روحي فتوح يروي تفاصيل تجربته في الرئاسةجزء1:سهى ندمت واعتذرت عما اثارته من جدل
روحي فتوح يروي تفاصيل تجربته في الرئاسة:سهى ندمت واعتذرت عما اثارته من جدل
غزة-دنيا الوطن
يشعر رئيس السلطة الوطنية المؤقت السابق روحي فتوح اليوم بسعادة غامرة وبراحة ضمير بعد ان سلم الرئاسة الى الرئيس محمود عباس ابو مازن الذي اختاره الشعب في انتخابات حرة ونزيهة اذ يعتقد الى حد اليقين انه حمل الأمانة كما ينبغي وأعادها على أكمل وجه.
فتوح الذي لم يحلم قط بالمنصب وجد نفسه بين عشية وضحاها خليفة للرئيس الخالد ياسر عرفات الذي احبه وارتبط به اكثر من 73 عاما ويعلن فتوح بصراحة وهو يسلم المنصب ان الرئاسة كانت خارج اجندته الخاصة واجندة الاسرة التي زهدت في السلطة ويستشهد في هذا السياق برد فعل والدته على توليه الرئاسة عندما صرخت امام الجميع وهي تجهش بالبكاء لقد ربيته ليكون جنديا لدى ابو عمار وليس خليفة له. وزوجته التي تمنت ان تموت وزوجها قبل ان ترى سوءا يمس عرفات. والابناء الذين يسألون بعكس المنطق متى يسلم الوالد الرئاسة.. روحي فتوح الذي دأب على تذكير الرئيس ابو مازن بالفترة المتبقية لولايته ويستعجل التسليم بعد ان ضاق ذرعا بالمراسم والمواكب وفر منها للتسوق وحده ومرافقة زوجته في مركبته العادية يروي لـ >الحياة الجديدة< تفاصيل مرض واستشهاد الرئيس بعد رحلة العلاج الاخيرة في مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي.
ويعتقد ان الرئيس عرفات مات بالسم لكنه يرفض كيل التهم الآن جزافا ويكشف في هذا المقام ان الرئيس عندما اشتد به المرض في رمضان الماضي اسر الى مقربين ثقة انه يخشى ان يكونوا وصلوا اليه واشار الى معدته في اشارة الى التسميم.
وبعد توليه المنصب دستوريا يقول ابو وسام انه ورغم مرور 06 يوما على ذلك الا انه ما زال يتصرف وكأنه يعمل تحت امره وبتعليمات الرئيس عرفات الذي يقول ان صورته وصدى صوته لا يبرحان المكان وانه يأتيه في المنام ليلا لدرجة ان قدميه تقودانه في اليوم التالي الى مكتب عرفات دون شعور ولا يصحو الا على صوت الحراس ينبهونه الى وجهته الصحيحة.
كان مرض الرئيس الخالد ياسر عرفات >رحمه الله- بمثابة المفاجأة الكبيرة لنا ورافقته حال من القلق والجدل طالت كل شيء لم تحدث في حالات سابقة مرض فيها الرئيس ولا حتى في ايلول، 2003 عندما المت به اعراض مرضية مماثلة لكني مثل غيري لم اتوقع حتى في اسوأ الكوابيس ان تكون نهاية هذا المرض هي الفراق الابدي.. كنا نؤمن الى حد اليقين انه سيتغلب على المرض وسيعود معافى كما حدث دائما.
ففي شهر رمضان الماضي بدأت حالة الرئيس الصحية تتدهور على نحو متسارع ومعها تزايد القلق في مقر الرئاسة والقيادة والشارع وساورتنا والعمل الوطني المعلق بالرئيس، والشعب شكوك وصلت حد الذعر على مصير الوضع الداخلي ذعر سببته ضخامة الاسئلة من شاكلة ماذا سيحل بنا وماذا سيحدث وماذا نفعل في حال وفاته.
ولم يكن المستقبل والمصير المجهول الذي يخفيه غياب الرئيس في مثل هذا الوقت وهذه المرحلة الحساسة والدقيقة والحرجة مصدر الذعر الذي غذته بقوة حيرة الاطباء وعجزهم عن تحديد وتشخيص المرض وبالتالي وصف العلاج الملائم، والنار التي اشعلتها الشكوك بامكانية تسميم الرئيس بعد استبعاد اصابته بالسرطان كسبب للتكسر غير الطبيعي للصفائح الدموية.
هذه الحيرة تجلت على شكل جدل واسع بشأن انتقال الرئيس للعلاج في الخارج والذي استهلك وقتا ثمينا ربما على حساب صحة وحياة الرئيس قبل الوصول الى قرار السفر في اجماع غير مسبوق انتهت اليه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة فتح، والمجلس التشريعي ومجلس الوزراء، وعائلة الرئيس واخيرا اقتناع الرئيس نفسه بضرورة الانتقال الى فرنسا للعلاج وقبوله بذلك. بعد ان اقتنع سيادته ان حالته الصحية صعبة وبحاجة الى علاج متقدم وان الحالة المرضية لم تكن هذه المرة عابرة.
وهنا بدأ السؤال يكبر فينا هل تم الوصول الى الرئيس ودس السهم له في طعام او شراب او دواء او بطريقة ما ومن قام بذلك وكيف؟ فيما ظلت فرضية التسميم تتسع والرئيس عرفات نفسه قال لمقربيه وكانوا اربعة ثقة - لم اكن معهم وقتها - قال اخشى ان يكونوا وصولوا اليّ واشار الى معدته.
القلق العارم على حياة الرئيس والمستقبل لم يقتصر على الشارع الوطني كان قلقا لافتا ومماثلا في الشارع العربي ولدى الحكومات والقوى العربية ولدى الاصدقاء في العالم. فعرفات لم يعد قائدا ورمزا ورئيسا وطنيا للشعب الفلسطيني بل قائدا قوميا ودوليا بارزا ومؤثرا في قضايا المنطقة والعالم.
ورغم القلق الذي اجتهدنا في اخفائه مع سفر الرئيس الى فرنسا للعلاج كان املنا كبيرا في عودته السريعة الى الوطن لمواصلة مهامه ولكن صحته استمرت في التدهور ما حثنا في القيادة على التحرك وعليه شرعت القيادة والاطر في سلسلة اجتماعات مكثفة بدأتها اللجنة التنفيذية باجتماع اختارت فيه امين سرها الاخ محمود عباس ابو مازن لرئاسة الاجتماعات في غياب الرئيس وقررت ان يحضر اجتماعاتها رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون ابو الاديب ورئيس مجلس الوزراء احمد قريع >ابو علاء<، وانا بصفتي رئيسا للمجلس التشريعي وهذه كانت اول خطوة على طريق عمل جماعي فاعل واساسي لانتقال السلطات.
