الملك عبد الله الثاني رشح علاوي لدى بوش رئيسا لوزراء العراق

علاقات قديمة ربطته بالأردن وخصومة مشتركة مع الجلبي

الملك عبد الله رشح علاوي لدى بوش رئيسا لوزراء العراق

ـ السعودية ومصر ودول الخليج مرتاحه لاختياره .. علمانية حكومته تحول دون انتشار القلاقل الطائفية في الإقليم

غزة-دنيا الوطن

اثار اختيار الدكتور اياد علاوي رئيساً للحكومة الإنتقالية في العراق ارتياحاً كبيراً في الأردن، يفوق الإرتياح الذي اثاره في دول الجوار العربي الأخرى للعراق، خاصة السعودية، وبقية الدول الخليجية ومصر، وإن كان متوقعاً أن لا يلقى قبولاً لدى ايران، فيما تكشف مصادر موثوقة عن أن الأردن بالذات لعب دوراً هاما دفع بإتجاه اختيار علاوي، وذلك بالتوازي مع جهود أخرى بذلتها الدول المجاورة لدى الإدارة الأميركية.

وتؤكد مصادر "العرب" أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي بحث خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية، تفاصيل الملف العراقي مع الرئيس جورج بوش، رشح علاوي لتشكيل الحكومة العراقية، ودفع بقوة في هذا الإتجاه، مركزا في الأساس على علمانية علاوي، وباعتباره شخصية تركز على العروبة أكثر مما تركز على الدين.

وتضيف مصادر "العرب" إن هذا التركيز قدم للإدارة الأميركية مخرجا معقولا ومقبولا ومطلوباً من المأزق الذي انساقت إليه في العراق، خاصة بعد أن اكتشفت أن أحمد الجلبي دفعها لأن تحارب في العراق نيابة عن ايران، وتسقط صدام حسين لصالح ما اراده الجلبي وايران خطوة على طريق تنفيذ مشروع تصدير الثورة، الذي دعمت واشنطن صدام حسين طوال حرب الثمان سنوات بهدف اجهاضه.

وكانت واشنطن تعاملت بحذر بالغ مع احتمالات أن تسير الأمور في العراق باتجاه قيام نظام حكم اسلامي شيعي يقدم محفزات على طريق زعزعة الإستقرار في عدد من دول الخليج العربية على قاعدة التنازع الطائفي.

وقد مثل علاوي بعلاقاته القديمة مع كل من عمان وواشنطن، قاسما مشتركا أمكن أن يوافق عليه كذلك عدد مهم من دول المنطقة، خاصة مصر والسعودية اللتان كانتا تبديان مخاوف كبيرة من احتمال نجاح أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، مدعوما من صقور الإدارة الأميركية، من تولي تشكيل الحكومة الإنتقالية في العراق، وهي خطوة لا بد أن تكون مهمة على طريق تشكيل الحكومة العراقية الدائمة، عبر الإنتخاب الموجه.

خصم الجلبي

فعلاوي الذي تمكن من اقامة اقوى العلاقات مع المخابرات الأميركية والبريطانية، منذ استقال من عضوية حزب البعث، الذي شغل فيه مسؤولية تنظيمات اوروبا والدول الخليجية قبيل استقالته من عضوية الحزب عام 1975، وهو الموقع الذي تتطابق مراجع متعددة على اعتباره موقعا مخابراتيا، اقام كذلك علاقات وطيدة مع الأردن، خاصة منذ مطلع التسعينيات، حين سمح له بتشغيل محطة اذاعية موجهة للعراق من على الأراضي الأردنية، اضطر الأردن إلى اغلاقها في وقت لاحق بعد أن اشعرته بغداد صدام حسين بأن الثمن الذي سيدفعه مقابل هذه الإذاعة سيكون اتفاق النفط الذي كان يؤمن له نصف احتياجاته الإستهلاكية منه مجانا، والنصف الآخر بأسعار تفضيلية، إنما دون الإخلال بالعلاقات الوطيدة مع علاوي وحركة الوفاق الوطني التي ظل مكتبها مفتوحا في عمان، وإن بشكل سري.

