كلاب حرب القارة السمراء‏..‏ تصل إلي أرض الرافدين

كلاب حرب القارة السمراء‏..‏ تصل إلي أرض الرافدين

غزة-دنيا الوطن

مع توالي سقوط القتلي من عسكريين أجانب لاينتمون إلي ما يعرف بـ‏(‏ قوات التحالف الدولي‏),‏ بدأت العيون تتفتح علي حقيقة وجود قوات مرتزقة استقدمتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا للمشاركة في استكمال مايوصف‏(‏ بتحرير‏)‏ العراق‏,‏ وزرع‏(‏ الديمقراطية‏)‏ في نخاعه‏!‏

وحيث ان الخسائر البشرية التي وقعت في صفوف هؤلاء المرتزقة اصبحت أكبر من ان يمكن اخفاؤها‏,‏ ولأن البديل لذلك هو إلحاق أرقام هؤلاء القتلي علي أرقام الخسائر البشرية لقوات مايسمي‏(‏ التحالف الدولي‏)‏ وفي مقدمتها القوات الأمريكية والبريطانية‏,‏ فإن الولايات المتحدة لم يكن أمامها بد من ان تعترف بوجود هذه القوات‏.‏ إلا أنه ونتيجة لتعارض استخدام المرتزقة مع القانون الدولي‏,‏ فان واشنطن لجأت لاستخدام كلمة شديدة البراءة ـ وفي نفس الوقت حمالة للعديد من المعاني التي ترتبط في الذهن بأنشطة تصل إلي حد النبل مثل اعادة إعمار العراق ـ ألا وهي كلمة‏(‏ مقاولون‏)!‏

هم مرتزقة القرن الـ‏21‏ ممن تصفهم الادارة الأمريكية للعالم بـ‏(‏ مقاولين‏)‏ وعندما يتم إحراجها‏,‏ فانها تقول علي استحياء انهم مقاولو أمن تقتصر مهمتهم علي أعمال الحراسة والتأمين فقط‏,‏ في حين أن مهامهم تتجاوز ذلك لتصل ـ في معظم الوقت ـ إلي مهام قتالية ـ فبالرغم من ان القانون الدولي وجميع القوانين الوطنية في دول العالم تجرم نشاط الارتزاق العسكري‏,‏ كما ان الاتفاقيات جنيف ـ بما فيها الاتفاقية الرابعة ـ تسقط من حسابها الأسري في زمن الحرب من المرتزقة باعتبارهم أسوأ فئة من مجرمي الحرب ـ وهو ما يعني ان أيا من بنود هذه الاتفاقيات لاتنطبق عليهم ـ إلا أن تلك الفئة من القتلة نجحت في اجراء عمليات تجميل‏,‏ وذلك في أكبر حملة خداع شهدتها السنوات الـ‏15‏ الماضية‏,‏ وقد أسهمت عمليات التجميل تلك في تقديم صورة ذهنية مزيفة لنشاط الارتزاق‏,‏ خاصة بعد ان دخل السوق كعملاء لها الشركات الكبري عابرة القارات‏,‏ جنبا إلي جنب حكومات دول‏!‏ وبعد ان كانت عمليات الارتزاق تدار من مقار سرية في مناطق نائية‏,‏ اصبحت تدار حاليا من مكاتب فاخرة في مواقع متميزة في عواصم ومدن العالم‏,‏ كما اصبح لتلك الشركات ممثلون في دول مختلفة خاصة في الغرب‏,‏ وهيكل اداري‏,‏ كما اصبح لها ادارات للتسويق والمبيعات والعلاقات العامة‏!‏ ايضا فان شركات الارتزاق العسكري في ثوبها الجديد تزعم أنها تلتزم بقوانين وعادات وتقاليد الدول التي تدعي لممارسة الارتزاق بها‏,‏ بالاضافة إلي التزامها باتفاقية جنيف لمعاملة الأسري في زمن الحرب والقوانين الدولية‏,‏ وهو ما يعد كذبا مفضوحا‏.‏