بدورها باشرت مركزية فتح اجتماعاتها برئاسة الاخ ابو مازن بصفته نائبا لامين السر، وعقد مجلس الامن القومي اجتماعا برئاسة رئيسه الجديد احمد قريع وكذلك المجلس التشريعي والحقيقة ان احدا في هذه الاجتماعات لم يتحدث ولو من باب الغمز في مسألة غياب محتمل للرئيس وماذا سنفعل في حال الوفاة، واقتصرت تلك الاجتماعات على بحث سبل ضمان سير وتسيير الحياة اليومية للمواطن وادارة شؤون السلطة الوطنية وضمان الأمن والامان الداخلي.
في غضون ذلك كانت الانباء المتضاربة حول صحة الرئيس تتوارد من مستشفى >بيرسي< العسكري في الضاحية الباريسية وفي خضم الاشاعات والتسريبات المغرضة لم تكن القيادة على علم يقين بشيء فقررت ارسال وفد رفيع الى باريس للاطمئنان على صحة الرئيس والوقوف على الحقيقة وكان يحدوها الامل ان تعود بالبشرى لشعبنا بسلامة قائده المحبوب وضم وفدنا ابو مازن وابو علاء، ود. نبيل شعث وانا وحين وصولنا ابلغنا رسميا عبر لقاءات مع الرئيس شيراك ووزير خارجيته ان الرئيس في وضع صحي حرج وانه يمضي ساعاته الاخيرة فقد كان دخل في غيبوبة وعانى من نزيف داخلي ولكن الامل لم يبرحني وكنت على ثقة في شفائه وان معجزة لا بد وان تقع لتنقذ حياته اخيرا هذا على الاقل ما اعتمل في صدري حينها.
وفي جلساتنا مع الاطباء الفرنسيين عرضوا علينا الحالة والتاريخ المرضي للرئيس منذ وصوله الى مستشفى >بيرسي< وكذلك الحالة التي كان عليها مؤخرا في مقره المحاصر برام الله قالوا انه ربما وصل متأخرا وكان المرض نال من اعضاء اساسية في جسده خاصة الكبد والكلى فيما كان القلب والرئة فتيان ويعملان بنشاط وقالوا ايضا ان التكسر غير الطبيعي في الصفائح الدموية غير مسيطر عليه وانهم يجهلون سبب هذا التكسر.
سألناهم عن احتمال التسمم فردوا انهم لم يتوصلوا عبر الفحوصات الدقيقة على اي نوع من السموم في دمه مشيرين الى ان الفحوصات اجريت في مختبر الدرك الذي يعد الاكثر تقدما ليس في فرنسا وحسب بل وعلى صعيد العالم هم تحدثوا كاطباء وبمهنية ولم ينفوا امكانية التسمم قالوا فقط انهم لم يعثروا على سموم معروفة لديهم.
في فرنسا لمسنا اجواء التضامن من الرئيس شيراك ودفء العلاقة وبالمقابل ابلغناه ان ايام الرئيس عرفات باتت معدودة ما لم تحدث المعجزة ونحن نتضرع الى الله ان تقع المعجزة فقفلنا عائدين الى رام الله ونحن امام تحد كبير لم يسبق وراودني حتى في المنام.
كانت اجواء حزينة وصعبة وصلت الى حد الفزع وفي خضمها كنا امام خيار قسري يلزمنا قهرا باتخاذ قرار بملء الفراغ في حال حدثت الوفاة. وفور وصولنا المقر الرئاسي دعيت اللجنة التنفيذية الى اجتماع عاجل وطارئ وكذلك اللجنة المركزية.
اتفق فيه ان تنتخب اللجنة التنفيذية في حال وفاة الرئيس عرفات رئىسا لها من بين اعضائها حسب قانون منظمة التحرير وان يتولى رئيس المجلس التشريعي منصب رئيس السلطة الوطنية مؤقتا لستين يوما تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية حسب القانون الاساسي - الدستور المؤقت-. ولم تكن هناك معارضة تذكر وهذا القرار حقيقة سهل عملية الانتقال السلس والناجح والمبدع للسلطات وفق القانون.
وللعلم ولدرء المخاوف ومعالجتها بشكل وقائي تم التشاور بهذا الشأن ولضمان تنفيذ واحترام القانون مع القوى والفصائل والاطر التنظيمية الكبيرة والاجهزة العسكرية والامنية وكان هناك اجماع على الالتزام بالقانون والعمل بمقتضاه كناظم للحياة السياسية وفي مواجهة اية تداعيات سلبية قد تنشأ.
وفيما كانت الترتيبات الضرورية تتم وحالة القلق والترقب والحزن تسود وصل في صبيحة 11 تشرين الثاني ذلك الخبر المشؤوم الرئيس عرفات في ذمة الله والمصلحة العليا ومستقبل الشعب والقضية في خطر ما لم تتحرك بسرعة. لملء الفراغ وما كادت الساعة تقترب من الحادية عشرة من ذلك الصباح حتى كانت اللجنة التنفيذية قد انتخبت >ابو مازن< رئيسا لها، تلاها المجلس التشريعي بساعة بجلسة خاصة توليت فيها مهام الرئاسة مؤقتا واديت امام الجميع اليمين الدستوري لتسيير الامور لحين اجراء الانتخابات الرئاسية، ولمزيد من اطمأنة الشارع وسير الامور في طريقها الصحيح بادرت باصدار مرسوم رئاسي حددت فيه التاسع من كانون الثاني/ 2005 موعدا لاجراء الانتخابات الرئاسية وخاطبت على الفور لجنة الانتخابات المركزية لتشرع في الاعداد والتجهيز لهذه الانتخابات وخاطبت الاصدقاء والاشقاء لمساعدتنا في الاشراف على نزاهتها وشفافيتها فيما سارعت مركزية فتح لاختيار >ابو مازن< مرشحا لها للرئاسة وهكذا اكتمل الاساس والدور الاول لي بنجاح ويسر بدد كل الشكوك والتقولات والاشاعات المسمومة وتم انتقال هادئ للسلطات امام العالم وفي النور بصورة قوبلت باعجاب وانبهار المجتمع الدولي الذي تأكد ان الحالة الفلسطينية متقدمة في مجال الالتزام بالقوانين وبالديمقراطية وبالمقابل حاجتها الماسة الى المؤازرة لانجاح وتعزيز التجربة خاصة وانها كانت بمثابة حالة نادرة في المنطقة. وقعت رغم انه لم يكن هناك استعداد في الشارع الوطني وحتى على المستوى الاقليمي والدولي تقبل فكرة مغادرة الرئيس عرفات الابدية المسرح السياسي ومع ذلك اجتهدنا في التعامل مع الواقع المر بحيوية وفعالية وايجابية قصوى. وقبل الغوص في التفاصيل تجدر الاشارة الى ان العمل بروح الفريق اثبت في هذه المرحلة الحرجة والانتقالية نجاعة لافتة فقد عملت وابو مازن وابو علاء كفريق اضافة الى ما بادرت اليه التنفيذية، والمركزية والتشريعي ورئيس المجلس الوطني هذا النهج سهل خوض التجربة ومكننا من التعاطي مع الحدث بمسؤولية وفعالية غلبت فيها المصلحة العامة على المصالح الشخصية وكانت الهدف والبوصلة التي توجه وترشد هي سلامة الاداء واستقرار النظام السياسي الفلسطيني وطمأنة الشارع على حاضره ومستقبله وحتى تستمر العملية النضالية والكفاحية لاستعادة حقوقنا الوطنية المشروعة.
