كلاب حرب القارة السمراء.. تصل إلي أرض الرافدين
كلاب حرب القارة السمراء.. تصل إلي أرض الرافدين
غزة-دنيا الوطن
مع توالي سقوط القتلي من عسكريين أجانب لاينتمون إلي ما يعرف بـ( قوات التحالف الدولي), بدأت العيون تتفتح علي حقيقة وجود قوات مرتزقة استقدمتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا للمشاركة في استكمال مايوصف( بتحرير) العراق, وزرع( الديمقراطية) في نخاعه!
وحيث ان الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف هؤلاء المرتزقة اصبحت أكبر من ان يمكن اخفاؤها, ولأن البديل لذلك هو إلحاق أرقام هؤلاء القتلي علي أرقام الخسائر البشرية لقوات مايسمي( التحالف الدولي) وفي مقدمتها القوات الأمريكية والبريطانية, فإن الولايات المتحدة لم يكن أمامها بد من ان تعترف بوجود هذه القوات. إلا أنه ونتيجة لتعارض استخدام المرتزقة مع القانون الدولي, فان واشنطن لجأت لاستخدام كلمة شديدة البراءة ـ وفي نفس الوقت حمالة للعديد من المعاني التي ترتبط في الذهن بأنشطة تصل إلي حد النبل مثل اعادة إعمار العراق ـ ألا وهي كلمة( مقاولون)!
هم مرتزقة القرن الـ21 ممن تصفهم الادارة الأمريكية للعالم بـ( مقاولين) وعندما يتم إحراجها, فانها تقول علي استحياء انهم مقاولو أمن تقتصر مهمتهم علي أعمال الحراسة والتأمين فقط, في حين أن مهامهم تتجاوز ذلك لتصل ـ في معظم الوقت ـ إلي مهام قتالية ـ فبالرغم من ان القانون الدولي وجميع القوانين الوطنية في دول العالم تجرم نشاط الارتزاق العسكري, كما ان الاتفاقيات جنيف ـ بما فيها الاتفاقية الرابعة ـ تسقط من حسابها الأسري في زمن الحرب من المرتزقة باعتبارهم أسوأ فئة من مجرمي الحرب ـ وهو ما يعني ان أيا من بنود هذه الاتفاقيات لاتنطبق عليهم ـ إلا أن تلك الفئة من القتلة نجحت في اجراء عمليات تجميل, وذلك في أكبر حملة خداع شهدتها السنوات الـ15 الماضية, وقد أسهمت عمليات التجميل تلك في تقديم صورة ذهنية مزيفة لنشاط الارتزاق, خاصة بعد ان دخل السوق كعملاء لها الشركات الكبري عابرة القارات, جنبا إلي جنب حكومات دول! وبعد ان كانت عمليات الارتزاق تدار من مقار سرية في مناطق نائية, اصبحت تدار حاليا من مكاتب فاخرة في مواقع متميزة في عواصم ومدن العالم, كما اصبح لتلك الشركات ممثلون في دول مختلفة خاصة في الغرب, وهيكل اداري, كما اصبح لها ادارات للتسويق والمبيعات والعلاقات العامة! ايضا فان شركات الارتزاق العسكري في ثوبها الجديد تزعم أنها تلتزم بقوانين وعادات وتقاليد الدول التي تدعي لممارسة الارتزاق بها, بالاضافة إلي التزامها باتفاقية جنيف لمعاملة الأسري في زمن الحرب والقوانين الدولية, وهو ما يعد كذبا مفضوحا.
