الموساد هدد بتفجير حفل زفاف نجل أبو مرزوق في دمشق

اعتبر علنية الحفل تحديا لخلاياه النائمة

الموساد هدد بتفجير حفل زفاف نجل أبو مرزوق في دمشق

ـ الريموت حقق انتصاراً لـ"حماس" على الموساد في محاولة اغتيال مصباح أبو حويلة الفاشلة

عمان ـ دنيا الوطن -شاكر الجوهري

أسئة هامة عديدة اثارتها محاولة الإغتيال الفاشلة التي نجا منها مصباح أبو حويلة، الكادر في حركة "حماس" وسط العاصمة السورية دمشق عصر الثالث عشر من كانون أول/ديسمبر الحالي، وهي أسئلة تتكرر في ضوء ما جرى أيضا في دمشق يوم الثلاثاء الماضي الموافق 21 من ذات الشهر.

في ذلك اليوم تم زفاق الدكتور عمر نجل الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في العاصمة السورية على ابنة خاله الدكتور منير العشي الآنسة اسراء.

أقيم حفل الزفاف بعد فقط ثمانية أيام من محاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها أبو حويلة، ما كان يفرض اتخاذ احترازات أمنية من طراز رفيع، خاصة وأن ثلة من قادة فصائل الثورة الفلسطينية، المطلوبة رؤوسهم أكثر من غيرهم لإسرائيل، كانت في مقدمة المدعوين، وبالفعل فقد حضر الحفل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الذي سبق للموساد الإسرائيلي أن حاول اغتياله في عمان عام 1997، والدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الذي سبق للموساد أن اغتال سلفه الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا، ومحمد نزال والمهندس عماد العلمي عضوا المكتب السياسي لحركة "حماس" المدرجان على قائمة الإغتيالات الإسرائيلية، والدكتور طلال ناجي نائب الأمين العام للجبهة الشعبية/ القيادة العامة الذي سبق للموساد أن اغتال نجله جهاد أحمد جبريل في لبنان، وآخرون ممن يسيل لهم لعاب شارون.

لذلك، فقد كان مفاجئا جداً أن تحدد بطاقة الدعوة التي تلقاها المدعوون لحضور المناسبة السعيدة منزل الدكتور أبو مرزوق، كمكان لإقامة الفرح. فمنزل أبو مرزوق معروف، ومكشوف.. ورؤوس المدعوين مطلوبة اسرائيليا منذ وقت طويل جداً، واليد الإسرائيلية، كما تؤكد عملية اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل، ومحاولة اغتيال مصباح أبو حويلة في قلب دمشق، قادرة على التحرك مجدداًً..! إذ يجدر بالملاحظة هنا أنه إذا كان اغتيال الشيخ خليل امام منزله في حي الزاهرة المزدحم بالسكان، تم بعد 26 يوما من العملية الإستشهادية التي نفذتها حركة "حماس" في بئر السبع، فإن محاولة اغتيال أبو حويلة نفذت فقط بعد يومين من عملية النفق، ما يؤكد للإستراتيجيين، وجود خلايا نائمة للموساد داخل سوريا.. ذلك أنه لا يمكن التخطيط والتحضير، وتنفيذ محاولة اغتيال فقط خلال يومين اثنين.

تحدي الزفاف

لكن يوم الثلاثاء 21 كانون أول/ديسمبر شهد اربعة مفاجآت، قد تكون آخرها وفاة الحاج محمد أبو مرزوق شقيق والد العريس، حيث يقيم ويعمل في السعودية. المعلومات المتوفرة لا تتضمن ساعة الوفاة، وما إذا كانت سبقت موعد حفل زفاف إبن اخيه في دمشق، أو تزامنت معه، أو اعقبته. غير أن المؤكد هو أن العريس وعروسه، وذويهما في دمشق لم يبلغوا بخبر الوفاة إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام من اتمام مراسم الزواج، وهو ما قررته زوجة وأبناء الفقيد حرصا على عدم افساد حفل زفاف ابن عمهم.

أما المفاجأتان الأخريان إلى جانب بطاقة الدعوة ووفاة عم العريس، فكانت اولها في اليوم السابق لحفل الزفاف، حين تلقى أحد العاملين مع الدكتور موسى أبو مرزوق اتصالا هاتفيا من مجهول خارج سوريا على رقم هاتفه الخلوي، دون أن يظهر رقم المتصل. قال ذلك المجهول بلغة عربية "بالنسبة للدكتور موسى، إننا سنحتفل معه بعرس ابنه.. سنفجر المكان"..! ثم قطع الإتصال.