في الوقت ذاته فان حضور شركات الارتزاق العسكري بعضها منظم من قبل الأمم المتحدة يتم في بعض الأحيان من خلال ممثلين يعملون لديها مباشرة‏,‏ وفي أحيان أخري يمثل هذه الشركات مندوبون عنها يعملون في جهات أخري‏,‏ ولكنهم يستفيدون ماليا من تلك الشركات‏!‏ ولعل المؤتمر الذي عقد منذ مايقرب من ثلاث سنوات في منطقة كروجر ناشنال بارك بجنوب أفريقيا‏,‏ والذي نظمته الأمم المتحدة حول عمليات حفظ السلام في العالم يعد مجرد مثال لنجاح تلك الشركات في التسلل بأفكارها وطروحاتها المدمرة إلي مثل هذه المحافل الدولية المهمة‏.‏ وكان نتيجة لعمليات التجميل الكاذبة التي أجرتها شركات الارتزاق علي وجهها القبيح ان نجح العديد منها في القيام باختراقات ـ بعضها ناجح ـ لمؤسسات لم يكن من المتصور في الماضي أن تقترب ـ مجرد الاقتراب ـ منها تلك الشركات‏!‏ ولعل التصريح التالي لنيك فاندينبرج آخر رئيس مجلس ادارة لشركة النتائج الحاسمة ـ أحد أهم اللاعبين في مجال الارتزاق العسكري التي كانت تتخذ من جنوب افريقيا مقرا لها حتي تم حظر نشاطها في عام‏1999,‏ لكي تنتقل إلي بريطانيا ـ يوضح ما نقصد‏,‏ حيث قال الرجل‏:‏ استراتيجيتنا هي الدخول في حوار مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والدول المختلفة لكي نوضح لهم من نحن‏,‏ وماهي الخدمات التي يمكن ان نقدمها‏,‏ وأسباب اهمية هذه الخدمات‏,‏ وأسباب علو كفاءتنا بالمقارنة بهم‏,‏ وكيف أن عملياتنا لاتتكلف أكثر من‏10%‏ من تكلفة عملياتهم‏!!‏ التصريح علي غرابته يشير إلي سياسات واستراتيجيات تلك الشركات بالتضامن مع دول كبري تجاه الامم المتحدة‏,‏ إلا ان الأغرب ان جانبا من تلك السياسات حققت نجاحا لافتا للنظر حتي وإن اقتصر حتي الآن علي عقود غير قتالية مثل عقود لتطهير مناطق في البوسنة من الالغام الأرضية‏,‏ وكذا في انجولا وموزمبيق وغيرها من دول العالم‏,‏ فيكفي أن العقود حصلت عليها شركات مرتزقة من الأمم المتحدة‏!‏ إلا أن الثابت ان جميع عمليات التجميل التي تحدثنا عنها لم تكن لتكون ذات جدوي بدون دعم لا محدود من جانب دول غربية قادرة علي حماية تلك الشركات‏.‏

