عقلاني و الغربال بقلم: محمد رمضان

عقلاني و الغربال: محمد رمضان

"عقلاني" أو د. عصام يوسف أشهر من أن يُعرَّف بين قراء و كتاب و معلقي دنيا الوطن, و أستطيع أن أقول انه المعلق رقم "1" في الموقع, و لئن كنت قبل أيام قد تناولت الأخت "فاطمة" حول تعليقاتها الأدبية في الموقع, فإنني اليوم أرغب في تناول تعليقات د. عصام بطريقة أكثر شمولا و ذلك لكونه معلقا يتناول جوانب عديدة و لم يقتصر على الأدب. فتعليقاته شملت القصة و الشعر و المقالة و الخبر و الخاطرة, أو كما قال لي ذات يوم الأستاذ عبدالله عيسى أن عقلاني "يغربل" دنيا الوطن فلا يترك فيها شاردة و لا واردة إلا و تصفحها. و بعد مقالتي حول تعليقات "فاطمة" علقت فاطمة بأنها لم تكن تتوقع مني أن أكتب ذاك المقال عنها خصوصا أنها انتقدتني سلبيا في بعض الأحيان. و رغم عدم معرفتي بنوعية كلمة "دكتور" التي يحملها "عقلاني" أهو طبيب أم حامل "دكتوراه" أكاديمية, و لا طبيعة عمله و لا مكان تواجده إلا أن هذا لا ينقص من قدر الرجل شيئا, ففاطمة كذلك حيث لا يُعرف عنها غير اسمها الأول و هذا لعمر الحق أجمل على الأقل بالنسبة لي كاتب هذه السطور.

شهدت تعليقات د. عصام أو "عقلاني" كما يحب أن يسمي نفسه نوعا من المعارك حامية الوطيس أحيانا, و كانت هادئة و جميلة في أحايين أخرى كثيرة, و رغم كل ما أثارته تعليقاته من أخذ و رد سواء كانت سلبية أو إيجابية وإنني أعتبرها ذات فائدة للقارئ و الكاتب و المعلق على حد سواء.

يتميز "عقلاني" بطروحاته المنطقية في معظم الأحيان, و يتجاوز الحدود في أحيان أخرى, فهو يحب الأدب الملتزم و الهادف و البعيد عن مواطن الشبهات و الإثارة و قد كانت له تعليقات رائعة على القاصة المبدعة "نجلاء محرم" بل و اعتبرها في إحدى تعليقاته الحديثة أنها راعية القصة القصيرة في دنيا الوطن, و هذه لعمري شهادة اقره عليها لما لنجلاء من دور متميز في دنيا الأدب ليس فقط في "دنيا الوطن" بل و في أماكن أخرى على مستوى عالمنا العربي و يكفيها تأسيسها و رعايتها لجائزة على مستوى العالم العربي في القصة القصير لسنوات مضت.

و يعشق "عقلاني" الشعر الجميل و الهادف أيضا و كان في معظم الأحيان يعلق على شعر شاعرنا الرائع عبد الوهاب القطب الذي ينساب عذوبة و رقة و حكمة و فلسفة و شموخا و كبرياء في انتماء حقيقي لحضارة هذه الأمة و تاريخها و جذورها الضاربة في أعماق الروح و التاريخ. و يحفظ "عقلاني" الكثير من الشعر العربي الحديث و القديم فتجده يستشهد بكثير من الأبيات في ردوده و تعليقاته و هي سمة ثقافية جميلة.

و في تعليق جميل له حول الدراسات النقدية للقصة القصيرة التي أثرى بها الأستاذ "زكي العيلة" قراء دنيا الوطن, أشاد "عقلاني" بهذه الخطوة و اعتبرها رقيا بالعطاء و الأداء, و تمنى على الأستاذ زكي الاستمرار في هذا النهج النقدي الذي يتيح للقارئ العادي التعرف على المستوى الأدبي لما يُطرح في الساحة.

و قد كان له تعليقات جميلة على كتابات سليمان نزال من مقالة أو شعر أو قصة قصيرة, و شهدت إحدى قصائد سليمان حوارا طويلا و راقيا أيضا بين "عقلاني" و سليمان حيث انتهيا بنوع من المودة و الصداقة التي ما زالت قائمة و نتمنى لها الدوام و الحيوية.

