خفايا حوار فضائية العربية مع لورا بوش

خفايا حوار فضائية العربية مع لورا بوش

غزة-دنيا الوطن

تأخرت سيدة أمريكا الأولى لورا بوش ربع ساعة في الوصول إلى الغرفة المخصصة في فندق أستريا نيويورك لإجراء اللقاء التلفزيوني مع قناة العربية. فقد كانت تتابع من داخل قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خطاب زوجها الرئيس بوش.

ولكن لحظات الانتظار لم تكن مملة فقد بددها موظف في البيت الأبيض من ولاية تكساس ظل يحدثني منذ لحظة وصولي إلى جناح البيت الأبيض في الفندق حول روعة ولاية تكساس وكيف أنه افتقدها بتحوله إلى واشنطن التي تحوّل حياته إلى ارتعاش مزعج في فصل الشتاء.

دخلت السيدة لورا بوش تسبقها ابتسامة عريضة واعتذرت عن تأخرها قائلة "إن خطاب الرئيس تأخر تقديمه ربع ساعة عن الموعد المحدد". عندما جلسنا لبدء التسجيل حاولت كالعادة التأكد من إبراز أكمام قميصي على اليد تحت البذلة، ولم أكمل ذلك حتى بدأت لورا تمازحني قائلة " وأنا علي أن أبرز أكمام قميصي أيضا".

لباس خاص للشرق الأوسط

عندما نظرت إلى السيدة لورا وجدتها تضع شالا فوق بذلتها يغطي كتفيها ويتدلى مع ذراعيها مغطيا أكمام بذلتها وأدركت أنها فعلت ذلك لكي تدخل بيوت الشرق الأوسط بالزيّ الذي يحبون. وخلافا لسيدة أمريكا الأولى السابقة هيلاري كلنتون فإن لورا بوش تأسرها البساطة وتطغى على حياتها مهنة التدريس التي امتهنتها. فهي تقر أنها لا تقدم الكثير من النصائح لزوجها الرئيس بوش وتفسر ذلك باعتقاد أسري تؤمن به وهو أن الرجال لا يرغبون عادة في الاستماع إلى نصائح زوجاتهم بالقدر الذي لا ترغب فيه النساء الاستماع إلى نصائح أزواجهن.

توقفت طويلا عند هذا الاعتقاد فهو يظهر لي تباعدا كبيرا بين عالمين، عالم يعيش فيه الرجل والمرأة في حل أيد عن التأثير على شؤون الآخرين، إلا فيما ندر وتستمر من خلاله الحياة الزوجية مدى الحياة، وعالم آخر يرفض فيه الرجل في الغالب الأعم الاستماع إلى نصائح زوجته ويطالبها في الوقت نفسه باتباع نصائحه.

هذا قادني للتوقف عند نقطة أخرى أُثارتها السيدة بوش وهي تفتخر دائما وتردد في كل محفل بسيطرة على جزء كبير من شؤون البيت الأبيض، فالمستشارة السمراء كونداليزا رايس هي التي تنصح الرئيس بوش يوميا فيما يتعلق بشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية. والمستشارة باربرا إسبيلينغ هي التي تنصح الرئيس يوميا في الشؤون الداخلية بينما المستشارة فرات تاونسند تنصحه في قضايا الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب.

مهلا هناك أيضا كاثرين هيوس المسؤولة السابقة عن الإعلام في البيت الأبيض التي قررت العودة إلى تكساس بعد أن سئمت وابنها حياة واشنطن. وكاثرين تربطها علاقة حميمة بالرئيس بوش وحتى بعد عودتها إلى تكساس لا تزال تقدم استشاراتها للرئيس بوش من هناك خصوصا في مجال الخطب الرئاسية واختيار الكلمات التي يسهل على الرئيس إلقاؤها.

