بوش قرر بدء الحرب بالضربة الجوية الاولى بناء على معلومات مصدرها حارس مزرعة صدام
بوش قرر بدء الحرب بالضربة الجوية الاولى بناء على معلومات مصدرها حارس مزرعة صدام!
غزة-دنيا الوطن
في هذه الحلقة من كتابه الجديد «خطة الهجوم» يكشف بوب وودوارد ما دار في أروقة البيت الابيض في الساعات التي سبقت شن الحرب في العراق. ويروي قصة تقارير العملاء التي قادت الى قرار بدء الحرب مبكرا بشن غارة جوية استهدفت الرئيس العراقي (المعزول) صدام حسين وأولاده في مزرعة الدورة.
* في اليوم الذي قاد فيه الرئيس الاميركي جورج بوش الولايات المتحدة للحرب ضد العراق، التقى بأعضاء مجلسه للأمن القومي في قاعة تقييم الاوضاع، بالبيت الابيض، وكانوا على اتصال بشبكة مؤمنة مع الجنرال تومي فرانكس وتسعة من كبار مساعديه. كان ذلك صباح الاربعاء 19 مارس (آذار) 2003. وقال فرانكس ان كل قائد سيقدم تقويمه للموقف للرئيس مباشرة. وقد وجه الرئيس بوش سؤالا إلى الليفتنانت جنرال مايكل موسلي، رئيس سلاح الجو والمشرف على العمليات الجوية، قال فيه:
«هل لديك كل ما تريد؟ وهل ستحقق النصر؟».
وأجاب موسلي قائلا: «قيادتي وأجهزة سيطرتها في أتم الاستعداد. وقد تسلمت أوامر الاشتباك ووزعتها. ليست لدي أية مشاكل. أنا مرابط في موقعي ومستعد تماما. ولدي كل ما أحتاجه لتحقيق النصر». وكان الجنرال حريصا على عدم الوعد بتحقيق نصر سريع ومباشر.
وقال اللفتنانت جنرال ديفيد ماكيرنان، قائد القوات البرية في الجيش الأميركي: «أنا مستعد. ونحن ننتشر على مواقع هجومية أمامية. إمداداتنا كلها في مواقعها. ولدينا كل ما نحتاجه لتحقيق النصر».
وكان بوش يكرر اسئلته لجميع القادة. وكانت الإجابات كلها إيجابية، كما كانت أقصر مع كل سؤال جديد. وقال فرانكس: «قوانين الاشتباك وعناصر القيادة والسيطرة كلها مكتملة. القوة جاهزة للتحرك يا سيادة الرئيس».
وقال بوش: «من أجل السلام العالمي، ولمصلحة وحرية الشعب العراقي، أعطي أوامري الآن بتنفيذ عملية حرية العراق. نحن مستعدون للتحرك، فدعونا نحقق النصر». وهنا رفع بوش يده بالتحية لقادته العسكريين. ثم نهض بسرعة واستدار قبل أن يقفز الآخرون. كانت الدموع تتحدر من عينيه، ومن عيون بعض الآخرين الذين تركهم بوش وراءه في الغرفة. وعندما وصل إلى المكتب البيضاوي، خرج ليتمشى في الخارج. ولكن تطورا جديدا حدث، وأربك بعض تلك الخطط. وبدا حينها أن هناك فرصة ما لقتل صدام حتى قبل بداية الحرب. وكان بوش قد علم عن هذه التطورات في اليوم السابق، عندما وصل جورج تينيت إلى البيت الأبيض. وكان تينيت يطلع بوش أولا بأول على أخبار «الروكستارز»، وهم شبكة المخبرين المنتشرين داخل العراق، وقال تينيت ان عددا كبيرا من الروكستارز يرسلون تقارير تفصيلية عن احتمال أن يكون صدام حسين وأسرته، في مزرعة الدورة، أو هو في طريقه إلى هناك. ومزرعة الدورة هي مجمع يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من بغداد على ضفاف نهر دجلة.