وهذه التجربة بتقديري الذي ينسجم من رؤية واسعة كانت بحمد الله تجربة ناجحة بكل المقاييس وتوجت بانتخابات اشاد بنزاهتها العالم رغم الصعوبات والعراقيل وعوامل الضغط الداخلي الناجمة من الواقع الصعب الذي يفرضه الاحتلال وشهد العالم انها كانت انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وهذا مهم بالنسبة لي ولكن الاهم انني حافظت على الامانة وسلمتها الى صاحبها وفق القانون وفي المدة الدستورية المحددة وهذا مهم.
عقيلة الرئيس ندمت واعتذرت عن النداء
في الثامن من تشرين الثاني كان وفد القيادة حزم امره وتوجه على عجل الى فرنسا ليعود الرئيس في مشفى بيرسي بعد سيل متعارض من الانباء حول صحة الرئيس ومرضه.
كانت الانباء تسري في الشارع مثل النار في الهشيم تشير الى ان الرئيس ربما توفي وان القيادة تخفي الامر عنه وفي اماكن اخرى كان يحتفل بتحسن صحته اما القيادة فكانت تسمع ولا يقين لديها فقررت الوقوف بنفسها على الحقيقة بوفد رفيع.
وفي اليوم التالي فوجئنا بالنداء غير المبرر وغير المقبول الذي صدر عن عقيلة الرئيس الاخت سهى تتهم فيه الوفد بأنه جاء يدفن ابو عمار حيا ليستولي على مقاليد السلطة بعد تجريده منها بدعوى عدم الاهلية وقع النداء مثل صاعقة فلم نكن نتوقعه لجهة ما جاء فيه او توقيته والحقيقة انه ليس النداء وحده من فاجأنا بل وردود فعل الشارع الشعبي الساخطة ازاءه.
والتقينا الاخت سهى وبدا لنا ان هواجس كبيرة ليس لها جذور تسيطر عليها كانت تتصور ان الوفد حضر لاجل انتزاع القيادة والسلطة من الرئيس الذي كان يحتضر - لدى وصولنا - لصالح قيادة جديدة وهذه هواجس لا اساس لها على الاطلاق. كان املنا جميعا ان يبقى الرئيس على قيد الحياة وان يتماثل للشفاء والعودة سريعا الى ارض الوطن لمواصلة مهامه كان الامل يحدونا وكنا نتضرع الى الله ان يحقق ذلك.ولهذا قابلت شخصيا النداء باستهجان واستغراب شديدين واعتبرته على اقل تقدير غير مبرر ولا موفق ولكن في النهاية قلت هي عقيلة قائدنا ورئيسنا وزعيمنا المحبوب والخالد ومن هذا المنطلق تعاملنا معها بأخوة واحترام شديدين. وحاولت ان التمس لها عذرا لدى مقابلتها في المشفى بسبب الحالة الصحية للرئيس - زوجها - وما كان لديها من هواجس. انتابتها من ان الوفد جاء لتنفيذ القانون الاساسي بشأن شغور منصب الرئيس لسبب العجز التام او الوفاة وتصورت اني بصفتي رئيسا للمجلس التشريعي حضرت لتولي المنصب.. وهذا بجانب الحقيقة تماما التي اعتملت في صدري وفي عقول وتفكير القيادة نحن قلنا بصوت مسموع وقاطع انه طالما بقي الرئيس على قيد الحياة وحتى لو دخل في غيبوبة دامت شهورا فلن يكون هناك بالمطلق وريث له. واجزم ان احدا وحتى ابو مازن المنتخب والمفوض من الشعب لن يكون سعيدا بأن يكون هو الوريث لعرفات ربما بفعل العلاقة الحميمة والتاريخية وشخصية عرفات ودوره بيننا. وانا عن نفسي وعن باقي القيادة اؤكد انه لم يدر في خلد احد ان يخلف عرفات حتى في اسوأ الكوابيس ولكن هذه مشيئة الله وقدره.
وعقيلة الرئيس اعتقدت انها ادركت سوء تقديرها وتسرعها. وقدمت اعتذارا مباشرا وغير مباشر عن تصريحاتها وقد حاولت الرجوع عنها والتخفيف من وطأتها من خلال استقبالها للوفد او بالتعبير عن عميق حزنها وانفعالها لحالة الرئيس واثر ذلك على نفسيتها وصفاء التفكير واشارتها الى ذلك وخوفها على الرئيس هو ما دفعها الى ذلك.
وللعلم فقد تم تصويب وتصحيح الوضع معها في فرنسا، وانتهت زوبعة النداء عند هذا الحد.
وللحقيقة فان وجود الاخت سهى القوي على الخط في مسألة مرض الرئيس اثار حالة من الجدل ليس بفعل النداء آنف الذكر وحسب بل وفي تدخلها في البلاغات والتصريحات الرسمية التي كان يعلنها الناطق الرسمي باسم المستشفى العسكري الفرنسي والتي كان بضمنها عادة عبارة وفق ما رأته عقيلة الرئيس وهو ما أثار حالة من القلق والجدل اجزم ان فرنسا لم تكن السبب فيه بل عقيلة الرئيس وهو ما ستأتي عليه في مقام آخر.
قريع فقد الوعي
فور وصول وفدنا الى باريس توجهنا على الفور الى مستشفى بيرسي تدفعنا لهفة جامحة في رؤية الرئيس والسلام عليه كنا نمني النفس ان نلمس بأعيننا وايدينا تحسنا طرأ على وضعه الصحي ويحدونا الامل بأن نزف البشرى من هناك لشعبنا. لكن في انتظارنا كانت انباء حزينة ومتشائمة كان الرئيس في غرفة الانعاش واتفقنا ان ندخل عليه فرادى وكان احمد قريع ابو علاء اول وآخر من دخل عليه منا.
فما كادت عينا ابو علاء تقعان على الرئيس وهو ممدد على السرير على تلك الحالة حتى انتابه خوف شديد على حياة الرئيس ومن فرط الحزن اصيب بصدمة وسقط ارضا فاقدا الوعي لبرهة وابلغنا ان ما انتابه كان من هول ما رأى وعندما خرج من الغرفة ليدخل احد منا من بعده الح علينا ابو علاء الا نفعل اشفاقا علينا وعلى الرئيس وقال بلغة حازمة انصح الا تدخلوا حتى لا تكون آخر صورة ترونها للرئيس وهو على تلك الحالة المفجعة. وسهى بدورها تمنت علينا الا ندخل والاكتفاء بزيارة ابو علاء وفعلنا وللقارئ والمواطن اترك تخيل الحالة التي كان عليها الاب المحبوب والرمز الخالد وهو يصارع المرض والموت حتى يشفق ابو علاء على رفاقه من رؤيته.
