من يوميات سجين فلسطيني في غرف العملاء3:حبكوا المسرحية واستدرجوني...واعترفت
"هكذا خدعوني"...
من يوميات سجين فلسطيني في "غرف العصافير"
غزة-دنيا الوطن
الفصل الثالث:
نهاية الـ25 يوما في "غرف العصافير"
حبكوا المسرحية واستدرجوني...واعترفت
نابلس: سامر خويرة
محاولة أخيرة من جسد منهك
في سعي لأكون أكثر أمنا، وكي أضعهم أمام خيار إذا ما تحقق فعلا أستطيع معرفة صدقهم من عدمه، أبلغتهم في الجلسة التي تلتها بمعرفتي لكثير من المعتقلين في هذا السجن، طلبت منهم أن يأتوني بأحد الأسرى الذين أعرفهم ولمدة دقيقة واحدة ليراكم، على أن يعرفكم، ولا يمانع في جلوسي معكم!
أجابوني (موجه الخيمة، والأمير الأمني، وشاويشها) بأنهم سيرفعون طلبي للإخوة في مجلس الشورى ويردون لي جواب، كان هذا أخر أمل لدي، وهو بمثابة اختبار لصدقهم، وأصبحت أعيش أيامي منتظرا الفرصة الحاسمة.
في هذه الأثناء كان الضغط علي من قبلهم يتضاعف، كنت وحيدا، كنت أشعر أنني ورقة خاسرة مقارنة بهم، حيث يتمتعون بالمناصب (الوهمية)، ويساندون بعضهم البعض في سبيل إقناعي بما يقولون، ويحاربون ردودي بكلام منطقي يبدو الصدق منه.
وجاءني الرد من "موجه الخيمة" في اليوم السادس عشر، كان ردا سلبيا، قالوا في البداية أن طلبي مرفوض، فهو خرق للنظام والقانون.
وبعد نقاشات عدة، وأكثر من جلسة متتالية أبلغوني أنه لحساسية قضيتي البالغة، تم تشكيل لجنة ستجلس معي، وتأخذ مني المعلومات، ومن ضمنهم شخصا أعرفه من الخارج، وهو يعرفني كذلك.
قلت فرحا: "وهو المطلوب".
قبل يومين من اللقاء
أبلغت في جلسة خاصة بأني سأقابل اللجنة، التي أوكل إليها أمري، خلال يومين، قالوا: ستخرج في زيارة للأقسام الأخرى للتمويه على المقابلة.
مرت اليومان ولم أخرج.
وفي سبيل لعبهم بالوقت وبأعصابي أبلغني "موجه الخيمة" بأني سأقابل هذه اللجنة بعد رجوعي من محكمتي (التي قررت المخابرات إنزالي إليها) وكان قد حان موعدها في يوم لقائي مع اللجنة المزعومة.
كانت الصدمة والحيرة في اليوم التالي، لم يأت اسمي للذهاب إلى المحكمة كما هو مقرر، جاء "الموجه" وأبلغني بدهشته من عدم إنزالي إلى المحكمة، وأن ممثل المعتقل يتابع الأمر مع إدارة السجن.
كنت كالغريق وسط هذا التناقض كله، أريد أن أعرف ما الذي يجري، ومن الكاذب والصادق من الأشخاص المتواجدين حولي.
إما الإفراج أو الإداري...
وجاء اليوم التالي صعبا، لم أنم طوال الليل، وأبلغني "الموجه" بأن الإخوة في مجلس الشورى قد اطلعوا على إفادتي التي كتبتها عند المحققين بعد وصولها عن طريق المحامي الذي وكل بقضيتي، وأن تحليلهم للإفادة (أي ملفي داخل السجن وأقوالي في جلسات التحقيق) تحتمل إحدى حالتين: "إما أن آخذ حكماً إداريا، (وهو حكم غالبا ما يتراوح من ثلاث أشهر إلى ستة، يحكم به القاضي نظرا لعدم توفر الأدلة القانونية التي تدين المعتقل، وللمحكمة العسكرية صلاحية لتمديد الحكم إلى ما لانهاية من الأحكام الإدارية) أو يأتيني إفراج، فنتيجة دراستها وجدوها لا تدينني بشيء.
فأجبته مستبشرا: "أنا متوقع هذا أيضاً".
وأخبرني "الموجه" بعد أن عانقني مبتهجا أنه لا توجد أمام المخابرات الإسرائيلية سوى 96 ساعة، وأن هناك احتمالا لأن ينزلوني خلالها إلى المحكمة، أو أن يحققوا معي مرة أخرى، فإذا مضت هذه المدة دون أية إجراء لن يكون هناك إلا أحد الاحتمالين: الإفراج أو السجن الإداري.
كان في كل ساعة يأتي الموجه بأخبار جديدة، وأحيانا متناقضة، لكنه يفسرها بأسلوب منطقي مقنع، يحاول أن يدخل الدفء المصطنع إلى قلبي، وان يزيل خوفي، لكنني كنت أضطرب كثيرا للتغيرات الكثيرة داخل الخيمة، ولا سيما وأن هناك رفاق لي يغادرون الخيمة إلى الأقسام الأخرى (في الحقيقة لم يكونوا يغاردون للأقسام الأخرى، بل كانوا يعودون إلى التحقيق مرة أخرى).
