خفايا وتفاصيل عملية اغتيال الشيخ خليل في دمشق

اسرائيل عجزت عن اصطياد الهدف الصعب فلجأت إلى الهدف السهل

قتلة عز الدين عملاء سوريون أو لبنانيون أو

فلسطينيون للموساد دخلوا سوريا من لبنان أو الأردن

ـ العبوة صغيرة الحجم شديدة الإنفجار الصقت أسفل مقعد الشهيد بواسطة مغناطيس وفجرت بالريموت كونترول

ـ الموساد سارع لإصدار بيان باسم كتائب القسام هدفه تبرير الإغتيال وتحميل سوريا مسؤولية عمليات "حماس"

ـ اغتيال عز الدين افتتح صفحة اسرائيلية جديدة لملاحقة واغتيال قادة ورموز وكوادر "حماس" بالخارج

ـ دمشق قد ترد بتحريك حزب الله لقصف اسرائيل أو زيادة التضييقات على الفصائل الفلسطينية

عمان ـ دنيا الوطن-شاكر الجوهري

هل صحيح أن جهازا امنيا عربيا شارك علىهذا النحو أو ذاك في حادث اغتيال الشهيد عز الدين صبحي الشيخ خليل في قلب دمشق..؟! وما هو انعكاس هذا الحادث على الموقف السوري من وجود قادة "حماس" داخل الأراضي السورية..؟

هذان هما السؤالان الأبرز اللذان اثارهما حادث الإغتيال الذي راح ضحيته كادراً متقدماً في حركة المقاومة الإسلامية، خاصة في ضوء الإمتدادات الإعلامية للحدث، التي سبقته، وترافقت معه، وتواصلت بعد وقوعه.

إثر العملية الإستشهادية المزدوجة التي نفذتها "حماس" في النقب هدد مسؤولون اسرائيليون، على رأسهم ارئيل شارون رئيس الوزراء شخصيا، بنقل المعركة إلى داخل سوريا، متهما اياها بأنها تأوي قادة "الإرهاب الفلسطيني".

قادة "حماس" اخذوا التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد، فبادروا فوراً إلى اخلاء منازلهم، والإنتشار في مقرات بديلة داخل المدن السورية، كما خارج سوريا، ولم يعد بالإمكان الإتصال بهم. حتى أن وفد المجلس التشريعي الفلسطيني، برئاسة روحي فتوح، الذي زار دمشق الأسبوع الماضي اخفقت جهوده في التقاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس". وحين تكثفت جهوده لإلتقاء قادة الحركة، زاره الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي وبرفقته محمد نزال، العضو البارز في المكتب، في الفندق الذي كان يقيم فيه الوفد، ثم اصطحبوا اعضاء الوفد إلى مكان سري عقد فيه اللقاء، دون أن يتمكن أيا من أعضاء الوفد من تبين أين يقع البناء الذي دلفوا إليه.

الوصول إلى مشعل، وأي من اعضاء المكتب السياسي للحركة، لم يكن متاحاً إذاً للموساد الإسرائيلي، وهو يبحث عن هدف قرر اغتياله داخل العاصمة السورية بهدف التأكيد لحركة "حماس" قدرة اسرائيل على الوصول إلى الأهداف الكبيرة والثمينة في الخارج، كما في الداخل، والتأكيد للولايات المتحدة الأميركية مسؤولية دمشق عن "العمليات الإرهابية" التي تستهدف الأمن الإسرائيلي.

المهمة الإسرائيلية لم تكن سهلة، بل هي تعثرت. وازاء ذلك، وازاء ضرورة تنفيذ تهديدات شارون، ومحاولة تحقيق الهدفين المشار إليهما، قررت قيادة الموساد استبدال الهدف الصعب بالهدف السهل، فكان أن استشهد المرحوم عز الدين صبحي الشيخ خليل.

الشهيد من مواليد الشجاعية في قطاع غزة في 23/8/1962 وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال هم هبة ومحمد وهديل. وكان قد تزوج من السيدة فريال زينو عام 1991، وهي من حي الدرج بغزة، الذي استشهد فيه الشيخ صلاح شحادة القائد العام لكتائب عز الدين القسام في غارة اسرائيلية وحشية نفذت بتاريخ 22/7/2002. وفي عام 1992 ابعدت سلطات الإحتلال عز الدين إلى مرج الزهور في جنوب لبنان ضمن قرابة 400 من كوادر حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي. وحين اضطرت اسرائيل للموافقة على عودة هؤلاء المبعدين، رفضت عودة عز الدين، الذي قرر السكن في دمشق، حين كانت قيادة "حماس" تقيم في الأردن.

