حول أصداء صحيفة دنيا الوطن / الكاتب الفلسطيني مهند صلاحات مثالاً بقلم:أمل مبارك الجاسم

حول أصداء صحيفة دنيا الوطن / الكاتب الفلسطيني مهند صلاحات مثالاً

السيد عبد الله عيسى ... السادة قراء صحيفة دنيا الوطن تحية طيبة وبعد :

إن اختيار زاوية أصداء لموضوع السيد احمد أبو مطر قد كان موفقا للغاية من قبل هيئة التحرير الرائعة في الصحيفة التي تحسن فعلا طبيعة الطرح الذي نحتاجه,

فصحيفة دنيا الوطن بطبيعة وجودها في مدينة غزة تعتبر أحد المؤسسات الوطنية في الإصلاح والتغيير من حيث الحيادية والواقعية وتعدد الآراء في المجتمع الفلسطيني.

لقد استطاعت هذه الصحيفة وبسرعة هائلة أن تكون من الصحف ذات القراءات المؤوية في الزيارات واستقطاب القراء والكتاب بذات الوقت من كل أنحاء الوطن العربي, فهي لم تحصر كتابها في عدد معين, وكذلك سمحت لكل الآراء أن تنطق, إلا أن لدي اقتراح بسيط للصحيفة وهو أن تخصص الصحيفة مساحة اكبر لصدى المقالة والمقالة التي ترد عليها فيكون هنالك زاوية للردود لإنصاف الكاتب ومن يرد عليه فالتعليقات وحدها غير كافية, فكثير من التعليقات تصدر من الرأي الأخر تحمل في أحيان كثيرة صفة الشتائم وتفتقر لكثير من الموضوعية, ولا اعني كل التعليقات ولكني اعني الغالبية العظمى, وكذلك أرى أن البعض من القراء يتحامل على شخص الكاتب فنراه يهاجم الكاتب حتى لو كان الموضوع بعيدا عن اختلاف الآراء, ومثال ذلك مقالة السيد صلاحات (عرس احمد الفلسطيني في العام 1987م) فنرى أن المعلق أو المعلقة على الموضوع بدأ بالهجوم على شخص الكاتب , رغم روعة المقالة التي تحملا نفسا وطنيا رائعا في وصف مشهد يتمنى أي مواطن عربي أن يعيشه, وهو مشهد من مشاهد الانتفاضة الفلسطينية الأولى إلا أن المعلق يحمل في داخله موقفا من الكاتب فبدا بهجومه بشكل لا يحمل أي منطقية ولا عقلانية في التعليق فمثل هذا النوع من الكتابات لم تهاجم أحد إلا العدو الصهيوني, بالرغم من ذلك نجد المعلق المختفي تحت اسم (أخت حنظلة) يهاجم شخص الكاتب مما يضعف موقفه وهذا ليس نقدا ولا يمت للنقد بشيء.

عودة لموضوع الأستاذ الكبير أحمد أبو مطر الذي انصف الجميع وأعطى جمالية للنص من حيث طبيعة النقد والتعليق فنرى أن السيد أحمد أضاف عنصرا موضوعيا من عناصر النقد بشكل عام وهذا العنصر الذي تفتقد له الصحافة العربية بشكلها الأخر,

فإن ما تفتقده الصحافة العربية بشكل عام هو نمط التدقيق في المحتوى العام للمقال أو الدراسة السياسية أو الاجتماعية.

وهذا النمط أوروبي وقد رأيناه ولمسناه بشكل كبير في صحف فرنسية وبريطانية وألمانية وغيرها كثيرة حيث أن بعد كل مقالة أو دراسة يسهب الكتاب الأوروبيين البقية في استعراض شكل ونوعية الخطاب في المقال, ويتم التطرق للشكل الذي كتبه فيه من ناحية ومن ناحية أخرى يتم التطرق للموضوع الذي طرحه وحتى أن بعض الكتاب يحاول استقراء نفسية الكاتب أو الباحث.

وهذا النوع يوعي الكاتب إلى نقاط ضعفه من ناحية ومن ناحية أخرى يلفت انتباه القارئ نفسه إلى أشياء أهملها ولم يفهمها.

لنعد الآن المثال الآخر الذي أخذه السيد أحمد أبو مطر ونحاول أن نستكمل الطريق الذي بدأه الأستاذ احمد في استقراء دراسة السيد مهند صلاحات حول دور صدام حسين في خدمة مشروع أمريكا الشرق الأوسط الكبير والذي لا بد إن امتلكنا ملكة في التحليل السياسي الصحيح كالتي يمتلكها الكاتب صلاحات سيتحول إلى الشرخ الأوسط الكبير في مشروع أمريكا.