صارع المرض حتى الرمق الاخير
اعرف الرئيس عرفات عن قرب منذ 73 عاما واكثر ولا اذيع سرا او اكشف سرا عندما اقول ان عرفات رجل قدري وقوي الايمان بالله تعالى وهذا امر انسحب على تعامله مع المرض كان يعاني منه ومن مضاعفاته ويتحمل وحده ولا يصرح بألمه ليس ذلك فقط بل ويظهر عكس ذلك تماما على حساب صحته وحياته.
في تشرين اول المنصرم لاحظت ان الرئيس يعاني من مرض ما يغلبه ويغالبه اعتقد الرئيس وقال الاطباء انه يعاني من مضاعفات انفولونزا المت به ولم يكترث لحالته واعتبرها حالة عابرة ستمر كما حدث في السابق كان المرض يشتد عليه في فترات متفرقة دون ان يريح نفسه وكان يدعو الى سلسلة اجتماعات في مقر الرئاسة وهو على تلك الحالة منها اجتماعات مع المحافظين.
وفي اثناء مرضه الذي لم يصرح به وقعت اشكالات في غزة واذكر وقتها اني جلست معه ليعالجها حتى الثالثة فجرا وتواصل الاتصال بيننا عبر الهاتف بعد ذلك وانا في المنزل وطلب مني العودة الى مكتبه لمواصلة العمل هذا هو عرفات.. لا ينام وبين يديه قضية حتى في مرضه.. وهذه المرة اتفق وحل الشهر الفضيل >رمضان< والرئيس على تلك الحالة الصحية ورفض ان يفطر لتناول الدواء وأصر على الصوم وصام فعلا عشرة ايام رأيته خلالها قد تغير ورجوته ان يحافظ على صحته وسلامته بتناول الدواء في موعده لكنه اصر على مواصلة الصيام.. وكان يهدئ روعنا ويطمئننا بالقول ان ما يعتريه حالة عابرة. ولكن فيما بعد شعر الرئيس بصعوبة وخطورة الحالة الصحية وعبر عن مخاوفه من امكانية اصابته بتسمم وقد صرح لبعض من هم حوله بذلك - للحقيقة لم أكن بينهم ولم اسمع الرئيس يقول ذلك ولكنهم نقلوا لي فورا ما سمعوه وهم اربعة اهل ثقة وقالوا ان الرئيس قال بصراحة >اخشى ان يكونوا.. وصلوا اليّ واشار الى معدته في اشارة الى امكانية تعرضه للتسميم. وربما هذا ما اسهم في اقناعه على الموافقة على السفر للعلاج في الخارج.
بدا بصحة جيدة ومعنويات عالية
في 82 تشرين اول قبل الرئيس السفر للعلاج في فرنسا لقد ادرك بعد عناد انه بحاجة الى فحوصات وعلاج خارج الوطن واختار فرنسا البلد التي يكن كل احترام وتقدير لها ولرئيسها الذي يعتد بصداقته كان الرئيس حتى تلك اللحظة غير مكترث بالمرض الذي رافقه طوال شهر لدرجة انه شكر الفريق الطبي الذي كان يعالجه بطلب من الرئيس المصري حسني مبارك وابلغه ان بامكانه المغادرة لان حالته الصحية تحسنت. وان لا داعي لبقائه رغم ان الوفد ابلغه انه حضر بأمر من الرئيس مبارك ليبقى الى جانبه. كان الوفد الطبي المصري حضر لفحص الرئيس وعلاجه وشرع بعمله فور وصوله واجرى فحوصات بوجودي والاخوين فخري شقورة وابراهيم ابو النجا. وبعد ذلك ابلغهم الرئيس انه بخير وتماثل للشفاء وان لا داعي للبقاء معهم وفعلا غادر الوفد الطبي ليعود بعد ذلك باربعة ايام اثر تدهور صحة الرئيس وعندها توالت الوفود الطبية الشقيقة وارسل الرئيس زين العابدين بن علي وفدا تونسيا رافقه السفير التونسي لدى السلطة الوطنية لابداء الاهتمام. وكان الرئيس يحاول ويجتهد لان يظهر انه بصحة جيدة وبخير كنت في تلك الاثناء اراقب ما يجري ورأيت على وجوه الاطباء قلقا وحيرة قدرت انها غير مطمئنة وامطرتهم مثل كثيرين بالاسئلة حول صحة الرئيس وكانوا دائما متحفظين وقالوا ان مهمتهم متابعة الحالة وليس الادلاء بتصريحات وزاد ذلك الشكوك والقلق. وفيما بعد وصل الفريق الطبي الاردني وعلى رأسه طبيب الرئيس الخاص وصديقه د. اشرف الكردي الذي دخل عليه على الفور واشار الى التكسر غير الطبيعي في صفائح الدم وطلب منه الموافقة فورا على السفر للخارج لأنه بحاجة الى فحوصات وعلاج اكثر تقدما من تلك المتوفرة في رام الله وربما في الوطن العربي وبعد مشاورات منفصلة وافق الجميع على ضرورة نقل الرئيس للعلاج في فرنسا ووافق الرئيس شخصيا على ذلك وقمنا باصدار بيان بذلك. حملت موافقة الرئيس على الانتقال الى فرنسا للعلاج لنا بشائر بشفاء عاجل.. سيما وان الرئيس قبيل مغادرته كان يبدو بصحة جيدة نوعا ما رغم انه مرهق وجسده واهن لقد امضى الليلة قبل سفره يمازح الاطباء ويتبادل واياهم الطرائف واطراف الحديث وهو ما عذر لدينا الامر وابقى السكينة في النفوس.
واذكر في صباح ذلك اليوم الباكر الذي غادرنا الى فرنسا طلب مني عبر امين عام الرئاسة الطيب عبدالرحيم ان نقوم باستقبال الطيارين الاردنيين الذين حطوا في المقاطعة لنقله الى الاردن في طريقه الى فرنسا وقد فعلنا وبعد ذلك طلب ان يودعنا فأقبلنا عليه في غرفة نومه كان الى جانبي احمد قريع ابو علاء وعباس زكي وآخرون ودعناه وقبلناه كان في حالة معنوية عالية وممتازة وردد تلك العبارات المشهورة التي عبرت دائما عن صلابته وقوة ايمانه بالله وبالشفاء وبحتمية الانتصار وردد يا جبل ما يهزك ريح وقال ان الايمان لديه كبير واكبر من اي شيء آخر وقال انه عائد الى ارض الوطن وكان هو من يعمل على تقوية العزائم وغادر وهو يلوح بشارات النصر ويوزع القبلات على امل العودة لكنه عاد شهيدا شهيدا شهيدا...