وقد تنقل عز الدين خلال اقامته في دمشق بين عدة منازل، كان آخرها منزله الحالي في حي الزاهرة الذي انتقل إليه قبل بضعة اشهر، وهذا الحي قريب جداً من مخيمي اليرموك وفلسطين في العاصمة السورية.

المرحوم عز الدين كان كادراً متقدما في حركة "حماس"، لكنه لم يكن متفرغاً للعمل فيها، إذ أنه، ومنذ أن اقام في سوريا عمل في التجارة، وقد حقق ارباحاً طيبة من تجارته سمحت له أن يمتلك سيارتين، واحدة كانت مخصصة لاستخدامه وهي من نوع ميسوبيشي/ باجيرو والأخرى لاستخدام زوجته.

بيان مزور

في اليوم الذي اغتيل فيه عز الدين، خرج من منزله ماشيا على قدميه، حيث اشترى خضاراً وعاد لبيته، ثم غادر البيت ثانية في الحادية عشرة صباحا، واستقل سيارته الباجيرو وأدار محركها، وسار بها قليلا إلى الخلف، استعدادً للإنطلاق، لكنه تلقى اتصالا هاتفيا من شخص لا يزال مجهولاً. وبينما كان يتحدث مع الشخص الذي طلبه على هاتفه الخلوي حصل الإنفجار، الذي أودى بحياته فوراً.. إذ قطعت قدماه جراء الإنفجار، واندفع جسده من المقعد الأمامي للسيارة إلى المقعد الخلفي.

ولما كان منزله يقع بجوار مركز الميدان الأمني، فقد اندفع رجال الشرطة السورية إلى مكان الحادث فوراً، وقاموا بفرض طوق حول المنطقة، ومنعواً الناس من الإقتراب من السيارة التي دمرها الإنفجار، وبوشر التحقيق الأمني فوراً.

كان مفاجئا أنه خلال وقت قصير من وقوع الحادث، صدر بيان يحمل توقيع كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، ينعى الشهيد باعتباره أحد القادة العسكريين للكتائب، وهذا ينسجم تماما مع الهدف الإسرائيلي للعملية. وتؤكد مصادر فلسطينية موثوقة أن هذا البيان من تدبير الموساد الإسرائيلي، وأنه مزور.

لذلك فقد سارعت حركة "حماس" إلى اصدار بيان نعي للشهيد واصفة إياه بأنه "كادرا من كوادرها المميزين".

البيان المزور، الذي اصدره الموساد باسم كتائب عز الدين القسام، لم يكتف بذلك، لكنه توعد أيضا بنقل المعركة مع اسرائيل للخارج. ومن شأن هذا التهديد أن يمنح حادث الإغتيال شرعية، وأن يبرر مواصلة اسرائيل لإستهداف قادة حركة "حماس" في الخارج. ولهذا، فقد استدعى الأمر صدور تصريح صحفي عن حركة "حماس" جاء فيه "تعقيبا على ما تداولته بعض وسائل الإعلام حول بيان منسوب لكتائب الشهيد عز الدين القسام"، اعتبر حادث الإغتيال، وهو الأول منذ قيام الثورة الفلسطينية عام 1965، الذي تشهده الأراضي السورية، "تطور سيأخذ نصيبه المناسب من الدراسة والتمحيص والتقويم في أطر الحركة ومؤسساتها القيادية". واضاف "وعلى الرغم من هذه الجريمة النكراء، التي نقل فيها العدو الصهيوني جرائمه إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن حركة "حماس" تؤكد على أنه لا تغيير حتى اللحظة على سياستها المعتمدة في ادارة الصراع ومواجهة العدوان الإسرائيلي على شعبنا واهلنا، وأنها تحتفظ بحقها الكامل والمشروع في الرد على هذه الجريمة الجبانة في الزمان والمكان المناسبين، وبالكيفية التي تحقق المصالح العليا للشعب الفلسطيني".

