عادل إمام: أدرس 11سبتمبر بهدوء وفي عنقي فيلم لأطفال العراق

عادل إمام: أدرس 11سبتمبر بهدوء وفي عنقي فيلم لأطفال العراق

غزة-دنيا الوطن

عندما أراد المضيفون المصريون الترفيه عن ضيفهم الكبير الدكتور جون جارنج رئيس حركة تحرير السودان التي تعمل في جنوب السودان، أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة حجزوا له الصف الأمامي في مسرح الزعيم ليشاهد وزوجته ربيكا، وكبار مرافقيه مسرحية (بودي جارد) لزعيم الكوميديا المصري عادي إمام .

وعندما أراد منظمو الحوار السوداني بين وفود الحكومة برئاسة الدكتور نافع على نافع ووفد تجمع المعارضة السودانية برئاسة الفريق عبد الرحمن سعيد تلطيف الأجواء وخلق ود ومحبة بين الطرفين استضافوهم في مسرح الزعيم ليشاهدوا ذات المسرحية التي شاهدها جون قرنق، ليصبح مسرح الزعيم بشارع الأهرامات قبلة للسياسيين السودانيين .

اللافت للنظر أن الزعيم الكوميدي المصري عادل إمام تحول إلى حالة سياسية خاصة بعد أن ظل طويلا حالة فنية مميزة، فإضافة لدوره الفني المهم في مناهضته للجماعات المتشددة في القاهرة عبر فضحهم فنيا في أعماله، فإنه تولى ملف سفير النوايا الحسنة عالميا وطاف بلدان العالم محاربا التخلف والفقر، وقبل ذلك وبعده تحول إمام إلى حالة مختلف عليها بعد أن قرر تزويج ابنته "سارة" لابن قطب ينتمي إلى جماعة الاخوان المسلمين (المحظورة) قاهرياً..

إمام الذي يجهز لفيلم جديد بعد فيلمه الأخير من جهة أمنية، ويتوقع أن يكون سياسيا أيضا .. يشرح في هذا الحوار حالته التي تبدأ وتنتهي فنيا .

المنسي !!

@ لم يفكر عادل إمام للحظة حين سألته : أنت صديق الحكومة؟ انطلق محتدا - ومبتسما في آن - ليرد : صديقي الوحيد رجل الشارع !

@ لكنك عرفت بصداقة وزراء الحكومة وقتا طويلا، وطالما ظهرت - ولا تزال تظهر - معهم في الحفلات والملتقيات ؟

- علاقتي بالوزراء جزء من علاقتي ببقية المصريين، عرفت أغلبهم قبل أن يستوزر، مثل د. كمال الجنزوري (رئيس وزراء مصر الأسبق) واللواء عبد الحليم موسى (وزير الداخلية الأسبق)، ثم لماذا يتذكر بعضهم صداقتي مع عدد من الوزراء السابقين والحاليين وينسى كذلك صداقتي برموز المعارضة ؟! ألست صديقا لخالد محيي الدين رئيس حزب التجمع؟ وعدد من رموز الحزب الناصري كضياء الدين داود والراحل فريد عبد الكريم ؟! ثم ماذا عن علاقتي بمحمود السعدني ذلك الكاتب المعارض المشاغب أبدا والتي تمتد لأكثر من 35عاما ؟! صداقتي مع بعض الوزراء ليست إلا جزءاً من سياق هوايتي في اكتشاف ما وراء الوجوه، واستطعت أن أجد لدى بعضهم جوانب إنسانية تشجع على الصداقة، ولم يكن سبب هذه الصداقة كونهم وزراء !!

@ إذن لا تعتبر نفسك سياسيا محترفا ؟

- أنا فنان لكن بعض المهن تتداخل ومجالات أخرى، والفن لا يمكن أن يكون له دور من دون خطاب (مسيس) وليس سياسيا .

@ وهل ثمة فارق ؟

- نعم الخطاب (المسيس) ذلك الذي يقدم فنا أو إبداعا يقرأ المجتمع بوعي بإشكالياته وآماله وهمومه، ولا ينفصل عنها، وهو الخطاب الذي يكسب الفن جماهيريته وصدقيته، السياسة شئ آخر، احتراب وحزبية وبرنامج وأنا لا أطيق هذه القيود على فني !

