صالون نون الأدبي في غزة وقراءة في رواية زمن الأقوياء

صالون نون الأدبي في غزة وقراءة في رواية زمن الأقوياء
غزة-دنيا الوطن- فتحية إبراهيم صرصور

في الخامسة من عصر يوم الثلاثاء الموافق 6/7/2004م التأم جمع رواد صالون نون الأدبي وضيوف الحوار على مائدة رواية (زمن الأقوياء) للكاتبة الواعد مي تاية .

افتتحت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء مرحبة بالجميع، مشيرة إلى أن جماعة صالون نون الأدبي، تتواصل معهم وبهم للسنة الثالثة على التوالي، في لقاءات أدبية مثمرة راجيات من الله عز وجل أن تكون جماعتها وفقت فيما قدمته في الجلسات السابقة، وأن يكتب لها السداد والتقدم في رحلتها المستمرة معهم بإذن الله.

ثم ولجت في الحديث عن موضوع الجلسة قائلة لقد فرض الإنتاج النوعي والكمي للأديبات العربيات نفسه على الساحتين العربية والغربية حيث أثبتت دراسة إحصائية أن ما ترجم من الأدب النسائي يعادل 80% من إجمالي ما ترجم من الأدب العربي للغات أجنبية، ونحن بدورنا في صالون نون تناولنا هذا الإنتاج في شتى مجالات الإبداع من صحافة وشعر، من رواية ونقد، إلى دور المرأة في درس النحو العربي وإبداعها للمثل الشعبي.

تجولنا مع هؤلاء المبدعات فلسطينيا حيث تناولنا فدوى طوقان، سحر خليفة، نبيلة الخطيب، جوهرة السفاريني، سمية السوسي، فاتنة الغرة، رحاب كنعان، ودنيا الأمل إسماعيل.

وعربيا طوفنا مع نازك الملائكة من العراق، وتحدثنا عن الكاتبات الليبيات، والشعر النسائي الجزائري. ثم بحثنا عن صورة المرأة عند كل من الروائي غريب عسقلاني، وقاسم أمين والطاهر حداد، والروائي زكي العيلة،وعبد الرحمن منيف والشاعر سليم النفار.

وعالميا تتبعنا صورتها في الإلياذة والأوديسة.

ولما كان من أهداف الصالون دعم الكاتبات الناشئات وإبراز عملهن للأخذ بأيديهن وتشجيعهن على مواصلة السير على هذا الدرب قمنا في الجلسة الماضية باستضافة الشاعرة مي على، واليوم نلتقي مع الشق الآخر من الإبداع الأدبي، فنلتقي مع الكاتبة المبدعة مي عبد الله تاية وروايتها الأولى زمن الأقوياء.

مي فتاة في عمر الزهور من مواليد عام 1987م أنهت الصف الأول ثانوي علوم بتفوق حيث حصلت على نسبة 96.8%، كتبت ست عشرة قصة قصيرة ورواية واحدة هي زمن الأقوياء من لم يقرأ القصة سيعتقد أنها اجتماعية وطنية، خاصة أن تاريخ ميلادها يرتبط بأحداث مهمة في الوطن وهي الانتفاضة الأولى. لكن مي تفاجئنا بدخولها لعالم الرواية من زاوية أخرى تدخلها بثقة فهي لا تقارب الرواية مترددة أو وجلة كغيرها من المبتدئات، ففيما كان الأدب البوليسي لفترة طويلة مرادفا لصفة الرجولة، فالرجل هو المؤلف، والرجل هو بطل عالم الألغاز والغموض والعقد البوليسية على اعتبار أنه وحده يستطيع مواجهة عالم الجريمة والعنف وهو وحده القادر على حل شبكة الألغاز المعقدة، وبمعنى أبسط هو الأذكى والأفضل، كان ذلك إلى أن ظهرت قصص آغاثا كريستي ومفاجآت الساعة. واليوم نرى مي تبدأ من حيث لم تجرؤ الكثيرات من الروائيات المعتمدات - على ندرتهن في غزة - الاقتراب منه، فهي تكتب الرواية البوليسية، وتستبدل المرأة الوسيمة الجريئة بالتحري الذكي، فتضع اليد على خيوط الجريمة وتتابع حيثياتها بما تملكه من روح المغامرة، رغبة منها في الانتقام لصديقتها مجسدة قيم الوفاء في أبهى صورها.

بعدها أعطيت الكلمة للكاتبة لتحكي للجميع ما تسمح لنا بقراءته من بداياتها واهتماماتها وطموحاتها.وغير ذلك.

تحدثت الكاتبة مي عبد الله تاية بكلمات موجزة وبليغة تحدثت عن بداياتها بدءا من تأثير البيئة لقد ترعرعت في بيت يحتفي بالأدب حيث والدها الكاتب والروائي عبد الله تاية نائب رئيس اتحاد الكتاب في غزة، لذا فهي مولعة بقراءة الكتب الأدبية وروايات الأطفال والألغاز، بدأت بكتابة روايتها وهي في الثالثة عشر، تعتز باستقلاليتها فلم تسمح لوالدها بالتدخل إلا بالقدر اليسير من تنقيح وترتيب العناوين وكثيرا ما كانت تنشأ خلافات في وجهات النظر كانت تنتهي بتسجيل ما تراه هي لا ما يراه والدها.