* 10.15 صباحا :
(6.15 مساء بتوقيت العراق):
* في المناطق الجبلية التي يسيطر عليها الأكراد بشمال العراق، كان رجل اسمه تيم، يقود فريقا شبه عسكري من الـ«سي آي إيه»، قد أقام شبكة اتصالات على ارتفاع 10 آلاف قدم تقريبا. كان مع تيم 87 من الروكستارز، يرسلون تقاريرهم من خلال الهواتف الجوالة من طراز «الثريا» المرتبطة بالأقمار الصناعية، التي زودهم بها، مع شاشة حجمها 7 في 7 أقدام، تكشف الموقع المحدد لكل محادثة خارجة من العراق. وكان يتسلم محادثاتهم شقيقان كرديان جندهما تيم.
كان يشرف على الأمن داخل الموقع الذي سمي «جونز تاون» ثلاثة ضباط وجنديان من القوات الخاصة. وكان هؤلاء يستمعون إلى المحادثات الواردة باللغة العربية، ثم ينقلونها من خلال موجة إذاعية مؤمنة إلى قاعدة تيم عند سفح الجبل، حيث يقيم فريقه في مبنى أخضر أطلقوا عليه اسم «بستاشيو». وكان هؤلاء يسارعون بتحويل الرسائل الإذاعية إلى تقارير استخبارية، بأسرع فرصة ممكنة، لتوصيلها إلى رئاسة الوكالة في لانغلي بفرجينيا.
وردت رسالة من أعلى الجبل تقول: « بستاشيو، بستاشيو، هنا جونز تاون». فقد تسلمت جونزتاون رسالة للتو من أحد أعضاء الروكستارز، وكان واحدا من فريق الأمن الخاص بصدام حسين، يشرف على جزء من شبكة الاتصال الخاصة التي يستخدمها صدام حسين وهو يتحرك بين قصوره وغيرها من الأماكن. قال هذا المصدر انه سمع للتو من روكستار آخر كان قد ذهب إلى مزرعة الدورة للمشاركة في تشغيل شبكة الإتصال أنه لاحظ أنهم يخزنون الأطعمة والمؤن في تلك المزرعة. وقال إن ما رأه كان شبيها بتجمع عائلي.
نقل تيم هذه الرسالة إلى سول، رئيس مجموعة العلميات العراقية، برئاسة «سي آي إيه»، والذي كان يفحص حينها آخر الصور الواردة من بغداد. ويا لغرابة ما رأى. فتحت أشجار النخيل بمزرعة الدورة كانت هناك 36 سيارة أمن. كان ذلك عددا هائلا، ولا يمكن أن يكون مخصصا لشخص أو شخصين. في لحظة ما بعد الساعة 12:30 بعد الظهر (8:30 مساء بتوقيت العراق)، تلقى تيم تقريرا يفيد بأن روكان، وهو أحد الروكستارز ويشرف على الأمن بمزرعة الدورة، رأى صدام حسين، الذي كان قد غادر المزرعة قبل 8 ساعات، ولكنه سيعود ليقضي ليلته هناك مع ابنيه قصي وعدي. وقال إنه متأكد بنسبة 100 في المائة أن صدام « يجب» أن يعود. وكان تيم يعرف أن «يجب» هنا معناها «ربما» ولكن كان عليه أن يبلغ ما وصله من معلومات.
* الساعة 3.15 مساء:
* ذهب تينيت وجون ماكلوخلين وسول وعدد من موظفي «سي آي إيه»، على وجه السرعة، إلى البنتاغون وهم يحملون تقرير تيم الاستخباراتي، ومجموعة من صور الاقمار الصناعية للاجتماع بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد. كان رامسفيلد متابعا لتقارير الروكستارز، وكان يعتقد أنها تستحق أن تنقل إلى الرئيس. وكان الرهان على أن المجموعة صادقة في تقاريرها، إذ أنها لا يمكن أن تعرض نفسها للخطر من دون أن تكون واثقة مما تقول. ولكن مثلها مثل كل المعلومات الاستخباراتية لم تكن تلك التقارير محكمة. وتحدث رامسفيلد مع فرانكس الذي كان يعتقد أن مزرعة الدورة تمثل هدفا جيدا، وطلب منه وزير الدفاع أن يكون متأكدا تماما من استعداد القوات لضربها.
ثم اتصل رامسفيلد بكارد وقال له: « هناك بعض التطورات. واريد أن أحضر وأتحدث عنها».
نقل كارد طلب رامسفيلد إلى الرئيس.
