باكستان: فقراء يبيعون كلاهم لدفع ديونهم

باكستان: فقراء يبيعون كلاهم لدفع ديونهم

غزة-دنيا الوطن

في منتصف شهر أغسطس/آب خرجت مظاهرة ضمت مجموعة من القرويين الباكستانيين الذين باعوا كلاهم لمرضى بحاجة لزراعة الأعضاء احتجاجا على السعر الزهيد الذي حصلوا عليه وعلى عدم توعيتهم بالقدر اللازم قبل إقدامهم على بيع كلاهم ظنا منهم أنهم سوف يكونون قادرين على سداد ديونهم من خلال الأموال التي كسبوها من جراء عملية البيع تلك.

واتضح من اللافتات الكثيرة التي كانوا يحملونها أن ما يزيد عن أربعمائة قروي من منطقة راولبندي القريبة من العاصمة إسلام آباد قد تبرعوا بإحدى كلاهم من أجل الحصول على المال وليس من أجل تقديم خدمات إنسانية، وقد أشارت بعض الصحف الباكستانية إلى أن هذا العدد من البائعين لكلاهم لو ظهر بهذه الصورة في أي بلد متحضر آخر لكانت هناك فضيحة كبيرة ولأدت إلى إثارة زوبعة لا يهدأ لها قرار.

سوق سوداء مزدهرة

ومع التقدم الذي طرأ على زراعة الأعضاء فإن الكثير من الدول قامت بسن القوانين التي تنظم هذا الإجراء ووضع الضوابط المقيدة له والاتفاق على التعاريف الطبية التي توضح معنى محدد للموت الدماغي وكيفية الاعتناء بالعضو البشري الممنوح والخصائص الطبية الواجب توفرها في المريض الذي ستتم زراعتها فيه .

وكل ما تقدم ذكره غير متوفر البتة في باكستان، فكل جراح له مستشفاه الخاص والذي يديره بقوانينه الخاصة به ويساعده في ذلك طول باعه ووصوله لمراكز قوى قادرة على تذليل الصعوبات من طريقه.

وجراء ذلك نشأت في باكستان سوق سوداء مزدهرة لبيع الأعضاء البشرية، وخصوصا الكلى وأصبحت لها قوانينها الذاتية التي يعرفها الدلالون الذين يشرفون عليها والذين تربطهم علاقات أكثر من حميمة مع المستشفيات التي تقوم بزراعة الكلى، بل هم جزء من هذه المستشفيات.

الحظر يرفع الأسعار!!

والقائمون على هذه السوق لا ينقصهم الكثير من الصفات لكي ينظر إليهم المجتمع على أنهم من فئة إجرامية معدومة الإحساس أو الضمير والتي تستغل حاجة الفقراء وتمعن في الضغط عليهم بكافة السبل لكي تأخذ كلاهم بأرخص الأسعار.

لكن ما يبعث على الاستغراب هو أن هؤلاء الذين يتاجرون جهارا نهارا بالأعضاء البشرية يحظون في باكستان بالاحترام ويزعم المدافعون عنهم بأنهم يؤدون عملا إنسانيا، وذلك لأن من بينهم جراحين على مستوى رفيع من الشهرة وتجد بينهم كذلك ملاكا كبارا للمستشفيات الخاصة التي أصبحت نوعا من التجارة الرائجة التي لا تضبطها قوانين صارمة تجعل الغرض منها مساعدة المرضى بدلا من إتعاسهم.

وترى بعض المصادر الباكستانية الرسمية والإعلامية أن من الصعوبة بمكان وفي ظل الاحتياطات الأمنية والإجراءات القانونية المعمول بها أن يتم في العقود القادمة فرض حظر حكومي في ظل الظروف الحالية على بيع الأعضاء البشرية للاستخدام الطبي.

فأي حظر من هذا النوع لن يؤدي إلا إلى رفع أسعار الأعضاء البشرية إلى آفاق عالية، فالسوق السوداء التي تشرف على هذه التجارة الرائج سوقها سوف تزيد من تعقيد عملياتها وإخفاء أساليبها بما يكفل نجاتها من الملاحقة القانونية ويكون الخاسر الأكبر من فرض هذا الحظر هو المريض وحده والذي يضطر إلى إعادة حساباته ودفع المزيد من الأموال أكثر مما يعرفه في السوق كما سيؤدى ذلك إلى قصر هذا العلاج على الأغنياء والمرتبطين بقوة بهذه المستشفيات الخاصة.

كما أنه لا يوجد في باكستان نظام قوي يكفل العناية بالمصابين بالحوادث مثل حوادث السير على سبيل المثال والتوصل من خلال الحفاظ عليهم إلى إقامة بنك للأعضاء البشرية من الذين يفارقون الحياة بسبب هذه الحوادث.

ولهذا فإنه من الغرابة بمكان أن الحل الوحيد المتبقي في ظل هذه الظروف هو العمل على تقنين عملية بيع الأعضاء وجعلها خاضعة لضوابط وقانون تمنعها من الخروج إلى أبعد من نطاقها الحالى المعروف. حيث أن تنظيم عملية التبرع وتوعية المتبرع بالعواقب التي سيتعرض لها من جراء تخليه عن إحدى كليتيه سوف يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يتجه إلى التبرع بكليته من أجل أن يقوم بسداد ديونه أو أن يحصل على القليل من المال لسد رمق عائلته.

التعليقات