محلل البنتاغون المتهم بالتجسس لإسرائيل يتعاون مع المحققين وتل أبيب تعترف بلقاء بينه وبين أحد دبلوماسييها

محلل البنتاغون المتهم بالتجسس لإسرائيل يتعاون مع المحققين وتل أبيب تعترف بلقاء بينه وبين أحد دبلوماسييها

غزة-دنيا الوطن

قال مسؤولون حكوميون ان مسؤول وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) المتهم بنقل معلومات سرية الى اسرائيل، قرر التعاون مع المحققين الفيدراليين قبل عدة اسابيع وابدى استعداده لتوصيلهم الى عناصر داخل الحكومة الاسرائيلية عندما برزت القضية علنا الاسبوع الماضي.

وقد ادى نشر معلومات عن القضية يوم الجمعة الماضي من قبل شبكة «سي. بي. اس» الى كشف تحقيق استخباراتي، ظل يدور خلف الكواليس منذ نحو عام كامل، يشرف عليه مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) الذي اعلن المسؤولون فيه ان كشف القضية في وقت ابكر كفيل بالاضرار بسير التحقيق وبمتابعتها حتى مصادرها الاسرائيلية.

وقال المسؤولون ان كثيرا من اجزاء التحقيق ما تزال غامضة لهذا السبب. ومن الغوامض الكبيرة في هذا الصدد وضع لورانس فرانكلين، المحلل السياسي بالبنتاغون الذي تعتقد السلطات انه امد الاسرائيليين بمسودة ارشادات سياسية رئاسية حول ايران.

ويحقق مكتب (اف. بي. آي) حول ما اذا كان لورانس فرانكلين، المحلل السياسي بوكالة استخبارات الدفاع بالبنتاغون والمتخصص في الملف الايراني، قدم معلومات استخباراتية سرية الى اثنين من اعضاء اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة (ايباك)، قائلا «ان تلك المعلومات تتعلق بتوجيه رئاسي حول ايران. لكن اعضاء اللجنة ينفون هذه الدعاوى ويقولون انهم يتعاونون بصورة كاملة مع لجنة التحقيق».

وذكرت مجلة «نيوزويك» الاميركية في موقعها الإلكتروني، اول من امس، ان بعض عناصر «اف. بي. آي» سجلوا محادثة بين مسؤول في السفارة الاسرائيلية واحد اعضاء لجنة (ايباك) اثناء غداء جمعهما قبل 18 شهرا. ويقول تقرير «نيوزويك»: ان اميركيا آخر يدعى فرانكلين قد حضر ذلك اللقاء، وذلك في نفس الوقت الذي كان «اف. بي. آي» يبحث احتمالات وجود نشاط استخباراتي اسرائيلي داخل الولايات المتحدة.

وهذه هي المرة الثانية التي يجري فيها التحقيق حول ادعاءات بان اسرائيل تمارس التجسس على احد حلفائها، ففي يوليو (تموز) الماضي، حكمت محكمة نيوزيلاندية بادانة اسرائيليين عضوين في جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (الموساد) كانا يمارسان تزوير الجوازات النيوزيلاندية. وقد نفت السلطات الاسرائيلية عضوية الرجلين في (الموساد)، لكن رئيسة وزراء نيوزيلاندا اعلنت بعض العقوبات ضد اسرائيل وطالبتها رسميا بالاعتذار.

ولا تلوح في الافق احتمالات اعتقال سريع، جزئيا لان المحققين لم يثبتوا بعد وبصورة واضحة ان فرانكلين خرق القانون، لكن المسؤولين يقولون ان هناك ادلة على انه نقل المعلومات الى لجنة (ايباك)، وهي مجموعة ضغط تعمل لصالح اسرائيل، لكن اللجنة والسلطات الاسرائيلية تنفيان ان تكونا قد تورطتا في اي عمل غير قانوني.