في الوقت ذاته فان حضور شركات الارتزاق العسكري بعضها منظم من قبل الأمم المتحدة يتم في بعض الأحيان من خلال ممثلين يعملون لديها مباشرة, وفي أحيان أخري يمثل هذه الشركات مندوبون عنها يعملون في جهات أخري, ولكنهم يستفيدون ماليا من تلك الشركات! ولعل المؤتمر الذي عقد منذ مايقرب من ثلاث سنوات في منطقة كروجر ناشنال بارك بجنوب أفريقيا, والذي نظمته الأمم المتحدة حول عمليات حفظ السلام في العالم يعد مجرد مثال لنجاح تلك الشركات في التسلل بأفكارها وطروحاتها المدمرة إلي مثل هذه المحافل الدولية المهمة. وكان نتيجة لعمليات التجميل الكاذبة التي أجرتها شركات الارتزاق علي وجهها القبيح ان نجح العديد منها في القيام باختراقات ـ بعضها ناجح ـ لمؤسسات لم يكن من المتصور في الماضي أن تقترب ـ مجرد الاقتراب ـ منها تلك الشركات! ولعل التصريح التالي لنيك فاندينبرج آخر رئيس مجلس ادارة لشركة النتائج الحاسمة ـ أحد أهم اللاعبين في مجال الارتزاق العسكري التي كانت تتخذ من جنوب افريقيا مقرا لها حتي تم حظر نشاطها في عام1999, لكي تنتقل إلي بريطانيا ـ يوضح ما نقصد, حيث قال الرجل: استراتيجيتنا هي الدخول في حوار مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والدول المختلفة لكي نوضح لهم من نحن, وماهي الخدمات التي يمكن ان نقدمها, وأسباب اهمية هذه الخدمات, وأسباب علو كفاءتنا بالمقارنة بهم, وكيف أن عملياتنا لاتتكلف أكثر من10% من تكلفة عملياتهم!! التصريح علي غرابته يشير إلي سياسات واستراتيجيات تلك الشركات بالتضامن مع دول كبري تجاه الامم المتحدة, إلا ان الأغرب ان جانبا من تلك السياسات حققت نجاحا لافتا للنظر حتي وإن اقتصر حتي الآن علي عقود غير قتالية مثل عقود لتطهير مناطق في البوسنة من الالغام الأرضية, وكذا في انجولا وموزمبيق وغيرها من دول العالم, فيكفي أن العقود حصلت عليها شركات مرتزقة من الأمم المتحدة! إلا أن الثابت ان جميع عمليات التجميل التي تحدثنا عنها لم تكن لتكون ذات جدوي بدون دعم لا محدود من جانب دول غربية قادرة علي حماية تلك الشركات.
ولمزيد من التوضيح يكفي أن نتأمل تصريح ذلك المصدر الأمريكي الذي يقول ان الدور الذي تلعبه شركات( الأمن) أو( المقاولات) ـ وبمعني أصح الارتزاق ـ في مجال تنفيذ السياسات الجيوبولويتيكية للدول الكبري, هو دور فائق الأهمية خاصة في حالة ضغط الميزانيات العسكرية للدول الكبري أو ميزانية الأمم المتحدة من ناحية, أو في حالة وجود تاريخ سلبي لأنظمة حكم يراد دعمها من ناحية أخري, أو لتقليل حجم الخسائر البشرية! وإذا كنا قد أكدنا من قبل ان سرطان الارتزاق العسكري أنتشر في أفريقيا جنوب الصحراء بسبب ذلك التحالف غير المقدس( القبلية ـ العرقية ـ الديكتاتورية ـ الفساد) إلا أنه من الموضوعية التأكيد علي أن ذرع هذا السرطان في العراق كان نتيجة تحالف غير مقدس بين دول غربية وبين شركات الارتزاق تلك, وقد انفرد الأهرام في شهر ديسمبر عام2003 بالكشف عن استعانة الولايات المتحدة وبريطانيا بقوات من المرتزقة, جانب كبير منها جاء من أفريقيا جنوب الصحراء, بما في ذلك جنوب أفريقيا, وذلك قبل ان تتفجر القضية علي استحياء بعد قيام بعض العراقيين بالتمثيل بجثث أربعة من المرتزقة الأمريكيين في مدينة الفلوجة شمالي بغداد, وحيث ان مانشر بعد حادث التمثيل بجثث المرتزقة الأربعة خاضع للرقابة الأمريكية, فاننا سنورد بعضا من الحقائق حول هذه القضية, وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر:
ـ العدد التقريبي للمرتزقة الاجانب الذين سمحت لهم الولايات المتحدة ـ بصفتها الدولة التي تحكم العراق حاليا ـ بالدخول في العراق يتراوح مابين8 ـ11 ألف مرتزق, يضمون بعضا من أسوأ وأشرس هذه الحثالة البشرية, فمن بين هؤلاء عناصر من الكتيبة32 التي كانت تقوم بالعمليات القذرة بالنيابة عن جهاز المخابرات التابع للنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا. وتتنوع جنسيات المرتزقة بين بريطانيين وأمريكيين وروس وأوكرانيين وبلغار, بالاضافة لقيام الولايات المتحدة باستخدام الشيليين الذين ارتكبوا العديد من الجرائم لحساب الطاغية السابق أوجوستو بينوشيه, لحماية مطار بغداد الدولي, وبالرغم من أن مبدأ استخدام المرتزقة في العراق مرفوض من المبدأ, إلا أن مايعنينا في هذا المقام هو دخول مرتزقة افريقيا علي خط العراق, وهو الأمر الذي له عواقبه التي سنتعرض لها في موضع قادم.
