداو، منصب رئيس مقر قيادة انتخابات شارون في الانتخابات لرئاسة الحكومة. وبيّن للجنة القاضي جبرائيل باخ، التي فحصت عن أهليته للمنصب، انه لا يرى نفسه رجلا حزبيا حتى انه لم يدفع رسوم العضوية في الليكود.
وُلد دغان في روسيا باسم مئير هوبرمان في عام 1945، لوالدين من ناجي الكارثة. هاجرت العائلة الى اسرائيل في عام 1950 واستقرت في شقة في عمارة سكنية متواضعة في بات - يم. في عام 1963 تجند للجيش الاسرائيلي وخدم في دورية المظليين. خدم لأكثر من ثلاثين سنة في الجيش وهناك صيغ تصوره الأمني "نشأت في الجيش"، كما شهد ذات مرة على نفسه.
في حرب الايام الستة تولى دغان قيادة سرية في معارك سيناء ومع نهاية الحرب أُهبط مع جنوده من مروحيات في هضبة الجولان ايضا. في عام 1970 فرض عليه قائد المنطقة الجنوبية، اريئيل شارون، ان يُنشيء وحدة خاصة لمحاربة الارهاب الفلسطيني في قطاع غزة. كانت وحدة "ريمون" في جوهرها قوة من المستعربين، عمل جنودها مع أفراد "الشباك" في تحديد مواقع مخربين واعتقالهم وتصفيتهم. اختلفت الآراء على عدد من عمليات الوحدة وبعد مرور سنوات حاول مخالفون للقانون، مثل القاتلين دنيال عوكيف، وجان اليرز، ان يزعُما دفاعا عن نفسيهما انهم إذ كانا جنودا في "ريمون" عرفا اعمالا فظيعة وشاركا في عمليات تصفية تسببت لهما بصدمات شديدة.
فلاسفة أقل ومنفذون أكثر:
طلب كل من أجري معهم لقاء من أجل هذا التقرير عدم ذكر أسمائهم، أو أنهم رفضوا التجاوب؛ رفض الموساد نفسه الرد على مزاعم واسئلة تظهر فيه. كان يئير رابيد - رابيتس هو الوحيد الذي وافق على ان يقول رأيه صراحة. خدم رابيتس في الوحدة 504 في "أمان"، التي ترفع فيها حتى تولى منطقة الشمال. في نهاية سنوات السبعين انتقل الى الموساد، الذي شغل فيه عددا من المناصب العملياتية والقيادية في لبنان واوروبا. استقال من الموساد قبل 12 سنة ويعمل في السنوات الأخيرة من اجل استيعاب لاجئي جيش لبنان الجنوبي في اسرائيل.
عرف رئيس الموساد، مئير دغان، في قيادة الشمال: كان دغان آنذاك رئيس وحدة الاتصال للبنان وكان رابيد رابيتس رجل موساد في لبنان. في رأيه، كان تعيين دغان لرئاسة الموساد اختيارا ناجحا: "انه يعرف تحديد الغايات لمنظمته ويهتم بأن تُحرز هذه الغايات. لقد جاء الى الموساد ليعمل عملا صعبا ولانجاز انجازات لا فقط من اجل ان ينهي فترة الولاية بسلام، كما فعل عدد من سابقيه. لقد وصل الى المنظمة متحررا من كل التزام وواجب غير مهم، لديه فراسة جيدة بالرجال وتعييناته حسنة على نحو عام".
- هل من المهم في رأيك ايضا تأكيد الطابع العملياتي للموساد؟
* "أهمية تأكيد "الطابع العملياتي" تنبع من انه في حين انه في مجال التجميع والبحث داخل اسرائيل يوجد عدد من الجهات التي تعمل في ذلك، فان الموساد في الخارج واحد لا نظير له. زيادة على ذلك، لن تجدي كل القدرات والمؤهلات التيفلية والبحثية اذا لم تكن للمنظمة ذراع عملياتية قوية تمكنها من احراز غايات تجميعية وعملياتية (وفي جملتها عمليات عنيفة)".
- ما رأيك في انحطاط مكانة الموساد لدى الرأي العام في اسرائيل وفي خارج البلاد، مقارنة بـ "الشباك"، ووزارة الخارجية و"أمان"؟
* "لست أعرف إن كان قد حدث انحطاط في مكانة الموساد في نظر الجمهور. اذا كان هذا صحيحا، فان الامر ربما يكون نابعا من سلسلة من الاخطاء نُشرت في السنوات الأخيرة، بعضها نتيجة لخطأ عملياتي (سويسرا، وقبرص) وبعضها من غباء وتهاون (خالد مشعل). الارتفاع بمكانة "الشباك" ينبع من واقع السنين الأخيرة، التي نجح فيها "الشباك" في محاربة الارهاب الفلسطيني. لست أرى المكانة الصاعدة لوزارة الخارجية أو لـ "أمان" في الرأي العام الاسرائيلي".
- أي تغييرات يجب ان يمر بها الموساد لتكييف نفسه ولتهيئتها للواقع الدولي والاقليمي؟
* "التغييرات المطلوبة هي بالضبط تلك التي يجريها دغان - فلاسفة وموظفون أقل، ورجال استخبارات وعمليات أكثر".
- هل توجد لدى الجماعة الاستخبارية في اسرائيل، وفيها الموساد، أدوات لمواجهة ارهاب الجهاد العالمي؟
* "توجد أدوات، ولكن في هذه المسألة لا تستطيع دولة واحدة ان تواجه وحدها كما ينبغي تحديا كهذا مبثوثا في العالم كله وعليها ان تسعى للتعاون مع منظمات نظيرة، وفي الأساس في الولايات المتحدة، لأن هذا أصبح شأنا كونيا. ومن هنا يجب الطموح الى ان يكون أفراد تيفل كلهم ذوي خلفية عملياتية لا موظفين وأنصاف دبلوماسيين، من اجل ان يعرفوا كيف يتحدثون مع نظرائهم".