غزة-دنيا الوطن
يشعر رئيس السلطة الوطنية المؤقت السابق روحي فتوح اليوم بسعادة غامرة وبراحة ضمير بعد ان سلم الرئاسة الى الرئيس محمود عباس ابو مازن الذي اختاره الشعب في انتخابات حرة ونزيهة اذ يعتقد الى حد اليقين انه حمل الأمانة كما ينبغي وأعادها على أكمل وجه.
فتوح الذي لم يحلم قط بالمنصب وجد نفسه بين عشية وضحاها خليفة للرئيس الخالد ياسر عرفات الذي احبه وارتبط به اكثر من 73 عاما ويعلن فتوح بصراحة وهو يسلم المنصب ان الرئاسة كانت خارج اجندته الخاصة واجندة الاسرة التي زهدت في السلطة ويستشهد في هذا السياق برد فعل والدته على توليه الرئاسة عندما صرخت امام الجميع وهي تجهش بالبكاء لقد ربيته ليكون جنديا لدى ابو عمار وليس خليفة له. وزوجته التي تمنت ان تموت وزوجها قبل ان ترى سوءا يمس عرفات. والابناء الذين يسألون بعكس المنطق متى يسلم الوالد الرئاسة.. روحي فتوح الذي دأب على تذكير الرئيس ابو مازن بالفترة المتبقية لولايته ويستعجل التسليم بعد ان ضاق ذرعا بالمراسم والمواكب وفر منها للتسوق وحده ومرافقة زوجته في مركبته العادية يروي لـ >الحياة الجديدة< تفاصيل مرض واستشهاد الرئيس بعد رحلة العلاج الاخيرة في مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي.
ويعتقد ان الرئيس عرفات مات بالسم لكنه يرفض كيل التهم الآن جزافا ويكشف في هذا المقام ان الرئيس عندما اشتد به المرض في رمضان الماضي اسر الى مقربين ثقة انه يخشى ان يكونوا وصلوا اليه واشار الى معدته في اشارة الى التسميم.
وبعد توليه المنصب دستوريا يقول ابو وسام انه ورغم مرور 06 يوما على ذلك الا انه ما زال يتصرف وكأنه يعمل تحت امره وبتعليمات الرئيس عرفات الذي يقول ان صورته وصدى صوته لا يبرحان المكان وانه يأتيه في المنام ليلا لدرجة ان قدميه تقودانه في اليوم التالي الى مكتب عرفات دون شعور ولا يصحو الا على صوت الحراس ينبهونه الى وجهته الصحيحة.
كان مرض الرئيس الخالد ياسر عرفات >رحمه الله- بمثابة المفاجأة الكبيرة لنا ورافقته حال من القلق والجدل طالت كل شيء لم تحدث في حالات سابقة مرض فيها الرئيس ولا حتى في ايلول، 2003 عندما المت به اعراض مرضية مماثلة لكني مثل غيري لم اتوقع حتى في اسوأ الكوابيس ان تكون نهاية هذا المرض هي الفراق الابدي.. كنا نؤمن الى حد اليقين انه سيتغلب على المرض وسيعود معافى كما حدث دائما.
ففي شهر رمضان الماضي بدأت حالة الرئيس الصحية تتدهور على نحو متسارع ومعها تزايد القلق في مقر الرئاسة والقيادة والشارع وساورتنا والعمل الوطني المعلق بالرئيس، والشعب شكوك وصلت حد الذعر على مصير الوضع الداخلي ذعر سببته ضخامة الاسئلة من شاكلة ماذا سيحل بنا وماذا سيحدث وماذا نفعل في حال وفاته.
ولم يكن المستقبل والمصير المجهول الذي يخفيه غياب الرئيس في مثل هذا الوقت وهذه المرحلة الحساسة والدقيقة والحرجة مصدر الذعر الذي غذته بقوة حيرة الاطباء وعجزهم عن تحديد وتشخيص المرض وبالتالي وصف العلاج الملائم، والنار التي اشعلتها الشكوك بامكانية تسميم الرئيس بعد استبعاد اصابته بالسرطان كسبب للتكسر غير الطبيعي للصفائح الدموية.
هذه الحيرة تجلت على شكل جدل واسع بشأن انتقال الرئيس للعلاج في الخارج والذي استهلك وقتا ثمينا ربما على حساب صحة وحياة الرئيس قبل الوصول الى قرار السفر في اجماع غير مسبوق انتهت اليه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة فتح، والمجلس التشريعي ومجلس الوزراء، وعائلة الرئيس واخيرا اقتناع الرئيس نفسه بضرورة الانتقال الى فرنسا للعلاج وقبوله بذلك. بعد ان اقتنع سيادته ان حالته الصحية صعبة وبحاجة الى علاج متقدم وان الحالة المرضية لم تكن هذه المرة عابرة.
وهنا بدأ السؤال يكبر فينا هل تم الوصول الى الرئيس ودس السهم له في طعام او شراب او دواء او بطريقة ما ومن قام بذلك وكيف؟ فيما ظلت فرضية التسميم تتسع والرئيس عرفات نفسه قال لمقربيه وكانوا اربعة ثقة - لم اكن معهم وقتها - قال اخشى ان يكونوا وصولوا اليّ واشار الى معدته.
القلق العارم على حياة الرئيس والمستقبل لم يقتصر على الشارع الوطني كان قلقا لافتا ومماثلا في الشارع العربي ولدى الحكومات والقوى العربية ولدى الاصدقاء في العالم. فعرفات لم يعد قائدا ورمزا ورئيسا وطنيا للشعب الفلسطيني بل قائدا قوميا ودوليا بارزا ومؤثرا في قضايا المنطقة والعالم.
ورغم القلق الذي اجتهدنا في اخفائه مع سفر الرئيس الى فرنسا للعلاج كان املنا كبيرا في عودته السريعة الى الوطن لمواصلة مهامه ولكن صحته استمرت في التدهور ما حثنا في القيادة على التحرك وعليه شرعت القيادة والاطر في سلسلة اجتماعات مكثفة بدأتها اللجنة التنفيذية باجتماع اختارت فيه امين سرها الاخ محمود عباس ابو مازن لرئاسة الاجتماعات في غياب الرئيس وقررت ان يحضر اجتماعاتها رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون ابو الاديب ورئيس مجلس الوزراء احمد قريع >ابو علاء<، وانا بصفتي رئيسا للمجلس التشريعي وهذه كانت اول خطوة على طريق عمل جماعي فاعل واساسي لانتقال السلطات.