كان ذلك قبل نجاح القوات الأميركية في احتلال العراق واسقاط نظام حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث كان علاوي يجد مقراً آمنا له في الأردن يوظفه في اجراء الإتصالات مع المعارضين العراقيين الذين غادروا العراق إلى الأردن، أو الإتصال مع امتدادات مفترضة له داخل العراق ذاته. وبفضل التسهيلات الأردنية، انتقل علاوي إلى بغداد عبر عمان.

إلى جانب علمانية علاوي وعدم وجود علاقات له مع ايران وطموحاتها خارج حدودها، فقد اهتمت عمان بتقوية علاقاتها مع علاوي ما دام يمثل خصما لأحمد الجلبي الذي استضاف الأمير حسن، ولي عهد الأردن السابق، في مؤتمر ضباط المعارضة العراقية الشهير الذي انعقد في لندن، ودخل إليه الأمير حسن وأحمد الجلبي معاً، وهي المشاركة التي اعتبرها العاهل الأردني في تصريحات لصحيفة "التايمز" البريطانية في حينه، خطأ فادحاً، دون أن يفصل الأسباب.

وقبيل توجهه من عمان إلى بغداد، اصدر علاوي بيانا صحفيا امتدح فيه الأردن والملك عبد الله بقوة للدور الذي لعباه في دعم المعارضة العراقية، وذلك في اشارة إلى حركته. ومنذ ذلك الوقت، حرص علاوي على استعادة أمتن العلاقات بين العراق والأردن. وقد تجلى ذلك في عدة وعود اطلقها ضمن تصريحات اعلامية أكد فيها أن العراق سيستأنف العمل بموجب الإتفاق النفطي مع الأردن، غير أن الخطوة العملية الأهم على طريق توطيد العلاقات بين البلدين تمثلت في ابرام عقد تدريب قوات الشرطة والجيش العراقيين في الأردن، وذلك بصفة علاوي السابقة كرئيس للجنة الأمنية في مجلس الحكم الإنتقالي، وحين كان نوري البدران ممثل حركة الوفاق الوطني الآخر وزيرا للداخلية.

اقناع واشنطن

لقد دفع علاوي في هذا الإتجاه، ليس فقط بهدف دعم العلاقات مع الأردن، وإنما كذلك من أجل كف يد خصمه أحمد الجلبي عن التدخل في تشكيل الأجهزة الأمنية الجديدة في العراق، وذلك من خلال الدفع باتجاه توكيل تدريب قوات الشرطة العراقية من قبل شركة فينتشر ابريتس الأمنية المسجلة في جنوب افريقيا، وهي الشركة التي حصلت على عقد مدته سنتان لحماية المنشآت النفطية العراقية، بقيمة 800 مليون دولار، وذلك بدعم من ابراهيم بحر العلوم، وزير النفط إبن حليف الجلبي محمد بحر العلوم عضو مجلس الحكم الإنتقالي. إذ التقت مصلحتي الأردن وعلاوي على محاربة الجلبي، والعمل على تقليم اظافره، وقصقصة اجنحته ما أمكن.. الأردن لأن الجلبي يجاهر بحقده عليه جراء محاكمته غيابيا وادانته من قبل محكمة أمن الدولة الأردنية لاختلاسه ودائع بنك البتراء، ورفضه تسوية القضية من تحت الطاولة، وعلاوي لأن الجلبي كان يمثل المنافس الأقوى له لتولي الموقع الأول في عراق ما بعد صدام حسين.

وقد لعبت جملة عوامل هامة دورا اساس في اقناع الإدارة الأميركية بتكليف علاوي تشكيل الحكومة الإنتقالية في العراق، هي:

اولا: علمانية علاوي، وعدم وجود علاقات خاصة تربطه بإيران ومشروعها السياسي الإقليمي.

ثانيا: قدرة علاوي، باعتباره بعثيا سابقا، على احتواء اعداد كبيرة من البعثيين الباحثين عن استمرار مصالحهم، وعدم فقدانهم لوظائفهم وامتيازاتهم في العهد الجديد، في وقت ادركت فيه واشنطن استحالة تسيير أمور الدولة العراقية بدون البعثيين السابقين الذين كانوا يمسكون بجميع الوظائف المفصلية والهامة، فضلا عن الوظائف العادية في وزارات الدولة.