@ لو لم تكن سياسيا فما سر اهتمام الصحافة المصرية والعربية بزيجة ابنتك "سارة" على هذا النحو؟ ولِمَ تم تسييس هذه الزيجة ؟

- لا أفهم سر هذا الاهتمام، ربما خلطوا بيني كفنان مشهور وبين ابنتي ولا ذنب لها في كل هذه الضجة .. الخطأ - أو الخطيئة - هي تسييس الزواج .

في البداية علمت أن الصحف والمجلات التي أفردت لصور العرس وأخباره مساحات كبيرة نفدت من الأسواق، وتهافت عليها القراء غير أن سعادتي بهذا كله تبددت بعد أن تحولت إحدى الصحف المستقلة للهجوم عليّ شخصيا من خلال تغطية العرس، فقالوا إن عادل إمام خان مبادئه، وزوج سارة لشاب أبوه إخواني !

@ أليس هذا صحيحاً ؟

- أبوه إخواني هذا صحيح لكن الشاب الذي زوجته ابنتي شاب متفتح وليس إخوانيا، وجاد وناجح في عمله، وكلاهما - هو وابنتي - يحب الآخر، وكانا زميلين في الجامعة، فما الخطأ الذي ارتكبته؟ المشكلة أن بعضهم صنفني سياسيا وفق أهوائه، فتوقع اليسار أن أزوج ابنتي يساريا، والليبراليون توقعوا أن أزوجها ليبراليا، فزوجتها لشاب مصري غير متحزب ولا يتورط في لعبة السياسة هذه !

@ ربما لأنك كنت ضد أطروحات هؤلاء ؟

- لم يتصد ممثل مصري للإرهاب المتستر بالدين قدر ما تصديت له بأعمالي الفنية . في أوج مد الإرهاب عرضت مسرحيتي "الزعيم" في أسيوط (بصعيد مصر) حين كانت أرضا خصبة للأعمال الإرهابية (1994)، وقدمت أول فيلم سينمائي عن الإرهاب بعنوان "الإرهابي" وأول من قدم فيلما سينمائيا عن استغلال الدين في (شركات توظيف الأموال) كنت أنا في (رمضان فوق البركان) في الثمانينيات، وعالجت ملف الإرهاب في (الإرهاب والكباب)، وجميع أعمالي السينمائية والمسرحية تصب في اتجاه الحريات والتقدم والعدل والمفاهيم التي تنتصر للإنسان، إذن فلا أحد يمكنه أن يزايد عليّ سياسيا .

@ أي أنك لم تتنكر لمواقفك ومبادئك ؟

- بالطبع لا، ولماذا أتنكر لمبادئ؟ هل أبيع مشواري الفني كله في لحظة؟ ولصالح من؟ المسألة لا تعدو كونها زوبعة محدودة، وكم من زوابع واجهتني وخرجت منها أقوى مما كنت !

@ لمعت في العصر الناصري، وحققت النجومية في زمن الرئيس السادات، ووصلت للقب (الزعيم) في عصر الرئيس مبارك .. إلى أي عصر تنتمي ؟

- إلى كل هذه العصور، في الستينيات أفدت من مكتسبات ثورة يوليو 1952، وآمنت بالمشروع الناصري وشعاره (حرية . اشتراكية . وحدة) لذا كانت صدمتي فوق كل طاقة في هزيمة يونيو 1967، لكن هذا العصر شكل المحاور الأساسية في تفكيري بل وملامحي الوجدانية، ولولا العصر الناصري لما أصبحت عادل إمام ابن البسطاء الذي صار نجماً !

وفي عصر الرئيس السادات كنت ممن هللوا لنصر أكتوبر 1973، ثم سرعان ما جاءت صدمتي الثانية بالانفتاح وكامب ديفيد .. كنت ضد الإجرائين، فما أن جاء الرئيس مبارك حتى قدمت مسلسل "دموع في عيون وقحة" الذي قدم - بعد اتفاقية كامب ديفيد بثلاث سنوات - بطولة شاب مصري اخترق الموساد الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف، أردت أن أقول للناس لا تنسوا عدوكم !

