قطع الرؤوس يغزو الفضائيات العربية

قطع الرؤوس يغزو الفضائيات العربية
قطع الرؤوس يغزو الفضائيات العربية

غزة-دنيا الوطن

تحول قتل الرهائن سواء بقطع الرأس كما حصل مع الأمريكي نيكولاس بيرغ و الكوري كيم سون في العراق، والأمريكي بول جونسون في الرياض، أوبالقتل "العادي" كما حصل مع الجندي الأمريكي كيث ماوبين، والذي أخذ كرهينة لمدة شهرين قبل أن يقتل الأسبوع الماضي إلى حدث دوري يجمع الناس على شاشات التلفزيون. وتتسابق القنوات الإخبارية على بثه ووضع عبارة "exclusive" عليه بينما تتسابق الصحف لتصديره صفحاتها. من جهة أخرى تحولت العملية إلى علامة فارقة في الأنشطة الإرهابية عربيا، والسبب واضح، فتنفيذ هذه الأعمال سهل جدا، قليل المخاطرة، وله صداه الإعلامي المماثل لصدى انفجار انتحاري، ولا يضطر الإرهابيين لقتل أشخاص لا يريدونهم جزءا من اللعبة (العراقيون في الشارع مثلا).

لكن هذه الأحداث تجعل غرف الأخبار العربية في مواجهة أسئلة شائكة حول السلوك "الصحيح" و"المهني" في آن واحد تجاه مثل هذه الأحداث، وهذه الأسئلة تحتاج لإجابة حاسمة وسريعة ولا يمكنها أن تنتظر حتى يتفتق العقل العربي عن كتاب أو نظرية تعالج هذه الأسئلة، وذلك ببساطة لأن الظاهرة تنمو بسرعة، وإذا كان السلوك الإعلامي العربي الحالي يحفز هذا النمو، فلا بد له أن يتوقف على الفور.

د. مأمون فندي، الأكاديمي والكاتب الأمريكي-المصري، حاول أن يطرح إجابته على هذه الأسئلة من خلال مقال نشره في جريدة الواشنطن بوست يوم الأحد الماضي (4 يوليو) أشار فيه إلى هذه الظاهرة وإلى عدد من المشكلات المتعلقة بها، وكان رأيه متركزا على ضرورة منع بث مقاطع الفيديو والصور المروعة والرسائل الصوتية أو المكتوبة التي تأتي معها، لأن هذا سيجعل القتل "ليس من أجل الله والجهاد" –كما تزعم الجماعات المسلحة في العراق أو السعودية- بل من أجل "التغطية الإعلامية"، وهذا طبعا في منتهى الخطورة لأنه يعني نمو الشعور الجماعي لدى هذه الجماعات بضرورة قتل الأفراد الأبرياء بهدف إيصال رسالتهم الإعلامية عربيا وعالميا.

لهذا السبب انتقد فندي قناتي الجزيرة وLBC على بثهما الفيلم الذي يتضمن مقتل الرهينة الكوري، كما انتقد قناتي الجزيرة والعربية بشكل خاص بسبب منحهم الجماعات الإرهابية الفرصة لبث رسائلهم الإعلامية على الهواء لملايين المشاهدين العرب. أيضا لم تسلم قناة BBC والقنوات الأمريكية من انتقاد فندي لكونها تبث هذه الصور وتسمح للرسائل الإعلامية الإرهابية أن تحدث صداها المخطط لها.

لكن الرسالة الأساسية التي ركز عليها مأمون فندي في مقالته هو ضعف رد الفعل العربي على حوادث قتل الرهائن مقارنه بما يجب، وإذا كان فندي يعترف بوجود بعض الكتاب مثل د. أحمد الربعي الذين انتقدوا هذه الحوادث بقوة، وبالرفض الذي وجهه إمام الحرم المكي وشيخ الأزهر لممارسة القتل ضد الأفراد، إلا أن رد الفعل يبقى محدودا جدا في رأي فندي بالنسبة لكثير من الكتاب، وبالنسبة لقادة الحكومات العربية ولوسائل الإعلام، التي كان من المفترض - حسب ما يقول- أن تقف وقفة واحدة في وجه ثقافة قطع الرؤوس وقتل الرهائن ورسائل الملثمين حاملي السيوف.

ولعل أحد الأسباب التي تفسر ذلك – حسب ما أشار إليه مأمون فندي – هو حيرة بعض الكتاب والإعلاميين العرب في التفريق بين "المقاومة العراقية" للاحتلال وبين "الإرهاب"، وهي الحيرة التي تجعل البعض يتفرج على حوادث القتل وكأنها جزء من حوادث العنف اليومية في العراق، ولكن فندي يدحض هذه الحيرة بالتركيز على ثلاثة أمور:

الأول: أن الذين يمارسون القتل في كثير من الأحيان لا يتحدثون اللهجة العراقية، وهم كما هو واضح من خارج العراق، ولذا فهو يستدل بأنها حوادث "إرهابية" وليست مقاومة "عراقية".

