عاجل

  • شهيدان على الأقل وعدد من الجرحى جراء قصف الاحتلال محيط مسجد الشقاقي في "مخيم 2"بمخيم النصيرات وسط القطاع

نحو وزارة خارجية فلسطينية عصرية 1 بقلم: د. علاء أبو عامر

الانتخابات الخطوة الأولى نحو التغيير

نحو وزارة خارجية فلسطينية عصرية 1

د. علاء أبو عامر

أستاذ العلاقات الدولية – غزة

في الحقيقة أن الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال في هذا الوقت بالذات هو كثرة الشكاوي التي وصلتني على بريدي الالكتروني من قبل عدد من المواطنين الفلسطينيين المقيمين في الخارج ، الذين مازالوا يذكرون أيامي عندما كنت المدير العام السابق لدائرة لشئون القنصلية في وزارة الشئون الخارجية ، وكانوا يتقدمون إلي بشكاويهم ومطالبهم التي كنت ألبي الكثير منها ، وقد قمت بواجبي تجاه من أحتاج المساعدة في ذاك الحين ، وقد نشأت بيني وبين بعض السفراء مشادات كلامية من أجل هذا المواطن أو ذاك ممن لا أعرف الكثير منهم ولكنني أعرف أن العمل القنصلي يحتاج على عقل مرن والمواطن دائماً على حق و واجبنا كدائرة قنصلية الوقوف إلى جانبه حتى لو كان على خطا بمعنى أن نردعه عن فعل الخطأ ، حصل ذلك بالطبع قبل المؤامرة ، التي حيكت ضدي قبل أربع سنوات من الآن ، والتي مازالت فصولها تتوالى حتى الآن ، من قبل بعض ممن أصبحوا بقدرة قادر المتنفذون في الوزارة ، الذين ضربوا حرض الحائط بقرارات القضاء والمحاكم التي اتهمت الوزارة بأبشع التهم ، وحملت هؤلاء المتنفذون المسئولية الكاملة عن المكيدة التي حيكت ضدي ، وضد زملائي من موظفي الدائرة ، والتي كنا نأمل أن يحاسب المتورطين فيها ، ولكن المفاجأة كانت أن كوفئ هؤلاء بالترقية إلى درجات أعلى ، بعضهم حصل على درجتين خلال ستة أشهر ، وأصبح وكيل مساعد ، ولا أدري لماذا ؟ ! وهل كوفئ على خيبته ؟! أم لأنه أساء إلى الوزارة بأفعاله ؟! أم ماذا ؟! لا أريد أن أعطي جواب في الوقت الحاضر ... فوراء الأكمة ما ورائها و ليس الآن هو وقت نبش كل شيء فكل شيء في وقته حلو ...

وكانت صحيفة دنيا الوطن الالكترونية ، ومن خلال كتابها ورئيس تحريرها الصديق عبد الله عيسى ، قد أثارت وفي عدة مقالات مشاكل سفارات فلسطين في الخارج ، وشكاوى المواطنون من تصرفات السفراء هناك ، و وجدت من واجبي كأحد المتخصصين القلائل في مجال العلاقات الدولية والشئون الدبلوماسية والقنصلية ، أن أفصل للجمهور الكريم مكامن الخلل والعلل في مسيرة العمل الدبلوماسي الفلسطيني .

وحتى لا نجلد ذاتنا ونحمل منظمة التحرير ومؤسساتها دائماً المسئولية ، ونطعن بهذا أو ذاك من السفراء أو الموظفين في هذه السفارة أو تلك علينا في البداية أن نقول أن أحد مكامن الخلل الرئيسية هي وجود ازدواجية في المركز ، الذي يخاطب السفراء الفلسطينيين ، خصوصاً بعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية ، وإنشاء وزارة التخطيط والتعاون الدولي ، التي أصبحت بعد حكومة الأخ محمود عباس ابومازن تسمى وزارة الشئون الخارجية ، وفصل عنها قطاع التخطيط الذي أصبح بحد ذاته وزارة .

