عاجل

  • طائرات الاحتلال تستهدف شقة سكنية في عمارة السلام قرب دوار الخور بحي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة

تحقيقات الفساد في برنامج النفط مقابل الغذاء: كل الأطراف كسبت على حساب الشعب العراقي

تحقيقات الفساد في برنامج النفط مقابل الغذاء: كل الأطراف كسبت على حساب الشعب العراقي

غزة-دنيا الوطن

بعد ما يقرب من 15 عاما شهدت حربين أطاحت ثانيتهما بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ما تزال العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق وبرنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات تلقي بظلالها على المنظمة الدولية. وتجري في الوقت الحالي ثمانية تحقيقات في واشنطن ونيويورك حول كيفية تخريب صدام حسين البرنامج وكيفية اساءة الأمم المتحدة ادارته.

وقد أدت المصالح القومية المتنافسة والحصص الاقتصادية في واحد من أكبر منتجي النفط في العالم الى احباط استعداد مجلس الأمن الدولي لمراقبة البرنامج، الأمر الذي وفر للعراق بيع النفط مقابل الأموال النقدية التي يفترض أن تستخدم فقط لتوفير الغذاء والدواء والأساسيات الأخرى.

وتوافق الفساد الشامل لصدام حسين وعجز حكومات العالم وسوء ادارة الأمم المتحدة للسماح بحدوث واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في تاريخ الأمم المتحدة.

وخلال سبع سنوات من البرنامج ابتداء من عام 1996 توفرت لأعضاء مجلس الأمن الكثير من الفرص لردم الفجوات التي سمحت باستمرار تدفق الأموال الى خزائن صدام حسين. ولكنهم غالبا ما اختاروا النظر في اتجاه آخر، أو أعاقوا الاصلاحات بقوة، وفقا لما يقوله الدبلوماسيون الذين عملوا في لجنة العقوبات التابعة للبرنامج. وكانت صفقات صدام الجانبية ثمن إبعاده عن اعادة بناء برنامج أسلحته.

وبدلا من ذلك استخدم صدام البرنامج ليراكم مليارات الدولارات وليرسخ هيمنته. وقالت كوندوليزا رايس خلال حفل تنصيبها وزيرة للخارجية الاميركية قبل اسبوعين ان صدام حسين خدع بألاعيبه المجتمع الدولي، وانه لا يمكن السماح بذلك ثانية.

وكان كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين الخمسة قد قللوا من قيمة العقوبات. وحتى الولايات المتحدة قامت بمساومة عندما استثنت التجارة غير المشروعة عبر تركيا والأردن من قانون كان له أن يوقف مساعدة الولايات المتحدة للدول التي تنتهك العقوبات المفروضة على العراق.

وكانت روسيا افضل زبائن العراق وأقوى حليف في مجلس الأمن. وقد أعاقت عددا من المساعي الأميركية والبريطانية لتشديد القيود على واردات العراق، وكانت تبلغ حكومة صدام حسين مسبقا عن مواعيد وأماكن حدوث عمليات التفتيش عن الأسلحة التي كان يقوم بها مفتشو الأمم المتحدة.

وكانت الصين معارضا قويا للعقوبات والتدخل في سيادة بلد آخر، خشية حدوث سابقة يمكن أن تستخدم ضدها.

وكافحت فرنسا محاولات تقليص الأموال التي كان التجار يدفعونها لنظام صدام مقابل الحصول على نفط بقيمة مخفضة، وأرسلت طائرة الى بغداد في اطار تحدي العقوبات.

وقالت مقالة افتتاحية للرأي في عدد يوم أمس لصحيفة «وول ستريت جورنال» ملخصة النتائج التي توصل اليها التقرير الأولي الذي أعده بول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في التحقيق الذي كلفه به الأمين العام للأمم المتحد كوفي أنان: منح العقود لشركات مسؤولة عن مراقبة البرنامج كان «محاطا بالفساد»، وعملية الحسابات الداخلية في الأمم المتحدة كانت عاجزة، ورئيس البرنامج بينون سيفان ساعد في توجيه مشتريات النفط، فضلا عن «صراع المصالح الذي لا يقبل المساومة». ولكن من أجل فهم المسار الخاطئ الذي اتخذه برنامج النفط مقابل الغذاء من الضروري فهم المسار الخاطئ لبرنامج العقوبات الذي سبقه في التاريخ. فحتى في الأيام الأولى للعقوبات استغل صدام حسين التصدعات والخلافات الدبلوماسية مؤذنا بشله البارع لبرنامج النفط مقابل الغذاء.

فعندما فرضت الأمم المتحدة أول مرة العقوبات على العراق عام 1990 اشتكت تركيا والأردن من أن العقوبات يمكن أن تلحق الضرر باقتصادهما الذي يعتمد على النفط العراقي. ولهذا سمحت الولايات المتحدة وسائر أعضاء مجلس الأمن وبهدوء للعراق بتصدير النفط الى جيرانه مقابل النقد أو مبادلة السلع في اطار «بروتوكولات تجارية». واكتشفوا، في ما بعد، ان تلك السلع غالبا ما كانت تحتوي على تجهيزات عسكرية.