ولم تنجح الجهود في الاتصال بفرانكلين او محاميه، وقد طلبت السلطات المحلية من الصحافيين الذين توجهوا الى منزل فرانكلين في غرب فرجينيا، اول من امس، عدم الاقتراب من المنزل. وقال اصدقاء فرانكلين مثل مايكل ليدين من «معهد انتربرايز» للابحاث، ان الاتهامات الموجهة اليه لا اساس لها.

ومع ظهور المعالم الرئيسة للقضية، برزت الى السطح الشكوك التي خامرت الكثيرين حول نصيب تلك القضية من الحقيقة. ويقول المسؤولون ان المحققين ربما لا يفهمون مطلقا دور اثنين من المسؤولين في اللجنة المذكورة والمعتقد انهما كانا على صلة مع فرانكلين. كما انه ليس من المحتمل ان يتمكنوا من حسم ما اذا كانت اسرائيل تعتبر هذه قضية تجسس رسمية ام انها مجرد علاقة طارئة ربما لا يكون فرانكلين نفسه واعيا بأبعادها الكاملة. ولا يعرف المحققون مثلاُ ما اذا كانت الحكومة الاسرائيلية قد كلفت اللجنة بطلب معلومات محددة من فرانكلين، مما يزيد من خطورة القضية اذا ثبت ذلك. ويقول المسؤولون ان بعض المحققين يفترضون ان اسرائيل ربما وافقت على الحصول على اية معلومات استخباراتية سرية يمكن ان يوفرها فرانكلين من دون ان تكون قد بادرت من جانبها بطلب هذه المعلومات.

ولا يبدو على فرانكلين انه عنصر مناسب للعمل الاستخباراتي. وصرح مسؤول بالبنتاغون اول من امس، ان فرانكلين، مع انه مرتبط بالسياسات الاميركية في منطقة الشرق الاوسط، الا انه لا يتمتع بنفوذ في ما يتعلق برسم تلك السياسات، كما ان مقابلاته مع كبار المسؤولين، مثل نائب وزير الدفاع بول وولفويتز محدودة جدا.

وفي احدى المراحل في التحضيرات للحرب ضد العراق عام 2003، كلف فرانكلين بتنظيم الاجتماعات بين وولفويتز والزعماء الشيعة والسنة في كل انحاء الولايات المتحدة. لكنه لم يعامل كشخص ذي نفوذ مطلقا. وقال احد المسؤولين في البنتاغون: «انه في قاعدة السلم، وهو ليس من اهل القرار». وقال مسؤول آخر من وزارة الدفاع: «فرانكلين له خبرات خاصة ويستطيع الوصول الى الاشياء، لكنه ليس صانعا للقرار».

ومع ذلك وباعتباره مسؤولا عن احد المكاتب وبحكم عمله في وكالة استخبارات الدفاع، فان فرانكلين يتمتع بحركة استخباراتية واسعة، وهو مجاز استخباريا بحيث يكون قادرا على الوصول الى اسرار الدولة العليا حول ايران، خاصة في ما يتعلق ببرنامجها النووي. كما يمكنه ان يطلع على الرسائل الدبلوماسية ومسودات الوثائق السرية المتعلقة بمواقف الادارة من ايران.

ومع ان الحقائق حول القضية ما تزال غامضة ومتناقضة، فانها اثارت ردود فعل عميقة وفجرت كثيرا من العواطف. وفي مناسبة عقدت اول من امس عشية انعقاد المؤتمر القومي للحزب الجمهوري، قالت بيرنيس مانوشريان، رئيسة لجنة (ايباك): ان الاتهامات الموجهة ضد منظمتها مشينة، فضلا عن انها بلا اساس. ومع ذلك فان المسؤولين الذين ناقشوا القضية، ومن ضمنهم ثلاثة اطلعوا على تفاصيلها أخيرا، يقولون انها بدأت كتحقيق سري للغاية حول ما اعتبره خبراء مكافحة التجسس في «اف. بي. آي»، اتهاما خطيرا حول عملية تجسس يمكن ان تتخطى كثيرا، علاقة التبادل المكثف للمعلومات القائمة بين اميركا واسرائيل. وقد حصل مكتب «اف. بي. آي» على تصاريح من محكمة فيدرالية خاصة بموجب قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية، وصار يراقب فرانكلين لعدة اشهر.