ـ ان شركات بريطانية هي التي تقوم بتوريد العدد الاكبر من المرتزقة في العراق, حتي أن الأمر يبدو وكأن بريطانيا اعتبرت ان الارتزاق العسكري يمكن ان يكون اسهامها الفعلي في اعادة اعمار العراق! ويكفي ان نعلم ان مكاسب شركات الأمن( الارتزاق) البريطانية خلال العام الاول من الاحتلال تجاوزت الـ800 مليون أسترليني! فالتعاقد السنوي مع المرتزق المحترف في العراق يضمن له دخلا سنويا يتراوح مابين80 ـ120 ألف جنيه استرليني, في حين يصل الاجر اليومي في حالة التعاقدات قصيرة الاجل في مناطق مثل الفلوجة ـ حيث مثل بجثث المرتزقة الأربعة ـ إلي ألف دولار يوميا! وإذا كانت الشركات البريطانية هي المورد الأساسي للمرتزقة في العراق ـ إلا أنه يجب التنويه إلي أن العديد من هذه الشركات إما يديرها جنوب أفارقة يحملون الجنسية المزدوجة, أو أن تلك الشركات كانت جنوب أفريقية حتي تم حظر نشاطها هنا لكي تنتقل فيما بعد لبريطانيا, ايضا فانه يجب التنويه عن ان تلك الشركات انتقلت بمقارها إلي انجلترا, إلا أنها مازالت تعتمد في معظم الوقت علي خدمات المرتزقة الجنوب أفارقة.
ـ ان الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة لاتعلن كما انه لايتم تضمينها ضمن خسائر القوات الأمريكية ولا القوات المتحالفة معها, وهو الامر الذي يمكن ان يكون السر من وراء الاتهامات الموجهة لواشنطن بانها تخفي في كثير من الأحيان حقيقة خسائرها البشرية!
