مرافق صدام حسين يتحدث لدنيا الوطن: عندما اسقط التمثال كان الرئيس صدام بين الناس

مرافق صدام حسين يتحدث لدنيا الوطن: عندما اسقط التمثال كان الرئيس صدام بين الناس
مرافق صدام حسين يتحدث لدنيا الوطن: الرئيس لم يشعر بالهزيمة وكان مصمما على مواصلة القتال

الجزء الاول
عمان ـ دنيا الوطن ـ هشام عودة



كانت الساعة تشير الى الثالثة وخمسة وعشرين دقيقة من بعد ظهر يوم الجمعة الموافق 11 نيسان ابريل عام 2003، هي لحظة لا تنسى، كما يصفها الملازم الاول خالد السلطاني من فريق حماية الرئيس صدام حسين؛ في حديث خاص لدنيا الوطن حين وقف الرئيس وسلم علينا وقبلنا وامرنا بالانصراف الى اهلنا، كنا ثلاثة يقول الملازم، وقد تناولنا طعام الغداء للمرة الاولى والاخيرة مع الرئيس صدام حسين، كان في تلك اللحظات طيبا يفيض بالانسانية، رغم كل ملامح الحزن التي كانت تلف ملامح وجهه.

ذهب لؤي، زميلنا من فريق الحماية، واحضر كميات من اللحم المشوي من احد مطاعم حي الاعظمية، وبعد انتهاء الغداء، حيث اصر الرئيس ان نجلس معه على المائدة ذاتها، اعطانا مبالغ من المال وقال انتبهوا لانفسكم، فالايام القادمة صعبة وقاسية.

ويضيف خالد، حاولنا التشبت بالرئيس واستحلفناه ان نبقى معه لمواصلة حمايته، لكنه قال سأتدبر امري، وعليكم انتم ان تتدبروا اموركم ايضا، اديت التحية العسكرية للمرة الاخيرة للرئيس صدام الذي كان في تلك اللحظة ما زال يرتدي ثيابه العسكرية، ويحمل معه بندقية آلية اضافة الى مسدسه الشخصي.

قبل ذلك بيوم واحد، يقول خالد، اجتمع الرئيس مع ولده قصي ومع سكرتيره الشخصي عبد حمود، استغرق الاجتماع حوالي خمسة واربعين دقيقة، بعدها غادر الاثنان، كانت لحظة وداع رهيبة، حيث تعانق الرئيس وولده طويلا، وقال له دير بالك على حالك، كان قصي وعبد حمود اخر من تبقوا مع الرئيس بعد احتلال بغداد، وكانا برفقته ايضا عندما ادى صلاة العصر في جامع الامام الاعظم في حي الاعظمية، يوم التاسع من نيسان اي يوم الاعلان عن احتلال بغداد، وقتها كانت الاعظمية تعيش مشهدا مختلفا عن ذلك المشهد الذي يحدث في ساحة الفردوس. حيث العالم كله ينظر الى التمثال الذي يسقط قبالة فندق فلسطين، بينما الرئيس صدام حسين في الاعظمية يفتح صفحة جديدة من صفحات المعركة المتواصلة.

عراقيون من كل الاعمار، ومقاتلون عرب، التفوا حول الرئيس يهتفون بحياته وحياة العراق، ونحن لم نكن قادرين على منع الناس من الاقتراب منه، وقتها امرنا بترك المواطنين يعبرون عن مشاعرهم بسجيتهم، استمر المشهد طويلا، وامتلأ الجامع وساحته بالاف المواطنين الذين كانوا يرون الرئيس للمرة الاخيرة، يومها واجهتنا مشكلة كبيرة كيف نجعل الرئيس يركب سيارته ويغادر بامان، كانت سيارة المرسيدس البيضاء تقف على مدخل الجامع، وسائقها سلمان مستعد للانطلاق، لكنني اعتقد انه لم يكن يعرف الى اين يتجه، وهو في لحظة ترقب ينتظر اوامر الرئيس وتعليماته.