وفي محاولة إدخال الطمأنينة إلى صدري أبلغني "الموجه" أن كثيرا من إخواني الذين يعرفونني في الأقسام الداخلية يوصلون إلي السلام، وأنهم يطالبونه (أي الموجه) لأنقل إلى قسمهم، ولكن هناك توصيات أمنية مشددة عليّ من الإخوة المسئولين في داخل السجن وخارجه تهدف إلى عدم تركيز الأضواء علي، وعدم إشراكي في الأنشطة في داخل السجن كي أستطيع إكمال طريقي بأمان إن جاءني الإفراج.
وتابع: "وأقسم لك بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أن كل ما نفعله هو من أجل مصلحتك".
وبعد انقضاء الـ 96 ساعة عاد الموجه وأبلغني أن الإخوة في مجلس الشورى العام يوصلون إلي سلامهم، ويتمنون الإفراج العاجل لي، وأنهم يقفون على أعصاب مشدودة، من أجلي، أكثر مني.
كنت أتلقى كلماته كأنها البرد والسلام علي، كان لها إيقاعا خاصا بعد أن كنت في وضع نفسي لا أحسد عليه.
متاهة...
وأضاف مظهرا الحرص على سلامتي أن هناك خلافا شديدا بين الإخوة في مجلس الشورى بشأني، فالإخوة الذين يمثلون تنظيمك في المجلس يطالبونك بشدة كي تخرج إليهم زيارة، وباقي الإخوة يرفضون ذلك.
"هل تعرف لماذا ؟ فقلت له لماذا؟!"
قال: "باقي الإخوة في المجلس قد طلبوا من ممثلي تنظيمك أن يتأنوا، لأنهم ليسوا متأكدين من أن المخابرات الإسرائيلية ستتعمد الإفراج عني من أجل متابعتي واستغلالي كطعم من أجل الوصول لمن ورائي من الأخوة! وهذا اقنع الإخوة في تنظيمك، فلم يكن هذا الحساب في خاطرهم أو على بالهم.
قلت: "ولكنه خاطراً على بالي، ومن أجل ذلك عندما يفرج عني أعرف جيداً كيف سأتدبر أموري.
تناسى كلماتي واسترسل في حديثه...كان يدخلني في متاهة بعد أخرى، وما كنت أستعيد توازني حتى يقلبه بموضوع جديد له الثقل والإيقاع الكبيران.
ثم أبلغني أن غدا سيدخل جهاز "البلفون" خصيصاً من أجلي، كي أتحدث مع أهلي وأطمئنهم علي، وأنه سيجلس معي كي ننهي الموضوع.
في اليوم السابع عشر...اعترفت
وبالفعل، جاء الجهاز النقال في اليوم التالي، وتكلمت مع أهلي ضمن إجراءات مشددة بغية أن لا يعرف بقية المعتقلين بأمره (أي الهاتف)، وعندما شاهدوا شدة فرح أهلي بسماع صوتي كادت الدموع تنزل من عيونهم لشدة التأثر الذي تظاهروا به.
وبعد أن أنهيت المكالمة التي كانت "القشة التي كسرت ظهر البعير" فيما يتعلق بقضيتي، طالبوني بتقدم بعض المعلومات، ولو رؤوس أقلام، كي يوثقوها ويطابقوها مع ما عندهم من تقارير قبل أن يأتيني الإفراج، إن شاء الله.
كان ذلك بعد مرور 17 يوماً على الجلسات المكثفة بأنواعها لإنهاء الموضوع، بغية أن أعيش حياتي الطبيعية بينهم، كنت ألحظ خرج الجميع من هذا القسم إلا أنا، أنا المتأخر لتأخري في تقديم المعلومات لهم، والخائف من هاجس أن يكونوا "عصافير"، أنا الصامت والذكي المحنك الذي كسر ظهره عندما اندلق لساني، الذي تمنيت قطعة، مزودا إياهم بالمعلومات.
...اعترفت لهم...،...، أنكسر ظهري...
شكروني على التزامي معهم، وطلبوا مني أن أتريث إلى أن يأتي القرار من الإدارة بشأن قضيتي.
عند هذه النقطة كان مفعول "غرف العصافير" قد نجح معي، دوخني وجعلني خرقة في أيديهم، وانتهي دورهم الحقيقي، ولم يبق سوى بعض رتوش المسرحية لتكتمل فصولها.
قهقهوا سرا على فتح شفرة سري، وأنا دخلت فصلا أخر من المعاناة.
الوداع الاحتفالي... وعدت قربانا إلى زنازين التحقيق
مرت بضعة أيام، كانت عادية تماما، أوهموني أنهم يستوضحون عن بعض النقاط التي قلتها لهم "بعد كثرة غلبة"، كما قالوا، ومن ثم أسهروني ليلة كاملة، ليلة حراسة في الشفت الليلي دلالة على ثقتهم بي.
وفي صباح اليوم التالي دخل الموجه إلى القسم، ونادى علي بأعلى صوته مباركا لي بالإفراج، وقام بمعانقتي، وبدأ الجميع يفعل فعله، ويوصونني بالثبات على قناعاتي الأمنية.