ـ ومن بين شركات الارتزاق البريطانية التي تعمل في العراق: شركة أرمر جروب ـ ومعناها مجموعة الدرع ـ وهي شركة بريطانية متعاقدة مع الحكومة البريطانية ـ ساندلاين وهي شركة بريطانية ـ شركة جلوبال ريسك ستراتيجيز الانجليزية ـ أما شركة سارسين البريطانية حاليا ووريثة شركة النتائج الحاسمة الجنوب أفريقية سابقا, فهي التي تأتي في المقدمة بكل المقاييس! وحتي لانقلل من خطر المرتزقة الذين يواجههم العراقيون يكفي ان نستعرض بعض المعلومات عن شركتي سارسين وساندلاين اللتين تعملان في العراق من خلال عدد من الشركات الاخري التابعة لهما, فالشركتان تمتلكان مكاتب تمثيل ومقار في الدول التالية, وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر: بريطانيا ـ الولايات المتحدة ـ كندا ـ سنغافورة ـ هونج كونج ـ كوريا الجنوبية ـ اندونيسيا ـ الصين ـ استراليا, بالاضافة إلي26 دولة افريقية من خلال وكلاء وشركات واجهة للتمويه مثل: أنجولا ـ رواندا ـ أوغندا ـ الكونجو الديمقراطية ـ الكونجو برازافيل ـ جمهورية أفريقيا الوسطي ـ موزمبيق ـ ناميبيا ـ سيراليون ـ ليبيريا ـ غينيا ـ السنغال ـ الجزائر ـ كينيا ـ السودان, ايضا فان الشركتين لديهما ممثلون غير رسميين ومصالح
في دول خليجية, في الوقت ذاته فان الشركتين عمدتا إلي اقتحام مجالات مدنية بقصد الاستثمار من ناحية والتمويه علي أنشطتهما العسكرية من ناحية أخري. ومن بين المجالات الجديدة التي اقحمتها الشركتان: السياحة ـ الانتاج الاعلامي ـ تحلية المياه ـ المقاولات ـ النقل بأنواعه المختلفة!
الشاهد, أنه اذا ما كان العدوان علي العراق واحتلاله, وما صحب ذلك من قتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء ـ يعد جريمة, فان استقدام هؤلاء القتلة من شذاذ الآفاق لمزيد من القتل والفساد, يعد انتهاكا اضافيا للقانون الدولي والانساني بكل المعايير.
الغريب ان من يقدم علي ذلك يصر علي اتهام الدول المجاورة بغض الطرف عن المتسللين من العرب( الارهابيين) ممن يحاولون ان يقضوا مضاجع المرتزقة الذين يقتلون من اجل المال! إلا ان هذا الاجتراء السافر علي القانون وعلي الحقائق ليس هو الوحيد في تلك المأساة فالمعلومات تشير إلي خطة قديمة يتم احياؤها حاليا مع اجراء تعديلات مظهرية عليها, والتي من المحتمل أن تسعي من خلالها واشنطن لاستقدام قوات أفريقية نظامية للخدمة في العراق! وتلك قصة أخري..
*الاهرام
غزة-دنيا الوطن
مع توالي سقوط القتلي من عسكريين أجانب لاينتمون إلي ما يعرف بـ( قوات التحالف الدولي), بدأت العيون تتفتح علي حقيقة وجود قوات مرتزقة استقدمتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا للمشاركة في استكمال مايوصف( بتحرير) العراق, وزرع( الديمقراطية) في نخاعه!
وحيث ان الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف هؤلاء المرتزقة اصبحت أكبر من ان يمكن اخفاؤها, ولأن البديل لذلك هو إلحاق أرقام هؤلاء القتلي علي أرقام الخسائر البشرية لقوات مايسمي( التحالف الدولي) وفي مقدمتها القوات الأمريكية والبريطانية, فإن الولايات المتحدة لم يكن أمامها بد من ان تعترف بوجود هذه القوات. إلا أنه ونتيجة لتعارض استخدام المرتزقة مع القانون الدولي, فان واشنطن لجأت لاستخدام كلمة شديدة البراءة ـ وفي نفس الوقت حمالة للعديد من المعاني التي ترتبط في الذهن بأنشطة تصل إلي حد النبل مثل اعادة إعمار العراق ـ ألا وهي كلمة( مقاولون)!