إن دراسة السيد صلاحات دراسة رائعة جدا وهي كما قال السيد أحمد أبو مطر عنها :انطبق عليها القول ( آهل مكة أدرى بشعابها ) ولكن رغم معرفتي أن السيد صلاحات ليس عراقيا وهو فلسطيني ويعيش في الأردن حالياً ( وأنا آسف لخروجي عن موضوع النص في التعليق على حياة الكاتب إلا أن هذه ضرورة في نحتاجها أحيانا في تحليل مصداقية النص والنقد ) وهذا ما يجعلني اعجب فعلا كيف استطاع صلاحات أن يَخرج من وسط فلسطيني لا يزال جزء كبير منه تعتبر صدام حسين إلها والقائد العربي الوحيد الذي لا يشق له غبار, وربما يكون الشعب الفلسطيني الشعب الوحيد الذي بكى على سقوط صدام حتى أكثر من الدول البعثية مثل سوريا, إلا أنني أتسائل كيف ملك كل هذه المنطقية بالتحليل رغم عدم درايته بما حدث في العراق حقيقة, أي لم يعش الحدث بحيثياته ؟

يبدو أن صلاحات قد زار العراق أو ربما اختلط في السياسيين العراقيين كثيرا فجعله يكون منطقي لهذه الدرجة في التحليل وواقعي لأبعد الحدود لدرجة أننا كعراقيين عشنا الحدث بحيثياته ولم نستطع أن نحلل بمثل هذه الدقة

واعتقد أن السبب يعود لنقاط عدة أساسية :

أولا : أن صلاحات امتلك ملكة رائعة في التحليل السياسي جعلته يستحق بجدارة لقب محلل سياسي عربي واقعي.

ثانيا القدرة في انتقاء المصادر التي تتحدث وتستعرض الموضوع.

ثالثا : القدرة على التمييز بين الواقعية والخيالية في ما يقال حول الحدث الذي بحث هو فيه .

رابعا : البحث العميق وعدم التسرع في إطلاق الحكم, حيث أن من يستعرض مقالة أو دراسة السيد صلاحات يلاحظ وبدقة أن هذه الدراسة والتي اعتبرها دراسة سياسية حقيقية بكل معانيها أخذت وقتها الكافي لتطرح نفسها من حيث المدة والزمان المناسب في الطرح.

خامسا : إن الدراسة لم تأخذ مسرب واحد بحيث انه بدأها باستعراض ظروف المنطقة كاملة ومن ثم بدا يحصر الدراسة في الهدف الذي بدأها من أجله وهذا يعني أن الباحث السياسي الواقعي لا يتأثر بذات الحدث السياسي وحده بل انه يقرأ كل الأحداث المحيطة ومن ثم يرى مدى تأثيرها على ذاتية الحدث.

سادسا : عمومية الخطاب بحيث أن صلاحات في الدراسة حول صدام, يلاحظ أي قارئ أن صلاحات أتقن إنهاء الدراسة بعبارات دلت على السبب الحقيقي من الدراسة وهو أن الدراسة لم تكتب هجوما على شخص صدام بل على الدور الذي قام به صدام في خدمة أمريكا ورغم فناء صدام يجب علينا أن نتخذ من صدام مثال للحاكم العربي نتخذ من سقوط صدام مثالاً وعبرة بطريقة استبدال كرسي الحكم في العالم العربي ومن هنا لا بد من ذكر الجملة النهائية التي ختم بها الكاتب الدراسة :

(هذا هو صدام حسين ، وهذا هو الدور الذي لعبه في خدمة أسياده الأميركيين ، على حساب أبناء بلده وأمته وشعوب العالم بأسرها دون أن يتّعظ بغيره، ويدرِك أن العملاء مهما طال يومهم فلا بدّ له من نهاية، إما على أيدي أسيادهم أو على أيدي غيرهم . وقصة صدام على مرارتها تنطوي على حقيقة وهي أن أمريكا تدرك أنه رغم كل عناصر القوة التي تمتلكها ما كانت لتنجح في تحقيق أهدافها في سيطرتها وبسط نفوذها على دول في العالم لولا وجود صدام وأمثاله على رأس السلطة في هذه البلاد,, كما على الشعوب أن تدرك حقيقة أهم : وهي أن خنوعها وسكوتها على حكام من أمثال صدام يجعل من التدخل الأمريكي والاحتلال الأمريكي هو البديل الوحيد, فلا بد أن تسارع الشعوب في التخلص من أعدائها الوطنيين من الحكومات قبل أن تأتيها رياح التغيير الأمريكية فتعض الحسرة والألم) (هذا النص من مقالة الكاتب الصحفي الفلسطيني مهند صلاحات /صدام حسين .. رجل المهمات الصعبة)