بدورها باشرت مركزية فتح اجتماعاتها برئاسة الاخ ابو مازن بصفته نائبا لامين السر، وعقد مجلس الامن القومي اجتماعا برئاسة رئيسه الجديد احمد قريع وكذلك المجلس التشريعي والحقيقة ان احدا في هذه الاجتماعات لم يتحدث ولو من باب الغمز في مسألة غياب محتمل للرئيس وماذا سنفعل في حال الوفاة، واقتصرت تلك الاجتماعات على بحث سبل ضمان سير وتسيير الحياة اليومية للمواطن وادارة شؤون السلطة الوطنية وضمان الأمن والامان الداخلي.
في غضون ذلك كانت الانباء المتضاربة حول صحة الرئيس تتوارد من مستشفى >بيرسي< العسكري في الضاحية الباريسية وفي خضم الاشاعات والتسريبات المغرضة لم تكن القيادة على علم يقين بشيء فقررت ارسال وفد رفيع الى باريس للاطمئنان على صحة الرئيس والوقوف على الحقيقة وكان يحدوها الامل ان تعود بالبشرى لشعبنا بسلامة قائده المحبوب وضم وفدنا ابو مازن وابو علاء، ود. نبيل شعث وانا وحين وصولنا ابلغنا رسميا عبر لقاءات مع الرئيس شيراك ووزير خارجيته ان الرئيس في وضع صحي حرج وانه يمضي ساعاته الاخيرة فقد كان دخل في غيبوبة وعانى من نزيف داخلي ولكن الامل لم يبرحني وكنت على ثقة في شفائه وان معجزة لا بد وان تقع لتنقذ حياته اخيرا هذا على الاقل ما اعتمل في صدري حينها.
وفي جلساتنا مع الاطباء الفرنسيين عرضوا علينا الحالة والتاريخ المرضي للرئيس منذ وصوله الى مستشفى >بيرسي< وكذلك الحالة التي كان عليها مؤخرا في مقره المحاصر برام الله قالوا انه ربما وصل متأخرا وكان المرض نال من اعضاء اساسية في جسده خاصة الكبد والكلى فيما كان القلب والرئة فتيان ويعملان بنشاط وقالوا ايضا ان التكسر غير الطبيعي في الصفائح الدموية غير مسيطر عليه وانهم يجهلون سبب هذا التكسر.
سألناهم عن احتمال التسمم فردوا انهم لم يتوصلوا عبر الفحوصات الدقيقة على اي نوع من السموم في دمه مشيرين الى ان الفحوصات اجريت في مختبر الدرك الذي يعد الاكثر تقدما ليس في فرنسا وحسب بل وعلى صعيد العالم هم تحدثوا كاطباء وبمهنية ولم ينفوا امكانية التسمم قالوا فقط انهم لم يعثروا على سموم معروفة لديهم.
في فرنسا لمسنا اجواء التضامن من الرئيس شيراك ودفء العلاقة وبالمقابل ابلغناه ان ايام الرئيس عرفات باتت معدودة ما لم تحدث المعجزة ونحن نتضرع الى الله ان تقع المعجزة فقفلنا عائدين الى رام الله ونحن امام تحد كبير لم يسبق وراودني حتى في المنام.
كانت اجواء حزينة وصعبة وصلت الى حد الفزع وفي خضمها كنا امام خيار قسري يلزمنا قهرا باتخاذ قرار بملء الفراغ في حال حدثت الوفاة. وفور وصولنا المقر الرئاسي دعيت اللجنة التنفيذية الى اجتماع عاجل وطارئ وكذلك اللجنة المركزية.
اتفق فيه ان تنتخب اللجنة التنفيذية في حال وفاة الرئيس عرفات رئىسا لها من بين اعضائها حسب قانون منظمة التحرير وان يتولى رئيس المجلس التشريعي منصب رئيس السلطة الوطنية مؤقتا لستين يوما تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية حسب القانون الاساسي - الدستور المؤقت-. ولم تكن هناك معارضة تذكر وهذا القرار حقيقة سهل عملية الانتقال السلس والناجح والمبدع للسلطات وفق القانون.
وللعلم ولدرء المخاوف ومعالجتها بشكل وقائي تم التشاور بهذا الشأن ولضمان تنفيذ واحترام القانون مع القوى والفصائل والاطر التنظيمية الكبيرة والاجهزة العسكرية والامنية وكان هناك اجماع على الالتزام بالقانون والعمل بمقتضاه كناظم للحياة السياسية وفي مواجهة اية تداعيات سلبية قد تنشأ.
وفيما كانت الترتيبات الضرورية تتم وحالة القلق والترقب والحزن تسود وصل في صبيحة 11 تشرين الثاني ذلك الخبر المشؤوم الرئيس عرفات في ذمة الله والمصلحة العليا ومستقبل الشعب والقضية في خطر ما لم تتحرك بسرعة. لملء الفراغ وما كادت الساعة تقترب من الحادية عشرة من ذلك الصباح حتى كانت اللجنة التنفيذية قد انتخبت >ابو مازن< رئيسا لها، تلاها المجلس التشريعي بساعة بجلسة خاصة توليت فيها مهام الرئاسة مؤقتا واديت امام الجميع اليمين الدستوري لتسيير الامور لحين اجراء الانتخابات الرئاسية، ولمزيد من اطمأنة الشارع وسير الامور في طريقها الصحيح بادرت باصدار مرسوم رئاسي حددت فيه التاسع من كانون الثاني/ 2005 موعدا لاجراء الانتخابات الرئاسية وخاطبت على الفور لجنة الانتخابات المركزية لتشرع في الاعداد والتجهيز لهذه الانتخابات وخاطبت الاصدقاء والاشقاء لمساعدتنا في الاشراف على نزاهتها وشفافيتها فيما سارعت مركزية فتح لاختيار >ابو مازن< مرشحا لها للرئاسة وهكذا اكتمل الاساس والدور الاول لي بنجاح ويسر بدد كل الشكوك والتقولات والاشاعات المسمومة وتم انتقال هادئ للسلطات امام العالم وفي النور بصورة قوبلت باعجاب وانبهار المجتمع الدولي الذي تأكد ان الحالة الفلسطينية متقدمة في مجال الالتزام بالقوانين وبالديمقراطية وبالمقابل حاجتها الماسة الى المؤازرة لانجاح وتعزيز التجربة خاصة وانها كانت بمثابة حالة نادرة في المنطقة. وقعت رغم انه لم يكن هناك استعداد في الشارع الوطني وحتى على المستوى الاقليمي والدولي تقبل فكرة مغادرة الرئيس عرفات الابدية المسرح السياسي ومع ذلك اجتهدنا في التعامل مع الواقع المر بحيوية وفعالية وايجابية قصوى. وقبل الغوص في التفاصيل تجدر الاشارة الى ان العمل بروح الفريق اثبت في هذه المرحلة الحرجة والانتقالية نجاعة لافتة فقد عملت وابو مازن وابو علاء كفريق اضافة الى ما بادرت اليه التنفيذية، والمركزية والتشريعي ورئيس المجلس الوطني هذا النهج سهل خوض التجربة ومكننا من التعاطي مع الحدث بمسؤولية وفعالية غلبت فيها المصلحة العامة على المصالح الشخصية وكانت الهدف والبوصلة التي توجه وترشد هي سلامة الاداء واستقرار النظام السياسي الفلسطيني وطمأنة الشارع على حاضره ومستقبله وحتى تستمر العملية النضالية والكفاحية لاستعادة حقوقنا الوطنية المشروعة.
