الزوج المخلوع منبوذ اجتماعياً والخلع زاد مشكلة العنوسة

الزوج المخلوع منبوذ اجتماعياً والخلع زاد مشكلة العنوسة

غزة-دنيا الوطن

قبل صدور قانون الخلع المعروف بقانون الأحوال الشخصية الجديد أو قانون سنة 2000 كان السبب الأساسي والرئيسي وراء المطالبة به من جميع المتخصصين هو إيجاد حالة من الاستقرار سواء في التقاضي بين الزوجين أو فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية للرجل والمراة، بعدها كان الواضح أن حق الطلاق القاصر علي تصرفات الرجل ومبادرته في معظم الأحيان وتعنت الرجال في استخدام هذا الحق وما يترتب عليه من آثار اجتماعية لها اشكال مختلفة كان من المنتظر تلاشي كل هذه الآثار أو معظمها بعد صدور قانون الخلع.

لكن منذ صدور هذا القانون قبل اربعة أعوام بدت وان هناك عدة عوامل سلبية لحقت بالرجل المخلوع انعكست هذه العوامل علي موضوعات اجتماعية أسرية منها العنوسة ونظرة النساء للرجل المخلوع.

والغريب أن آخر الدراسات التي أجرتها د. سهير كامل (المركز القومي) أشارت إلي أن قانون الخلع رغم انه ساهم في رفع المعاناة عن النساء واطلق حريتهن فإنه قد قيد حرية الرجل المخلوع وكانت نسبة النساء الرافضات الزواج برجل مخلوع بلغت اكثر من 61% في عينة الدراسة!!

ولم يكن قانون الخلع عندما خططه المشرع المصري علي اساس من الشريعة الإسلامية والدستور بما يجعل حق الأفراد مكفولاً في الحرية في عقد الزواج، والمساواة بين الرجل والمرأة في هذا الحق. ولم يكن يعتقد أن هناك آثارا سلبية قد تحوط هذا القانون فور إطلاقه ولم يكن من المتوقع أن يظهر في نوع جديد من السباب التي تلحق بالرجل المخلوع تفقده الاعتبار وتغير نظرة المرأة إليه علي هذا النحو.

ففي الدراسة التي اجرتها د. سهير كامل وشملت بعض القر ي والنجوع والمدن الكبري في مصر ظهر ان نسبة كبيرة من النساء في المدن الكبري ما زالت تعتقد ان الرجل يفقد اعتباره وربما جزءاً من رجولته إذا لم يطلق هو زوجته بإرادته فإذا خلعته المحكمة من الزوجة القديمة ظهر ان هناك صعوبات في ان تتقبل النسوة الزواج برجل خلعته زوجته من قبل.

وأظهرت الدراسة أيضاً (علي عينة في 7 قري في صعيد مصر) أن نسبة عالية وصلت 89% من النساء والفتيات والأهل ترفض الارتباط بزوج مخلوع حتي إن كان من أبناء القرية الذين يعيشون في المدن الكبري كالقاهرة والإسكندرية وأسيوط والمنيا، هؤلاء يرفضون ربط مصير بناتهم بزوج تم خلعه من قبل، إضافة إلي أن مجموعة كبري من النساء (كما كانت النسبة السالفة) ترفض الزواج بزوج مخلوع علي اساس أنه فقد جزءاً كبيراً من شخصيته الاعتبارية.

وفي قرية صغيرة في صعيد مصر (قرية طوخ المنيل) تبعد عن مدينة المنيا بحوالي 14 كيلومتراً رفضت معظم النساء (المطلقات او الفتيات) الزواج من أي رجل خلعته زوجته، ووصلت نسبة الرفض إلي 100% كما جاء بالدراسة، وتنوعت الأسباب التي ادعتها العينة سبباً لهذا الرفض ومنها عدم احتمال الحياة مع رجل مخلوع و نظرة المجتمع للرجل الذي رفضت امراته العيش معه والتساؤل حول الأسباب التي جعلت زوجته ترفض العيش معه . واظهرت الدراسة أيضاً كما تقول د. سهير كامل للقدس العربي أن الرجل المخلوع الذي رفضت زوجته العيش معه بعد حياة زوجية قائمة يعتبر من وجهة نظر العينة محل الدراسة نموذجاً غريباً لا يمكن الاعتماد عليه في حياة زوجية جديدة، بينما المرأة المطلقة رغم ان نظرة المجتمع هناك اليها في تلك المناطق نظره حذرة لكنها في الوقت نفسه لا تساوي النظرة للرجل الذي أنهت زوجته حياتها معه .