ولكن حجم التجارة كان أكبر مما تصوره الجميع، ووفر لنظام صدام ما يقدر بـ8 مليارات دولار خلال 12 عاما، وفقا لما ورد في تقرير سبتمبر (ايلول) الماضي الذي اعدته مجموعة مسح العراق التابعة لوكالة المخابرات المركزية، وهي مجموعة قادها مفتش الأسلحة السابق لدى الأمم المتحدة تشارلز دولفير. وتضع تقديرات أخرى في الكونغرس الحجم بحدود 14 مليار دولار.

وأدى برنامج النفط مقابل الغذاء الى توسيع هائل لتجارة العراق، وسرعان ما اصبح استثناء تركيا والأردن القاعدة بالنسبة للجيران. وراحت ايران والبحرين والامارات العربية المتحدة ومصر تتلقى النفط العراقي خارج برنامج النفط مقابل الغذاء كلية.

وكان الاكثر اثارة للاهتمام اعادة سورية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000 فتح انبوب نقل النفط من العراق بطاقة 200 ألف برميل يوميا. وعندما طلبت الولايات المتحدة وبريطانيا من مجلس الأمن عام 2001 مواجهة سورية بشأن تجارتها النفطية غير المشروعة، جادلت فرنسا وروسيا بأنه لا ينبغي تمييز سورية لفرض عقوبة عليها بينما يجري تجاهل تركيا والأردن. وتوقفت القضية عندما لم تعالج الولايات المتحدة الصفقات الخاصة مع تركيا والأردن.

وانتهت سورية الى أن تكون المجهز الرئيسي للسلع العسكرية من السوق السوداء الى العراق، وفقا لتقرير مجموعة مسح العراق التي اشار تقريرها الى ان الأردن وحده وفر ما يقرب من نصف ايرادات النفط التي قدرت بـ 4.4 مليار دولار.

وكان برنامج النفط مقابل الغذاء يتميز بوجود ثغرة كان صدام حسين يسعى الى استثمارها، وهي انه سمح للعراق باختيار شركائه التجاريين. وأصر صدام على أن الحفاظ على تحكم البلاد في انفاقها هو مسألة ذات علاقة بالسيادة، وتمسك بذلك الى أن وافق مجلس الأمن على ذلك في مايو 1996. وفي نموذج ترددت اصداؤه في السنوات السبع التالية دعمت روسيا وفرنسا والصين حق صدام في اتخاذ القرارات الخاصة ببلاده.

ومنح ذلك البرنامج العراق وسائل جديدة للاحتيال، وتشير الدلائل الى أن الثغرات لم تكن مصادفة. فقد شهد رجل الأعمال الأميركي العراقي سمير فنسنت في محكمة فيدرالية في الشهر الماضي بأنه كان قد تلقى ملايين الدولارات من الحكومة العراقية من أجل كسب مسؤولين أميركيين وحول أموالا الى مسؤول في الأمم المتحدة لم يعلن عن اسمه لصياغة برنامج النفط مقابل الغذاء بما يحقق الفوائد للعراق. وكان صدام حسين على دراية جيدة بمصالح الأطراف المختلفة وكيفية استغلال لعبة التعارضات في هذه المصالح. وارتباطا بهذه التعارضات، أعد صدام حسين ومسؤولو حكومته قائمة بالشخصيات البارزة من السياسيين ورجال الدين والصحافيين والشخصيات الاجتماعية التي اعتقدوا انهم يمكن أن يؤثروا على الدول الأعضاء في مجلس الأمن لدعم العراق خلال المفاوضات. ومنح من في القائمة كوبونات يمكن أن يبيعوها الى شركات نفط أو وسطاء لقاء أرباح كبيرة. وضمت القائمة أسماء عشرات من الشخصيات الروسية والفرنسية فضلا عن سيفان. وقد نفى الجميع صلتهم بذلك باستثناء سمير فنسنت.

وبحلول عام 2000، بدأت العقوبات تتآكل بفعل ثقلها. وبينما اصرت الولايات المتحدة وبريطانيا على أن البرنامج رغم تصدعه يوفر الغذاء للعراقيين، استغلت جماعات انسانية وسياسيون فرنسيون ثغرة لإرسال طائرة الى العراق في سبتمبر 2000 وأعقبتها روسيا والأردن مما أضفى احساسا آخر على ان العقوبات كانت على وشك الانهيار.

وفي عام 2001 اقترحت الولايات المتحدة وبريطانيا آلية تسعير جديدة، لكن روسيا وفرنسا سعتا ثانية الى اعاقة الخطوة، مشيرتين الى أن ذلك يمكن أن يؤدي الى خفض مبيعات النفط ويقلص الأموال المخصصة للسلع الانسانية.

ويقول دبلوماسيون ان هناك افتقارا الى الاجماع حول من كان ينبغي أن يكون مسؤولا عن امتثال العراق: مجلس الأمن أم الأمم المتحدة. وبينما يقول متحدث باسم الأمم المتحدة ان مجلس الأمن هو المسؤول، تقول الولايات المتحدة، أقوى أعضاء المجلس، ان الأمر ليس على هذا النحو تماما.

وقال احد الدبلوماسيين الروس ممن كانوا على صلة بالبرنامج إن «كل طرف مارس لعبته. وكل طرف استخدم الطرف الآخر. والجميع اتفقوا على أن يغلقوا عيونهم قليلا».

* لوس انجليس تايمز

التعليقات