سرعان ما وصل رامسفيلد، وماكلوخلين وتينيت وسول واثنان آخران من الـ«سي آي إيه»، إلى المكتب البيضاوي ودخلوا إلى قاعة الطعام الرئاسية. قال تينيت: «لدينا اثنان مقربان من صدام». ثم تحدث بسرعة عن الحارس روكان، والعنصر الأمني الآخر الذي ذهب للمساعدة في تشغيل شبكة الاتصالات. وعرض تينيت الصور التي تحدد موقع المزرعة غرب بغداد بالقرب من منحنى نهر دجلة. كانت هناك عدة منازل داخل المزرعة. وقال تينيت ان صدام وولديه كانا هنا، وربما يعودون مرة أخرى، إذا لم يعودوا بالفعل. ووكالة الـ«سي آي إيه» على اتصال مباشر مع المصدرين.
تساءل بوش حول المصدرين. من هما؟ وأي نوع من الناس هما؟
وقال سول إن مفتاح شبكة الروكستارز هو ضابط الاتصالات الذي يعمل مباشرة مع هذين المصدرين بمزرعة الدورة. وقال إن هؤلاء الرجال الذين جندهم الضابط المشار إليه اتضح أنهم على درجة عالية من الكفاءة. وقال سول للرئيس، «قياسا بالعملاء العراقيين الذين نشرف عليهم، نعتقد أنه من أفض العناصر التي يمكن الاعتماد عليها». وعندها قال الرئيس:
« هذا جيد جدا. يبدو أنه جيد فعلا».
وتساءل الرئيس: ما هي نوع الاسلحة التي ستستخدمونها؟
قال الجنرال رتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان المشتركة والذي كان قد التحق بالاجتماع قبل وقت قصير، إن الاسلحة ستكون صواريخ كروز من طراز توماهوك. واقترح حزمة من 15 إلى 17 صاروخا. ولكن بوش كانت تراوده بعض الشكوك. وتساءل مجددا: كيف يتوزعون على المباني؟ اين سيكون صدام؟ وهل لأبنائه أطفال؟ وأين زوجته؟ هل سيكون صدام مع زوجته؟ وهل نحن متأكدون أننا لن نسدد ضربتنا إلى الموقع الذي يقيم فيه الأطفال؟
كان لدى الرئيس مزيد من الأسئلة. فقد تساءل «هل سيشل ذلك خطة تومي؟». وكانوا قد قضوا ما يزيد على عام على تلك الخطة. ماذا سيكون التأثير؟ هل سيزيل عنصر المباغتة؟ ومن المفترض أن تكون قوات العمليات الخاصة التي دخلت للتو الى هناك قوات سرية. فهل سيؤدي هذا الى كشفهم؟ وقد طلب من رامسفيلد «اذهب واسأل تومي».
ووصل مايرز اخيرا الى فرانكس. وسأل مايرز «ما رأيك في اطلاق على هدف مزرعة الدورة؟».
وكان فرانكس يراقب الأهداف الحساسة زمنيا على نحو دقيق، وكان قد علم الليلة الماضية ان وكالة المخابرات المركزية كانت تقترب من صدام حسين، ربما في مزرعة الدورة. وتبدو مثل هدف لصاروخ توما هوك، وكان فرانكس قد أمر قوات البحرية ببرمجة بعض الصواريخ الموجهة الى الهدف. ولكن ما زال ذلك خلال الساعات الثماني والأربعين التي حددها الرئيس كفترة انذار لصدام ونجليه لغرض المغادرة. وكان فرانكس يشعر بقوة كبيرة وكان قد تشاور مع رامسفيلد واتفقا على عدم اطلاق شيء خلال تلك الفترة. انها فترة من نوع فترات السماح.
وسأل مايرز بعد ذلك «هل يمكنك أن تفعل ذلك خلال ساعتين؟».
فأجاب فرانكس ان بوسعهم ذلك. فصواريخ توما هوك مستعدة للانطلاق.
وقد وصل آخر تقرير من الروكستارز الى غرفة تقييم الأوضاع وأخذ مباشرة الى المكتب البيضاوي.
وقال تينيت «انهم يقولون انهم معه الآن! كلا النجلين هنا». وزوجاتهم كن هناك. وكذلك العوائل. وكان متوقعا أن يعود صدام في وقت يتراوح بين الثانية والنصف والثالثة فجرا، وهو ما يعني خلال اقل من ساعتين بتوقيت العراق.