أحضروا لي من أحسن ثيابهم، ولبستها بعد حمام مميز، ثم قاموا بالنشيد لي، وودّعوني متأكدين من أنني سأقدم بعدها قربانا سهلا، جسدا بلا ملابس، خرقة بالية، معتقلا بمفتاح اعترافه لضباط التحقيق الذي قهقهوا كثيرا على الخدعة التي حبكت بدقة، ووقعت بها رغم معرفتي لتفاصيل الحياة في السجون الإسرائيلية.
أبلغني "الموجه" بإمكانية إتمام طريقي في الخارج، وطرق التواصل مع المقاومين، بعد أن طلبوا مني أن أجمّد أنشطتي لبضعة أشهر من باب الاحتياط.
...سلموا عليّ السلام الأخير، وطلبوا مني عدم نسياهم وإخوانهم المعتقلين.
...قذفوني في بطن الحوت...ودموعهم (الوهمية) تصل إلى لحاهم الطويلة.
قلت لهم بأعلى صوتي: "عهد عليّ أمام الله عز وجل أن لا أنساكم"!!
كانوا متقنين للدور الذي وضعتهم فيه المخابرات، يعزفون على فرحك وحزنك، وأنا بينهم معتقل وقع في الفخ الكبير الذي علمت به مسبقا.
ثم خرجوا بي على صوت النشيد والدعاء، وبدلاً من أن أفتح عيناي بين أهلي وأحبابي في بيتي ومدينتي، فإذا بي بين جدران الزنزانة، في فم المحققين من جديد، ويا لها من لحظة،... ما أقساها... وما أصعبها... وما أشدها، حتى لو لم تعترف في "غرف العصافير" فان تكتشف حقيقة المكان الذي كنت فيه بعد كل تلك المسرحية تكون قد تعرضت لصدمة قادرة على سحقك أمام تعذيب المحققين وضغطهم النفسي.
وقال المحقق بشهوة منتصر: "المهم من الذي يضحك بالآخر".
وضحك طويلا في محاولة استفزازي، وبكيت بحرقة، فلم يحدث معي ما نسميه "بكبوة حصان، أو خطأ حريف" لقد غرر بي ممثلون مهرة أخرجتهم المخابرات الإسرائيلية ودربتهم على فنون ذلك العمل.
7 من 27
وبعد مقاومة بسيطة، لملمت خلالها ما بقي من شجاعتي المسفوكة وقدرتي على الصبر والإنكار، سلمت بالأمر الواقع، واعترفت بكامل أنشطتي، لم يكن لدي علم مسبق أنه بإمكاني أن أتراجع عن كل ما حدث في غرفهم، فكل ذلك لا يدينني من الناحية القانونية إلا في حال اعترفت به، ووقعت على وثائق تؤكد ذلك.
ومن المفارقات التي حدثت معي داخل ذالك المكان إنني أنقذت ثلاثة شبان في الغرف نفسها، وحذرتهم من التكلم، والتفريط بالأمانة، وخرجوا قبلي بسلام من بين أيديهم، حيث قابلتهم لاحقاً في السجن، شكروني قائلين بأنهم لولاي لتكلموا بما عندهم!!
وأنا الغريق الذي يعتصر ألما ويريد أن يفرغ ما اعتمل أيامه السوداء.
واكتشفت في السجن بعد مراجعة حثيثة لما حدث معي الفرق بيني وبينهم، كان فرقا بسيطا لكنه مركزيا في السقوط من عدمه، يتمثل في طريقة تعاملي مع "العصافير"، كنت أعاملهم بأسلوب هادئ، ودبلوماسي، قائما على التفاهم، والأصل في ذلك أن لا يمنحون مجالا للنقاش منذ البداية.
وعندما خرجت من غرف العار كان في الخيمة "27" شخصاً، علمت لاحقا بعد عملية تدقيق أن منهم سبعة معتقلين شرفاء مروا بتجربتي نفسها، والباقي من "المتعصفرين" في غرف العار والاعتراف والإسقاط.
وعلى "نار هادئة" طبخت تفاصيل اعترافي أمام العصافير والمحققين.
نصائح المقهور من دم تجربته
وهكذا ومن بحر تجربتي التي عشتها خلال فترة التحقيق التي جاءت على مراحل ثلاث، الأولى مع رجال المخابرات، والثانية في غرف العصافير، والعودة لرجال المخابرات ثالثا يجدر بي أن ألخص خلاصة تجربتي المرة، التي بطبيعة الحال لن أنساها ما دمت حيا، فهي كانت بمثابة انقلاب في حياتي، انقلاب سلبي، الخطأ فيها كان قاتلا لي ولغيري من الأخوة المعتلقين، وهنا ألخص نصائحي بالاتي:
1) يرتبط طول أو قصر فترة الإقامة في الزنازين والتحقيق فيها بمقدار "قصر لسانك"، واستمرار رفضك التوقيع على أي ورقة، وإنكارك لاعترافات الغير، وكذلك رفضك الجلوس على ما يسمى بجهاز كشف الكذب.
2) في حال رفضك الجلوس على ما يدعى بجهاز كشف الكذب تكسب نقطة لصالحك، وعندها لا تخضع لاتهامك بالكذب حينها، لأنك لو كنت صادقاً لوافقت أن تجلس عليها كما يدّعون.
3) ليس التعذيب بمسبب الاعتراف بمقدار ما يلعب الاستدراج في التفكير في الاعتراف هو السبب.