@ لكنك تدافع عن قضايا عصر الرئيس مبارك أكثر ؟

- لا أنكر ذلك، لأن قضايا عصر الرئيس مبارك حقيقية وعادلة، هل خطأ أن يقف الفنان ضد الإرهاب؟ مبارك حارب الإرهاب وجفف منابعه وأنا حاربت مع الرئيس هذه المعركة بالتحديد، وعندما خطط مبارك لعودة مصر للصف العربي في الثمانينيات - بعد قطيعة كامب دافيد طفت بمسرحياتي البلدان العربية التي قاطعت مصر، فالفن يمهد الطريق للسياسة .

@ أفلامك السينمائية الأخيرة ابتعدت عن هذا الإطار السياسي، وعدت إلى الكوميديا في "أمير الظلام" و"التجربة الدنماركية" وأخيرا "عريس من جهة أمنية" ؟

- هذه الأفلام تبدو للوهلة الأولى مجرد أفلام للإضحاك التقليدي قائمة على (حدوتة) لطيفة ومحكمة ومواقف كوميدية مدبرة، لكن "أمير الظلام" لم يكن مجرد فيلم للضحك على مآسي العميان كما فهمه البعض، بل كان درسا في إرادة الإنسان مهما تكن أسباب الإحباط من حوله، وقصدت الإنسان العربي بالتحديد، فعجز البصر لم يمنعه من الحب والعمل والابتسام، فالأمل مطلوب دائما في أبشع المراحل التاريخية وأشدها إظلاماً..

وكذلك في "التجربة الدنماركية" ناقشت في إطار كوميدي قريب للجمهور مسألة (الأنا والآخر) التي فتح المثقفون ملفها على مصراعيه من دون أن يغلقوه ! فقلت عبر الفيلم ببساطة إن الآخر (الدنماركية التي لعبت دورها اللبنانية"نيكول سابا") فيه جمال وإغراء وحداثة، وإنه أنجز للإنسانية الكثير ولا يزال، ولكنه ليس إلها نسجد له، بل يؤخذ منه ويرد، وتعمدت أن ألعب في هذا الفيلم دور وزير الشباب، لأن الشباب هم الفئة التي يقع على عاتقها صوغ علاقتنا كعرب بالآخر في العالم المتقدم !

أما عن "عريس من جهة أمنية" فهو درس في الاستبداد، فالمستبد يخنق حبيبته وهو يظن أنه يحتضنها بحنان .. الأب هنا يحب ابنته من دون حدود (لعبت دورها حلا شيحا) فإذا به يمنعها من حب الشاب الوحيد الذي اختارته (لعب دوره "شريف منير")، لأنه لا يتصور فراقها وهي ابنته الوحيدة قلت عبر هذا الفيلم إن الاستبداد مرفوض وإن كان بدافع الحب المخلص !

@ إذن فأفلامك الجديدة تقدم معالجة أو فلسفة جديدة للكوميديا ؟

- بالضبط، كوميديا تقترب من البسطاء والمهمشين الذين لا يفهمون رطانة المثقفين، وهي كوميديا تطرح عليهم القضايا الجادة الكبيرة بلا تعقيدات نظرية !

@ ما دمت تبسط لجمهورك قضايا كبرى بلا تعقيد نظري ؛ فأين أعمالك من الأحداث المتلاحقة من 11سبتمبر 2001مرورا بحرب العراق، وورقة الإصلاح الأميركي في الشرق الأوسط ؟

- الحقيقة أن هذه التطورات المؤثرة في مصيرنا تشغلني كثيرا، وكلما فكرت في تقديم فيلم سينمائي أو مسرحية عنها، داهمني حدث جديد .. بصراحة فكرت في 11سبتمبر فإذا بحرب العراق تدهمني، وانشغلت بشأن العراق وفكرت في صنع دراما عنه فجاءت أفكار "باول" .. الأحداث أسرع مني ومن أي فنان يريد أن يقدم أعمالا فنية جادة عن هذه المرحلة التي يمر فيها ! لكني سأقدم أعمالا عن الأحداث التي جرت في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن تهدأ العواصف وتتحدد الرؤى !