وكان باول المسؤول الوحيد الغائب، وفي حوالي الساعة الخامسة والربع قال الرئيس لرايس «يحسن أن تتصلي بكولن».
وقالت وهي تتصل به في وزارة الخارجية «كولن تعال الى البيت الأبيض». وكانت فظة ولم تقدم توضيحا. وعندما وصل باول خلال دقائق قدموا له ملخصا للوضع. وقال أخيرا «اذا ما توفرت لدينا فرصة لقتلهم فالأمر يستحق ذلك».
واتصل مايرز بفرانكس على هاتف مأمون، هل بوسعه أن يعد طائرة ستيلث مقاتلة تحمل اثنتين من قنابل اي جي بي يو لغرض شن الهجوم؟ وبحث فرانكس. لقد كانت القوات الجوية في ظل متابعتها التقارير الاستخبارية، قد اعدت في الليلة السابقة طائرة من طراز «إف 117». وتلقى السرب الجوي في قطر معلومات ذلك اليوم بامكانية القاء القنبلتين معا بطريقة آمنة، بالرغم من عدم محاولة ذلك من قبل.
وسأل فرانكس ما هي الاحتمالات لتحليق طائرة «اف 117» والقاء قنبتلتين معا. وجاء الرد ان القوات الجوية يمكنها فقط القول بوجود فرصة 50 في المائة للنجاح.
وامر فرانكس بإعداد قاذفتين، من منطلق امكانية تحسين الفرصة.
وفي قطر، تمكن سرب القوات الجوية من اعداد طائرة ثانية من طراز 117 .
وبعث فرانكس بكلمة الى المكتب البيضاوي انه من الممكن، ولكنه في حاجة الى قرار نهائي في حوالي الساعة 7:15 مساء لكي يتمكن من ارسال الطائرة اف 117 الى المناخ الجوي العراقي وخروجها منه قبل الفجر.
اشار باول الى تأثير التلفزيون. سيمكن مشاهدة الهجوم فورا. فقد كان الصحافيون الذين يقيمون في فندق الرشيد في بغداد قريبين لمشاهدته وسماعه. عشرات من صواريخ كروز وقنابل مدمرة مخابئ. وكانت وسائل الاعلام مستعدة لاعلان «لقد بدأت، لقد بدأت» وستزدحم السماء بنيران المدافع المضادة للطائرات. وستبدأ الحرب بهذا الحدث.
وقال الرئيس «لو لم تكن الحياة معرضة للخطر، لاعلنت النبأ».
وقال بوش «لقد تعهدت للناس بابلاغهم عندما تبدأ الحرب. واذا كانت الحرب ستبدأ اليوم، ستتعرض حياة الناس للخطر، يجب ان أبلغ الشعب الاميركي انني وجهت القوات الاميركية للحرب».
اتصلت رايس بالأمير بندر بن سلطان السفير السعودي، وسألته: هل يمكن ان نلتقي في الساعة 7:45؟
وفي العادة فإن أي اجتماع بعد الساعة السادسة والنصف مساء هو رسالة مشفرة، تعني ان بندر سيقابل الرئيس. وكان سفير السعودية لدى واشنطن قد حجز مطعما عربيا صغير بأكمله في حي جورج تاون بواشنطن تلك الليلة ليتناول العشاء مع اسرته وبعض الاصدقاء. وقال لزوجته ان تذهب للمطعم. ووصل الى بهو الجناح الغربي ولاحظ وجود مصور. امر غريب. واخيرا عندما جرى اصطحابه في الساعة 8:28 خرجت رايس من مكتبها لتستقبله، اضاء الفلاش! وقفز بندر قائلا «آمل انه يعمل معك»، ويقصد المصور.
وردت رايس: «نعم نعم لا تقلق».
والتقط المصور صورة اخرى وهما يهمان بالجلوس ومرة ثالثة بعد جلوسهما.
وبدأت رايس الحديث «لقد طلب الرئيس..».
وقاطعها بندر متمما جملتها «طلب مني ان ابلغك، اننا دخلنا الحرب».
كان الامر واضحا.. انتهاء فترة الانذار ووجود المصور. وقال لها «لقد التقيت بك في هذا المكتب مرات على مدى عامين ولم يظهر مصور من قبل. وانا لن اتقاعد لكي تلتقط صور تذكارية. وانت لن تتقاعدين».