4) من الناحية القانونية لا يدينك إلا ما توقع عليه عند التحقيق معك، أو اعتراف الغير إن ثبت.
5) ما يحدث عند المحقق أو العصافير –العملاء– تستطيع إنكاره كله عند إعطاء إفادة الشرطة، كما تستطيع أن تنكر بشكل عام اعتراف الغير وهذا يساعد في تخفيف حكمك.
6) أي تسجيل لصوتك، أو تصوير لشخصك لا يدينك إذا انكرته من الناحية القانونية.
7) عليك الحذر من أن يقنعك المحقق بأن أي معتقل من مجموعتك أو تنظيمك قد اعترف بكل شيء، وأنك بصمودك تتعب نفسك بلا فائدة، فهذا بداية الانهيار وطريقا للاعتراف.
8) احذر من أن تأمن جانب أي أحد تقابله من المعتقلين في الزنازين، أو أن تعطي أمانا لأي اسم تكون قد سمعت به، أو قرأته مكتوبا في أي مكان في التحقيق.
9) انتبه وأنت في الزنازين والغرف خلال فترة التحقيق مما تتكلمه، وتحديدا إذا جمعوك في مكان واحد مع أبناء قضيتك، فكثيراً من هذه المواقع يخضع للتنصت والمراقبة.
10) لا تجعل من شوقك للخروج من "مقابر" الزنازين والتحقيق بأي طريقة عامل هدم لمعنوياتك ونفسيتك، فيؤدي إلى انهيارك واعترافك، والاحتلال ففي الزنازين تحرم من أبسط مقومات الحياة، ويمنحك إياها المحقق في غرف المحقق، لتكون وسيلة ضغط عليك من الناحية النفسية.
11) لا تنس انك قبل الاعتقال كنت مستعدا لتقديم أعظم التضحيات، وأنت تدرك إمكانيات العدو التي أمامك، فيجب أن تحافظ على روح معنوية عالية، وأن لا تشعر بالصغر واليأس.
12) كن دائم الصلة والذكر والاستعانة بالله في مراحل التحقيق كلها، فهو رفيقك الوحيد، واعرفه في الرخاء يعرفك في أوقات الشدة.
13) يجدر بك استحضار وأنت في أقبية التحقيق أمثلة التضحية والثبات في الصمود من الصحابة والتابعين إلى يوم الدين، وبالمقابل انزع من تفكيرك الأمثلة السلبية جميعها ممن تعرفهم.
14) لا تخش من أي تهديد تتعرض له في التحقيق سواء أكان بتعذيب أو اعتقال أي أحد من أهل بيتك، أو هدم منزلك، أو حكمك لفترة طويلة، أو إبعادك … الخ، فهذا لا يتجاوز مرحلة التهديد من أجل الضغط عليك، وفي حال اتخذ قراراً كهذا فإنه سينفذ سواء اعترفت أم لم تعترف.
15) اجعل بينك وبين المحقق نوع من التحدي، فهو يريدك أن تعترف، وأنت يجب أن تتحداه بعدم اعترافك، وستبقى عزيمتك قوية واستعدادك للتضحية عالياً.
16) كي لا تقع في حبائل ما يدعون بـ"العصافير" أو "العملاء" عليك أن لا تفشي سرك على أحد، حتى لو كان أكبر مسؤول تنظيمي، وأن لا تتنازل عن هذا المبدأ تحت أي تبرير أو شعار، فكرة الحديث في هذا الموضوع مرفوضة أصلاً وتحت أي شعار أو حجة.
17) احذر من الرياء، وحب الظهور، والافتخار بنفسك، وتاريخك، فهذا وتر تعزف "العصافير" عليه بقوة، وهو يدفعك إلى التكلم بأفعالك الجهادية والنضالية، وقد تضاعفها، فالإخلاص بالعمل لله طمعاً بالأجر، والثواب، والمنزلة منه وحده.
18) بعد اعتقالك لا تحرص على إيصال أي معلومة لإخوانك خارج السجن مهما كانت الثغرات التي تركتها وراءك، ولا تفكر بها، وكن موقنا أن نسيانهم جميعاً هو أفضل حرصا، وأكبر خدمة تقدمها لهم.
وأخيراً وليس أخرا لا يملك أحد إخراج أسرارك الباطنية إلا إذا أردت أنت ذلك، ومن كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، وستعلم، من مجمل ما جري لك، بعد خروجك من السجن أن أساليب التحقيق كلها إن هي إلا مسرحية كبيرة محكمة، أراد المحققون أن يمرروها عليك بكل أساليب الضغط والإقناع الممكنة... فالثبات... الثبات.
كلمة لا بد منها
أخي السجين في صدرك كنز ثمين، وأي معلومة مهما كانت صغيرة تعتبر في ميزان رجال المخابرات صيد ثمين، ويجب أن تدرك أن أساليب العصافير تتغير، وهناك مسرحيات أخرى بأبطال ومعذبين آخرين، وهي مسرحيات منتجة ببراعة، محبوكة جيدا، وأنت في سبيل سد ثغراتك، وتزويدك بالنذر اليسير من المعلومات عن هذا الواقع الجديد تكلفت عناء استرجاع الذاكرة رغم الألم الذي اعتمل صدري، لكن الأمل في الفائدة والإفادة كان دافعي الأكبر، وهمي الأعظم.
