فتوح وستون يوما في الرئاسة:انا رجل بلا اجندة وكنت ارى عرفات في منامي

فتوح وستون يوما في الرئاسة:انا رجل بلا اجندة وكنت ارى عرفات في منامي
فتوح وستون يوما في الرئاسة:انا رجل بلا اجندة وكنت ارى عرفات في منامي

غزة-دنيا الوطن

الحلقة الثانية

ان لدي ومنذ تدهور صحة الرئيس شكوكا بضلوع اياد معادية مباشرة في وفاته ولا استبعد فرضية السم اضافة الى ضلوع غير مباشر يتعلق بحصاره في ظروف غير صحية وغير لائقة في مبنى شبه مدمر وفي غرفة لا تدخلها الشمس والهواء وتقييد حركته بالاضافة الى تأخر نقله للعلاج تخوفا من منعه من العودة الى ارض الوطن.

نعم خشي الرئيس في مرضه من انه في حال مغادرته للعلاج الا يسمح له بالعودة واعتقد ان هذا القلق زاد من تحفظ الرئيس وآثر التمسك بموقفه وصموده في مقره على حساب صحته وحياته عندما بلغت حالته مرحلة حرجة وخطيرة.

نحن في المقابل وضعنا صحة الرئيس وحياته فوق كل اعتبار ومن اجل ايجاد توازن يرضي الرئيس شرعنا في اجراء اتصالات لضمان عودته بعد رحلة العلاج واذكر ان مصر والاردن والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وفرنسا ودولا شقيقة وصديقة بذلت جهودا حميدة، الجميع تدخل من منطلق الحرص على حياة الرئيس ونحن اجرينا اتصالات مع الجانب الاسرائيلي انتهت باعطائنا تأكيدات بالسماح له بالمغادرة والعودة الى رام الله لكنه عاد شهيدا ملفوفا بالعلم الذي ناضل تحت رايته اربعة عقود وسعى لجعله خفاقا في كل الميادين وما اريد قوله ان التعنت الاسرائيلي العدواني ساهم في تدهور صحة الرئيس وادى الى وفاته.

ليس هذا فحسب بل وتصريحات الساسة الاسرائيليين غير الانسانية والمتشفية بمرض الرئيس عززت الشكوك لدينا وفي الشارع الفلسطيني والعربي بان حياة الرئيس التي كانت مثار تهديدات اسرائيلية وقحة وسافرة استهدفت وان احتمال وضع السم له قائم الى ان يثبت العكس وقد شكلنا لجنة رسمية خاصة برئاسة وزير الصحة د. جواد الطيبي خولناها بالاستماع الى من تشاء من المعنيين للوقوف على الحقيقة ولمتابعة التقرير الطبي الفرنسي الذي سيبقى مفتوحا حتى التوصل الى الحقيقة.

فرنسا لم تخف معلومات

وهنا يجب التنبيه الى ضرورة عدم الزج باسم فرنسا بشأن مرض ووفاة الرئيس خاصة وانها بذلت جهودا فوق العادة لانقاذ حياته. وهذا يتطلب التفريق بين موقف فرنسا من عدم كشف الاسرار الطبية لمرض الرئيس الا لاقاربه من الدرجة الاولى وخاصة عقيلته وبين اسرار وملابسات المرض والوفاة.

لدى وصول وفد القيادة الى فرنسا فوجئنا ان القانون الفرنسي يعطي صلاحية كشف الاسرار الطبية للمريض لاقاربه من الدرجة الاولى وهذا ينسحب على الرئيس عرفات ويقتصر في مثل هذه الحالة على عقيلته سهى، ابلغناهم ان عرفات ابو الشعب الفلسطيني وجميعهم اقرباؤه من الدرجة الاولى وليس مجرد زوج سيدة فلسطينية وذكرناهم بشخصية عرفات العالمية وقلنا ان توضيح اسباب مرضه يجب الا يقتصر على زوجته ابو ابن شقيقته ناصر القدوة. وقالوا ان هذا هو القانون وانهم تصرفوا بمقتضاه حتى ان الرئيس الفرنسي متيران مرض وكشف اسرار مرضه بيد زوجته.

في حالة القدوة وللعلم ادخلناه في الموضوع بحكم انه جزء من القيادة وليس بصفته ابن شقيقته وكان اكثر تعاونا من اي طرف آخر في هذه المسألة على قاعدة ان هذه قضية عامة.

واجزم في هذا المقام ان ليس لدى فرنسا اكثر من التقرير الطبي الذي سلمته. فالقضية بالنسبة لهم ليست سياسية بل طبية وفرنسا وضعت اشهر عشرة اطباء لعلاج الرئيس وشاركت افضل المختبرات والاكثر تقدما لديها في معاينة الرئيس لتشخيص حالته ليس ذلك وحسب بل وطلبت مساعدة مختبرات وخبرات اخرى املا ان تكون اكثر تقدما في دول اخرى.