جميعنا يعلم أن العمل الأساسي لما أصبح يعرف اليوم بسفارات فلسطين كان العمل الإعلامي ، فمعظمها كانت مكاتب إعلامية ، يتبع بعضها الجامعة العربية ، وبعضها الأخر عبارة عن مكاتب خاصة ، تشبه إلى حد بعيد أي مركز إعلامي مستقل ، تابع لجماعة ما أو لأفراد عاديين ، ولم يكن أي منها يحظى بأي صفة دبلوماسية من أي نوع ، إلا أن بعض من دول العالم الثالث ومنها الدول العربية ، وكذلك دول أوربا الشرقية الاشتراكية منحت في فترة ما من نهاية السبعينات وبداية الثمانينات مكاتب م . ت . ف صفة الممثلية ، وهي صفة تقل كثيراً عن مستوى سفارة ، وكانت بعض من هذه الدول تمنح موظفينا في هذه الممثليات الصفة الدبلوماسية ، ولكن بعد مبادرة السلام الفلسطينية وإعلان وثيقة الاستقلال وانتخاب الزعيم القائد الراحل ياسر عرفات رئيسا لدولة فلسطين والأخ فاروق القدومي أبو اللطف وزيراً للخارجية من قبل المجلس الوطني الفلسطيني ، تحولت هذه الممثليات إلى سفارات في كل الدول التي اعترفت بإعلان استقلال فلسطين الصادر في الجزائر عام 1988 ، وقد كان من واجب المنظمة في ذاك الوقت ، ولا أقول الدائرة السياسية فقط أن تختار سفراء آخرين من غير الذين كانوا يرأسون المكاتب الإعلامية ، والذين هم في أغلبهم لم يكونوا مؤهلين لتولي مثل هذه المهام ، وكان من المفروض أيضا إصدار قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني ، الذي يحدد مهام السفير والموظفين ودرجاتهم ومدة خدمتهم ، التي كان يجب أن لا تتجاوز الخمس سنوات كأقصى حد للسفير ، وثلاث سنوات للموظفين ، ممن هم دون السفير ولكن ونظراً للظروف المعيشية والأوضاع الإنسانية ، التي عاشها أبناء الثورة الفلسطينية في الشتات ، كان من الصعب أن يطبق عليهم أي نظام دبلوماسي معين فعندما كان يستقر أحدنا وأسرته في بلد ما كان يرتبط هو وعائلته بالمؤسسات التعليمية في ذلك البلد ، وفي حال انتهت السنوات المحددة ( هذا لو افترضنا وجود نظام) كان من الصعب نقل الموظف أو السفير إلى المركز ، فالمركز لم يكن بلدنا في ذاك الوقت بل بلد عربي له قوانينه التي تفرض علينا أعداد معينة من الأشخاص الذين يملكون حق الإقامة فيه ، لذلك تراكمت المشكلة لدينا حتى أصبح لدينا بعض السفراء والموظفين ، الذين قضوا أكثر من ثلاثين أو أكثر من السنين ، وهم على رأس عملهم وبذلك تحولت سفاراتنا إلى إقطاعيات صغيرة ، يتحكم فيها هذا السفير أو ذاك كما يشاء ، وفي كثير من الأحيان أصبحت السفارة شبه مزرعة عائلية يتقاسم السفير وأبنائه وزوجته أو احد أقربائه من جهة الأم أو الأب جميع المناصب في السفارة ، ولكن للإنصاف أيضا فقد كان أغلب الموظفين يتقاضون رواتب تقل كثيراً عن راتب حارس على بوابة أي سفارة أجنبية ، وكان الشخص الوحيد في السفارة الذي يحظى بالامتيازات المالية والعينية هو السفير ، ومن الضروري التنويه إلى أن أي شخص اقل من السفير لا يحصل على سيارة أو أجرة منزل إلا فيما ندر ، إذ أن أغلب الموظفين يشترونها على حسابهم الخاص .