تعمق التعارف بين شارون ودغان منذ الصلة المهنية الوثيقة وعلاقات الثقة. في حرب لبنان في عام 1982 تولى قيادة لواء المدرعات "براك" وبعد ذلك عُين لقيادة وحدة الاتصال للبنان. في لبنان تعرف الى النشاط الخاص لوحدة 504 في "أمان"، التي تعالج من بين سائر ما تعالجه استعمال العملاء. سببت الوحدة 504 الحسد في نفس دغان وانشأ لنفسه في وحدة الاتصال للبنان وحدة مشابهة، استعمل بواسطتها عملاء وجمع معلومات استخبارية. وكما كان الامر في ايام "ريمون" في غزة اتصل اسمه في لبنان ايضا بعمليات محاربة الارهاب وتصفيات جسدية.
في نهاية سنوات التسعين ضُم دغان الى الهيئة القيادية العامة، التي كان فيها رئيس لواء العمليات ومستشارا خاصا لرئيس هيئة الاركان. خلال خدمته العسكرية جُرح مرتين، وفاز بوسام الشجاعة واستطاع ايضا ان يدرس في جامعة حيفا للقب الاول في العلوم السياسية. في عام 1995، عندما ازداد خطر جرحه في ظهره، استقال من الجيش الاسرائيلي وخرج في رحلة سيارات جيب في آسيا الوسطى مع صديقه، اللواء يوسي بن حنان. بعد مرور نحو سنة استدعي مرة اخرى للخدمة الرسمية. ضمه رئيس الحكومة شمعون بيرس الى هيئة قيادة محاربة الارهاب كنائب لعامي ايلون، وبعد ان عُين ايلون لرئاسة "الشباك" عُين دغان بدلا منه.
"لدغان مشكلة صورة"، يقول مسؤول كبير عرفه معرفة جيدة في هيئة قيادة محاربة الارهاب. "يرونه من قبيل راعي البقر، يطلب صنع النظام بطرق غير معتادة، في حين انه بالفعل رجل متزن، لطيف، مهذب ودمث". منذ استقالته من هيئة قيادة محاربة الارهاب، بعد اربع سنوات في رئاستها، الى ان عُين لمنصبه الحالي، قام دغان بأعمال خاصة في مجالات الاستشارة الأمنية وتجارة السلاح. في تلك الفترة حاول دغان ان يقوم بأعمال مشتركة مع تجار سلاح اسرائيليين وفيهم عاموس غولان الذي يعمل في اوغندا وشركة "سلفر شدو" للعقيد شلومو إيليا في نيجيريا.
مفاجأة القذافي:
كان السبب الأساسي لإسقاطه في رئاسة الموساد هو أمل شارون بأن يحرك دغان المنظمة، التي غرقت في رأيه في الرتابة بقيادة هليفي. دغان، بإيحاء وبدعم من شارون، يسعى الى جعل الموساد منظمة "عملياتية" تكون "ذات صلة" بواقع القرن الحادي والعشرين. حسب تصور دغان، يجب على الموساد ان يستغل امتيازه النسبي وعليه لذلك ان يتركز فقط في مجالين رئيسين أو ثلاثة. هذه المجالات - التي تسمى باللغة الاستخبارية (ذكر أنباء حيوية) - هي محاربة الارهاب العربي والفلسطيني، ومواجهة ارهاب الاسلام الاصولي، وتجميع معلومات عن سلاح غير تقليدي في الشرق الاوسط، وفي ايران خاصة. كل ذلك من غير إهمال للمهمة التقليدية للموساد وهي إعطاء الإنذار بالحرب.
وهكذا، واستمرارا لاقواله المستخفة بتقرير لجنة أغرنات وفي محاولة تحسين مكانة الموساد والمس بالمكانة الاولى لـ "أمان"، حاول دغان ان يغير ترتيبات عمل تقليدية للجماعة الاستخبارية. قال دغان في عدد من الفرص لمرؤوسيه الكبار ان على الموساد ان يكف عن تلقي توجيهات ذكر الأنباء الحيوية من "أمان" وان يحدد لنفسه ذكرا للأنباء الحيوية خاصا به، يوجه الموساد لتنفيذ مهام تلائمه أكثر، مثل التصفيات الجسدية.
"أمان" هي المنظمة الكبيرة والمهمة للجماعة الاستخبارية، التي تُشغل من العمال خمسة أضعاف (وربما أكثر) ما في الموساد وتستعمل ذراع التجميع الأهم للمعلومات - الوحدة 8200. لهذا فان "أمان" ايضا مسؤولة أمام الحكومة عن تقدير المعلومات الاستخبارية الوطنية وتقدم ذكرا للأنباء الحيوية، أي الجدول اليومي الاستخباري لاسرائيل. فشلت محاولة دغان الطموح، وبعد أكثر من عام وإنفاق للمال والموارد التقنية للموساد تتابع "أمان" كونها ذات السيادة في توجيه تجميع المعلومات الاستخبارية.
على عكس رأي أكثر الحلقة الرفيعة في الموساد، زعم دغان انه لا توجد أية حاجة الى لواء البحث السياسي وان الموساد يكفيه البحث العملياتي، الذي يلتقط شذرات معلومات مطلوبة لتنفيذ ناجح لعملية (ثمن سفرة في حافلة في دولة معينة، وعلاقات جوار في مبنى سكني أو ترتيبات زيارة حدودية). في الطريق الى إلغاء اللواء مزج دغان بين عدد من الأقراص وألغى اخرى. وهكذا عمل في تيفل، التي أراد ان يقلصها من شعبة الى لواء يكون فقط وحدة وصل مع الاجهزة النظيرة في العالم، من خلال تقليص مشاركتها في تجميع المعلومات الاستخبارية.