ولمزيد من التوضيح يكفي أن نتأمل تصريح ذلك المصدر الأمريكي الذي يقول ان الدور الذي تلعبه شركات‏(‏ الأمن‏)‏ أو‏(‏ المقاولات‏)‏ ـ وبمعني أصح الارتزاق ـ في مجال تنفيذ السياسات الجيوبولويتيكية للدول الكبري‏,‏ هو دور فائق الأهمية خاصة في حالة ضغط الميزانيات العسكرية للدول الكبري أو ميزانية الأمم المتحدة من ناحية‏,‏ أو في حالة وجود تاريخ سلبي لأنظمة حكم يراد دعمها من ناحية أخري‏,‏ أو لتقليل حجم الخسائر البشرية‏!‏ وإذا كنا قد أكدنا من قبل ان سرطان الارتزاق العسكري أنتشر في أفريقيا جنوب الصحراء بسبب ذلك التحالف غير المقدس‏(‏ القبلية ـ العرقية ـ الديكتاتورية ـ الفساد‏)‏ إلا أنه من الموضوعية التأكيد علي أن ذرع هذا السرطان في العراق كان نتيجة تحالف غير مقدس بين دول غربية وبين شركات الارتزاق تلك‏,‏ وقد انفرد الأهرام في شهر ديسمبر عام‏2003‏ بالكشف عن استعانة الولايات المتحدة وبريطانيا بقوات من المرتزقة‏,‏ جانب كبير منها جاء من أفريقيا جنوب الصحراء‏,‏ بما في ذلك جنوب أفريقيا‏,‏ وذلك قبل ان تتفجر القضية علي استحياء بعد قيام بعض العراقيين بالتمثيل بجثث أربعة من المرتزقة الأمريكيين في مدينة الفلوجة شمالي بغداد‏,‏ وحيث ان مانشر بعد حادث التمثيل بجثث المرتزقة الأربعة خاضع للرقابة الأمريكية‏,‏ فاننا سنورد بعضا من الحقائق حول هذه القضية‏,‏ وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر‏:‏

ـ العدد التقريبي للمرتزقة الاجانب الذين سمحت لهم الولايات المتحدة ـ بصفتها الدولة التي تحكم العراق حاليا ـ بالدخول في العراق يتراوح مابين‏8‏ ـ‏11‏ ألف مرتزق‏,‏ يضمون بعضا من أسوأ وأشرس هذه الحثالة البشرية‏,‏ فمن بين هؤلاء عناصر من الكتيبة‏32‏ التي كانت تقوم بالعمليات القذرة بالنيابة عن جهاز المخابرات التابع للنظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا‏.‏ وتتنوع جنسيات المرتزقة بين بريطانيين وأمريكيين وروس وأوكرانيين وبلغار‏,‏ بالاضافة لقيام الولايات المتحدة باستخدام الشيليين الذين ارتكبوا العديد من الجرائم لحساب الطاغية السابق أوجوستو بينوشيه‏,‏ لحماية مطار بغداد الدولي‏,‏ وبالرغم من أن مبدأ استخدام المرتزقة في العراق مرفوض من المبدأ‏,‏ إلا أن مايعنينا في هذا المقام هو دخول مرتزقة افريقيا علي خط العراق‏,‏ وهو الأمر الذي له عواقبه التي سنتعرض لها في موضع قادم‏.‏

ـ ان شركات بريطانية هي التي تقوم بتوريد العدد الاكبر من المرتزقة في العراق‏,‏ حتي أن الأمر يبدو وكأن بريطانيا اعتبرت ان الارتزاق العسكري يمكن ان يكون اسهامها الفعلي في اعادة اعمار العراق‏!‏ ويكفي ان نعلم ان مكاسب شركات الأمن‏(‏ الارتزاق‏)‏ البريطانية خلال العام الاول من الاحتلال تجاوزت الـ‏800‏ مليون أسترليني‏!‏ فالتعاقد السنوي مع المرتزق المحترف في العراق يضمن له دخلا سنويا يتراوح مابين‏80‏ ـ‏120‏ ألف جنيه استرليني‏,‏ في حين يصل الاجر اليومي في حالة التعاقدات قصيرة الاجل في مناطق مثل الفلوجة ـ حيث مثل بجثث المرتزقة الأربعة ـ إلي ألف دولار يوميا‏!‏ وإذا كانت الشركات البريطانية هي المورد الأساسي للمرتزقة في العراق ـ إلا أنه يجب التنويه إلي أن العديد من هذه الشركات إما يديرها جنوب أفارقة يحملون الجنسية المزدوجة‏,‏ أو أن تلك الشركات كانت جنوب أفريقية حتي تم حظر نشاطها هنا لكي تنتقل فيما بعد لبريطانيا‏,‏ ايضا فانه يجب التنويه عن ان تلك الشركات انتقلت بمقارها إلي انجلترا‏,‏ إلا أنها مازالت تعتمد في معظم الوقت علي خدمات المرتزقة الجنوب أفارقة‏.‏