اما الجدل والتضارب الذي رافق رحلة علاج الرئيس في مستشفى بيرسي فاحمله للاسف لعقيلته شخصيا ولم تكن فرنسا طرفا فيه. ونجم عن ذلك طلب سهى عرفات من الناطق الرسمي اشارة في تصريحاته الى ان ذلك جاء بناء على طلب زوجة الرئيس وهذا ما آثار شكوكا.

اما ناصر القدوة فقد كان امرا اخر وحمل التقرير الطبي فور استلامه لنا في مؤتمر صحفي عقدناه في المقاطعة وجرى تسليمه لوزير الصحة. وانا اتمسك بفرضية التسمم التي لم ينفها التقرير الفرنسي وباعتقادي ان هناك انواعا متطورة من السموم غير معروفة ربما لم تستطع المختبرات اليوم الكشف عنها ولكنها قد تستطيع غدا فلا احد ينكر وجود سموم لا يعرفها غير الجهة التي قامت بتصنيعها والتي تعرف طرق العلاج.

لا ضغوط لاسقاط فرضية التسمم

وبتقديري ان التقرير الطبي رغم انه لم يتوصل الى نتائج قاطعة الا انه جاء مهنيا وابتعد عن السياسة في تناوله للامر. واؤكد هنا اننا لم نتعرض لاية ضغوط اقليمية او دولية لاستبعاد فرضية التسمم ومواصلة التحقيق للوصول الى الحقيقة التي تراوح حتى اللحظة في مكانها فيما يتحرق الشارع شوقا لمعرفة الحقيقة مهما كانت مرة خاصة وان الشكوك تتزايد ويغذيها عدم معرفة سبب تكسر الصفائح الدموية في جسم الرئيس.

الفرنسيون بذلوا جهودا فوق العادة لانقاذ حياته بشهادة الوفدين الطبي والرسمي المرافقين للرئيس وهم يستحقون الشكر والامتنان.

استغرب منع الكرد من مرافقة الرئيس

العلاقة بين الرئيس عرفات وطبيبه الخاص كما اراها علاقة صداقة حميمة وتاريخية اكثر مما كانت علاقة بين مريض وطبيب والرئيس كان يحترم رأي الكرد ويسمعه وهو الذي استطاع ان يقنعه بالسفر الى فرنسا لتلقي العلاج ولهذا توقعت ان يكون على رأس الوفد الطبي واستغرب عدم مرافقته للرئيس ولا اعلم سببا لذلك ولم اسمع شيئا من هذا القبيل ولم اناقش فالامر بالنسبة لي كان محسوما لصالح سفره معه.

في ذلك الصباح رأيت الكرد يرافق الرئيس الى المروحية لكنه لم يصعد مع الفريق الطبي المرافق هذا اثار لدي الدهشة والاستغراب فمهنيته العالية ومعرفته بالتاريخ الطبي للرئيس وحالته المرضية تستدعي وجوده الى جانبه وقد تألمت كثيرا وانا اسمع الكرد يتحدث بحرقة ومرارة عن الامر وصلت حد الحديث عن مؤامرة لاستبعاده اولا من الوصول الى رام الله مبكرا للاشراف على علاج الرئيس وثانيا من مرافقته في رحلة العلاج.

وللعلم اقول نحن طالبنا ان يكون الكرد جزءا من الوفد وللمشاركة في التحقيق في ملابسات مرض الرئيس ووفاته وانا شخصيا لا علم لي بسبب المنع وتداعيات وتشعبات هذا القرار ومن اتخذه.

اما بشأن المشاركة في التحقيق فقد اتصل وزير الصحة د. جواد الطيبي بالدكتور الكرد ولكن الاخير لديه رأي آخر في هذه المسألة وهو يعتقد انه لا يمكن اكتشاف اسباب الوفاة ووجود السم دون تشريح الجثمان خاصة وانه يحملنا مسؤولية استبعاده من مرافقة الرئيس رغم حضوره على عجل الى رام الله فور تلقيه الطلب ومرافقة الرئيس حتى سلم الطائرة.

وما اريد قوله ان السموم جزء من الحرب السرية والمواطن يرى بطأً قد لا يراه مبررا في المتابعة وسير التحقيقات وهذا يعود الى صعوبة الموضوع ولكن الجميع منا معني بالحقيقة وامل ان نكشفها في المدى القريب والمنظور وقد تكشف الايام ذاتها الحقيقة وانا اعتقد ان الرئيس توفي بالسم ولا استطيع تحديد جهة بعينها دست له السم ولا القي تهما جزافا ولكن ما استطيع تأكيده ان الملف لن يغلق وستتابع كافة الجهات وعلى رأسها الرئيس المنتخب لكشف الحقيقة.