جاءت محاولة المس بصلاحيات تيفل بالرغم من الصيت الذي ذاع لها بفضل الاتصالات السرية مع منظمات استخبارية غربية ومع منظمات عربية واسلامية لا تنشيء علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. بسبب هذه التغييرات، ولأنهم ايضا أدركوا ان دغان لن يُرفعهما، استقال مسؤولان كبيران منذ سنته الاولى في المنصب: رئيس شعبة الاستخبارات، التي عمل فيها لواء البحث، ورئيس تيفل يورام هيسل.
ولكن سريعا اكتشف دغان انه مُحتاج مع ذلك الى البحث السياسي. في مباحثات مع رئيس الحكومة، ووزراء، وأفراد وزارة الخارجية ونظيريه رئيس "أمان" ورئيس "الشباك"، يُطلب الى كل منظمة ان تُبدي رأيها في تطورات مختلفة في العالم، وأدرك دغان انه من غير وحدة البحث ذات الأهلية فسيظهر كأداة فارغة. حددت كذلك مصادمات وحوادث مربكة في لقاءات تعارف وعمل لدغان مع رؤساء اجهزة نظيرة معرفته بأن تيفل هي كنز لا عبء، وتراجع عن خططه بعيدة الأمد لتقليص الشُعبة.
استخلص دغان العبرة الاولى، في مبلغ حيوية وحدات مثل تيفل والبحث لنشاطات استخبارية سرية، في كانون الاول 2003، بعد ان أعلنت ليبيا عن قرارها التخلي عن سلاحها غير التقليدي. جاء قرار ليبيا على أثر اتصالات سرية بين الاستخبارات الليبية والـ سي.آي.ايه الامريكية والـ ام.اي6 البريطانية. لم تعرف الجماعة الاستخبارية في اسرائيل - الموساد و"أمان" - شيئا عن ذلك.
كانت ليبيا حتى منتصف سنوات التسعين غاية لتجميع معلومات عملياتية وبحثية للاستخبارات الاسرائيلية، بسبب الخوف من ان تحرز سلاحا للابادة الجماعية. في مرحلة معينة قررت "أمان" إبعاد ليبيا عن ذكر الأنباء الحيوية، ومنذ ذلك الحين بقيت اسرائيل "عمياء" تماما تقريبا عما يحدث في بلاد القذافي واضطرت الى ان تعتمد على التعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة ومنظمات استخبارية اخرى في الغرب. ليس دغان مذنبا في هذا الفشل، الذي نبع من قرار امريكي على "تحجيم" اسرائيل عقوبة لها على ثرثرة رؤسائها. في عام 2001 كشف رئيس الحكومة شارون في مقابلة تلفازية عن معلومات سرية حساسة جدا، فحواها ان ليبيا تعمل لاحراز تقنية ذرية. حصل الموساد و"أمان" على المعلومات عن طريق قناة الاتصال، كجزء من تعاونهما مع منظمات استخبارية صديقة. الآن فقط، بعد فوات الأوان، يمكن ان نفهم ان المعلومات تعلقت بشراء آلات طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم من شبكة تهريبات الدكتور عبد القادر خان، "أبي القنبلة النووية" الباكستانية. ومع ذلك كله، يقول المستشار الاعلامي لرئيس الحكومة ان شارون "راضٍ جدا عن عمل رئيس الموساد وهو على قناعة بأنه قد طور عمل المنظمة كثيرا. وفي رأيه، فان الموساد بقيادة مئير دغان هو أكثر عملياتية مما كان عليه في فترة افرايم هليفي".
تقرير :
من سنُصفي هذا الصباح
بقلم: يوسي ملمان
عرف نائب رئيس الموساد سلفا متى سينهي ولايته، وخطط للخروج حينما يحين الموعد في عطلة دراسية.كان يخاف فعل ذلك زمنا كثيرا لئلا ينطبق عليه: "بعيد من العين، بعيد من القلب" وان تتضرر بذلك احتمالاته ليصور كمرشح رائد للحلول محل رئيس الموساد مئير دغان. على ذلك، فبدل الخروج للدراسة يزن الآن ان يطلب تعيينه رئيس قسم قيسارية.
ستنتهي ولاية دغان بعد سنتين ونصف فقط، في خريف 2007، وليست لديه أية نية في ان يستقيل قبل الوقت. بل هو مستمتع بالمنصب وسيزيد استمتاعه به مع كل يوم يمر. قبل سنتين ونصف عينه رئيس الحكومة اريئيل شارون لرئاسة الموساد ولمناصب خاصة، بدل افرايم هليفي الذي استقال، واستعدادا لمنتصف ولايته يجهزون في الموساد لدورة تعيينات جديدة لرؤساء أقسام ورؤساء وحدات.
ينافس اثنان على المنصب المُخلى للنائب وهما: (ح)، رئيس "ادارة مقر القيادة" والرقم 3 في هرمية الموساد، و (ن)، رئيس قسم "تسومت". عيّن دغان (ن) و (ح) لمنصبيهما الحاليين قبل نحو سنتين، وبالأساس بفضل خبرتهما العملية. مرّ كلاهما بمسار متشابه لقيادة الوحدات الأكثر عملية في الموساد. كان (ن) رئيس قسم "نفيعوت". واضطر هليفي سلفه في المنصب ان يستقيل بعقب عدد من الأخطاء العملية ومنها اعتقال عملاء الموساد في سويسرا وفي قبرص. على حسب نشرات اجنبية، "نفيعوت" مسؤولة عن تسلل "لاشياء ثابتة" (مبانٍ، مثلا)، من أجل الحصول على معلومات، ومن جملة ذلك تخبئة اجهزة تنصت.