أخوكم المعتقل "س. ع"
*اسلام اون لاين
من يوميات سجين فلسطيني في "غرف العصافير"
غزة-دنيا الوطن
الفصل الثالث:
نهاية الـ25 يوما في "غرف العصافير"
حبكوا المسرحية واستدرجوني...واعترفت
نابلس: سامر خويرة
محاولة أخيرة من جسد منهك
في سعي لأكون أكثر أمنا، وكي أضعهم أمام خيار إذا ما تحقق فعلا أستطيع معرفة صدقهم من عدمه، أبلغتهم في الجلسة التي تلتها بمعرفتي لكثير من المعتقلين في هذا السجن، طلبت منهم أن يأتوني بأحد الأسرى الذين أعرفهم ولمدة دقيقة واحدة ليراكم، على أن يعرفكم، ولا يمانع في جلوسي معكم!
أجابوني (موجه الخيمة، والأمير الأمني، وشاويشها) بأنهم سيرفعون طلبي للإخوة في مجلس الشورى ويردون لي جواب، كان هذا أخر أمل لدي، وهو بمثابة اختبار لصدقهم، وأصبحت أعيش أيامي منتظرا الفرصة الحاسمة.
في هذه الأثناء كان الضغط علي من قبلهم يتضاعف، كنت وحيدا، كنت أشعر أنني ورقة خاسرة مقارنة بهم، حيث يتمتعون بالمناصب (الوهمية)، ويساندون بعضهم البعض في سبيل إقناعي بما يقولون، ويحاربون ردودي بكلام منطقي يبدو الصدق منه.
وجاءني الرد من "موجه الخيمة" في اليوم السادس عشر، كان ردا سلبيا، قالوا في البداية أن طلبي مرفوض، فهو خرق للنظام والقانون.
وبعد نقاشات عدة، وأكثر من جلسة متتالية أبلغوني أنه لحساسية قضيتي البالغة، تم تشكيل لجنة ستجلس معي، وتأخذ مني المعلومات، ومن ضمنهم شخصا أعرفه من الخارج، وهو يعرفني كذلك.
قلت فرحا: "وهو المطلوب".
قبل يومين من اللقاء
أبلغت في جلسة خاصة بأني سأقابل اللجنة، التي أوكل إليها أمري، خلال يومين، قالوا: ستخرج في زيارة للأقسام الأخرى للتمويه على المقابلة.
مرت اليومان ولم أخرج.
وفي سبيل لعبهم بالوقت وبأعصابي أبلغني "موجه الخيمة" بأني سأقابل هذه اللجنة بعد رجوعي من محكمتي (التي قررت المخابرات إنزالي إليها) وكان قد حان موعدها في يوم لقائي مع اللجنة المزعومة.
كانت الصدمة والحيرة في اليوم التالي، لم يأت اسمي للذهاب إلى المحكمة كما هو مقرر، جاء "الموجه" وأبلغني بدهشته من عدم إنزالي إلى المحكمة، وأن ممثل المعتقل يتابع الأمر مع إدارة السجن.
كنت كالغريق وسط هذا التناقض كله، أريد أن أعرف ما الذي يجري، ومن الكاذب والصادق من الأشخاص المتواجدين حولي.
إما الإفراج أو الإداري...
وجاء اليوم التالي صعبا، لم أنم طوال الليل، وأبلغني "الموجه" بأن الإخوة في مجلس الشورى قد اطلعوا على إفادتي التي كتبتها عند المحققين بعد وصولها عن طريق المحامي الذي وكل بقضيتي، وأن تحليلهم للإفادة (أي ملفي داخل السجن وأقوالي في جلسات التحقيق) تحتمل إحدى حالتين: "إما أن آخذ حكماً إداريا، (وهو حكم غالبا ما يتراوح من ثلاث أشهر إلى ستة، يحكم به القاضي نظرا لعدم توفر الأدلة القانونية التي تدين المعتقل، وللمحكمة العسكرية صلاحية لتمديد الحكم إلى ما لانهاية من الأحكام الإدارية) أو يأتيني إفراج، فنتيجة دراستها وجدوها لا تدينني بشيء.
فأجبته مستبشرا: "أنا متوقع هذا أيضاً".
وأخبرني "الموجه" بعد أن عانقني مبتهجا أنه لا توجد أمام المخابرات الإسرائيلية سوى 96 ساعة، وأن هناك احتمالا لأن ينزلوني خلالها إلى المحكمة، أو أن يحققوا معي مرة أخرى، فإذا مضت هذه المدة دون أية إجراء لن يكون هناك إلا أحد الاحتمالين: الإفراج أو السجن الإداري.
كان في كل ساعة يأتي الموجه بأخبار جديدة، وأحيانا متناقضة، لكنه يفسرها بأسلوب منطقي مقنع، يحاول أن يدخل الدفء المصطنع إلى قلبي، وان يزيل خوفي، لكنني كنت أضطرب كثيرا للتغيرات الكثيرة داخل الخيمة، ولا سيما وأن هناك رفاق لي يغادرون الخيمة إلى الأقسام الأخرى (في الحقيقة لم يكونوا يغاردون للأقسام الأخرى، بل كانوا يعودون إلى التحقيق مرة أخرى).