شخصية "المدرسة"

ولورا بوش التي لا تنصح زوجها وتفتخر في الوقت نفسه بهذا العدد المؤثر من النساء داخل البيت الأبيض توحي لي بشيء واحد هو أن المرأة تستطيع أن تؤدي دورها على قدم المساواة مع الرجل وأن تبلغ أعلى درجات الاستشارات والنصح، لكن عندما يتعلق الأمر ب"الزوج والزوجة" فإن النصح مرفوض وكأن رفض النصح طبيعة بشرية تغلف هذه العلاقة بل وكأن الأزواج تعاقدوا منذ الأزل على رفض تبادل النصح!.

ويتضح طغيان شخصية "المدرسة" على لورا بوش في خططها حيال المستقبلية فهي تريد العودة داخليا لمواصلة مشاريع تعليم الأطفال وضمان إيصالهم إلى الجامعات وخارجيا لمخاطبة قضايا الأمية في العالم والتي تحولت إلى معضلة أساسية تعيق محاولات تبادل الفهم بين الدول النامية والمتقدمة خصوصا بين بلدها وبين 45 دولة ينتشر فيها 90 مليونا من الأميين.

كيف تخاطب الولايات المتحدة أولئك الأميين، وكيف تعرفهم بنفسها، وكيف تتعرف هي عليهم؟

وكيف تتسلل الأفكار ويتم تبادلها بين دولة تتقدم كل يوم في وسائل التعليم والمعرفة ودول تتأخر كل يوم في إدخال أبنائها قاعات الدرس ولا تكفل لهم ضمانات لاستمرارهم لإكمال المراحل التعليمية؟ تعتقد لورا بوش أن ذلك هو التحدي الذي ينتظر الولايات المتحدة فنجاح أي خطة للتواصل والتبادل لابد أن يسبقها بناء قاعدة متينة يتمكن من خلالها طرفا التواصل من استيعاب مادة التواصل أولا.

لقد استرعى انتباهي أيضا الثقة التي تحدثت بها لورا بوش عن مشروعها لتمكين المرأة في العالمين العربي والإسلامي فهي بدأت مشروعها بدعوة عدد مقدر من المدرسات من أفغانستان إلى البيت الأبيض وبدأت معهن مشروع الكليات الخاصة وهو يقوم على استقدام المعلمات من المناطق النائية في أفغانستان إلى كلية لتدريب المعلمات في كابل ثم إعادتهن إلى مناطقهن لتدريس البنات في مدارس خاصة بالبنات إذا كانت النظم المحلية لا تسمح باختلاط الأولاد والبنات.

المرأة في الشرق الأوسط

أما في منطقة الشرق الأوسط فتأمل السيدة بوش أن تتسع دائرة مشاركة المرأة في كافة أوجه الحياة بالتركيز على الحياة السياسية والاقتصادية وهي هنا تعتقد أن المنطقة العربية تتوفر فيها العوامل التي تمكن المرأة من ارتياد مجال الأعمال لتتحول الراغبات منهن إلى سيدات أعمال. ودللت على ذلك بالمقومات الاقتصادية التي أتيحت للمرأة الأمريكية.

ولا أعتقد أن السيدة بوش كانت مفرطة في التفاؤل وهي تتحدث عن التحول الذي قد يحدث للمرأة في الشرق الأوسط ولكن هناك فاصل الخصوصيات المحلية لكل دولة وهو الفاصل الذي جعلته السيدة لورا أساسا سيحدد مسار رؤيتها للمنطقة.

فالمرأة في الشرق الأوسط ليس بالضرورة أن ترسم خطاها بالطريقة التي ارتسمت بها خطى المرأة الأمريكية، ولكن بإمكانها أن تخطط حسب المسارات التي تحددها الخصوصيات المحلية. ولكن الهدف لكل النساء يجب أن يبقى واحدا وهو المشاركة. فعدد النساء كما تقول لورا بوش يساوي نصف عدد سكان الكرة الأرضية ولا يمكن تحقيق أي نهضة في هذا العالم دون ضمان مشاركة نصف سكانه.

*لقمان احمد

التعليقات