بداية ملف جديد

إلى ذلك، تنفي مصادر "العرب" بقوة أن يكون الشيخ عز الدين سبق أن شغل نائب الشهيد يحيى عياش قبل اغتياله عام 1996، وتؤكد أن ترويج المصادر الإسرائيلية لهذه المعلومة جاء في سياق ترويج وتسويق اكذوبة أنه من قادة "حماس" العسكريين. وتلفت المصادر إلى أن الشهيد عياش كان قد انتقل من الضفة الغربية إلى قطاع غزة شتاء 1994، في حين أن الشهيد عز الدين ابعد إلى مرج الزهور عام 1992، ولم يعد للأراضي الفلسطينية حتى يوم استشهاده وإن كان قد اعتقل على خلفية امنية عدة مرات قبل ابعاده. وهذا قد يكون من اسباب اختيار الموساد له كهدف أولي في سلسلة اغتيالات خارجية يمكن تسويقها على اساس الخلفية الأمنية السابقة للشهيد.

وعلى هذا، تؤكد مصادر "العرب" الموثوقة أن اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل يمثل بداية صفحة نوعية جديدة من الإستهداف الإسرائيلي لرموز وقادة وكوادر "حماس" خارج الأراضي الفلسطينية، وأن هذا الإغتيال لا يمثل مجرد رسالة تحذير اسرائيلية، ذلك أن مثل هذه الرسالة كانت بعثت اسرائيل بها حين قصفت معسكراً مهجوراً للجبهة الشعبية/القيادة العامة، في منطقة عين الصاحب قرب دمشق قبل عام من الآن. وترى المصادر أن اسرائيل قادرة على تنفيذ عمليات اغتيال أخرى بعد أن افتتح الموساد الصفحة الجديدة من المواجهة بالشهيد عز الدين الشيخ خليل. وهذا ما يدعو إلى دراسة الجوانب الفنية لعمليات الإغتيال هذه.

تقرير "الحياة"

ابتداء، لم تفاجأ القيادة السورية بوقوع الحادث، وإن كانت بعض الحلقات الحكومية السورية قد بوغتت به. فقبل فقط يومين من اغتيال عز الدين، نشرت صحيفة "الحياة" تقريرا لمراسلها في دمشق يقول فيه أن مصادر عربية في عاصمة اوروبية كشفت للصحيفة أن جهاز استخبارات عربيا سلم جهاز الإستخبارات الخارجية الإسرائيلية "موساد" ملفا كاملاً عن بنية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وقيادتها في الخارج، وذلك بعد فقط ثلاثة أيام من طلب رسمي قدمه مائير دوغان مدير الموساد. وأن هذا الملف تضمن معلومات تفصيلية عن وجود "حماس" في طهران ودمشق وبيروت والخرطوم وصنعاء، وبعض الدول الخليجية، فضلا عن قيادات "حماس" في الخارج. وأن الموساد طلب هذا الملف بعد وقوع العملية الإستشهادية في بئر السبع.

ونسبت الصحيفة لمصادرها العربية في عاصمة اوروبية أن الموساد يريد "تكوين صورة كاملة عن بنية "حماس" القيادية لتنفيذ عمليات اغتيال تطاول قياداتها الفاعلة، بهدف اضعاف قيادتها في الخارج، التي تنظر إليها اسرائيل باعتبارها تشكل داعما اساسيا ومهما للحركة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، اضافة إلى كون مسؤولي الحركة يعتبرون أن قيادة الخارج ضمانة وصمام أمان لاستمرار "حماس" على رغم الضربات القاسية التي وجهت إليها في الداخل".

"حماس" كانت قد بادرت إلى الرد على تقرير "الحياة" معتبرة إنه إذا صح أن الجهاز الإستخباري العربي سلم مثل هذا الملف إلى جهاز الموساد، فإن ذلك يعد خيانة عظمى". لكن "حماس" كانت معنية اساسا بنفي أن يكون عضوي مكتبها السياسي عماد العلمي ومحمد نزال يقومات بأدوار عسكرية وأمنية، حيث كان تقرير "الحياة" ذكر أن العلمي هو المسؤول عن الإتصالات مع مسؤولي "حماس" في الداخل وأنه المسؤول عن العمل العسكري في الحركة، في حين أن نزال مسؤول عن الماكينة الإعلامية لـ"حماس" اضافة إلى مسؤوليته عن جهاز الأمن السياسي الذي يقول تقرير الصحيفة أنه شكل حديثا.

وتبدي مصادر "العرب" الموثوقة أن تقرير "الحياة" جرى تسريبه من قبل جهة سورية مسؤولة، لافتة إلىأن مراسل "الحياة" في دمشق سبق أن اعتقل على خلفية نشره خبراً أغضب المسؤولين السوريين، وعلى ذلك، فإنه ليس معقولاً أن يكرر مثل هذه "الغلطة" ثانية.