كان المنصب الأرفع لـ (ح) رئيس قسم قيسارية، الذي اعتبر على حسب نشرات اجنبية، مسؤولا عن الاتصال بـ "المقاتلين" - وهم عملاء الموساد المُدخلون بهويات مستعارة الى دول عربية واسلامية. في أخريات فترة هليفي استقال (ح) للتقاعد بعد أكثر من عشرين سنة من العمل في الموساد. في مرحلة معينة، عندما احتار شارون في سؤال من يحل محل هليفي، ذكر (ح) كمرشح ممكن لمنصب رئيس الموساد. يريد دغان، بتأييد شارون، ان يجعل الموساد جهة أكثر عملية. بعد زمن قصير من توليه المنصب، في لقاء مع رؤساء الأقسام، أعلن عن نيته تحويل الموساد الى منظمة قتالية رشيقة وطلب من مرؤوسيه تضحية ذاتية، وطاعة تامة وحفاظا على القيم بلا تهاون. ولكن بالتدريج تعلم مرؤوسوه في الموساد انه يطلب ولكنه لا ينفذ.
قبل نحو سنة نشر في الاعلام ان جهاز هاتف رئيس الموساد سُرق من سيارته - وهو اهمال، مرّ عليه المسؤول عن دغان، رئيس الحكومة، بلا توقف. في مقابل ذلك، بعد زمن ما فقد ضابط تجميع من الموساد وسيلة اتصال. وبخّه رئيس قسمه (ن)، وسُجل التوبيخ في ملفه الشخصي. في هذه الحالة قرر دغان ان الاهمال كان خطيرا جدا وان العقوبة كانت خفيفة جدا. لقد غير قرار رئيس القسم وقرر ان لا يُدرج ضابط التجميع في نهاية مهمته في المنصب الذي أُعد له، وهو نائب رئيس قسم عملي، بل كمسؤول عن أقراص في مقر القيادة لنشاطات غير عملية.
عن الاستقالات والإقالات:
كتعبير محسوس عن النيات العملياتية أحاط دغان نفسه برجال عمليات وقدم رجال موساد من المستويات المتوسطة في الوحدات العملياتية، على حساب أفراد قسم البحث و"تيفل" - وهو قسم العمل السياسي والاتصال للخدمات الاجنبية. تعكس تعيينات دغان ايضا التغيير البنيوي الذي أدخله. قسّم الموساد فيما يمكن ان يُسمى "ادارتين"، أو بُنيتين علويتين. في "الادارة العملياتية" جمعت كل الأقسام والوحدات العملياتية، التي تشتمل وفق نشرات اجنبية على قيسارية، ونفيعوت، وتسومت، وتيفل، وقسم الاستخبارات، ووحدات تقنية. المسؤولية عن الادارة العملياتية هي لنائب رئيس الموساد (ن). في "ادارة مقر القيادة" رُكزت الوحدات التي تعالج التخطيط، والموارد البشرية، والاشراف الداخلي، واللوجستيكا (البريد، والمواصلات)، والأمن، والحوسبة واشياء اخرى. أقيم في رئاسة مقر القيادة وبهذا تقررت مكانته كرقم 3 في المنظمة. هناك اتفاق واسع على ان (ح) هو رجل ذو سحر وجاذبية وذو قدرة إقناع كبيرة. هذه الاشياء، مع زيادة سجِله العملياتي، دفعت شارون ودغان الى إعادته للخدمة الفعلية. يعتبر وزير الدفاع موفاز ايضا، ورئيس هيئة الاركان موشيه يعلون من بين مؤيديه. ولكن يوجد له نُقاد ايضا، يزعمون ان عالمه ضيق كأبعاد هذه العملية أو تلك وتنقصه الرؤية الشاملة والعمق المطلوبان من نائب رئيس الموساد، فضلا عن رئيس الموساد.
التغييرات والتعيينات المتوقعة تثير التوجسات في مقر قيادة الموساد. يدخل الى مكتب دغان رؤساء شُعب، ووحدات، وأقسام، يطلبون في حديث شخصي معه معرفة احتمالاتهم في ان تشتمل عليهم دورة التعيينات وان يتقدموا الى مناصب جديدة. واحد منهم هو (ن)، رئيس شعبة تسومت في السنوات الثلاث الأخيرة. على حسب نشرات اجنبية هذه هي الشعبة المسؤولة عن استعمال عملاء وهو في الأساس التسويغ الأساسي لوجود الموساد كمنظمة استخبارات.
خدم (ن) في لواء البحث الخاضع لـ "أمان" قبل ان ينتقل الى الموساد. يعتبر رجل تنفيذ ورجل استخبارات ممتازا، ولكن في وسط مرؤوسيه الآراء مختلفة عليه. فالى جانب المدح على مهنيته يوجه اليه نقد على اسلوب عمله، وعلى مركزيته الزائدة وعلى استقامته الفاضلة عن الحاجة. نشأ عند من تحدث اليه في الشهور الأخيرة انطباع انه اذا ما عُين نائبا لرئيس الموساد، أو على الأقل للمنصب الثالث في أهميته - رئيس ادارة هيئة القيادة - فانه سيستقيل في الصيف.كذلك رؤساء شُعب ووحدات، لم يلبث بعضهم في منصبه سوى زمن قصير جدا، مثل رئيس شعبة "تيفل"، يزنون الاستقالة. دُفع رئيس "تيفل" الى مواجهات مع دغان بسبب التقليصات من صلاحيات شعبته والتقليصات التي جرت عليها.