وقالت رايس «في الساعة التاسعة مساء ستفتح ابواب الجحيم. وصديقك، الرئيس، صمم على ابلاغك على الفور».
وسأل بندر «اين الرئيس الآن؟».
انه يتناول العشاء مع السيدة الاولى ثم قرر البقاء وحيدا.
ودق هاتف رايس في الساعة 8:29 مساء.
«نعم، نعم، سيادة الرئيس، لا لقد أبلغته... هو هنا... نعم، هو معي. لقد أبلغته».
وغادر بندر. وكانت المسافة من الجناح الغربي الى سيارته بالخارج تبدو وكأنها الف ميل. ولفح الهواء البارد وجهه.
وكان رتب شفرة لابلاغ ولي العهد الامير عبد الله اذا ما علم مبكرا، اشارة الى الروضة وهي واحة خارج الرياض. وقال بندر من هاتف سيارته الى السعودية «تشير التوقعات الليلة الى امطار ثقيلة في الروضة».
تجمع كل من رايس وكارد وبارتليت وفلايشر حول التلفزيون في مكتب رايس. وفي الساعة التاسعة والنصف مساء اذيعت تقارير عن سماع صوت صفارات الانذار في بغداد. واعقبتها طلقات المدافع المضادة للطائرات. وقالت رايس لفلايشر المتحدث بإسم البيت الابيض «اخرج الآن الى الصحافيين».
وخرج الى المنصة في الساعة 9:45 «لقد بدأت المراحل التمهيدية لنزع سلاح العراق. وسيوجه الرئيس خطابا الى الامة في الساعة 10:15».
وابلغ مايرز هادلي ان طائرات «إف ـ 117» قد ألقت بنجاح قنابلها، ونقل هادلي التقرير الى بوش ورايس.
* الساعة 10.16
* ظهر الرئيس على التلفزيون، وخلفه الاعلام وصور عائلية. وقال ان «المراحل المبكرة» للحملة العسكرية ضد صدام قد بدأت، بدون ان يقدم اية تفاصيل. وقبل دقائق من حلول منتصف الليل في واشنطن (الثامنة صباحا بتوقيت العراق) بعث تيم بتقرير يقول ان رئيس مجموعة روكستار ذكر ان صدام واولاده في مزرعة الدورة عندما اصابتها القنابل والصواريخ، ولكنه لم يعرف وضعهم. ولم يكن تيم يريد ارسال تقارير اخري الى ان يكون متأكدا تماما من انهم اصابوا صدام. وقبل حلول الفجر في واشنطن (حوالي الظهر بتوقيت العراق) بعث ببرقية اخرى. وكان عليه ان يكرر من قاله عملاء الروكستار، ولكنه لم يكن متأكدا لانه كان يحصل على معلومات متفرقة من عملاء روكستارز يهربون من المواقع. وكان روكان، مصدرهم، قد قتل بعد اصابته بصاروخ كروز. وخرج واحد من ابناء صدام حسين، لم يكن من الواضح من هو وهو يصيح «لقد تمت خيانتنا واطلق النار على واحد آخر من العملاء في ركبته. وظهر الابن الآخر من وسط الحطام ملطخا بالدماء، غير انه لم يكن من المعروف ما اذا كان الدم دمه ام دم شخص آخر. وقد اصيب صدام، طبقا لشاهد من مجموعة روكستارز، وتم اخراجه من وسط الحطام. ولم يوقظ احد الرئيس. وبعد وصول بوش الى المكتب البيضاوي في الساعة 6:30 يوم الخميس 20 مارس. بدا وكأن صدام تمكن من النجاة.
* «واشنطن بوست»
غزة-دنيا الوطن
في هذه الحلقة من كتابه الجديد «خطة الهجوم» يكشف بوب وودوارد ما دار في أروقة البيت الابيض في الساعات التي سبقت شن الحرب في العراق. ويروي قصة تقارير العملاء التي قادت الى قرار بدء الحرب مبكرا بشن غارة جوية استهدفت الرئيس العراقي (المعزول) صدام حسين وأولاده في مزرعة الدورة.