ـ ان الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة لاتعلن كما انه لايتم تضمينها ضمن خسائر القوات الأمريكية ولا القوات المتحالفة معها‏,‏ وهو الامر الذي يمكن ان يكون السر من وراء الاتهامات الموجهة لواشنطن بانها تخفي في كثير من الأحيان حقيقة خسائرها البشرية‏!‏

ـ ومن بين شركات الارتزاق البريطانية التي تعمل في العراق‏:‏ شركة أرمر جروب ـ ومعناها مجموعة الدرع ـ وهي شركة بريطانية متعاقدة مع الحكومة البريطانية ـ ساندلاين وهي شركة بريطانية ـ شركة جلوبال ريسك ستراتيجيز الانجليزية ـ أما شركة سارسين البريطانية حاليا ووريثة شركة النتائج الحاسمة الجنوب أفريقية سابقا‏,‏ فهي التي تأتي في المقدمة بكل المقاييس‏!‏ وحتي لانقلل من خطر المرتزقة الذين يواجههم العراقيون يكفي ان نستعرض بعض المعلومات عن شركتي سارسين وساندلاين اللتين تعملان في العراق من خلال عدد من الشركات الاخري التابعة لهما‏,‏ فالشركتان تمتلكان مكاتب تمثيل ومقار في الدول التالية‏,‏ وذلك علي سبيل المثال وليس الحصر‏:‏ بريطانيا ـ الولايات المتحدة ـ كندا ـ سنغافورة ـ هونج كونج ـ كوريا الجنوبية ـ اندونيسيا ـ الصين ـ استراليا‏,‏ بالاضافة إلي‏26‏ دولة افريقية من خلال وكلاء وشركات واجهة للتمويه مثل‏:‏ أنجولا ـ رواندا ـ أوغندا ـ الكونجو الديمقراطية ـ الكونجو برازافيل ـ جمهورية أفريقيا الوسطي ـ موزمبيق ـ ناميبيا ـ سيراليون ـ ليبيريا ـ غينيا ـ السنغال ـ الجزائر ـ كينيا ـ السودان‏,‏ ايضا فان الشركتين لديهما ممثلون غير رسميين ومصالح

في دول خليجية‏,‏ في الوقت ذاته فان الشركتين عمدتا إلي اقتحام مجالات مدنية بقصد الاستثمار من ناحية والتمويه علي أنشطتهما العسكرية من ناحية أخري‏.‏ ومن بين المجالات الجديدة التي اقحمتها الشركتان‏:‏ السياحة ـ الانتاج الاعلامي ـ تحلية المياه ـ المقاولات ـ النقل بأنواعه المختلفة‏!‏

الشاهد‏,‏ أنه اذا ما كان العدوان علي العراق واحتلاله‏,‏ وما صحب ذلك من قتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء ـ يعد جريمة‏,‏ فان استقدام هؤلاء القتلة من شذاذ الآفاق لمزيد من القتل والفساد‏,‏ يعد انتهاكا اضافيا للقانون الدولي والانساني بكل المعايير‏.‏

الغريب ان من يقدم علي ذلك يصر علي اتهام الدول المجاورة بغض الطرف عن المتسللين من العرب‏(‏ الارهابيين‏)‏ ممن يحاولون ان يقضوا مضاجع المرتزقة الذين يقتلون من اجل المال‏!‏ إلا ان هذا الاجتراء السافر علي القانون وعلي الحقائق ليس هو الوحيد في تلك المأساة فالمعلومات تشير إلي خطة قديمة يتم احياؤها حاليا مع اجراء تعديلات مظهرية عليها‏,‏ والتي من المحتمل أن تسعي من خلالها واشنطن لاستقدام قوات أفريقية نظامية للخدمة في العراق‏!‏ وتلك قصة أخري‏..‏

*الاهرام

التعليقات