كما يجب التنويه إلى أن الكادر الوظيفي لمعظم هذه السفارات ، هم من غير المؤهلين أكاديمياً أو علمياً للعمل الدبلوماسي ، فيمكن أن ترى من بينهم طبيب بيطري ، أو طبيب بشري ، أو مهندس ، أو حلاق أو نجار سابق أو مقاتل سابق دون أي مؤهل علمي، وبعض من هؤلاء السفراء حصل على موقعه بالاقدمية ، حيث كان فيما مضى عامل لاسلكي ، أو فراش أو سائق لدى السفير السابق ، ونتيجة التقارير الزخمة التي كان يكتبها بزملائه ، حصل على الحظوة وأصبح شخصية مهمة ...لا أريد أن أواصل في هذا النهج من السرد فهذه قضايا معروفة لكافة أبناء شعبنا ، ولقادتنا قبل غيرهم ...ولكن أيضا يجب علينا كذلك أن نذكر كثير من سفرائنا بالخير فهم سفراء عظام بكل ما للكلمة من معنى يستحقون منا جميعاً كل الاحترام والتقدير على الجهود النبيلة التي بذلوها برفع اسم فلسطين عالياً ، وهنا لا أريد أن أورد أسماء حتى لا أخطأ في حق من لا تسعفني الذاكرة لتذكره في هذا المقال .

وأعود إلى نقطة البداية ، وهي الازدواجية في المركز ، حيث أشرت إلى أنها مكمن الخلل ، وسبب العديد من العلل ، وبداية أود الإشارة إلى أن اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 تنص على أن العمل الخارجي ( الدبلوماسي والقنصلي ) ، هو من اختصاص منظمة التحرير الفلسطينية ...ولا يحق للسلطة الوطنية الفلسطينية إنشاء سفارات أو قنصليات باسمها في الخارج .

هذه حقيقة لا بد لنا من التسليم بوجودها ، ولا يمكن تجاوزها إذ أن في ذلك ما يعتبر خرق للاتفاقيات الموقعة ، هذا من الناحية القانونية والسياسية ، أما على أرض الواقع فالأمور سارت بطريقة أخرى إذ أن الوقائع هي التي فرضت نفسها على الأرض .

فالسفير هو الممثل الشخصي لرئيس الدولة ، وأين يكون مقر رئيس الدولة هناك يجب أن يكون المركز الذي يتعامل مع السفراء ويوجههم ، وقد اقترح البعض في ذلك الوقت أن يتم إنشاء دائرة في مكتب الرئيس عرفات تتولى هذه المهام ، ولكن قضية أخرى فرضت نفسها على الأرض فقد أنشأت العديد من الدول مكاتب تمثيل لها في أراضي السلطة الوطنية في غزة وأريحا بالإضافة إلى القنصليات العامة في القدس المحتلة .

في بداية العام 1994أقترحت أنا وزميلي الأخ سعيد أبوعمارة على الوزير د. نبيل شعث إنشاء مجموعة دوائر في الوزارة لتتولى مهمة العلاقة مع هذه السفارات ، فأُعجب الوزير بالفكرة وقال يجب أخذ إذن الرئيس عرفات في ذلك وقد حصل على ذاك الإذن فشكلت أنا دائرة العلاقات الدولية في الوزارة ، والتي كانت مهمتها العلاقة مع كل دول العالم الثالث بالإضافة إلى أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والمنظمات الإقليمية والدولية في حين رأس الأخ سعيد أبو عمارة دائرة الشئون العربية وكان هناك الأخ سفيان أبو زايدة الذي ترأس دائرة الشئون الإسرائيلية هذا بالإضافة إلى دائرة التعاون الدولي التي كانت يرأسها الزميل أمين بيضون والمهتمة بالدول المانحة ، لم يكن في عملنا ذاك أي تعارض مع عمل وزارة خارجية دولة فلسطين التي يرأسها الأخ أبو اللطف حتى ذاك الوقت .