وفي محاولة إدخال الطمأنينة إلى صدري أبلغني "الموجه" أن كثيرا من إخواني الذين يعرفونني في الأقسام الداخلية يوصلون إلي السلام، وأنهم يطالبونه (أي الموجه) لأنقل إلى قسمهم، ولكن هناك توصيات أمنية مشددة عليّ من الإخوة المسئولين في داخل السجن وخارجه تهدف إلى عدم تركيز الأضواء علي، وعدم إشراكي في الأنشطة في داخل السجن كي أستطيع إكمال طريقي بأمان إن جاءني الإفراج.
وتابع: "وأقسم لك بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أن كل ما نفعله هو من أجل مصلحتك".
وبعد انقضاء الـ 96 ساعة عاد الموجه وأبلغني أن الإخوة في مجلس الشورى العام يوصلون إلي سلامهم، ويتمنون الإفراج العاجل لي، وأنهم يقفون على أعصاب مشدودة، من أجلي، أكثر مني.
كنت أتلقى كلماته كأنها البرد والسلام علي، كان لها إيقاعا خاصا بعد أن كنت في وضع نفسي لا أحسد عليه.
متاهة...
وأضاف مظهرا الحرص على سلامتي أن هناك خلافا شديدا بين الإخوة في مجلس الشورى بشأني، فالإخوة الذين يمثلون تنظيمك في المجلس يطالبونك بشدة كي تخرج إليهم زيارة، وباقي الإخوة يرفضون ذلك.
"هل تعرف لماذا ؟ فقلت له لماذا؟!"
قال: "باقي الإخوة في المجلس قد طلبوا من ممثلي تنظيمك أن يتأنوا، لأنهم ليسوا متأكدين من أن المخابرات الإسرائيلية ستتعمد الإفراج عني من أجل متابعتي واستغلالي كطعم من أجل الوصول لمن ورائي من الأخوة! وهذا اقنع الإخوة في تنظيمك، فلم يكن هذا الحساب في خاطرهم أو على بالهم.
قلت: "ولكنه خاطراً على بالي، ومن أجل ذلك عندما يفرج عني أعرف جيداً كيف سأتدبر أموري.
تناسى كلماتي واسترسل في حديثه...كان يدخلني في متاهة بعد أخرى، وما كنت أستعيد توازني حتى يقلبه بموضوع جديد له الثقل والإيقاع الكبيران.
ثم أبلغني أن غدا سيدخل جهاز "البلفون" خصيصاً من أجلي، كي أتحدث مع أهلي وأطمئنهم علي، وأنه سيجلس معي كي ننهي الموضوع.
في اليوم السابع عشر...اعترفت
وبالفعل، جاء الجهاز النقال في اليوم التالي، وتكلمت مع أهلي ضمن إجراءات مشددة بغية أن لا يعرف بقية المعتقلين بأمره (أي الهاتف)، وعندما شاهدوا شدة فرح أهلي بسماع صوتي كادت الدموع تنزل من عيونهم لشدة التأثر الذي تظاهروا به.
وبعد أن أنهيت المكالمة التي كانت "القشة التي كسرت ظهر البعير" فيما يتعلق بقضيتي، طالبوني بتقدم بعض المعلومات، ولو رؤوس أقلام، كي يوثقوها ويطابقوها مع ما عندهم من تقارير قبل أن يأتيني الإفراج، إن شاء الله.
كان ذلك بعد مرور 17 يوماً على الجلسات المكثفة بأنواعها لإنهاء الموضوع، بغية أن أعيش حياتي الطبيعية بينهم، كنت ألحظ خرج الجميع من هذا القسم إلا أنا، أنا المتأخر لتأخري في تقديم المعلومات لهم، والخائف من هاجس أن يكونوا "عصافير"، أنا الصامت والذكي المحنك الذي كسر ظهره عندما اندلق لساني، الذي تمنيت قطعة، مزودا إياهم بالمعلومات.
...اعترفت لهم...،...، أنكسر ظهري...
شكروني على التزامي معهم، وطلبوا مني أن أتريث إلى أن يأتي القرار من الإدارة بشأن قضيتي.
عند هذه النقطة كان مفعول "غرف العصافير" قد نجح معي، دوخني وجعلني خرقة في أيديهم، وانتهي دورهم الحقيقي، ولم يبق سوى بعض رتوش المسرحية لتكتمل فصولها.
قهقهوا سرا على فتح شفرة سري، وأنا دخلت فصلا أخر من المعاناة.
الوداع الاحتفالي... وعدت قربانا إلى زنازين التحقيق
مرت بضعة أيام، كانت عادية تماما، أوهموني أنهم يستوضحون عن بعض النقاط التي قلتها لهم "بعد كثرة غلبة"، كما قالوا، ومن ثم أسهروني ليلة كاملة، ليلة حراسة في الشفت الليلي دلالة على ثقتهم بي.
وفي صباح اليوم التالي دخل الموجه إلى القسم، ونادى علي بأعلى صوته مباركا لي بالإفراج، وقام بمعانقتي، وبدأ الجميع يفعل فعله، ويوصونني بالثبات على قناعاتي الأمنية.
أحضروا لي من أحسن ثيابهم، ولبستها بعد حمام مميز، ثم قاموا بالنشيد لي، وودّعوني متأكدين من أنني سأقدم بعدها قربانا سهلا، جسدا بلا ملابس، خرقة بالية، معتقلا بمفتاح اعترافه لضباط التحقيق الذي قهقهوا كثيرا على الخدعة التي حبكت بدقة، ووقعت بها رغم معرفتي لتفاصيل الحياة في السجون الإسرائيلية.