هم مرتزقة القرن الـ21 ممن تصفهم الادارة الأمريكية للعالم بـ( مقاولين) وعندما يتم إحراجها, فانها تقول علي استحياء انهم مقاولو أمن تقتصر مهمتهم علي أعمال الحراسة والتأمين فقط, في حين أن مهامهم تتجاوز ذلك لتصل ـ في معظم الوقت ـ إلي مهام قتالية ـ فبالرغم من ان القانون الدولي وجميع القوانين الوطنية في دول العالم تجرم نشاط الارتزاق العسكري, كما ان الاتفاقيات جنيف ـ بما فيها الاتفاقية الرابعة ـ تسقط من حسابها الأسري في زمن الحرب من المرتزقة باعتبارهم أسوأ فئة من مجرمي الحرب ـ وهو ما يعني ان أيا من بنود هذه الاتفاقيات لاتنطبق عليهم ـ إلا أن تلك الفئة من القتلة نجحت في اجراء عمليات تجميل, وذلك في أكبر حملة خداع شهدتها السنوات الـ15 الماضية, وقد أسهمت عمليات التجميل تلك في تقديم صورة ذهنية مزيفة لنشاط الارتزاق, خاصة بعد ان دخل السوق كعملاء لها الشركات الكبري عابرة القارات, جنبا إلي جنب حكومات دول! وبعد ان كانت عمليات الارتزاق تدار من مقار سرية في مناطق نائية, اصبحت تدار حاليا من مكاتب فاخرة في مواقع متميزة في عواصم ومدن العالم, كما اصبح لتلك الشركات ممثلون في دول مختلفة خاصة في الغرب, وهيكل اداري, كما اصبح لها ادارات للتسويق والمبيعات والعلاقات العامة! ايضا فان شركات الارتزاق العسكري في ثوبها الجديد تزعم أنها تلتزم بقوانين وعادات وتقاليد الدول التي تدعي لممارسة الارتزاق بها, بالاضافة إلي التزامها باتفاقية جنيف لمعاملة الأسري في زمن الحرب والقوانين الدولية, وهو ما يعد كذبا مفضوحا.
في الوقت ذاته فان حضور شركات الارتزاق العسكري بعضها منظم من قبل الأمم المتحدة يتم في بعض الأحيان من خلال ممثلين يعملون لديها مباشرة, وفي أحيان أخري يمثل هذه الشركات مندوبون عنها يعملون في جهات أخري, ولكنهم يستفيدون ماليا من تلك الشركات! ولعل المؤتمر الذي عقد منذ مايقرب من ثلاث سنوات في منطقة كروجر ناشنال بارك بجنوب أفريقيا, والذي نظمته الأمم المتحدة حول عمليات حفظ السلام في العالم يعد مجرد مثال لنجاح تلك الشركات في التسلل بأفكارها وطروحاتها المدمرة إلي مثل هذه المحافل الدولية المهمة. وكان نتيجة لعمليات التجميل الكاذبة التي أجرتها شركات الارتزاق علي وجهها القبيح ان نجح العديد منها في القيام باختراقات ـ بعضها ناجح ـ لمؤسسات لم يكن من المتصور في الماضي أن تقترب ـ مجرد الاقتراب ـ منها تلك الشركات! ولعل التصريح التالي لنيك فاندينبرج آخر رئيس مجلس ادارة لشركة النتائج الحاسمة ـ أحد أهم اللاعبين في مجال الارتزاق العسكري التي كانت تتخذ من جنوب افريقيا مقرا لها حتي تم حظر نشاطها في عام1999, لكي تنتقل إلي بريطانيا ـ يوضح ما نقصد, حيث قال الرجل: استراتيجيتنا هي الدخول في حوار مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والدول المختلفة لكي نوضح لهم من نحن, وماهي الخدمات التي يمكن ان نقدمها, وأسباب اهمية هذه الخدمات, وأسباب علو كفاءتنا بالمقارنة بهم, وكيف أن عملياتنا لاتتكلف أكثر من10% من تكلفة عملياتهم!! التصريح علي غرابته يشير إلي سياسات واستراتيجيات تلك الشركات بالتضامن مع دول كبري تجاه الامم المتحدة, إلا ان الأغرب ان جانبا من تلك السياسات حققت نجاحا لافتا للنظر حتي وإن اقتصر حتي الآن علي عقود غير قتالية مثل عقود لتطهير مناطق في البوسنة من الالغام الأرضية, وكذا في انجولا وموزمبيق وغيرها من دول العالم, فيكفي أن العقود حصلت عليها شركات مرتزقة من الأمم المتحدة! إلا أن الثابت ان جميع عمليات التجميل التي تحدثنا عنها لم تكن لتكون ذات جدوي بدون دعم لا محدود من جانب دول غربية قادرة علي حماية تلك الشركات.