وهذه التجربة بتقديري الذي ينسجم من رؤية واسعة كانت بحمد الله تجربة ناجحة بكل المقاييس وتوجت بانتخابات اشاد بنزاهتها العالم رغم الصعوبات والعراقيل وعوامل الضغط الداخلي الناجمة من الواقع الصعب الذي يفرضه الاحتلال وشهد العالم انها كانت انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وهذا مهم بالنسبة لي ولكن الاهم انني حافظت على الامانة وسلمتها الى صاحبها وفق القانون وفي المدة الدستورية المحددة وهذا مهم.
عقيلة الرئيس ندمت واعتذرت عن النداء
في الثامن من تشرين الثاني كان وفد القيادة حزم امره وتوجه على عجل الى فرنسا ليعود الرئيس في مشفى بيرسي بعد سيل متعارض من الانباء حول صحة الرئيس ومرضه.
كانت الانباء تسري في الشارع مثل النار في الهشيم تشير الى ان الرئيس ربما توفي وان القيادة تخفي الامر عنه وفي اماكن اخرى كان يحتفل بتحسن صحته اما القيادة فكانت تسمع ولا يقين لديها فقررت الوقوف بنفسها على الحقيقة بوفد رفيع.
وفي اليوم التالي فوجئنا بالنداء غير المبرر وغير المقبول الذي صدر عن عقيلة الرئيس الاخت سهى تتهم فيه الوفد بأنه جاء يدفن ابو عمار حيا ليستولي على مقاليد السلطة بعد تجريده منها بدعوى عدم الاهلية وقع النداء مثل صاعقة فلم نكن نتوقعه لجهة ما جاء فيه او توقيته والحقيقة انه ليس النداء وحده من فاجأنا بل وردود فعل الشارع الشعبي الساخطة ازاءه.
والتقينا الاخت سهى وبدا لنا ان هواجس كبيرة ليس لها جذور تسيطر عليها كانت تتصور ان الوفد حضر لاجل انتزاع القيادة والسلطة من الرئيس الذي كان يحتضر - لدى وصولنا - لصالح قيادة جديدة وهذه هواجس لا اساس لها على الاطلاق. كان املنا جميعا ان يبقى الرئيس على قيد الحياة وان يتماثل للشفاء والعودة سريعا الى ارض الوطن لمواصلة مهامه كان الامل يحدونا وكنا نتضرع الى الله ان يحقق ذلك.ولهذا قابلت شخصيا النداء باستهجان واستغراب شديدين واعتبرته على اقل تقدير غير مبرر ولا موفق ولكن في النهاية قلت هي عقيلة قائدنا ورئيسنا وزعيمنا المحبوب والخالد ومن هذا المنطلق تعاملنا معها بأخوة واحترام شديدين. وحاولت ان التمس لها عذرا لدى مقابلتها في المشفى بسبب الحالة الصحية للرئيس - زوجها - وما كان لديها من هواجس. انتابتها من ان الوفد جاء لتنفيذ القانون الاساسي بشأن شغور منصب الرئيس لسبب العجز التام او الوفاة وتصورت اني بصفتي رئيسا للمجلس التشريعي حضرت لتولي المنصب.. وهذا بجانب الحقيقة تماما التي اعتملت في صدري وفي عقول وتفكير القيادة نحن قلنا بصوت مسموع وقاطع انه طالما بقي الرئيس على قيد الحياة وحتى لو دخل في غيبوبة دامت شهورا فلن يكون هناك بالمطلق وريث له. واجزم ان احدا وحتى ابو مازن المنتخب والمفوض من الشعب لن يكون سعيدا بأن يكون هو الوريث لعرفات ربما بفعل العلاقة الحميمة والتاريخية وشخصية عرفات ودوره بيننا. وانا عن نفسي وعن باقي القيادة اؤكد انه لم يدر في خلد احد ان يخلف عرفات حتى في اسوأ الكوابيس ولكن هذه مشيئة الله وقدره.
وعقيلة الرئيس اعتقدت انها ادركت سوء تقديرها وتسرعها. وقدمت اعتذارا مباشرا وغير مباشر عن تصريحاتها وقد حاولت الرجوع عنها والتخفيف من وطأتها من خلال استقبالها للوفد او بالتعبير عن عميق حزنها وانفعالها لحالة الرئيس واثر ذلك على نفسيتها وصفاء التفكير واشارتها الى ذلك وخوفها على الرئيس هو ما دفعها الى ذلك.
وللعلم فقد تم تصويب وتصحيح الوضع معها في فرنسا، وانتهت زوبعة النداء عند هذا الحد.
وللحقيقة فان وجود الاخت سهى القوي على الخط في مسألة مرض الرئيس اثار حالة من الجدل ليس بفعل النداء آنف الذكر وحسب بل وفي تدخلها في البلاغات والتصريحات الرسمية التي كان يعلنها الناطق الرسمي باسم المستشفى العسكري الفرنسي والتي كان بضمنها عادة عبارة وفق ما رأته عقيلة الرئيس وهو ما أثار حالة من القلق والجدل اجزم ان فرنسا لم تكن السبب فيه بل عقيلة الرئيس وهو ما ستأتي عليه في مقام آخر.
قريع فقد الوعي
فور وصول وفدنا الى باريس توجهنا على الفور الى مستشفى بيرسي تدفعنا لهفة جامحة في رؤية الرئيس والسلام عليه كنا نمني النفس ان نلمس بأعيننا وايدينا تحسنا طرأ على وضعه الصحي ويحدونا الامل بأن نزف البشرى من هناك لشعبنا. لكن في انتظارنا كانت انباء حزينة ومتشائمة كان الرئيس في غرفة الانعاش واتفقنا ان ندخل عليه فرادى وكان احمد قريع ابو علاء اول وآخر من دخل عليه منا.
فما كادت عينا ابو علاء تقعان على الرئيس وهو ممدد على السرير على تلك الحالة حتى انتابه خوف شديد على حياة الرئيس ومن فرط الحزن اصيب بصدمة وسقط ارضا فاقدا الوعي لبرهة وابلغنا ان ما انتابه كان من هول ما رأى وعندما خرج من الغرفة ليدخل احد منا من بعده الح علينا ابو علاء الا نفعل اشفاقا علينا وعلى الرئيس وقال بلغة حازمة انصح الا تدخلوا حتى لا تكون آخر صورة ترونها للرئيس وهو على تلك الحالة المفجعة. وسهى بدورها تمنت علينا الا ندخل والاكتفاء بزيارة ابو علاء وفعلنا وللقارئ والمواطن اترك تخيل الحالة التي كان عليها الاب المحبوب والرمز الخالد وهو يصارع المرض والموت حتى يشفق ابو علاء على رفاقه من رؤيته.