الرئيس تخلى عن نظام حمايته

لعلي اليوم وبعد تولي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا ارى اكثر من اي وقت مضى الثغرات الامنية التي شابت نظام حماية وامن الرئيس. وقد تكون سهلت الوصول اليه وهذا عائد لطبيعة الرئيس عرفات وتواضعه ورغبته بالسماح للمواطنين بالوصول السهل اليه. خلال الستين يوما في المنصب تعاملت بشكل طبيعي ودون ترتيبات مسبقة او احتياطات وتدابير امنية ربما بحكم ان هذه مرحلة انتقالية وفي البداية انصح الرئيس المنتخب محمود عباس ابو مازن بالتحوط لهذا الجانب وخاصة الدائرة المغلقة والقريبة التي تقدم له الطعام والشراب وهذا لا يعني انني اشكك في تلك الدائرة التي كانت قريبة من الرئيس الخالد.

فقد كانوا اكثر منه حرصا على حياته بحكم انهم عاشوا معه وتربوا على يديه وعاشوا الحصار معه برغبتهم اربع سنوات.

لقد كان هناك خلل واضح وثغرات كبيرة في نظام الحراسة والحماية خاصة وقت الزيارات والدخول الى الرئيس وهذا لم يكن بسبب قلة الخبرة ونجاعة الحراسة بل لأن الرئيس رحمه الله كان يطالبهم دائما بتسهيل دخول الناس الى مكتبه.

قبل دواء من مواطنين

فقد كان يستقبل ويصافح ويقبل الجميع ليس ذلك وحسب بل وتقبل ادوية منهم في احيان وشاهدته يتناوله على الفور دون ان يعتريه ادنى شك في امكانية ان يدس له سم حدث ذلك عندما عانى من ألم في الرأس فأخذ حبة وتناولها.

ونحن من جانبنا ساهمنا بطريقة او بأخرى في احداث ثغرات وخلل في نظام الحماية لاننا لم نتعامل بايجابية مع التدابير والتعليمات والاحتياطات الامنية المتخذة من قبل مكتب الرئيس وحراسته.

كان الجميع يشكو الى الرئيس محتجا على عمليات التفتيش ويعتبرها محاولة لمنعهم من مقابلته كثيرون رفضوا فحص الهواتف النقالة وخضوعهم للتفتيش وسيدات رفضن فتح حقائبهن واعتبرن ذلك اهانة واشتكين الى الرئيس الذي كان يستمع ويأمر الحراس بالكف عن هذه التدابير واصدر على الدوام تعليمات الى مدير مكتبه د. رمزي خوري لتسهيل دخول وخروج المواطنين فيما الحراس كانوا يقولون بمرارة ان حياة الرئيس اهم من أي شيء آخر مطالبين بالسماح لهم باداء واجبهم كما ينبغي فيما واصلنا عبر الرئيس الضغط لتخفيف اجراءات الحماية التي لم تساعد القائمين على توفير الحماية له واحدثنا ثغرات في النظام وصل حد دخول اشخاص بسلاحهم الشخصي على الرئيس في مكتبه او حجرته واليوم وبغض النظر عن حدوث تسمم او عدمه علينا مراجعة النفس من اجل سلامة الرئيس المنتخب. هذه مسألة كرامة وحياة لا ينبغي التفريط فيها.

لم أحلم بالرئاسة قط

من نافلة القول انه لم يدر في مخيلتي او يجول بخاطري مجرد التفكير في ان اصبح يوما رئيسا او اخلف ياسر عرفات واعترف اني رجل بلا اجندة خاصة او طموح من هذا القبيل حتى العائلة لم تتقبل ذلك حتى على سبيل المزاح ومداعبة الاصدقاء والمعارف.

وحتى وصول الخبر المشؤوم صباح 11/11 لم يخطر لي قط ان الرئيس سيموت ويفارقنا الى الابد رغم ايماني ان الموت حق وكنت الى حينه اعتقد ان العناية الالهية ستأتي في الوقت الملائم وتنقذ حياة الرئيس وسيعود رافعا شارة النصر واعتقد ان الجميع كان لديه الاحساس ذاته.

وفيما كانت العواطف تشتعل كان العقل يتطلب عملا موازيا للاجابة على الاسئلة الكبيرة والملحة مثل ماذا نفعل لو وقع القضاء والقدر وكيف يسير الوضع المرتبط بالرئيس منذ عام 5691 الذي حمل وحده الهم كله. كانت الاسئلة تكبر فيما لم اكن احلم حتى في اسوأ الكوابيس ان اخلف ابو عمار.. واذكر انه يوم انتخبت رئيسا للمجلس التشريعي قبل نحو عام مازحني اصدقاء بالقول غدا ستصبح الرئيس.