يستمتع دغان، كما انطبع في أذهان بعض المسؤولين الكبار في المنظمة، من الحج اليه، ومن الراغبين اليه، ومن الصلاحية والقوة اللتين جُعلتا في يديه. ليس دغان رجل ظرف وأدب، فلغته احيانا قاسية مهينة، وترك بعض من اجتمعوا به مكتبه موبَّخين أو مجروحين، بعد ان أهانهم أو لم يكن حساسا بما يكفي أو لم يكن مُنصتا لحاجاتهم. الانطباع المتراكم هو ان الموساد لا يزال يتصرف بخبل وفي جو من عدم اليقين يميزه منذ ان تولى دغان منصبه. في السنوات الـ 53 لوجود الموساد كان له عشرة مديرين والكثير من صراعات القوة الداخلية. تُتذكر على نحو خاص المعسكرات والدسائس في فترة افرايم هليفي.
عيّن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هليفي للمنصب في عام 1997، ولكنه خاف من ان لا يكون على درجة كافية من "العملياتية" فعيّن لنيابته قائد منطقة الشمال، عميرام لفين. منذ البدء حاول هليفي تحطيم سمة "الدبلوماسي" التي علقت به. على الرغم من تردداته، التي وصلت حدّ المخاوف الثقيلة، أجاز عمليات كثيرة نسبيا، وفيها عمليات مع درجة مخاطرة عالية، في دول عمل الموساد فيها عملا قليلا جدا، أو لم يعمل قط. ولكن نغصت فترة ولايته على نحو خاص الخصومات التي نمت بينه وبين نائبه لفين، التي تدهورت بسرعة الى العداء الشخصي الصريح.
تخلّق في الموساد معسكران، وأجرى المديرون تحقيقات مع مرؤوسيهم وانشأوا نظام "عملاء" ونمّامين في مكاتب خصومهم، من اجل الحصول على معلومات عن نياتهم. كانت الدسائس والمؤامرات الى جانب الأكاذيب والارتياب مسألة يومية. ويقول مسؤول في الموساد استقال مؤخرا: "حتى بالمقارنة مع الجو الصعب والمعسكرات التي كانت في فترة هليفي ولفين، فان الكآبة في موساد دغان شديدة".
منذ اللحظة الاولى أذاع دغان جو أنا وحدي وسواي لا شيء، أو، "أنا أعرف أفضل منكم". يتحدث مسؤول كبير في الموساد ترك منصبه في دورة الاستقالات الاولى بعد تعيين دغان، يتحدث عن لقاء مع رئيسه الجديد: "دخلت الى غرفته وأحضرت له تقريرا استخباريا. ولم يكد يتصفحه حتى قال في الحال: من الغد أريد فقط قائمة أهداف للتصفية". حاول الرجل، وهو ذو أسبقية في الموساد، ان يتفوه بشيء عن تقرير لجنة اغرنات، الذي حدد بعد حرب يوم الغفران مسؤولية الموساد وتقسيم الصلاحيات بينه وبين "أمان". على حسب قوله، غش دغان وجهه بتعبير احتقاري وتركه يفهم، بحركة يد استخفافية، ما هو رأيه في التقرير.
بسبب التغييرات البنيوية، والشخصية التي أجراها دغان في بداية طريقه قرر سبعة من رؤساء الشُعب والوحدات، ومثل هذا العدد على الأقل من رؤساء الوحدات، إنهاء عملهم. وأعلن مئات آخرون عن نياتهم الاستقالة، ايضا بسبب الخوف من ان الاصلاح الضريبي الذي يجريه وزير المالية نتنياهو سيمس بشروط استقالتهم السخية (عاد كثير منهم في هذه الاثناء عن نية الاستقالة). نشأ الانطباع بأن عُمال الموساد يصوتون بأرجلهم، وأثيرت المسألة في أحد الحضورات الاولى لدغان أمام حلقة متقاعدي الموساد.
عندما سُئل دغان عن وباء الاستقالات أذهل المتقاعدين عندما ابتدأ يتهجى على مسامعهم الجذر (ب.ر.ش) (استقال) على نحو فهم منه صلة واضحة بالتبرُز. فسر كثير من الحاضرين هذا كاستخفاف بهم ويعملهم المديد في خدمة الموساد. يُبين أحد مقربي دغان انه لم يكن سبب للاحساس بالاهانة من اقواله، لان للرجل "نوعا من الفكاهة، لا يُفهم دائما".
أسهم الرد الفاتر للمتقاعدين كما يبدو في غياب دغان عن مؤتمرهم الأخير، في كانون الاول من عام 2004. أوضح مساعدوه انه استدعي فجأة الى خارج البلاد، ولكن يعتقد كثير ان ذلك تعلُّل. في الواقع يعمل دغان بمنهجية لإفساد حلقة المتقاعدين. عندما اعتقل في نيوزيلندا الاسرائيليان اللذان كانا على حسب نشرات اجنبية من رجال الموساد، طلب دغان من رؤساء الشُعب طلبهم الى عُمالهم الكبار ان يوقعوا على وثيقة سرية، لتوكيد ان لا يُحدثوا المتقاعدين عن أي تفصيل عملياتي.
زادت خيبة أمل عدد من المسؤولين الكبار لأن دغان انشأ لنفسه في بداية ولايته "مطبخا صغيرا" من ثلاثة مستشارين خارجيين، أكثر من التشاور معهم وهم: يوفيل ديسكين، نائب رئيس "الشباك" (الذي عُين في الاسبوع الماضي رئيسا "للشباك")، وعميرام لفين وبنحاس بوخريس. عُين ديسكين، الذي كان آنذاك في عطلة دراسية من "الشباك"، مستشارا خاصا لشؤون محاربة الارهاب. أما لفين فقد رآه دغان مستشار عمليات خاصة وسأله رأيه في التعيينات ايضا. ليس من العجب ان عددا من أفراد معسكر لفين، ممن بقوا في الموساد، حظوا بترفيع في فترة دغان.