وقالت د. سهير أن نسبة كبيرة من الأهل والأقارب وأولياء الأمور يجدون المسألة صعبة في ان يتعايشوا مع زوج ابنتهم أو الذي تقدم لخطبتها وقد خلعته زوجة اولي، وقد تقل هذه النسبة إلي أعداد تتراوح بين 45% و59% بينما كانت نسبة الرجال الذين لا يتقدمون لخطبة فتاة من نفس العينة خوفاً من رد فعل اهلها ورفضهم التام والمؤكد زادت عن 49% في نفس العينة .

ويقول سعد جابر المحامي أمام محاكم الأحوال الشخصية: لا يمكن أن تعتبر هذه الأرقام خللاً في قانون الخلع نفسه إنما يمكن ان نعتبرها نوعاً من الخلل في المجتمع نفسه الذي ما زالت نظراته قاصرة خصوصاً في التعامل مع مثل هذه القضايا التي ما زالت إلي حد ما جديدة علي المجتمعات خاصة المجتمعات المغلقة مثل القري والنجوع .

ويضيف سعد جابر لللقدس العربي أن كثيراً من موكلاته اللاتي ينتمين للمدن الصعيدية (جنوب مصر) قد سحبن دعواهم أو تنازلن عنها خلال العمل بالقانون نتيجة لضغوط من الأهل أو من الزوج نفسه الذي آثر ان يقدم علي الطلاق مع ما يتحمله من تكاليف بدلاً من ان يظل مخلوعاً طوال حياته.

ويؤكد سعد جابر: قابلت اكثر من حالة اتخذت قرارها بالخلع خلال اكثر من سنتين وانتهت القضية بسحب الزوجة دعواها نتيجة عوامل ضاغطة لم يكن لها فيها يد .

وفي نهاية كلامه يشير سعد جابر إلي ضرورة عدم الاعتماد علي مثل هذه الدراسات في تقييم الحالة الحقيقية لقانون الاحوال الشخصية المعروف بقانون الخلع إذ انه ساهم في تحقيق انفراجة فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية، والضغوط الشديدة التي كانت تقع علي كاهل المرأة التي ترغب في الطلاق من زوجها، الأمر الذي يجعله يتعنت في هذا الحق، وأحياناً يتعسف في استخدامه.

أما د. زينب رضوان فتشير إلي أن الثقافة بشكل عام وألوان التعامل مع المجتمع بالنسبة للمرأة قد تغيرت كثيراً عن ذي قبل نظراً لجهود الدولة في هذا المجال. صحيح بقيت بعض الآثار التي تشير إلي طبيعة المجتمعات المحدودة ثقافياً لكن هذه الآثار لا تعني أن هناك خللاً في تطبيق القانون أو تنم علي آثار غير مرغوبة تجعل الربط وارداً بين القوانين وسلوك الأفراد تجاهها.

وتؤكد د. زينب أن الأصل في مثل هذه الموضوعات هو الربط بين نتائجها والسواد الأعظم من المستفيدين منها.

وأعود للدكتور سهير كامل (أستاذ الاجتماع) التي تؤكد أن آثار قانون الخلع غير المرغوبة التي أشارت إليها الدراسة أثيرت بشكل كبير علي عدة جوانب خاصة بالمرأة والفتاة والمرأة في الريف، كذلك اثرت علي ان نسبة العنوسة في حالات معينة وفي ظروف معينة تتأثر علي أساس ان كثيراً من الفتيات في بعض المناطق كانت آراؤهن تشير إلي تفضيلهن كونهن عوانس علي الزواج بزوج مخلوع.

وتنهي د. سهير كامل كلامها مؤكدة علي ان الظاهرة ممكن خلال الفترات القادمة أن تظهر نتائج لم يكن يتوقعها احد من قبل.

التعليقات