الثاني: أن هذا التردد جاء حتى مع حالات قتل الرهائن في السعودية، فقناة الجزيرة وصفت عبد العزيز المقرن، والذي كان قائدا للقاعدة في السعودية قبل مقتله وقاد عددا من عمليات التفجير وقتل الرهائن، بأنه "الرجل الذي تصفه الرياض وواشنطن بأنه إرهابي". في حالات أخرى، رصدها فندي، استخدمت قناة الجزيرة مصطلحا ابتكره أسامة بن لادن وهو"جزيرة العرب" ليعلن من خلاله رفضه للمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كتكوينات سياسية.

الثالث: أن على العرب التوقف عن خداع أنفسهم بالخلط بين مأساة الاحتلال في فلسطين والوضع العراقي وبين قتل الأفراد الأبرياء، ويحتج بأن تغطية فظائع أخرى حصلت في نفس الوقت مثل المجازر التي حصلت في "دارفور" السودانية كانت بدرجة أقل بكثير من الاهتمام والحساسية، وهنا يتساءل فندي "هل حصل هذا لأن القتلة كانوا عربا مثلنا؟"

وفي إطار بحثه عن أجوبة لهذه الظواهر التي استفزت مأمون فندي، تحدث مع عبد الرحمن الراشد مدير قناة العربية ورئيس تحرير "الشرق الأوسط" سابقا، وواجهه بسؤال حول سبب بث قناة "العربية" لمثل هذه الرسائل الإرهابية، وسبب ضعف رد فعل الكتاب العرب، وكان جواب الراشد متمحورا حول الثقافة العربية وثقافة غرف الأخبار. واستدل الراشد على ذلك بمثالين، الأول أثناء فترة رئاسة تحريره للشرق الأوسط حيث انتبه لصحفي يغير شرح صورة جاءت عبر الوكالات من "جندي أمريكي يتحدث مع فتاة عراقية" إلى شرح آخر يوحي بأن الجندي كان يهدف للعلاقة الجنسية، ولو لم ينتبه الراشد كرئيس تحرير لذلك، لكانت نشرت في الجريدة بهذا الشكل، والمثال الثاني أنه لما جاءت صور قطع رأس جونسون، رفض الراشد كمدير لقناة العربية بثها، ولكن الجزيرة بثت كامل الفيديو، وهنا يشير الراشد إلى أن تغيير ثقافة غرف الأخبار هو"تحدي ضخم".

مأمون فندي يتحدث أيضا في مقالته بجريدة واشنطن بوست عن انتشار ما يشبه ثقافة العنف في العالم العربي، مستشهدا بمقال لبثينة شعبان وزيرة المهاجرين السورية والكاتبة في عدد من الصحف العريبة، وهي تتحدث عن دماء الشهداء، وحسب رأي فندي فإن مثل هذا الحديث يجعل ثقافة العنف تنتشر تدريجيا في أوساط الشباب العرب الذين - حسب قوله- لا يجدون في مناهجهم إلا التمجيد لقادة الجهاد، كما أنه يستشهد بلقاءات له مع عدد من الشباب العرب في دول عربية زارها حديثا مثل مصر والكويت والسعودية ولبنان، وكيف أنه لاحظ انتشار الإيمان بالعنف، حتى أنه شعر أن فكر أسامة بن لادن صار يتسلل للفكر الشعبي العام.

وإذا كانت مقالة مأمون فندي هامة لكونها تتناول ظاهرة شديدة الأهمية والحساسية في واحدة من أهم الصحف المؤثرة في العالم، فإن فندي قد تجاهل السؤال الأصعب الذي يواجه غرف الأخبار ويجعل "العقلاء" مكتوفين مقيدي الأيدي في بحر الإعلام الجارف، وهو السؤال المهني، فتجاهل بث رسائل معينة يعطي السبق في نظر الجمهور العام لتلك القنوات التي تجرأت وبثت هذه الرسائل، ويجعل الجميع يتسمر حول هذه القنوات، ويصبح سؤال المنافسة مطروحا بقوة. هذا السؤال نفسه هو الذي منع عدة محطات أمريكية من بث مشاهد الإذلال لأسرى "جوانتنامو" (على أساس مخالفة ذلك لمعاهدة جنيف الخاصة بأسرى الحرب)، ثم لما بدأت Fox News ببثها، بدأت المحطات الواحدة بعد الأخرى ببثها. هناك أسئلة مهنية أخرى، والجواب عليها يكون فقط بتقديم أجوبة واضحة محددة لما ينبغي نشره وما لا ينبغي نشره بحيث تصبح قواعد يمضي الجميع عليها، وهذا ليس سهلا أبدا، كما أنه لم يكن سهلا تحديد معنى "الإرهاب".

هناك أيضا سؤال الإحباط، فالشعوب العربية ليست في حالة وعي يجعلها تستطيع التركيز على البناء الإيجابي وتناسي "المكائد" من حولها، وتناسي العنف الإسرائيلي اليومي، وهم ليسوا في مستوى تعليمي يجعلهم يفرقون بين "الإرهاب" الإجرامي، وبين "الانتقام" الذي يسود العقل العربي منذ مئات السنين.

لكن النقاش الذي يطرحه فندي نقاش جوهري في محاولة إصلاح مسيرة الإعلام العربي الذي صار عاملا مؤثرا في حركة الجمهور العربي، ولكنه يبدو حتى الآن منقادا لما تريده عاطفة الجماهير، وليس لما يراه النخبة في مصلحة الجماهير !

*العربية نت

التعليقات