أما المستشار الثالث، العقيد (احتياط) بنحاس بوخريس، فقد تولى في الماضي قيادة الوحدة 8200 من "أمان" وهو اليوم مستشار رفيع في صندوق الاستثمار ايبكس. سأله دغان رأيه، في شؤون تقنية هي في مجال تخصص 8200، مثل: إبطال عمليات بث، وتنصتات، وحل شيفرات وما أشبه.
في المنظمة التي ألَّف فيها رؤساء الشُعب ورؤساء الوحدات دائما الحلقة التي اتخذت فيها القرارات المهمة، ليس من العجب ان يرى مسؤولون كبار في الموساد هذه الاعمال تعبيرا عن عدم ثقة بهم وبقدراتهم. من جهة ثانية، فانه ليس المقربون من دغان فقط بل ايضا رجال استخبارات قدماء يتحفظون من النقد ويزعمون انه يجب فهم التعيينات في سياق جداول الأولويات التي حددها دغان. "من المفهوم ضمنا ان رئيس الموساد مُخول ان يُعين الى جانبه مستشارين ورجالا يثق فيهم، حتى لو قدموا من الخارج"، يؤكد رئيس شعبة استقال قبل عقد من السنين. "وإن من المفهوم بما يكفي ايضا أن يكون مثل اولئك الذين يُقصون على اثر ذلك من دائرته الداخلية ويشعرون بالمرارة".
من غزة الى لبنان:
في عام 2000 انضم دغان الى المعركة العامة ضد الانسحاب من هضبة الجولان، وانتسب الى
الليكود، وفي سنة 2001 تولى مع عضو الكنيست عوزي لنداو، منصب رئيس مقر قيادة انتخابات شارون في الانتخابات لرئاسة الحكومة. وبيّن للجنة القاضي جبرائيل باخ، التي فحصت عن أهليته للمنصب، انه لا يرى نفسه رجلا حزبيا حتى انه لم يدفع رسوم العضوية في الليكود.
وُلد دغان في روسيا باسم مئير هوبرمان في عام 1945، لوالدين من ناجي الكارثة. هاجرت العائلة الى اسرائيل في عام 1950 واستقرت في شقة في عمارة سكنية متواضعة في بات - يم. في عام 1963 تجند للجيش الاسرائيلي وخدم في دورية المظليين. خدم لأكثر من ثلاثين سنة في الجيش وهناك صيغ تصوره الأمني "نشأت في الجيش"، كما شهد ذات مرة على نفسه.
في حرب الايام الستة تولى دغان قيادة سرية في معارك سيناء ومع نهاية الحرب أُهبط مع جنوده من مروحيات في هضبة الجولان ايضا. في عام 1970 فرض عليه قائد المنطقة الجنوبية، اريئيل شارون، ان يُنشيء وحدة خاصة لمحاربة الارهاب الفلسطيني في قطاع غزة. كانت وحدة "ريمون" في جوهرها قوة من المستعربين، عمل جنودها مع أفراد "الشباك" في تحديد مواقع مخربين واعتقالهم وتصفيتهم. اختلفت الآراء على عدد من عمليات الوحدة وبعد مرور سنوات حاول مخالفون للقانون، مثل القاتلين دنيال عوكيف، وجان اليرز، ان يزعُما دفاعا عن نفسيهما انهم إذ كانا جنودا في "ريمون" عرفا اعمالا فظيعة وشاركا في عمليات تصفية تسببت لهما بصدمات شديدة.
فلاسفة أقل ومنفذون أكثر:
طلب كل من أجري معهم لقاء من أجل هذا التقرير عدم ذكر أسمائهم، أو أنهم رفضوا التجاوب؛ رفض الموساد نفسه الرد على مزاعم واسئلة تظهر فيه. كان يئير رابيد - رابيتس هو الوحيد الذي وافق على ان يقول رأيه صراحة. خدم رابيتس في الوحدة 504 في "أمان"، التي ترفع فيها حتى تولى منطقة الشمال. في نهاية سنوات السبعين انتقل الى الموساد، الذي شغل فيه عددا من المناصب العملياتية والقيادية في لبنان واوروبا. استقال من الموساد قبل 12 سنة ويعمل في السنوات الأخيرة من اجل استيعاب لاجئي جيش لبنان الجنوبي في اسرائيل.
عرف رئيس الموساد، مئير دغان، في قيادة الشمال: كان دغان آنذاك رئيس وحدة الاتصال للبنان وكان رابيد رابيتس رجل موساد في لبنان. في رأيه، كان تعيين دغان لرئاسة الموساد اختيارا ناجحا: "انه يعرف تحديد الغايات لمنظمته ويهتم بأن تُحرز هذه الغايات. لقد جاء الى الموساد ليعمل عملا صعبا ولانجاز انجازات لا فقط من اجل ان ينهي فترة الولاية بسلام، كما فعل عدد من سابقيه. لقد وصل الى المنظمة متحررا من كل التزام وواجب غير مهم، لديه فراسة جيدة بالرجال وتعييناته حسنة على نحو عام".
- هل من المهم في رأيك ايضا تأكيد الطابع العملياتي للموساد؟
* "أهمية تأكيد "الطابع العملياتي" تنبع من انه في حين انه في مجال التجميع والبحث داخل اسرائيل يوجد عدد من الجهات التي تعمل في ذلك، فان الموساد في الخارج واحد لا نظير له. زيادة على ذلك، لن تجدي كل القدرات والمؤهلات التيفلية والبحثية اذا لم تكن للمنظمة ذراع عملياتية قوية تمكنها من احراز غايات تجميعية وعملياتية (وفي جملتها عمليات عنيفة)".