ولمزيد من التوضيح يكفي أن نتأمل تصريح ذلك المصدر الأمريكي الذي يقول ان الدور الذي تلعبه شركات( الأمن) أو( المقاولات) ـ وبمعني أصح الارتزاق ـ في مجال تنفيذ السياسات الجيوبولويتيكية للدول الكبري, هو دور فائق الأهمية خاصة في حالة ضغط الميزانيات العسكرية للدول الكبري أو ميزانية الأمم المتحدة من ناحية, أو في حالة وجود تاريخ سلبي لأنظمة حكم يراد دعمها من ناحية أخري, أو لتقليل حجم الخسائر البشرية! وإذا كنا قد أكدنا من قبل ان سرطان الارتزاق العسكري أنتشر في أفريقيا جنوب الصحراء بسبب ذلك التحالف غير المقدس( القبلية ـ العرقية ـ الديكتاتورية ـ الفساد) إلا أنه من الموضوعية التأكيد علي أن ذرع هذا السرطان في العراق كان نتيجة تحالف غير مقدس بين دول غربية وبين شركات الارتزاق تلك, وقد انفرد الأهرام في شهر ديسمبر عام2003 بالكشف عن استعانة الولايات المتحدة وبريطانيا بقوات من المرتزقة, جانب كبير منها جاء من أفريقيا جنوب الصحراء, بما في ذلك جنوب أفريقيا, وذلك قبل ان تتفجر القضية علي استحياء بعد قيام بعض العراقيين بالتمثيل بجثث أربعة من المرتزقة الأمريكيين في مدينة الفلوجة شمالي بغداد, وحيث ان مانشر بعد حادث التمثيل بجثث المرتزقة الأربعة خاضع للرقابة الأمريكية, فاننا سنورد بعضا من الحقائق حول هذه القضية, وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر:
ـ العدد التقريبي للمرتزقة الاجانب الذين سمحت لهم الولايات المتحدة ـ بصفتها الدولة التي تحكم العراق حاليا ـ بالدخول في العراق يتراوح مابين8 ـ11 ألف مرتزق, يضمون بعضا من أسوأ وأشرس هذه الحثالة البشرية, فمن بين هؤلاء عناصر من الكتيبة32 التي كانت تقوم بالعمليات القذرة بالنيابة عن جهاز المخابرات التابع للنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا. وتتنوع جنسيات المرتزقة بين بريطانيين وأمريكيين وروس وأوكرانيين وبلغار, بالاضافة لقيام الولايات المتحدة باستخدام الشيليين الذين ارتكبوا العديد من الجرائم لحساب الطاغية السابق أوجوستو بينوشيه, لحماية مطار بغداد الدولي, وبالرغم من أن مبدأ استخدام المرتزقة في العراق مرفوض من المبدأ, إلا أن مايعنينا في هذا المقام هو دخول مرتزقة افريقيا علي خط العراق, وهو الأمر الذي له عواقبه التي سنتعرض لها في موضع قادم.
ـ ان شركات بريطانية هي التي تقوم بتوريد العدد الاكبر من المرتزقة في العراق, حتي أن الأمر يبدو وكأن بريطانيا اعتبرت ان الارتزاق العسكري يمكن ان يكون اسهامها الفعلي في اعادة اعمار العراق! ويكفي ان نعلم ان مكاسب شركات الأمن( الارتزاق) البريطانية خلال العام الاول من الاحتلال تجاوزت الـ800 مليون أسترليني! فالتعاقد السنوي مع المرتزق المحترف في العراق يضمن له دخلا سنويا يتراوح مابين80 ـ120 ألف جنيه استرليني, في حين يصل الاجر اليومي في حالة التعاقدات قصيرة الاجل في مناطق مثل الفلوجة ـ حيث مثل بجثث المرتزقة الأربعة ـ إلي ألف دولار يوميا! وإذا كانت الشركات البريطانية هي المورد الأساسي للمرتزقة في العراق ـ إلا أنه يجب التنويه إلي أن العديد من هذه الشركات إما يديرها جنوب أفارقة يحملون الجنسية المزدوجة, أو أن تلك الشركات كانت جنوب أفريقية حتي تم حظر نشاطها هنا لكي تنتقل فيما بعد لبريطانيا, ايضا فانه يجب التنويه عن ان تلك الشركات انتقلت بمقارها إلي انجلترا, إلا أنها مازالت تعتمد في معظم الوقت علي خدمات المرتزقة الجنوب أفارقة.