في العام 1995 ومع إصدار جواز السفر الفلسطيني وتعميمه على دول العالم اقترحت على الوزير إنشاء دائرة للشئون القنصلية والتصديقات في الوزارة فوافق على الفكرة وأخذ إذن بذلك من الرئيس عرفات ، لم يكن عمل الدائرة القنصلية يتناقض مع عملنا ، ولم يكن للدائرة السياسية أي أمكانية لممارسة هذا العمل ، إلا من خلال موظفيها في السفارات ،حيث أن الجواز كان يصدر عن وزارة الداخلية في السلطة الوطنية الفلسطينية وحاملوه كانوا من أبناء الداخل بالدرجة الأولى والمحاكم الفلسطينية هي محاكم في الداخل أيضاً (سأستفيض في هذا الموضوع في المقالات التالية ) وكنا في البداية نرسل رسالة إلى الدائرة السياسية نعلمها فيها بكل عمل نقوم به ، كان الوزير شعث حريص كل الحرص على عدم إثارة الدائرة السياسية وهذا ما كنا نجمع عليه جميعاً في الوزارة في تلك المرحلة ...

في نهاية عام 1996توسعت الوزارة ودخلها العديد من الأشخاص الذين كانوا قد عملوا في سفاراتنا في الخارج ولكن الأغلبية أتتنا من القطاع الخاص وقد أدى دخول هذا الكم إلى الوزارة من الموظفين غير المؤهلين الذين وظفهم بعض المقربين من الوزير شعث إلى الطامة الكبرى التي أدت إلى نكسة كبرى في العمل الذي كنا قد أسسناه أنا وبعض من زملائي في غزة حيث كانت الوزارة قبل ذلك يضرب بها المثل وكان عملنا محل إعجاب الجميع كنا حقيقة خلية نحل نعمل أحيانا حتى العاشرة ليلا وكان الأخ مجدي الخالدي مدير عام الوزارة واحد من أنجح المديرين في العمل الإداري والعلاقات العامة ولكن تم عزله نتيجة فضائح الفساد التي اتهمت بها الوزارة في العام 1997ولا أدري لماذا تم تجريده من منصبه ذاك في ذاك الوقت ؟؟!! ولكن أدى ذلك إلى انحدار أداء الوزارة إلى نحو سيء للغاية ...لم يكن قطاع التعاون الدولي قد أدين بشيء من قضايا الفساد فقد تركز ما وصف بأنه فساد في قطاع التخطيط بالذات ولدى الإدارة العامة للوزارة التي كان جل المشاريع والمنح الدولية تتبعهما .

نتيجة لدخول عدد هائل من الموظفين الجدد إلى الوزارة وأغلبهم من غير المؤهلين اقترحت على الوزير شعث إنشاء وحدة تدريب دبلوماسي تقوم بتدريب وتأهيل الكادر الجديد فوافق على الفور واستطعنا تحصيل مساعدات من الأمم المتحدة لهذا الغرض وكان للزميل الدكتور أحمد صبح الذي أصبح اليوم وكيل وزارة الإعلام دور أساسي في ذلك .... حتى هذه المرحلة استطيع القول أننا كنا نسير نحو بناء جسم جديد يكمل عمل الدائرة السياسية ( وزارة خارجية فلسطين ) والتي مقرها تونس .

ولكن بعد فضيحة الفساد المالي والإداري في السلطة الوطنية الفلسطينية حصل أشياء كثيرة تبدلت على أثرها أولويات الوزير شعث وتغيرت الأحوال في الوزارة وشهدت انقلابات غير متوقعة سأتحدث عنها بالتفصيل في المقال التالي إن شاء الله ...

[email protected]

*خاص بدنيا الوطن

التعليقات