بالريموت كونترول

ولكن، من هو الجهاز الأمني العربي المعني..؟

تتضاعف أهمية هذا السؤال في ضوء تسريبات سورية أخرى تفيد أن جهازا امنيا عربيا شارك في عملية اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل، وذلك من خلال توفير المعلومات الضرورية لـ"الموساد".

ولعل السؤال الأهم في هذا السياق هو كيف عرفت الجهة التي سلمت مضمون التقرير لـ"الحياة"، أن جهازا امنيا عربيا سلم الموساد الإسرائيلي ملفاً كاملاً حول "حماس"..؟

إن هذا السؤال يفترض أن تكون الأجهزة الأمنية السورية مخترقة للجهاز الأمني العربي المعني، أو للموساد..!

الأمر يستدعي هنا العودة للتفاصيل الفنية لعملية اغتيال الشهيد عز الدين.

تكشف مصادر "العرب" الموثوقة عن أن الشهيد عاد من بيروت إلى دمشق بسيارته قبل يومين من اغتياله. وهذا يجعل احتمال أن يكون تم تلغيم سيارته أثناء وجوده في بيروت وارداً، وإن كان التعامل مع هذا الإحتمال يدفع للتساؤل عن اسباب عدم تفجير السيارة في لبنان، حيث الإحترازات الأمنية أقل مما هي عليه في سوريا..؟

المصادر تقول إنه كان مطلوبا حدوث الإنفجار داخل سوريا، من أجل أن يحقق اهدافه المتمثلة في تحميل سوريا المسؤولية عن العمل العسكري لحركة "حماس" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن كانت المصادر تقر معنا بأن تأخير تفجير العبوة لمدة يومين، وربما أكثر، كان يعرضها للإنكشاف قبل التفجير في حالة غسل السيارة في محطة غسيل مثلا.

أما العبوة نفسها، وفقا لمصادر "العرب" فقد كانت صغيرة الحجم، لكنها شديدة الإنفجار، وقد تم تثبيتها اسفل مقعد السائق بواسطة مغناطيس، ما يعني أن الصاقها بهيكل السيارة الخارجي كان أمراً سهلا، إن يكفي أن يفتعل حاملها الوقوع على الأرض بجوار السيارة، ليمد يده ويلصق العبوة أسفل مقعد السائق، ثم ينهض واقفاً وينفض الغبرة عن بنطاله، وقد يساعده أحد المارة، أو يقول له سلامات..! وهذا يعني أن زرع المتفجرة، التي لم يكشف التحقيق نوع مادتها بعد، قد يكون حدث في دمشق، وبينما سيارة الشهيد متوقفة امام منزله المجاور للمركز الأمني السوري..!

وسواء تم زرع العبوة المتفجرة في بيروت أو في دمشق، فإن ما اثبتته التحقيقات التي تجريها الجهات السورية منفردة، هو أن تفجير العبوة تم بواسطة الريموت كونترول، وهذا يعني أولاً عدم علاقة الإتصال الهاتفي الذي تلقاه الشهيد بالتفجير الذي تم بواسطة شخص أو أكثر كان يراقب ويرى سيارة الشهيد لحظة تفجيرها. وهو ما يدعو للإفتراض أن مفجر السيارة ذو سحنة غير غريبة.. يفترض أن تكون عربية، أو ليهودي من أصول عربية. وبالمناسبة، فإن التحقيقات السورية لم تكشف بعد هوية الشخص الذي أجرى الإتصال الهاتفي مع الشهيد قبيل تفجير سيارته، وإن كانت المصادر ترجح أن يكون هذا الإتصال عاديا ولا علاقة له بالحادث.

مشاركة عربية

وتلتقي مصادر "العرب" مع التسريبات السورية لجهة اتهام جهاز أمني عربي في توفير المعلومات المتعلقة بالشهيد عزالدين الشيخ خليل للموساد، ما سهل عملية اغتيال،ه خاصة وأن أكثر من جهاز أمن عربي كان يجمع معلومات عن عز الدين وغيره من كوادر "حماس"، مرجحة في ذات الوقت أن يكون الأشخاص الذين نفذوا عملية الإغتيال عملاء عرب للموساد، قد يكونوا سوريين أو لبنانيين، دون استثناء الفلسطينيين من مثل هذا الإحتمال. وتفترض المصادر كذلك، إن لم يكن منفذو التفجير سوريين، أن يكونوا قدموا إلى دمشق من لبنان أو الأردن، وذلك لسهولة التنقل بين هذين البلدين وسوريا. كما لا تستبعد المصادر أن يكون الموساد قد قام بتركيب العبوة المتفجرة في لبنان أو الأردن وارسلها بعد ذلك إلى سوريا. وسبق للموساد، الذي له محطة داخل السفارة الإسرائيلية بعمان، أن حاول اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في العاصمة الأردنية عام 1997، وذلك قبل ابعاده من الأردن.