أبلغني "الموجه" بإمكانية إتمام طريقي في الخارج، وطرق التواصل مع المقاومين، بعد أن طلبوا مني أن أجمّد أنشطتي لبضعة أشهر من باب الاحتياط.
...سلموا عليّ السلام الأخير، وطلبوا مني عدم نسياهم وإخوانهم المعتقلين.
...قذفوني في بطن الحوت...ودموعهم (الوهمية) تصل إلى لحاهم الطويلة.
قلت لهم بأعلى صوتي: "عهد عليّ أمام الله عز وجل أن لا أنساكم"!!
كانوا متقنين للدور الذي وضعتهم فيه المخابرات، يعزفون على فرحك وحزنك، وأنا بينهم معتقل وقع في الفخ الكبير الذي علمت به مسبقا.
ثم خرجوا بي على صوت النشيد والدعاء، وبدلاً من أن أفتح عيناي بين أهلي وأحبابي في بيتي ومدينتي، فإذا بي بين جدران الزنزانة، في فم المحققين من جديد، ويا لها من لحظة،... ما أقساها... وما أصعبها... وما أشدها، حتى لو لم تعترف في "غرف العصافير" فان تكتشف حقيقة المكان الذي كنت فيه بعد كل تلك المسرحية تكون قد تعرضت لصدمة قادرة على سحقك أمام تعذيب المحققين وضغطهم النفسي.
وقال المحقق بشهوة منتصر: "المهم من الذي يضحك بالآخر".
وضحك طويلا في محاولة استفزازي، وبكيت بحرقة، فلم يحدث معي ما نسميه "بكبوة حصان، أو خطأ حريف" لقد غرر بي ممثلون مهرة أخرجتهم المخابرات الإسرائيلية ودربتهم على فنون ذلك العمل.
7 من 27
وبعد مقاومة بسيطة، لملمت خلالها ما بقي من شجاعتي المسفوكة وقدرتي على الصبر والإنكار، سلمت بالأمر الواقع، واعترفت بكامل أنشطتي، لم يكن لدي علم مسبق أنه بإمكاني أن أتراجع عن كل ما حدث في غرفهم، فكل ذلك لا يدينني من الناحية القانونية إلا في حال اعترفت به، ووقعت على وثائق تؤكد ذلك.
ومن المفارقات التي حدثت معي داخل ذالك المكان إنني أنقذت ثلاثة شبان في الغرف نفسها، وحذرتهم من التكلم، والتفريط بالأمانة، وخرجوا قبلي بسلام من بين أيديهم، حيث قابلتهم لاحقاً في السجن، شكروني قائلين بأنهم لولاي لتكلموا بما عندهم!!
وأنا الغريق الذي يعتصر ألما ويريد أن يفرغ ما اعتمل أيامه السوداء.
واكتشفت في السجن بعد مراجعة حثيثة لما حدث معي الفرق بيني وبينهم، كان فرقا بسيطا لكنه مركزيا في السقوط من عدمه، يتمثل في طريقة تعاملي مع "العصافير"، كنت أعاملهم بأسلوب هادئ، ودبلوماسي، قائما على التفاهم، والأصل في ذلك أن لا يمنحون مجالا للنقاش منذ البداية.
وعندما خرجت من غرف العار كان في الخيمة "27" شخصاً، علمت لاحقا بعد عملية تدقيق أن منهم سبعة معتقلين شرفاء مروا بتجربتي نفسها، والباقي من "المتعصفرين" في غرف العار والاعتراف والإسقاط.
وعلى "نار هادئة" طبخت تفاصيل اعترافي أمام العصافير والمحققين.
نصائح المقهور من دم تجربته
وهكذا ومن بحر تجربتي التي عشتها خلال فترة التحقيق التي جاءت على مراحل ثلاث، الأولى مع رجال المخابرات، والثانية في غرف العصافير، والعودة لرجال المخابرات ثالثا يجدر بي أن ألخص خلاصة تجربتي المرة، التي بطبيعة الحال لن أنساها ما دمت حيا، فهي كانت بمثابة انقلاب في حياتي، انقلاب سلبي، الخطأ فيها كان قاتلا لي ولغيري من الأخوة المعتلقين، وهنا ألخص نصائحي بالاتي:
1) يرتبط طول أو قصر فترة الإقامة في الزنازين والتحقيق فيها بمقدار "قصر لسانك"، واستمرار رفضك التوقيع على أي ورقة، وإنكارك لاعترافات الغير، وكذلك رفضك الجلوس على ما يسمى بجهاز كشف الكذب.
2) في حال رفضك الجلوس على ما يدعى بجهاز كشف الكذب تكسب نقطة لصالحك، وعندها لا تخضع لاتهامك بالكذب حينها، لأنك لو كنت صادقاً لوافقت أن تجلس عليها كما يدّعون.
3) ليس التعذيب بمسبب الاعتراف بمقدار ما يلعب الاستدراج في التفكير في الاعتراف هو السبب.
4) من الناحية القانونية لا يدينك إلا ما توقع عليه عند التحقيق معك، أو اعتراف الغير إن ثبت.