@ قبل أحداث سبتمبر زرت العراق وقدمت مسرحيتك "بودي جارد" هناك في ثلاث حفلات خصصت إيراداتها لصالح أطفال العراق ؟

- العراق بالذات يحتاج إلى مزيد من التأمل لإنتاج أعمال فنية حقيقية عنه، وعندما ذهبت للعراق هاجمني البعض في الصحف وقال إني أدعم نظام صدام بهذه الرحلة وإنها ممولة من أحد رجال الأعمال المصريين، الغريب أني أعلنت اسم رجل الأعمال هذا قبل سفري لبغداد، فلم يكن هذا السفر سريا، وأنا أذهب لأي مكان أفكر فيه ولا يستطيع أحد منعي، ومواقفي معروفة ولا أزايد، وأطفال العراق الذين مات منهم مئات الآلاف تحت وطأة حصار ظالم ثم حرب ظالمة، لهم في عنقي فيلم سينمائي سيرصد كل المأساة العراقية !

@ والإصلاح الذي تطرحه أميركا في مواجهة إصلاح آخر يطلبه المثقفون العرب . أين فنك منه ؟

- عن أي إصلاح تتحدث؟ للأسف كثير من الأقلام السينمائية الكبيرة كان لابد أن تكون حاضرة في هذا المشهد لتسجله وتقدمه للمشاهد البسيط ولكن غيبها الموت !

@ قرابة 4سنوات وأنت تشغل منصب (سفير نوايا حسنة) للأمم المتحدة . هل تعتقد أنه مجرد منصب شرفي ؟

- الحقيقة أن الأمم المتحدة مظلومة في هذا العصر، الممول الرئيسي لها هو الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يقيد فاعلية العاملين فيها، ويجعل قراراتها في قضايا الشرق الأوسط بالذات دون مطالب شعوب المنطقة، برغم ما تبذله هذه المنظمة من جهد ملموس، لكن هذا لا يعني أن سفير النوايا الحسنة هي من الأمور الثانوية أو الشرفية خاصة أنني سفير لمفوضية اللاجئين .

@ ما آخر نشاط قمت به كسفير ؟

- حين زرت اليمن وكان بها آلاف اللاجئين الصوماليين، ولم تكن مشكلتهم الجوع أو العطش أو المسكن، لكنها كانت الاعتراض على الصومالي الذي انتدب للإشراف على شؤونهم، وما أن رأوني حتى تظاهروا مطالبين بتغييره، وغيرته بالفعل من خلال تحقيق في أوجه القصور التي يرونها فيه، ومن ثم جرى تغييره بالطرق القانونية المتبعة في تلك الأحوال !

@ ألم تقابل الرئيس اليمني خلال تلك الزيارة ؟

- (يضحك) نعم التقيته، وقال لي إنه شاهدني على الفضائيات ويحب فني وقال لي : لو رشحت للبرلمان ستنجح . قلت له سأترشح رئيس جمهورية لليمن وأنجح . فضحك أبناؤه !

وسفير النوايا الحسنة لقب جعلني أقابل شخصيات لم أكن التقيتها إلا كصور على صفحات المجلات والصحف، مثل النجمة العالمية "إنجلينا جولي" التي التقيتها في لندن بالمصادفة على هامش فعاليات لمفوضية اللاجئين وظهرت بعدها بأيام على الشاشات الأميركية وتحدثت عني بشكل طيب للغاية، كذا اللاعب البرازيلي الأشهر "رونالدو" الذي يبدو أنه ليس اجتماعيا، فالتقاني متجهما ثم فوجئ بي أحضر معه اجتماعا لمفوضية اللاجئين بعد نصف ساعة فقط، فابتسم لي وتجاذبنا المزاح !

@ وماذا عن جديدك الفني ؟

- أواصل عرض (بودي جارد) للسنة السادسة بنجاح متزايد، وأمامي مشروع سيكون مفاجأة حقيقية مع ابني "رامي" للسينما وربما سيناريو في الطريق عن كارثة العراق !

التعليقات