في تلك اللحظة امرنا قصي بان نؤمن دخول الرئيس الى السيارة، بعد ان كنا رفعناه على اكتافنا ليقف فوقها لتحية الجماهير التي ملأت المكان، ساعدناه في النزول بهدوء وفتحنا له الباب الامامي، وركب الى جوار السائق، وحين بدأت عجلات السيارة تتحرك، انطلقنا نحن فريق الحماية في سيارة اخرى سوداء اللون خلفه، ولم نكن نعرف اين نمضي.

صحيح انه في كل المرات السابقة، لم يكن احد منا يعرف طبيعة تحركات الرئيس، غير اننا شعرنا في ذلك التاسع من نيسان، وقد اقتربت الساعة من الخامسة مساء، ان الموضوع مختلف، وان الامور غارقة في المجهول.

في احدى المزارع الواقعة في ضواحي بغداد، وقريبا من حي الاعظمية، وفي منطقة يسميها اهل بغداد " سبع ابكار" وقفت سيارة الرئيس ووقفنا خلفها، لم تكن تلك المرزعة تبعد كثيرا عن منزل صالح مهدي عماش نائب رئيس الجمهورية الاسبق، ومنزل الزعيم الوطني العراقي رشيد عالي الكيلاني.

انتبهنا ان الشوارع فارغة، فلم يكن احد قد رصد دخولنا الى المزرعة، حيث سارعنا باخفاء السيارتين حتى لا يراهما الناس وتثيران فضولهم، وبعد اقل من عشر دقائق امر الرئيس سائقي السيارتين بالذهاب بهما خارج المزرعة، واخفائهما في مكان امن، ولم يمض على ذلك سوى خمسين دقيقة تقريبا حتى عاد الرجلان وكان احدهما يقود سيارة من نوع برازيلي موديل 1984، والاخر يقود سيارة تويوتا موديل 1986.

اعود هنا للمشهد المؤثر في حي الاعظمية، يقول الملازم اول خالد، وقتها سألت نفسي لماذا اختار الرئيس التوجه الى هذا المكان دون غيره، وماذا كان يدور في خلده في تلك اللحظة.

لم يكن اي منا يجرؤ على توجيه هذا السؤال او غيره لرجل يحمل مواصفات صدام حسين. لكن حينما وصلت اخبار للرئيس بان منطقة الرصافة قد تم احتلالها وان الدبابات الاميركية تتجول في شوارع بغداد، قرر مغادرة المقر البديل الذي كان يتخذه مقرا للاجتماعات، كان هذا المكان في حي زيونة، سلكنا وقتها شارع فلسطين وصولا الى شارع المغرب قبل ان نواصل السير يمينا الى حيث مرقد الامام الاعظم، لم اكن وقتها مع الرئيس، كنت في سيارة الحماية التي تسير خلفه، لكنني اعتقد ان الاعظمية التي تعد معقلا تاريخيا لحزب البعث التي يقطنها بغداديون اصلاء هي التي دفعت الرئيس الى اختيارها ليقدم منها اول رسالة للمقاومة الشعبية التي انطلقت بعد ذلك عنيفة, وصارت الاعظمية من المناطق شبه المحررة في بغداد.

رغم ملامح الحزن القاسي التي غطت وجه الرئيس وبدت واضحة في نبرة صوته، الا انه قال للمواطنين الذين تحلقوا حوله في الجامع، اليوم بدأت معركتنا الحقيقية مع الاعداء، هذه المعركة نحن الذين سنحدد مسارها، وانتم العراقيين الذين ستلقنون الاميركيين الغزاة دروسا لن ينسوها.

كان واضحا ان الرئيس يريد ايصال رسالة للمواطنين وللاعداء، ويبدو انه كان واثقا من كلامه، بدليل الانطلاقة السريعة للمقاومة العراقية، وهي التي خطط لها الرئيس وكان حريصا على اشعال فتيلها مبكرا، كي لا يشعر الاعداء وعملاؤهم بحلاوة النصر.