و قد خاض "عقلاني" معارك ضارية مع "النوراني و صلاحات و مقار" و ذلك و كما يبدو لطرحهم آراء لا تتوافق مع منهجه الفكري ولا بد أن نشير هنا إلى أن "عقلاني" و كما يظهر من تعليقاته و كتاباته هو صاحب فكر "إسلامي" معتدل و يعارض بعض الأفكار الأخرى التي تُطرح أحيانا على شاشات دنيا الوطن. و في كل مرة يجد "عقلاني" نفسه مضطرا للدفاع عن فكره و ثقافته ينبري مدافعا عنهما بمقال كما فعل مع "النوراني و مقار". و لقد كانت مقالاته تتسم بالجدية و العمق بل و البحث, و يقوم بالتحضير و القراءة جيدا للمقال قبل كتابته و هذه ميزة محمودة في الكاتب و المحلل و المعلق. و لقد كانت محاور تعليقاته على هؤلاء الكتاب الثلاثة منطلقة من رده على "فكر نوراني" جديد يطرحه النوراني, و "اشتراكي" يطرحه صلاحات و "فرعوني" يطرحه مقار. و تصديه لهذه القضايا إنما يدل على تمكن بدرجة معينة من "القراءة و النقد و التحليل و الرد" و هي بجملتها سمات هامة لمن يتأهب لمثل هذه المهمة. و بغض النظر عن مدى صوابية و صحة طروحات الآخرين حيث أنني هنا أود الاطلال على فكر هذا الرجل و أسلوبه في النقد و التعليق.

و قد تداخلت شخصيا و ذات يوم في التعليق على مقالات "صلاحات" و "مقار" و كانت تعليقاتي على كتاباتهما متمحورة حول اللغة و قد استقبل الكاتبان تعليقاتي بايجابية شديدة و شكراني عليها على الملأ في دنيا الوطن و في رسائل الكترونية خاصة, و ذلك برغم سلبية انتقاداتي لهما.

و بغض النظر عمن كان منهم صاحب الرأي الراجح أو المرجوح لأن هذا متروك للقارئ و المتابع و لست مهتما كثيرا في التفصيل في هذا الأمر. و برغم ما تثيره هذه المقالات و التعليقات من حساسية أحيانا حيث كانت تستنفر جهد القارئ و الكاتب و المعلق معا, فإن لها في رأيي إيجابيات لعل أهمها شحذ الهمم و تفتيح الأذهان و إتقان الكتابة و التحليل و التعليق. فكثيرا ما كنا نرى القراء ينبرون مدافعين أو مهاجمين لهذا أو ذاك و هي ظاهرة صحية من الناحية الثقافية و الفكرية من حيث تحفيز القارئ على المشاركة بعد أن كان متلقيا في اتجاه واحد.

و ما يسعدني كثيرا و ربما يسعد القارئ أيضا هو هذه الروح الخلاقة و المعطاءة التي تتمتع بها هيئة التحرير في "دنيا الوطن" و على رأسها السيد رئيس التحرير الذي يعطي مساحة رائعة في الموقع للرأي و الرأي الآخر يندر أن نجدها في مكان آخر, الأمر الذي يتيح مجالا شيقا للإبداع بجهد و لجهد المبدع على حد سواء.

و لا يفوتني أن أؤكد هنا أن "عقلاني" يتميز بلغة عربية رصينة و قوية من ناحية المفردات و القواعد و الأسلوب و هي صفات يندر أن نجدها اليوم في كثير من المثقفين إذا صح التعبير. و في لقاء قريب مع رئيس التحرير سألته عن رأيه في ظاهرة "عقلاني" فأفاد بأنه سعيد بها كسعادته بالكتاب و الشعراء و القراء, و أضاف مبتسما لكني أود أن يخفف لهجته أحيانا فهي قاسية نوعا في بعض المواضيع و مع بعض الكتاب.

و ختاما أرجو أن يتقبل الجميع ما ورد في هذا المقال من آراء إيجابية كانت أو سلبية و ذلك بروح الكاتب و القارئ و المعلق الحريص على الارتقاء بمجهود جماعي للجميع و أكاد أجزم دوما أن الرأي السلبي أكثر فائدة من الإيجابي إذا ما ابتعد عن شخصانية لا يحبذها الكثير.

‏22‏‏/‏11‏‏/‏2004‏

فلسطين-غزة

[email protected]

التعليقات