ـ ان الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة لاتعلن كما انه لايتم تضمينها ضمن خسائر القوات الأمريكية ولا القوات المتحالفة معها, وهو الامر الذي يمكن ان يكون السر من وراء الاتهامات الموجهة لواشنطن بانها تخفي في كثير من الأحيان حقيقة خسائرها البشرية!
ـ ومن بين شركات الارتزاق البريطانية التي تعمل في العراق: شركة أرمر جروب ـ ومعناها مجموعة الدرع ـ وهي شركة بريطانية متعاقدة مع الحكومة البريطانية ـ ساندلاين وهي شركة بريطانية ـ شركة جلوبال ريسك ستراتيجيز الانجليزية ـ أما شركة سارسين البريطانية حاليا ووريثة شركة النتائج الحاسمة الجنوب أفريقية سابقا, فهي التي تأتي في المقدمة بكل المقاييس! وحتي لانقلل من خطر المرتزقة الذين يواجههم العراقيون يكفي ان نستعرض بعض المعلومات عن شركتي سارسين وساندلاين اللتين تعملان في العراق من خلال عدد من الشركات الاخري التابعة لهما, فالشركتان تمتلكان مكاتب تمثيل ومقار في الدول التالية, وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر: بريطانيا ـ الولايات المتحدة ـ كندا ـ سنغافورة ـ هونج كونج ـ كوريا الجنوبية ـ اندونيسيا ـ الصين ـ استراليا, بالاضافة إلي26 دولة افريقية من خلال وكلاء وشركات واجهة للتمويه مثل: أنجولا ـ رواندا ـ أوغندا ـ الكونجو الديمقراطية ـ الكونجو برازافيل ـ جمهورية أفريقيا الوسطي ـ موزمبيق ـ ناميبيا ـ سيراليون ـ ليبيريا ـ غينيا ـ السنغال ـ الجزائر ـ كينيا ـ السودان, ايضا فان الشركتين لديهما ممثلون غير رسميين ومصالح
في دول خليجية, في الوقت ذاته فان الشركتين عمدتا إلي اقتحام مجالات مدنية بقصد الاستثمار من ناحية والتمويه علي أنشطتهما العسكرية من ناحية أخري. ومن بين المجالات الجديدة التي اقحمتها الشركتان: السياحة ـ الانتاج الاعلامي ـ تحلية المياه ـ المقاولات ـ النقل بأنواعه المختلفة!
الشاهد, أنه اذا ما كان العدوان علي العراق واحتلاله, وما صحب ذلك من قتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء ـ يعد جريمة, فان استقدام هؤلاء القتلة من شذاذ الآفاق لمزيد من القتل والفساد, يعد انتهاكا اضافيا للقانون الدولي والانساني بكل المعايير.
الغريب ان من يقدم علي ذلك يصر علي اتهام الدول المجاورة بغض الطرف عن المتسللين من العرب( الارهابيين) ممن يحاولون ان يقضوا مضاجع المرتزقة الذين يقتلون من اجل المال! إلا ان هذا الاجتراء السافر علي القانون وعلي الحقائق ليس هو الوحيد في تلك المأساة فالمعلومات تشير إلي خطة قديمة يتم احياؤها حاليا مع اجراء تعديلات مظهرية عليها, والتي من المحتمل أن تسعي من خلالها واشنطن لاستقدام قوات أفريقية نظامية للخدمة في العراق! وتلك قصة أخري..
*الاهرام
التعليقات