ويضيف الملازم اول خالد السلطاني انه رافق الرئيس صدام حسين الذي شارك المقاتلين العراقيين والمجاهدين العرب بشكل فاعل في معركة نفق الشرطة يوم العاشر من نيسان ابريل، كان ذلك في ظهيرة يوم الخميس، وقد استخدم الرئيس قاذفة الار بي جي واستطاع ان يدمر بقذيفة مصوبة جيدا واحدة من دبابات العدو.

وكان في تلك اللحظة ثائرا ومقاتلا ومتماسكا، وقد خاطب رفاقه من المقاتلين بكلمات واضحة ومتوازنة، دعاهم فيها الى حماية اشقائهم من المقاتلين العرب والاستمرار في قتال الاعداء، حيث ان الوطن اليوم ينادي رجاله الشجعان، وقد هتف المقاتلون بحياة الرئيس وعاهدوه على الاستمرار في المعركة، وملاحقة العدو في كل مكان.

بعد توقف معركة نفق الشرطة التي استشهد فيها عدد من المقاتلين العرب والعراقيين، غادر الرئيس المنطقة في سيارة تويوتا متوجها الى حي المنصور وهناك التحق مع رفاقه من جيش القدس الذين كانوا يخوضون معركة ضارية في شارع 14 رمضان، قرب الاسواق المركزية، وقد صوب بيديه عددا من قذائف الار بي جي تجاه دبابات العدو التي احترق بعضها وهرب ما تبقى من ارض المعركة، في تلك المعركة تقدم الرئيس وسلم على المقاتلين جميعا، وقدم مبلغا كبيرا من المال لقائد المجموعة وامره ان يقوم بتوزيعه بالتساوي على رفاقه الذين رفعوا رأس العراق، كما وصفهم الرئيس.

اقتربت الساعة من الخامسة مساء، وصار لزاما علينا ان ننطلق قبل ان يحل الظلام، فالحركة بعد مغيب الشمس فيها الكثير من المخاطرة، بسبب منع التجول الذي فرضته قوات الاحتلال على المدينة.

وقال السلطاني في سياق حديثه حول ردة فعل الرئيس صدام حسين على حادثة اسقاط تمثاله في ساحة الفردوس عصر يوم الاربعاء الموافق للتاسع من نيسان ابريل 2003، ان الرئيس في تلك اللحظة كان بين ابناء شعبه في مدينة الاعظمية، كان يسلم عليهم ويتحدث معهم، وعندما وصله خبر اسقاط التمثال من قبل احد مرافقيه، علق على ذلك بالقول ان من قام بهذا الفعل الخسيس ليس عراقيا، العراقيون منشغلون بالاستعداد للدفاع عن وطنهم، اما هؤلاء فهم خدم الاحتلال وعملاؤه الذين جاءوا على ظهر الدبابات الاميركية الغازية.

قال الرئيس صدام حسين هذا الكلام في اللحظة نفسها الذي كان فيه جنود الاحتلال وعملاؤهم يحاولون اسقاط التمثال، قبل ان تنكشف الحقيقة، وقبل ان تنشر ذلك الصحف العربية والعالمية، وقبل ان يتحدث عن الموضوع محمد حسنين هيكل، لقد كان الرئيس صدام حسين وما يزال يعرف ابناء شعبه جيدا، ويعرف حجم ولائهم للوطن والمبادئ، اما اؤلئك فليس فيهم من العراق اي شيء.

وقال المكلف بحماية الرئيس صدام حسين انه كان يتنقل مع الرئيس اثناء المعركة في عدد من المقرات البديلة التي اختارتها القيادة بعناية فائقة، لتكون مقرا للاجتماعات، وقد اختيرت هذه المقرات في عدد من احياء بغداد، حيث كانت منتشرة في احياء المنصور واليرموك والسيدية والاعلام والاعظمية والجهاد والدورة وزيونة وسبع ابكار، وغالبا ما كنا نتنقل عدة مرات في اليوم الواحد بين هذه المقرات .