- ما رأيك في انحطاط مكانة الموساد لدى الرأي العام في اسرائيل وفي خارج البلاد، مقارنة بـ "الشباك"، ووزارة الخارجية و"أمان"؟
* "لست أعرف إن كان قد حدث انحطاط في مكانة الموساد في نظر الجمهور. اذا كان هذا صحيحا، فان الامر ربما يكون نابعا من سلسلة من الاخطاء نُشرت في السنوات الأخيرة، بعضها نتيجة لخطأ عملياتي (سويسرا، وقبرص) وبعضها من غباء وتهاون (خالد مشعل). الارتفاع بمكانة "الشباك" ينبع من واقع السنين الأخيرة، التي نجح فيها "الشباك" في محاربة الارهاب الفلسطيني. لست أرى المكانة الصاعدة لوزارة الخارجية أو لـ "أمان" في الرأي العام الاسرائيلي".
- أي تغييرات يجب ان يمر بها الموساد لتكييف نفسه ولتهيئتها للواقع الدولي والاقليمي؟
* "التغييرات المطلوبة هي بالضبط تلك التي يجريها دغان - فلاسفة وموظفون أقل، ورجال استخبارات وعمليات أكثر".
- هل توجد لدى الجماعة الاستخبارية في اسرائيل، وفيها الموساد، أدوات لمواجهة ارهاب الجهاد العالمي؟
* "توجد أدوات، ولكن في هذه المسألة لا تستطيع دولة واحدة ان تواجه وحدها كما ينبغي تحديا كهذا مبثوثا في العالم كله وعليها ان تسعى للتعاون مع منظمات نظيرة، وفي الأساس في الولايات المتحدة، لأن هذا أصبح شأنا كونيا. ومن هنا يجب الطموح الى ان يكون أفراد تيفل كلهم ذوي خلفية عملياتية لا موظفين وأنصاف دبلوماسيين، من اجل ان يعرفوا كيف يتحدثون مع نظرائهم".
تعمق التعارف بين شارون ودغان منذ الصلة المهنية الوثيقة وعلاقات الثقة. في حرب لبنان في عام 1982 تولى قيادة لواء المدرعات "براك" وبعد ذلك عُين لقيادة وحدة الاتصال للبنان. في لبنان تعرف الى النشاط الخاص لوحدة 504 في "أمان"، التي تعالج من بين سائر ما تعالجه استعمال العملاء. سببت الوحدة 504 الحسد في نفس دغان وانشأ لنفسه في وحدة الاتصال للبنان وحدة مشابهة، استعمل بواسطتها عملاء وجمع معلومات استخبارية. وكما كان الامر في ايام "ريمون" في غزة اتصل اسمه في لبنان ايضا بعمليات محاربة الارهاب وتصفيات جسدية.
في نهاية سنوات التسعين ضُم دغان الى الهيئة القيادية العامة، التي كان فيها رئيس لواء العمليات ومستشارا خاصا لرئيس هيئة الاركان. خلال خدمته العسكرية جُرح مرتين، وفاز بوسام الشجاعة واستطاع ايضا ان يدرس في جامعة حيفا للقب الاول في العلوم السياسية. في عام 1995، عندما ازداد خطر جرحه في ظهره، استقال من الجيش الاسرائيلي وخرج في رحلة سيارات جيب في آسيا الوسطى مع صديقه، اللواء يوسي بن حنان. بعد مرور نحو سنة استدعي مرة اخرى للخدمة الرسمية. ضمه رئيس الحكومة شمعون بيرس الى هيئة قيادة محاربة الارهاب كنائب لعامي ايلون، وبعد ان عُين ايلون لرئاسة "الشباك" عُين دغان بدلا منه.
"لدغان مشكلة صورة"، يقول مسؤول كبير عرفه معرفة جيدة في هيئة قيادة محاربة الارهاب. "يرونه من قبيل راعي البقر، يطلب صنع النظام بطرق غير معتادة، في حين انه بالفعل رجل متزن، لطيف، مهذب ودمث". منذ استقالته من هيئة قيادة محاربة الارهاب، بعد اربع سنوات في رئاستها، الى ان عُين لمنصبه الحالي، قام دغان بأعمال خاصة في مجالات الاستشارة الأمنية وتجارة السلاح. في تلك الفترة حاول دغان ان يقوم بأعمال مشتركة مع تجار سلاح اسرائيليين وفيهم عاموس غولان الذي يعمل في اوغندا وشركة "سلفر شدو" للعقيد شلومو إيليا في نيجيريا.
مفاجأة القذافي:
كان السبب الأساسي لإسقاطه في رئاسة الموساد هو أمل شارون بأن يحرك دغان المنظمة، التي غرقت في رأيه في الرتابة بقيادة هليفي. دغان، بإيحاء وبدعم من شارون، يسعى الى جعل الموساد منظمة "عملياتية" تكون "ذات صلة" بواقع القرن الحادي والعشرين. حسب تصور دغان، يجب على الموساد ان يستغل امتيازه النسبي وعليه لذلك ان يتركز فقط في مجالين رئيسين أو ثلاثة. هذه المجالات - التي تسمى باللغة الاستخبارية (ذكر أنباء حيوية) - هي محاربة الارهاب العربي والفلسطيني، ومواجهة ارهاب الاسلام الاصولي، وتجميع معلومات عن سلاح غير تقليدي في الشرق الاوسط، وفي ايران خاصة. كل ذلك من غير إهمال للمهمة التقليدية للموساد وهي إعطاء الإنذار بالحرب.