وبغض النظر عما يمكن أن تكشف عنه نتائج التحقيق في نهاية الأمر، فإن الثابت هو أن الجهات المسؤولة عن الأمن الداخلي في سوريا (وزارة الداخلية) قد فوجئت بوقوع الإنفجار، كما أنها فوجئت بأن الفضائيات ووكالات الأنباء أخذت تبث اخباره بسرعة، وبعد نصف ساعة من وقوعه، ما اضطر وزارة الداخلية لإصدار بيان متعجل قبل أن يتاح لها التشاور مع المستويات السياسية في سوريا، فجاء البيان الأول عن الحادث مقتضباً، ولم يشر لإسرائيل أو دورها المحتمل فيه من قريب أو بعيد. لقد اكتفى بيان وزارة الداخلية السورية بالقول "انفجرت صباح اليوم سيارة مفخخة في حي الزاهرة في دمشق تعود لأحد المواطنين الفلسطينيين مما أدى إلى مقتله واصابة ثلاثة مواطنين تصادف وجودهم في مكان الإنفجار"، ثم أورد البيان اسم الشهيد، واشار إلى أنه "سبق أن ابعدته سلطات الإحتلال الإسرائيلي ولم تسمح له بالعودة إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وأنه لا يمارس أي نشاط داخل الأراضي السورية"، وذلك بهدف تبرير سبب اقامته في سوريا، ودحض مبررات اسرائيل لاغتياله.

وحين أتيح الوقت الكافي للتشاور السياسي، صرح مصدر سوري مسؤول معتبرا اغتيال الشهيد خطوة اسرائيلية خطيرة، و"عملية ارهابية".."تشكل تطورا خطيراً تتحمل اسرائيل مسؤوليته حيث تؤكد نواياها في زعزعة الأمن والإستقرار في المنطقة في الوقت الذي تبذل فيه الجهود الدولية والإقليمية لتخفيف حدة التوتر فيها".

ويبدو أنه انطلاقا من حرص سوريا على نجاح هذه الجهود، لم تتضمن التصريحات السورية أي تهديد بالإنتقام، أو أي اشارة إلى خرق السيادة السورية من خلال التفجير الإسرائيلي، حتى لا تكون في موضع المطالب بالرد, كما أن الصحف السورية نشرت خبر الحادث باقتضاب، مكتفية بالنصوص الرسمية للبيان والتصريح السوريين، ودون ابراز للخبر يوازي الحجم الذي أعطي له في الصحف العربية الأخرى.

رد الفعل السوري

في ضوء هذه العقلانية السورية، نعود لسؤال اساس اثرناه في بداية هذا التقرير عن انعكاس حادث الإغتيال على موقف دمشق من تواجد قادة "حماس" على اراضيها..؟

ترى مصادر "العرب" أنه من السابق لأوانه تحديد تأثير الحادث على الموقف السوري من وجود قادة "حماس" في سوريا، وإن كان تقرير "الحياة"، المشار إليه سابقاً، تضمن كذلك تصريحات لخالد الفاهوم الرئيس السابق للمجلس الوطني الفلسطيني.. والمقرب من سوريا، أكد فيها اغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق وانقطاع خطوطها الهاتفية. وأن مسؤولي "حماس" وباقي المنظمات الفلسطينية الموجودون في سوريا متوارون عن الأنظار، فيما أكدت مصادر سورية، وصفتها الصحيفة بأنها رفيعة المستوى، أن قادة المنظمات الفلسطينية موجودون خارج الأراضي السورية.

غير أن مصادر "العرب" تتوقع أن يكون لحادث اغتيال الشهيد عز الدين الشيخ خليل أحد تأثيرين متناقضين.. اولهما أن يكون لسوريا موقفا معاكسا حاداً يتمثل في الرد على اسرائيل من خلال حزب الله في لبنان، وثانيهما أن تمارس سوريا تضييقا أكبر على وجود المنظمات الفلسطينية على اراضيها.

*العرب

التعليقات