المتصل تعامل مع حدث حفل الزفاف في مكالمته باعتباره تحديا للموساد..!

بالطبع، فإن هذا الإتصال أثار القلق، لكن الدكتور أبو مرزوق كان قد أعد ترتيباته بشكل بالغ الدقة، متخذا كل الإحتياطات الأمنية الضرورية لضمان سلامة المدعوين، وعدم فساد الحفل، وافساد أي مخطط للموساد يستهدف تخريب المناسبة.

كانت الترتيبات المعدة مسبقا تقضي بنقل كل المدعوين، وفور وصولهم بالتتابع إلى منزل أبو مرزوق، حيث المكان المعلن لإقامة حفل الزفاف، إلى صالة افراح كان مقرراً منذ البدء أن يقام الحفل بها حيث تم حجزها باسم مستعار. ومع ذلك، فقد كان لا بد من اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية الإحترازية حول منزل والد العريس.

وهكذا، تم حفل الزفاف بسلام، ولكن دون أن يوقف التساؤلات المتعلقة بـ، والمترتبة على حادث اغتيال الشيخ خليل، ومحاولة اغتيال أبو حويلة.

ابتداء، تؤكد مصادر "العرب" الموثوقة أن السلطات السورية لم تبلغ حركة "حماس" حتى الآن بنتائج التحقيقات التي اجرتها بشأن الحادثين. وتروي المصادر تفاصيل محاولة اغتيال أبو حويلة كما يلي:

عملية أبو حويلة

منذ اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل قبل قرابة الثلاثة اشهر، امتنع مصباح أبو حويلة، وعدد آخر من كوادر حركة "حماس" في سوريا عن استخدام سياراتهم الشخصية تحرزا من تعرضهم للإغتيال عبر تفجير السيارات. وفي عصر يوم الاثنين الموافق 13 كانون أول/ديسمبر الجاري، شغل أبو حويلة سيارته لأول مرة، مصطحبا معه زوجته وابنته الطفلة إلى عيادة طبيب الأسنان في حي الشيخ سعد بالمزة، حيث وصل هدفه الساعة الرابعة عصرا، فأوقف سيارته بجوار محطة وقود قريبة من عيادة الطبيب، وترجل منها مغلقا ابوابها. وبعد برهة من الوقت، تذكر أنه نسي فيها التقارير الطبية المتعلقة بابنته، فعاد إليها، حيث فتح ابواب السيارة بواسطة الريموت كونترول، وهو لا يزال بعيدا عنها، فانفجرت من فورها.

السؤال الأول الذي يطرح نفسه هنا هو متى تم تفخيخ السيارة..؟ هل حدث ذلك خلال البضعة دقائق التي غادرها وابتعد عنها خلالها، أم أثناء توقفها امام منزله، وهذا ما يرجح..؟ ثم متى تم التفخيخ..؟ هل حدث في ذات اليوم، أم قبل ذلك بعدة أيام..؟

الإجابة على هذا السؤال بالغة الأهمية لأنها تحدد ما إذا كان الحادث انتقاما فوريا لعملية النفق التي نفذتها "حماس" قبل يومين من محاولة اغتيال أبو حويلة، وبالتالي وجود خلايا نائمة للموساد في قلب دمشق، أم أن الموساد نفذ عملية التفخيخ على مهله خلال ايام سابقة لم يكن أبو حويلة يستخدم خلالها سيارته.

بالطبع لا مجال للتفكير بأن عملية التفخيخ تمت قرب العيادة، بسبب ضيق الوقت، وعدم معرفة أحد وجهة أبو حويلة حين أدار محرك سيارته من أمام باب منزله.

السؤال الهام الآخر يتعلق بكيفية تفجير السيارة، وما إذا كان ذلك حدث بواسطة ساعة مؤقتة، أم بواسطة ريموت تشغيل السيارة ذاتها..؟!