وهكذا، واستمرارا لاقواله المستخفة بتقرير لجنة أغرنات وفي محاولة تحسين مكانة الموساد والمس بالمكانة الاولى لـ "أمان"، حاول دغان ان يغير ترتيبات عمل تقليدية للجماعة الاستخبارية. قال دغان في عدد من الفرص لمرؤوسيه الكبار ان على الموساد ان يكف عن تلقي توجيهات ذكر الأنباء الحيوية من "أمان" وان يحدد لنفسه ذكرا للأنباء الحيوية خاصا به، يوجه الموساد لتنفيذ مهام تلائمه أكثر، مثل التصفيات الجسدية.
"أمان" هي المنظمة الكبيرة والمهمة للجماعة الاستخبارية، التي تُشغل من العمال خمسة أضعاف (وربما أكثر) ما في الموساد وتستعمل ذراع التجميع الأهم للمعلومات - الوحدة 8200. لهذا فان "أمان" ايضا مسؤولة أمام الحكومة عن تقدير المعلومات الاستخبارية الوطنية وتقدم ذكرا للأنباء الحيوية، أي الجدول اليومي الاستخباري لاسرائيل. فشلت محاولة دغان الطموح، وبعد أكثر من عام وإنفاق للمال والموارد التقنية للموساد تتابع "أمان" كونها ذات السيادة في توجيه تجميع المعلومات الاستخبارية.
على عكس رأي أكثر الحلقة الرفيعة في الموساد، زعم دغان انه لا توجد أية حاجة الى لواء البحث السياسي وان الموساد يكفيه البحث العملياتي، الذي يلتقط شذرات معلومات مطلوبة لتنفيذ ناجح لعملية (ثمن سفرة في حافلة في دولة معينة، وعلاقات جوار في مبنى سكني أو ترتيبات زيارة حدودية). في الطريق الى إلغاء اللواء مزج دغان بين عدد من الأقراص وألغى اخرى. وهكذا عمل في تيفل، التي أراد ان يقلصها من شعبة الى لواء يكون فقط وحدة وصل مع الاجهزة النظيرة في العالم، من خلال تقليص مشاركتها في تجميع المعلومات الاستخبارية.
جاءت محاولة المس بصلاحيات تيفل بالرغم من الصيت الذي ذاع لها بفضل الاتصالات السرية مع منظمات استخبارية غربية ومع منظمات عربية واسلامية لا تنشيء علاقات دبلوماسية مع اسرائيل. بسبب هذه التغييرات، ولأنهم ايضا أدركوا ان دغان لن يُرفعهما، استقال مسؤولان كبيران منذ سنته الاولى في المنصب: رئيس شعبة الاستخبارات، التي عمل فيها لواء البحث، ورئيس تيفل يورام هيسل.
ولكن سريعا اكتشف دغان انه مُحتاج مع ذلك الى البحث السياسي. في مباحثات مع رئيس الحكومة، ووزراء، وأفراد وزارة الخارجية ونظيريه رئيس "أمان" ورئيس "الشباك"، يُطلب الى كل منظمة ان تُبدي رأيها في تطورات مختلفة في العالم، وأدرك دغان انه من غير وحدة البحث ذات الأهلية فسيظهر كأداة فارغة. حددت كذلك مصادمات وحوادث مربكة في لقاءات تعارف وعمل لدغان مع رؤساء اجهزة نظيرة معرفته بأن تيفل هي كنز لا عبء، وتراجع عن خططه بعيدة الأمد لتقليص الشُعبة.
استخلص دغان العبرة الاولى، في مبلغ حيوية وحدات مثل تيفل والبحث لنشاطات استخبارية سرية، في كانون الاول 2003، بعد ان أعلنت ليبيا عن قرارها التخلي عن سلاحها غير التقليدي. جاء قرار ليبيا على أثر اتصالات سرية بين الاستخبارات الليبية والـ سي.آي.ايه الامريكية والـ ام.اي6 البريطانية. لم تعرف الجماعة الاستخبارية في اسرائيل - الموساد و"أمان" - شيئا عن ذلك.
كانت ليبيا حتى منتصف سنوات التسعين غاية لتجميع معلومات عملياتية وبحثية للاستخبارات الاسرائيلية، بسبب الخوف من ان تحرز سلاحا للابادة الجماعية. في مرحلة معينة قررت "أمان" إبعاد ليبيا عن ذكر الأنباء الحيوية، ومنذ ذلك الحين بقيت اسرائيل "عمياء" تماما تقريبا عما يحدث في بلاد القذافي واضطرت الى ان تعتمد على التعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة ومنظمات استخبارية اخرى في الغرب. ليس دغان مذنبا في هذا الفشل، الذي نبع من قرار امريكي على "تحجيم" اسرائيل عقوبة لها على ثرثرة رؤسائها. في عام 2001 كشف رئيس الحكومة شارون في مقابلة تلفازية عن معلومات سرية حساسة جدا، فحواها ان ليبيا تعمل لاحراز تقنية ذرية. حصل الموساد و"أمان" على المعلومات عن طريق قناة الاتصال، كجزء من تعاونهما مع منظمات استخبارية صديقة. الآن فقط، بعد فوات الأوان، يمكن ان نفهم ان المعلومات تعلقت بشراء آلات طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم من شبكة تهريبات الدكتور عبد القادر خان، "أبي القنبلة النووية" الباكستانية. ومع ذلك كله، يقول المستشار الاعلامي لرئيس الحكومة ان شارون "راضٍ جدا عن عمل رئيس الموساد وهو على قناعة بأنه قد طور عمل المنظمة كثيرا. وفي رأيه، فان الموساد بقيادة مئير دغان هو أكثر عملياتية مما كان عليه في فترة افرايم هليفي".
التعليقات