5) ما يحدث عند المحقق أو العصافير –العملاء– تستطيع إنكاره كله عند إعطاء إفادة الشرطة، كما تستطيع أن تنكر بشكل عام اعتراف الغير وهذا يساعد في تخفيف حكمك.
6) أي تسجيل لصوتك، أو تصوير لشخصك لا يدينك إذا انكرته من الناحية القانونية.
7) عليك الحذر من أن يقنعك المحقق بأن أي معتقل من مجموعتك أو تنظيمك قد اعترف بكل شيء، وأنك بصمودك تتعب نفسك بلا فائدة، فهذا بداية الانهيار وطريقا للاعتراف.
8) احذر من أن تأمن جانب أي أحد تقابله من المعتقلين في الزنازين، أو أن تعطي أمانا لأي اسم تكون قد سمعت به، أو قرأته مكتوبا في أي مكان في التحقيق.
9) انتبه وأنت في الزنازين والغرف خلال فترة التحقيق مما تتكلمه، وتحديدا إذا جمعوك في مكان واحد مع أبناء قضيتك، فكثيراً من هذه المواقع يخضع للتنصت والمراقبة.
10) لا تجعل من شوقك للخروج من "مقابر" الزنازين والتحقيق بأي طريقة عامل هدم لمعنوياتك ونفسيتك، فيؤدي إلى انهيارك واعترافك، والاحتلال ففي الزنازين تحرم من أبسط مقومات الحياة، ويمنحك إياها المحقق في غرف المحقق، لتكون وسيلة ضغط عليك من الناحية النفسية.
11) لا تنس انك قبل الاعتقال كنت مستعدا لتقديم أعظم التضحيات، وأنت تدرك إمكانيات العدو التي أمامك، فيجب أن تحافظ على روح معنوية عالية، وأن لا تشعر بالصغر واليأس.
12) كن دائم الصلة والذكر والاستعانة بالله في مراحل التحقيق كلها، فهو رفيقك الوحيد، واعرفه في الرخاء يعرفك في أوقات الشدة.
13) يجدر بك استحضار وأنت في أقبية التحقيق أمثلة التضحية والثبات في الصمود من الصحابة والتابعين إلى يوم الدين، وبالمقابل انزع من تفكيرك الأمثلة السلبية جميعها ممن تعرفهم.
14) لا تخش من أي تهديد تتعرض له في التحقيق سواء أكان بتعذيب أو اعتقال أي أحد من أهل بيتك، أو هدم منزلك، أو حكمك لفترة طويلة، أو إبعادك … الخ، فهذا لا يتجاوز مرحلة التهديد من أجل الضغط عليك، وفي حال اتخذ قراراً كهذا فإنه سينفذ سواء اعترفت أم لم تعترف.
15) اجعل بينك وبين المحقق نوع من التحدي، فهو يريدك أن تعترف، وأنت يجب أن تتحداه بعدم اعترافك، وستبقى عزيمتك قوية واستعدادك للتضحية عالياً.
16) كي لا تقع في حبائل ما يدعون بـ"العصافير" أو "العملاء" عليك أن لا تفشي سرك على أحد، حتى لو كان أكبر مسؤول تنظيمي، وأن لا تتنازل عن هذا المبدأ تحت أي تبرير أو شعار، فكرة الحديث في هذا الموضوع مرفوضة أصلاً وتحت أي شعار أو حجة.
17) احذر من الرياء، وحب الظهور، والافتخار بنفسك، وتاريخك، فهذا وتر تعزف "العصافير" عليه بقوة، وهو يدفعك إلى التكلم بأفعالك الجهادية والنضالية، وقد تضاعفها، فالإخلاص بالعمل لله طمعاً بالأجر، والثواب، والمنزلة منه وحده.
18) بعد اعتقالك لا تحرص على إيصال أي معلومة لإخوانك خارج السجن مهما كانت الثغرات التي تركتها وراءك، ولا تفكر بها، وكن موقنا أن نسيانهم جميعاً هو أفضل حرصا، وأكبر خدمة تقدمها لهم.
وأخيراً وليس أخرا لا يملك أحد إخراج أسرارك الباطنية إلا إذا أردت أنت ذلك، ومن كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، وستعلم، من مجمل ما جري لك، بعد خروجك من السجن أن أساليب التحقيق كلها إن هي إلا مسرحية كبيرة محكمة، أراد المحققون أن يمرروها عليك بكل أساليب الضغط والإقناع الممكنة... فالثبات... الثبات.
كلمة لا بد منها
أخي السجين في صدرك كنز ثمين، وأي معلومة مهما كانت صغيرة تعتبر في ميزان رجال المخابرات صيد ثمين، ويجب أن تدرك أن أساليب العصافير تتغير، وهناك مسرحيات أخرى بأبطال ومعذبين آخرين، وهي مسرحيات منتجة ببراعة، محبوكة جيدا، وأنت في سبيل سد ثغراتك، وتزويدك بالنذر اليسير من المعلومات عن هذا الواقع الجديد تكلفت عناء استرجاع الذاكرة رغم الألم الذي اعتمل صدري، لكن الأمل في الفائدة والإفادة كان دافعي الأكبر، وهمي الأعظم.
أخوكم المعتقل "س. ع"
*اسلام اون لاين
التعليقات