نظرا لترجيح أن تكون السيارة فخخت قبل فترة طويلة، فإن احتمال استخدام الساعة المؤقتة لا يصمد امام التحليل، مقدما عليه احتمال حدوث التفجير بواسطة ريموت السيارة ذاتها الذي يحوزه مالكها. وهذا يقودنا استطراداً إلى أن أبو حويلة فتح أبواب سيارته امام منزله بواسطة المفتاح العادي، ولم يستخدم الريموت.. الأمر الذي يقود كذلك إلى استنتاجين هامين:

الأول: أن كوادر "حماس" بدأوا بتركيب أجهزة ريموت على سياراتهم بعد اغتيال الشيخ خليل، بحيث يشغلونها ويفتحوا اقفال ابوابها عن بعد.

الثاني: أن الموساد الإسرائيلي طور من وسائله بحيث أصبح يتم تفجير السيارة لحظة تشغيل الريموت الخاص بها..!

وفي هذه الحالة، فقد أثبتت "حماس" قدرة على مواجهة اساليب الموساد، بدليل عدم استشهاد أبو حويلة جراء تفجير سيارته.

ردة الفعل السورية

اللافت هنا هو ردة الفعل السورية. فخلافا للمرة السابقة، حين تأخر الإعلان الرسمي السوري عن اغتيال الشهيد الشيخ خليل، وصدور معلومات بالتدريج عن مصدر مغفل، بادر في هذه المرة اللواء غازي كنعان، وزير الداخلية، وهو رئيس سابق لجهاز الأمن السياسي للإعلان عن الحادث بعد ساعة واحدة من وقوعه، محملاً مسؤوليته للموساد الإسرائيلي.

ردة فعل كنعان، وفقا للمصادر، في مستوى الفعل الإسرائيلي، خاصة وأن هذا الفعل يمثل تحديين أمني وسياسي لسوريا.

التحدي الأمني يخص في المقام الأول بالطبع شخص وزير الداخلية المسؤول عن الأمن الداخلي، وهو يعني قدرة غير مسبوقة للموساد الإسرائيلي على التحرك داخل سوريا. وإذا كان الأمر كذلك، فإن استهداف مسؤولين سوريين في مرات مقبلة قد لا يكون أصعب بكثير من استهداف كوادر "حماس"، دون اغفال أن اللجوء إلى تفخيخ السيارات بدلاً من اطلاق الرصاص في تنفيذ محاولات الإغتيال يعني في حد ذاته محدودية قدرة عناصر الموساد على الحركة.

أما التحدي السياسي فإنه يتمثل اساسا في الضغط الأمني على سوريا لتغيير سياساتها في التعامل مع حركة "حماس" وعموم فصائل المقاومة الفلسطينية.

أربع رسائل اسرائيلية

وعلى كل، فإن الإختراق الأمني الذي نفذه الموساد في سوريا يوجه عدة رسائل سياسية، وكما يلي:

اولا: تقديم اضافة جديدة لأساليب الرد الإسرائيلية خارج فلسطين، وبما يرد الإعتبار معنويا للإسرائيليين، بعد أن أصبح الرد داخل فلسطين تقليديا.

ثانيا: ابلاغ رسالة واضحة لقادة "حماس" مفادها أن وجودكم في سوريا لم يعد آمنا.

ثالثا: ابلاغ رسالة واضحة لدمشق بضرورة وضع حد لوجود قادة "حماس" ونشاطهم داخل الأراضي السورية.

رابعا: ابلاغ رسالة واضحة أخرى وعملية لسوريا مفادها رفض مبادرتها المعلنة لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل قبل اتخاذ خطوات عملية وجادة اتجاه حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى.

غير أن المصادر تؤكد أنه من المبكر الحكم على ردة فعل سوريا ومدى تجاوبها مع مثل هكذا رسائل، خاصة وأن السوريين يبدون الآن قلقا من تهديدات الجار الأميركي في العراق أكثر مما يبدونه من الجار الإسرائيلي في فلسطين..! وهم يعتقدون أنهم إذا ارضوا الأميركان في العراق، تتضاءل مشكلتهم مع اسرائيل.

ولكن، لم يستهدف الموساد كوادر "حماس" دون قادتها في سوريا..؟

تتمثل الإجابة على هذا السؤال في حقيقة أن الوصول لقادة "حماس" من خلال عمليات تفخيخ سيارات، جراء الإحترازات الأمنية التي يتخذونها، ليس سهلاً، وهذا ما جعل الطريقة الوحيدة للوصول إليهم هو اطلاق الرصاص عليهم، أو تصفيتهم بواسطة الطائرات، وفي هذا تصعيد خطير، وحسابات سياسية معقدة ليس متاحا لإسرائيل التعامل معها حاليا.

التعليقات