وفي تقرير نشرته على موقعها في الإنترنت قالت «نيوزويك» اول من امس، ان مكتب «اف. بي. آي» عرف عن فرانكلين لاول مرة عندما رآه عملاؤه وهو يلتقي على مائدة الغداء مع اعضاء اللجنة وممثل للسفارة الاسرائيلية.

ورفض المسؤولون الاميركيون التعليق على التقرير. وقال المسؤولون الاسرائيليون اول من امس ان حلقة الوصل مع مجموعة الضغط العاملة لصالح اسرائيل، هو ناعور جيلون، وهو رئيس الدائرة السياسية في السفارة الاسرائيلية. وقال المسؤولون الاسرائيليون ان جيلون لا علاقة له بالتجسس.

وفي اسرائيل اعترف مسؤولون اسرائيليون امس بان دبلوماسيا اسرائيليا في واشنطن التقى محلل البنتاغون الذي يجري التحقيق معه بشأن قضية التجسس، لكن المسؤولين، وبينهم وزير الخارجية سيلفان شالوم، جددوا التأكيد ان اسرائيل اتخذت قراراً حاسماً منذ سنين بعدم التجسس على الولايات المتحدة. ولم يذكر شالوم، ناعور جيلون، لكن عندما سئل في مؤتمر صحافي أمس عن اللقاءات أجاب: «الولايات المتحدة واسرائيل تجمعهما اواصر حميمة والمعلومات التي تتبادلانها هي اكثر سرية بكثير من اية محادثة تكون قد جرت (بين فرانكلين والدبلوماسي الاسرائيلي)». وتابع ان اللقاءات بين الحكومتين الاسرائيلية والاميركية شائعة وانهما تتبادلان روتينيا الأسرار.

وقد بدأ فرانكلين التعاون مع المحققين هذا الشهر وفق شروط لم تعرف بعد. وقال انه وافق على مراقبة اتصالاته مع المجموعة المذكورة. وليس معروفا ما اذا كانت السلطات وعدته بتخفيف الحكم مقابل هذا التعاون.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في البنتاغون ان فرانكلين عمل لصالح وكالة استخبارات الدفاع، خلال غالبية فترة عمله الحكومي حتى عام 2001، عندما جرى نقله الى مكتب سياسات البنتاغون تحت رئاسة دوغلاس فيث، وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية.

وكان فرانكلين واحدا من 1500 موظف يعملون تحت رئاسة فيث.

وعندما نقل الى مكتب الشؤون السياسية بالبنتاغون كلف بالعمل في شؤون منطقة شمال الخليج المختصة بمشاكل ايران. وقد وسع هذا المكتب بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، واعطي اسما جديدا هو «مكتب الخطط الخاصة» واضطلع بمعظم العمل حول العراق في فترة التحضير للحرب. وقد كان فرانكلين جزءاً من ذلك المكتب لكنه استمر في العمل الخاص بايران.

وفي منصبه ذاك، كان فرانكلين احد اثنين كانا مسؤولين عن مكتب شؤون الشرق الادنى وجنوب شرق آسيا، وهو واحد من ستة مكاتب اقليمية للسياسات.

ويشرف على مكتب الشرق الادنى ويليام لوتي، احد نواب وزير الدفاع، الذي كان يشرف كذلك على «مكتب الخطط الخاصة»، والذي قام بدوره بعمل ما اثناء فترة التحضير لغزو العراق عام 2003 . ويقول الاصدقاء ان فرانكلين كان في الاصل خبيرا في شؤون الاتحاد السوفياتي وانه تعلم الفارسية واصبح خبيرا في الشؤون الايرانية، مقيما علاقات واسعة مع المجموعات الايرانية المعارضة. وقال احد زملائه السابقين: «كان قريبا جدا من المعارضين الايرانيين، وهو محلل جيد للمشهد السياسي الايراني لكنه يميل الى التصرفات الفردية من دون تكليف من احد».

* نيويورك تايمز

التعليقات