وقد لعب كلا من الأردن وعلاوي دورا هاما في اقناع واشنطن بذلك في وقت دفع فيه أحمد الجلبي، لحسابات ايرانية باتجاه تشكيل لجنة برئاسته لاجتثاث البعث والبعثيين.

ثالثا: اقتناع واشنطن أخيراً بضرورة تسليم الملف الأمني للعراقيين، وخاصة عقب المواجهتين اللتين اضطرت للتخلي عنهما في الفلوجة ثم مع مسلحي مقتدى الصدر في النجف وكربلاء والكوفة.

تبديل المواقع

لقد كان موقف علاوي حاسما لهذه الجهة، وطالب بقوة بتسليم الملف الأمني للعراقيين، وصولاً إلى تعليق عضويته في مجلس الحكم الإنتقالي بالتزامن مع حصار الفلوجة، واستقالة نوري البدران من منصب وزير الدفاع، الذي تولاه سمير الصميدعي/سني، فاسحاً المجال بذللك امام تعيين علي عبد الأمير علاوي وزيرا للدفاع، وهو أيضا من اقطاب حركة الوفاق، وأحد أقرباء علاوي، اضافة إلى كونه إبن أخت أحمد الجلبي.

بالطبع، لم يكن متاحاً أن تتولى حركة الوفاق الوطني وزارتي الداخلية والدفاع معا، فعمل علاوي على التخلي عن وزارة الداخلية التي تقود من يشغلها للإصطدام مع الناس، واستبدالها بوزارة الدفاع التي جرت العادة أن تلعب دورا بالغ الأهمية في تحديد شخص الحاكم في دول العالم الثالث..!

وقد أجرى علاوي هذا التبديل في المواقع بكل مهارة، محققا تلميعا هاما لشخصه على عتبات اختيار رئيس الوزراء الجديد، وذلك بالتزامن مع هبوط اسهم الجلبي لدى الإدارة الأميركية بعد انكشاف حقيقة علاقاته الخفية مع ايران، التي لم تقتصر فقط على تسريب معلومات ايرانية خاطئة لواشنطن، جعلتها تخوض حربا ضد صدام حسين لصالح ايران، انما تجاوزت ذلك إلى نقل اسرار اميركية خطيرة للمخابرات الإيرانية. ولقد لعب انكشاف حقيقة الجلبي، دورا مهما في رسو غاطس الإختيارات الأميركية في مياه علاوي، كونه والجلبي الوحيدان تقريبا اللذان لا يمثلان تنظيما دينيا من ممثلي الشيعة في مجلس الحكم الإنتقالي، ما دامت واشنطن قررت أن يكون رئيس الوزراء المقبل شيعيا، بما يحول دون حدوث انتفاضة شيعية في العراق، أو قيام نظام حكم ديني فيه.. فضلا عن أن تولي رجل علماني لهذا الموقع من شأنه أن يهدىء من ردة فعل مقتدى الصدر الذي تقف طموحاته المستقبلية اساسا وراء تصديه للقوات الأميركية، خصوصاً وهو يرفض أن يتولى أي من منافسيه المعممين حكم العراق من دونه، ما دام يعتقد أن محمد باقر الحكيم، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هو الذي حال دون عضويته في مجلس الحكم، قبل أن يتم اغتياله ويخلفه شقيقه عبد العزيز في عضوية المجلس.

وتبدي المصادر الأردنية وثيقة الإطلاع الآن قناعتها في أن علاوي سيسحب ملف الأمن من موفق الربيعي عضو مجلس الحكم الإنتقالي الذي سيحل في الثلاثين من حزيران/يونيو المقبل، ليس فقط لأنه سيعمل على استعادة هذا الملف الذي أمسك به شخصياً منذ تشكيل مجلس الحكم الإنتقالي، وإنما كذلك لأن الربيعي يجاهر بتحالفه مع الجلبي، وهو هدد بالإستقالة حين دوهم مقر حزب الجلبي ومنزله. وشاركة في هذا التهديد محمد بحر العلوم العضو الشيعي الآخر في مجلس الحكم الإنتقالي، باعتبارهما حليفان للجلبي الذي أفل نجمه.

*العرب

التعليقات