ومن الاشياء التي ما تزال عالقة في ذهن السلطاني ان الرئيس صدام حسين كان يقضي الجزء الاكبر من وقته، في الليل والنهار، اثناء المعركة، بالمرور على مواقع المقاتلين ليتحدث معهم ويرفع من معنوياتهم ويذكرهم بالدور التاريخي الذي يقومون به، وهو بهذا كان يريد ضخ المعنويات العالية لدى جنوده الذين كانوا يقاتلون باسلحة لا يمكن مقارنتها باسلحة العدو.

ان اكثر الاجتماعات التي كان يعقدها الرئيس اثناء المعركة كان يحضرها ولده قصي واحيانا ولده عدي، وكذلك وزير الدفاع الفريق سلطان هاشم وقائد جيش القدس اياد الراوي وعدد من قادة الصنوف العسكرية من الجيش والحرس الجمهوري، الذين كانوا يتلقون التعليمات مباشرة من الرئيس، وهي تعليمات تصب في رفع الروح المعنوية، تاركا تقدير الامور العسكرية لهم، كل في مجال اختصاصه.

واكد السلطاني انه طوال ايام المعركة لم نفارق الرئيس، ولذلك يستطيع القول ان معنوياته كانت عالية، ولا يعرف سر هذا الارتفاع في معنوياته، لم يبد عليه انه خائف ولو للحظة واحدة، ولم يكن مستفزا في اي وقت، كان هادئا باستمرار، وكان يلاطف رفاقه ويستمع اليهم جيدا، وكان يوصيهم باستمرار بالاهتمام بجنودهم وتذليل كل العقبات التي يمكن ان تعترض طريق صمودهم.

كان الرئيس يصلي الصلوات في اوقاتها، واذا صدف موعد الاجتماع مع وقت الصلاة؛ فان الاولوية للصلاة, كما كان يصوم يومي الاثنين والخميس، وطوال فترة المعركة وقبلها بعدة اسابيع لم يلتق الرئيس عائلته، بل كان يبعث بتحياته لهم من خلال ولديه عدي وقصي وصهره جمال زوج ابنته الصغرى حلا.

وقال السلطاني في وصفه لتصرفات الرئيس اثناء المعركة اننا تفاجأنا به يوم الرابع من نيسان وقد نزل الى الشارع في مدينة المنصور، كانت المهمة صعبة جدا بالنسبة لنا، غير ان الرئيس اراد من خلال ذلك المشهد ايصال رسالة لكل الاعداء بان صدام يتجول بحرية بين ابناء شعبه، وكان الجميع مسلحين ببنادق محثوة بالرصاص الحي، وبقدر حالة الارباك التي اصابتنا نحن فريق الحماية، كان الرئيس بكامل هدوئه واتزانه وشخصيته التي يعرفها العراقيون.

ويضيف السلطاني ان الرئيس صدام حسين كان فخورا بالصمود البطولي لمدينة ام قصر وحاميتها، ولمدن الجنوب التي قال الاعداء ان اهلها سيستقبلونهم بالورود، فكان استقبالهم بالبنادق والرصاص، وكان يتحدث طويلا مع معاونيه وقادته العسكريين عن ضرورة الاستفادة من درس ام قصر في الصمود، محاولا التقليل من حجم الدمار الذي لحق بالعاصمة بغداد، جراء القصف الجوي المدمر الذي لم يتوقف على مدار ساعات الليل والنهار.

ونفى السلطاني ان تكون الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس والمقربة منه قد تم اختراقها من قبل اجهزة الاستخبارات المعادية، وقال ان الدليل على ذلك ان اي مكان صدف ان تواجد فيه الرئيس لم يتعرض الى قصف مباشر, وهذا يؤكد عدم وجود معلومات عن تحركات الرئيس، والمرة الوحيدة التي سقطت فيها قذائف وصواريخ اميركية بالقرب من مكان وجودنا، كانت قريبة من احد المقرات البديلة في حي الاعلام، حيث سقط عدد من الصواريخ على بعد خمسمائة متر من البيت الذي كنا نجلس فيه، ما دفعنا الى مغادرته بشكل سريع.

*يتبع في الجزء الثاني

التعليقات