وعن تحديدها للفئة العمرية التي تتوجه لها في روايتها حيث كتبت أنها رواية للفتيان، تقول إن هذه الفئة مولعة بالقصص المثيرة فأردت أن أوفر لهم رواية تشبع رغباتهم وتحمل القيم التي نتمسك بها، فهي قصة من الواقع الإنساني، القوة هي الفيصل فيما تأوول إليه كل الأمور في وقتنا الحالي، واعتماد مقولة إن الغلبة للحق لم يعد لها وجود، فالشر هو المهيمن على واقعنا المعيش، أما لماذا لم تكتب عن الواقع الفلسطيني سياسيا فتقول إنها تختزن كل ما شاهدته من مجازر وقتل وتدمير خلال انتفاضة الأقصى التي عايشتها وحتما ستنتج قصة تحكي للأجيال الشابة التي لم تعاصر هذه الأحداث ما عايشته هي من بطش القوة الطاغية الكبرى متمثلة بإسرائيل التي تهيمن على العالم بأسره وليس على مجموعة من الأشخاص.

تقول مي وضعت أفكاري في رواية لأن الأجناس الأخرى من مقال أو قصة قصيرة لا تتسع للأحداث التي وضعتها في هذه الرواية حيث أن الرواية منحتني مساحة أوسع أحرك عليها الشخوص المتعددة التي وردت في الرواية.

أنهت مي حديثها متمنية أن تستمع من الحضور إلى ما يوجه خطاها على الدرب الصحيح للرواية.

ولما كان للنقد دور عظيم في توجيه هذه الخطى، ولأن الاهتمام بالأجيال الأدبية الجديدة، ومد يد العون لها من توجيه ونصح وتقييم هو مظهر حضاري وإنساني، لذا لم يكن غريبا أن نرى الأستاذ الجامعي الدكتور محمد بكر البوجي الأستاذ بجامعة الأزهر، نراه يأخذ بيد الكاتبة الواعدة مي فيكتب لها تقديم يتصدر الرواية، واليوم يواصل تشجيعها من خلال هذه الجلسة التي قدّم فيها المزيد من التقييم والتوجيه للكاتبة الواعدة.

بدأ الدكتور محمد البوجي حديثه مثنيا على قطبي جماعة صالون نون الأدبي فتحية صرصور ومي نايف لهذا النشاط الذي يظهر في وقت محبط ومظلم يعانيه المشهد الأدبي، ثم تحدث عن المعوقات التي صادفتها الرواية قبل طباعتها بحجة أنها لا تمس الواقع الفلسطيني،ولسنا بحاجة لهذا اللون من الكتابة، وعندما اطلع على الرواية وجد أنها بداية جيدة فشجعها وقدم لها، تضمنت الرواية كثير من المعاني ظهرت فيها طفولة الكاتبة، حيث وظفت الأدب في تجسيد اللاوعي القابع في أعماقها، حاولت أن تظهر النوايا الحسنة بتتبع الأشخاص الطيبين لكشف نواياهم الحسنة، حاولت الكاتبة خلق حالة من الصراع بين البسطاء والأغنياء الأقوياء في محاولة لفضح الأقوياء - في كل زمان ومكان - الذين يملكون السلطة.

نجحت الكاتبة بالإمساك بفكر القارئ وجعلته يتتبع أحداث الرواية من أولها لآخرها، إلا أن الرواية تفتقر للبعد الواقعي الحقيقي، لقد جعلت الأحداث على أرض خارج الوطن، وخلطت في شخصياتها بين العربية والغربية، وجعلت الشخصيات الغربية هي المسيطرة ولكن بمساعدة الأشخاص العربية.

رواية مي موغلة في الحيادية فلم نجدها تتحيز لشخصية على حساب الأخرى،هذه الحيادية تعني اللامبالاة (ويسمى الكاتب هنا لامنتمي) قد يكون ذلك بسبب الإحباط المعاش أو لأن الواقع أصعب، لكنها جعلت القارئ يغرق في الحزن والأسى على ما يحدث من صراعات.

نجحت الكاتبة في إظهار عنصر الدهشة وهو من أخطر العناصر في الأعمال الأدبية.

لا يمكن تصنيف الرواية مع النص الفلسطيني إنما هو نص عربي بوليسي، ولا يمكن تصنيفه مع أدب الخيال العلمي الذي يتخذ من العلوم وسيلة للانطلاق نحو المستقبل، ففي روايات الخيال العلمي صعدوا للقمر قبل 145عام، وقبل مائة عام اخترع هكسلي الاسفلت المتحرك.

اختتم الدكتور محمد حديثه بالقول بأن رواية مي تبشر بمولد روائية كبيرة في المستقبل.

بعدها فتح الباب لمداخلات الحضور الذين أثنوا على ثقة الكاتبة بنفسها، وامتلاكها القدرة على التعبير بعبارات قوية وبليغة، كان من بين المداخلين كل من المهندس نزار الوحيدي، الأستاذ جهاد الحايك، الكاتبة الواعدة سميرة اسبيتان، والشاعرة فاتنة الغرة، المهندس عمر الهباش والكاتب خليل حسونة، الكاتبة الواعدة بثينة السرحي، والأستاذ عبد الله تاية نائب رئيس اتحاد الكتاب، والأخت مي نايف من صالون نون الأدبي.انتهى اللقاء بسعادة الجميع بهذه الكاتبة الواعدة، والامتنان لجماعة صالون نون الأدبي التي أخذت على عاتقها إبراز هذه البراعم الأدبية للاستمتاع بعبيرها، ومتابعة كتاباتها المستقبلية.

التعليقات