يومها ضحكت وقلت صبرا سيتقبل ابو عمار العزاء فينا جميعا ولكنه القدر.

انا رجل بلا اجندة

بعد عودتنا من فرنسا وعلى أثر ما رأيناه وسمعناه عن حالة الرئيس صار هناك تفكير جدي استعدادا وتحسبا لأي طارئ. وقد دار جدل حول سبل وآليات ملء الفراغ انحصر بين وجهتي نظر اولهما وانا من طرحها وناصرها ان نقوم بتطبيق القانون الاساسي- الدستور المؤقت بان يتولى رئيس المجلس التشريعي الرئاسة مؤقتا لحين اجراء انتخابات رئاسية خلال 06 يوما او ان يشرع المجلسان الوطني والتشريعي كل فيما يخصه بتوفير اساس قانوني لانتخاب رئيس او ان يجري التشريعي تعديلا عاجلا على القانون الاساسي لهذا الغرض.

وانا طرحت الموضوع بشفافية وحذرت من عواقب تعديل القانون الاساسي الدستور المؤقت على هذا النحو وعبرت للاخوة عن قلق كبير من عواقب أي تجاوز للقانون وقلت انه سيتسع ويكبر ليخدش النظام السياسي برمته.

اقترحت التنازل عن رئاسة التشريعي

واعلنت حينها على الملأ انه اذا كان ثمة اعتراض لدى البعض على شخصي لغاية تنفيذ القانون فسأتنازل عن منصبي لصالح انتخاب رئيس جديد والتشريعي يمكنه تولي منصب الرئاسة مؤقتا في حال حدوث الوفاة لا سمح الله. حتى يعبر بكم هذه المرحلة الانتقالية. لكن اعضاء اللجنة المركزية قاطعوا حديثي قائلين انت أخ عزيز ونحن نتمنى للرئيس العافية ولكن اذا ما وقع القضاء فسيعمل بالقانون الاساسي وهنا اسجل الموقف المتميز للأخوين ابو مازن وابو علاء.

واعتقد ان جدلا ربما كان خافتا يدور خلف الكواليس وكان لا بد لي من طمأنة الاخوة سيما وانني رجل لم تكن لديه اجندة شخصية ولم تكن لي مثلها حتى اللحظة الراهنة وبعد نجاح التجربة واستقبالها بالاعجاب فأنا ابن هذه الثورة التي التحقت بها مبكرا وتربيت في احضان حركة فتح وعلى يدي قادتها هؤلاء الذين لا ارغب بأي حال ان اتقدمهم وحتى لو قيل عن رغبات وفرص القيادة الشابة. كان همي وبوصلتي عبور المرحلة بما يكفل صون الدستور وحفظ النظام، كان ذلك عندما اديت اليمين الدستورية تماما مثل ما كان يوم سلمت الامانة الى صاحبها في ذلك اليوم الذي اعتبره اسعد ايام حياتي.

كنت ارى الرئيس الراحل في منامي

خلافا لما يعتقده العامة من سعادة تغمر الرئيس الجديد، الحقيقة انني شعرت بأسى وانا اتولى المنصب وكأنني دخلت فصول مأساة.. وفي معظم الليالي رأيت ولا أزال الرئيس الخالد في منامي ربما بفعل العلاقة الطويلة وتعلقي به منذ 73 عاما ونيف.

وفي الواقع كنت في هذا الشأن مثل الابن الاكبر الذي يجد نفسه عنوة دون مقدمات يتولى مسؤولية العائلة بعد وفاة الأب. وقد حرصت على لعب هذا الدور كما ينبغي دون ضوضاء وضجيج بعيدا عن عدسات وسائل الاعلام فانا لم ارغب في الظهور بقدر ما سعيت لان اكون حارس وحامي الامانة بقوة القانون والمجلس التشريعي حتى تحين ساعة ردها الى صاحبها الذي يقرره الشعب بحر ارادته واعتقد اني صنت الأمانة التي حملت واعدتها الى صاحبها على الوجه المطلوب وكما ينبغي.

ربما سأل سائل بطيبة وبساطة او من باب الخبث الماكر هل سيتنازل روحي فتوح عن المنصب بهذه السهولة بعد ان وصل القمة وهل ترضى عائلته بالتخلي عن المنصب والجاه هكذا بعد العز هذه اسئلة قذفت في الوجه جبنا وفي الظهر احيانا بعضها طرح تحت باب المداعبة وانا اقول كان ذلك مزاحا ثقيل الظل وابله.

التعليقات