صارع المرض حتى الرمق الاخير
اعرف الرئيس عرفات عن قرب منذ 73 عاما واكثر ولا اذيع سرا او اكشف سرا عندما اقول ان عرفات رجل قدري وقوي الايمان بالله تعالى وهذا امر انسحب على تعامله مع المرض كان يعاني منه ومن مضاعفاته ويتحمل وحده ولا يصرح بألمه ليس ذلك فقط بل ويظهر عكس ذلك تماما على حساب صحته وحياته.
في تشرين اول المنصرم لاحظت ان الرئيس يعاني من مرض ما يغلبه ويغالبه اعتقد الرئيس وقال الاطباء انه يعاني من مضاعفات انفولونزا المت به ولم يكترث لحالته واعتبرها حالة عابرة ستمر كما حدث في السابق كان المرض يشتد عليه في فترات متفرقة دون ان يريح نفسه وكان يدعو الى سلسلة اجتماعات في مقر الرئاسة وهو على تلك الحالة منها اجتماعات مع المحافظين.
وفي اثناء مرضه الذي لم يصرح به وقعت اشكالات في غزة واذكر وقتها اني جلست معه ليعالجها حتى الثالثة فجرا وتواصل الاتصال بيننا عبر الهاتف بعد ذلك وانا في المنزل وطلب مني العودة الى مكتبه لمواصلة العمل هذا هو عرفات.. لا ينام وبين يديه قضية حتى في مرضه.. وهذه المرة اتفق وحل الشهر الفضيل >رمضان< والرئيس على تلك الحالة الصحية ورفض ان يفطر لتناول الدواء وأصر على الصوم وصام فعلا عشرة ايام رأيته خلالها قد تغير ورجوته ان يحافظ على صحته وسلامته بتناول الدواء في موعده لكنه اصر على مواصلة الصيام.. وكان يهدئ روعنا ويطمئننا بالقول ان ما يعتريه حالة عابرة. ولكن فيما بعد شعر الرئيس بصعوبة وخطورة الحالة الصحية وعبر عن مخاوفه من امكانية اصابته بتسمم وقد صرح لبعض من هم حوله بذلك - للحقيقة لم أكن بينهم ولم اسمع الرئيس يقول ذلك ولكنهم نقلوا لي فورا ما سمعوه وهم اربعة اهل ثقة وقالوا ان الرئيس قال بصراحة >اخشى ان يكونوا.. وصلوا اليّ واشار الى معدته في اشارة الى امكانية تعرضه للتسميم. وربما هذا ما اسهم في اقناعه على الموافقة على السفر للعلاج في الخارج.
بدا بصحة جيدة ومعنويات عالية
في 82 تشرين اول قبل الرئيس السفر للعلاج في فرنسا لقد ادرك بعد عناد انه بحاجة الى فحوصات وعلاج خارج الوطن واختار فرنسا البلد التي يكن كل احترام وتقدير لها ولرئيسها الذي يعتد بصداقته كان الرئيس حتى تلك اللحظة غير مكترث بالمرض الذي رافقه طوال شهر لدرجة انه شكر الفريق الطبي الذي كان يعالجه بطلب من الرئيس المصري حسني مبارك وابلغه ان بامكانه المغادرة لان حالته الصحية تحسنت. وان لا داعي لبقائه رغم ان الوفد ابلغه انه حضر بأمر من الرئيس مبارك ليبقى الى جانبه. كان الوفد الطبي المصري حضر لفحص الرئيس وعلاجه وشرع بعمله فور وصوله واجرى فحوصات بوجودي والاخوين فخري شقورة وابراهيم ابو النجا. وبعد ذلك ابلغهم الرئيس انه بخير وتماثل للشفاء وان لا داعي للبقاء معهم وفعلا غادر الوفد الطبي ليعود بعد ذلك باربعة ايام اثر تدهور صحة الرئيس وعندها توالت الوفود الطبية الشقيقة وارسل الرئيس زين العابدين بن علي وفدا تونسيا رافقه السفير التونسي لدى السلطة الوطنية لابداء الاهتمام. وكان الرئيس يحاول ويجتهد لان يظهر انه بصحة جيدة وبخير كنت في تلك الاثناء اراقب ما يجري ورأيت على وجوه الاطباء قلقا وحيرة قدرت انها غير مطمئنة وامطرتهم مثل كثيرين بالاسئلة حول صحة الرئيس وكانوا دائما متحفظين وقالوا ان مهمتهم متابعة الحالة وليس الادلاء بتصريحات وزاد ذلك الشكوك والقلق. وفيما بعد وصل الفريق الطبي الاردني وعلى رأسه طبيب الرئيس الخاص وصديقه د. اشرف الكردي الذي دخل عليه على الفور واشار الى التكسر غير الطبيعي في صفائح الدم وطلب منه الموافقة فورا على السفر للخارج لأنه بحاجة الى فحوصات وعلاج اكثر تقدما من تلك المتوفرة في رام الله وربما في الوطن العربي وبعد مشاورات منفصلة وافق الجميع على ضرورة نقل الرئيس للعلاج في فرنسا ووافق الرئيس شخصيا على ذلك وقمنا باصدار بيان بذلك. حملت موافقة الرئيس على الانتقال الى فرنسا للعلاج لنا بشائر بشفاء عاجل.. سيما وان الرئيس قبيل مغادرته كان يبدو بصحة جيدة نوعا ما رغم انه مرهق وجسده واهن لقد امضى الليلة قبل سفره يمازح الاطباء ويتبادل واياهم الطرائف واطراف الحديث وهو ما عذر لدينا الامر وابقى السكينة في النفوس.
واذكر في صباح ذلك اليوم الباكر الذي غادرنا الى فرنسا طلب مني عبر امين عام الرئاسة الطيب عبدالرحيم ان نقوم باستقبال الطيارين الاردنيين الذين حطوا في المقاطعة لنقله الى الاردن في طريقه الى فرنسا وقد فعلنا وبعد ذلك طلب ان يودعنا فأقبلنا عليه في غرفة نومه كان الى جانبي احمد قريع ابو علاء وعباس زكي وآخرون ودعناه وقبلناه كان في حالة معنوية عالية وممتازة وردد تلك العبارات المشهورة التي عبرت دائما عن صلابته وقوة ايمانه بالله وبالشفاء وبحتمية الانتصار وردد يا جبل ما يهزك ريح وقال ان الايمان لديه كبير واكبر من اي شيء آخر وقال انه عائد الى ارض الوطن وكان هو من يعمل على تقوية العزائم وغادر وهو يلوح بشارات النصر ويوزع القبلات على امل العودة لكنه عاد شهيدا شهيدا شهيدا...
التعليقات