كيف من الممكن أن نقرأ هذا النص الصغير بحجمه والكبير في روعته ؟

إن هذا النص خرج بنتيجة نهائية وهي أنه بعد استعراض دور صدام من ناحية ومن ناحية ثانية الإشارة لكن من كان له دور في تهبيط عزيمة الأمة العربية وتأمر على قضاياها القومية لا بد له نتيجة انهيار كالطريقة التي سقط بها صدام, ولا بد لأمريكا أن تقوم بهذا الدور في التغير لان الشعوب العربية متكاسلة عن القيام بدورها في التغيير, وصلاحات كما هو معروف عنه جريء الطرح بحيث لم يبحث بدور صدام كما فعل الآخرون لخدمة مصالح أخرى كما فعل مناصري مجلس الحكم المحلي العميل من الكتّاب ولكنه وعبر متابعة كاملة لكل ما كتبه عن المسألة العراقية وفي مقال سابق كان بعنوان (صدام واحد عشر لصا في ضيافة العراقيين) لم يخشى من الإشارة الصريحة عن موقفه تجاه مجلس الحكم باتهامه بالعمالة الصريحة للأمريكان فخرج بنتيجة نهائية بالفعل كانت رائعة حين قال :

(قال الشهيد غسان كنفاني يوما : ستصبح الخيانة في يوم من الأيام مجرد وجهة نظر

وما يحدث اليوم في محاكمة صدام هو تحقيق أو تفسير لنبوءة الشهيد

حيث في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل أن يقوم العملاء بمحاكمة بعضهم على الخيانة, سبق أن قام مثلا عملاء لدولة ما بمحاكمة عملاء لدولة أخرى بتهمة الخيانة لكن لم يسبق أن يقوم عملاء الأمريكان بمحاكمة بعضهم في ذات البقعة الجغرافية

ماذا يمكن أن نسميها ؟ تصفية حسابات أم تكالب على السلطة ومن في النهاية المستفيد ؟

عملاء أمريكا يتراقصون على دم الشعب العراقي, مجلس الحكم يتلقى من تحت الطاولة عظام ما تلقيه لهم أمريكا من نفط العراق مقابل أن يدافعوا عنها بقوة النفط

وصدام يحاكمه عملاء الاحتلال , معضلة غريبة جدا بحاجة لتحليل اكثر

ولكن بها من العبرة اكبر لعملاء أمريكا الذين سيلقون نفس النتيجة مستقبلا التي لقيها من قبلهم طالبان عملاء أمريكا الأوائل والرواد حيث هدمتها كما بنتها) (مقالة لمهند صلاحات بعنوان ... صدام وأحد عشر لصا في ضيافة العراقيين )

هذه هي الحقيقة الواضحة التي لم يتوانى صلاحات بقولها, وهو أن الشعب العراقي كان من واجبه الإطاحة بصدام قبل أن تأتي أمريكا وتقم بهذا الدور من الاستغناء عن دوره, ولكن حين تقاعس الشعب العراقي عن القيام بدوره في التغير فتح الباب لأمريكا بالتغيير, وهذا مثال للشعوب العربية للبدء بالتغيير قبل أن تصلها أمريكا وتغير أنظمتها بأنظمة أكثر سوءة منها فعندها نعض الأصابع ندم.

هذا اقل ما أستطيع أن أقوله لأنصاف كاتب تعرض عبر صحيفة دنيا الوطن لمجموعة من الشتائم واتهامات بالتآمر لصالح مجلس الحكم, رغم موقفه الواضح تجاه مجلس الحكم إلا أن الذي لا يريد أن يرى الحقيقة, بإمكانه أن يقول ما يريد دون الالتفات للحقيقة.

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أشكر صحيفة دنيا الوطن على ما أعطته من باب مفتوح للحوار الديمقراطي الحقيقي, واشكر الكاتب أحمد أبو مطر على موضوعيته في انتقاء الجيد والتطرق له وتسليط الضوء عليه.

أمل مبارك الجاسم

حي الاعظمية / بغداد

التعليقات