* في اليوم الذي قاد فيه الرئيس الاميركي جورج بوش الولايات المتحدة للحرب ضد العراق، التقى بأعضاء مجلسه للأمن القومي في قاعة تقييم الاوضاع، بالبيت الابيض، وكانوا على اتصال بشبكة مؤمنة مع الجنرال تومي فرانكس وتسعة من كبار مساعديه. كان ذلك صباح الاربعاء 19 مارس (آذار) 2003. وقال فرانكس ان كل قائد سيقدم تقويمه للموقف للرئيس مباشرة. وقد وجه الرئيس بوش سؤالا إلى الليفتنانت جنرال مايكل موسلي، رئيس سلاح الجو والمشرف على العمليات الجوية، قال فيه:
«هل لديك كل ما تريد؟ وهل ستحقق النصر؟».
وأجاب موسلي قائلا: «قيادتي وأجهزة سيطرتها في أتم الاستعداد. وقد تسلمت أوامر الاشتباك ووزعتها. ليست لدي أية مشاكل. أنا مرابط في موقعي ومستعد تماما. ولدي كل ما أحتاجه لتحقيق النصر». وكان الجنرال حريصا على عدم الوعد بتحقيق نصر سريع ومباشر.
وقال اللفتنانت جنرال ديفيد ماكيرنان، قائد القوات البرية في الجيش الأميركي: «أنا مستعد. ونحن ننتشر على مواقع هجومية أمامية. إمداداتنا كلها في مواقعها. ولدينا كل ما نحتاجه لتحقيق النصر».
وكان بوش يكرر اسئلته لجميع القادة. وكانت الإجابات كلها إيجابية، كما كانت أقصر مع كل سؤال جديد. وقال فرانكس: «قوانين الاشتباك وعناصر القيادة والسيطرة كلها مكتملة. القوة جاهزة للتحرك يا سيادة الرئيس».
وقال بوش: «من أجل السلام العالمي، ولمصلحة وحرية الشعب العراقي، أعطي أوامري الآن بتنفيذ عملية حرية العراق. نحن مستعدون للتحرك، فدعونا نحقق النصر». وهنا رفع بوش يده بالتحية لقادته العسكريين. ثم نهض بسرعة واستدار قبل أن يقفز الآخرون. كانت الدموع تتحدر من عينيه، ومن عيون بعض الآخرين الذين تركهم بوش وراءه في الغرفة. وعندما وصل إلى المكتب البيضاوي، خرج ليتمشى في الخارج. ولكن تطورا جديدا حدث، وأربك بعض تلك الخطط. وبدا حينها أن هناك فرصة ما لقتل صدام حتى قبل بداية الحرب. وكان بوش قد علم عن هذه التطورات في اليوم السابق، عندما وصل جورج تينيت إلى البيت الأبيض. وكان تينيت يطلع بوش أولا بأول على أخبار «الروكستارز»، وهم شبكة المخبرين المنتشرين داخل العراق، وقال تينيت ان عددا كبيرا من الروكستارز يرسلون تقارير تفصيلية عن احتمال أن يكون صدام حسين وأسرته، في مزرعة الدورة، أو هو في طريقه إلى هناك. ومزرعة الدورة هي مجمع يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من بغداد على ضفاف نهر دجلة.
* 10.15 صباحا :
(6.15 مساء بتوقيت العراق):
* في المناطق الجبلية التي يسيطر عليها الأكراد بشمال العراق، كان رجل اسمه تيم، يقود فريقا شبه عسكري من الـ«سي آي إيه»، قد أقام شبكة اتصالات على ارتفاع 10 آلاف قدم تقريبا. كان مع تيم 87 من الروكستارز، يرسلون تقاريرهم من خلال الهواتف الجوالة من طراز «الثريا» المرتبطة بالأقمار الصناعية، التي زودهم بها، مع شاشة حجمها 7 في 7 أقدام، تكشف الموقع المحدد لكل محادثة خارجة من العراق. وكان يتسلم محادثاتهم شقيقان كرديان جندهما تيم.
كان يشرف على الأمن داخل الموقع الذي سمي «جونز تاون» ثلاثة ضباط وجنديان من القوات الخاصة. وكان هؤلاء يستمعون إلى المحادثات الواردة باللغة العربية، ثم ينقلونها من خلال موجة إذاعية مؤمنة إلى قاعدة تيم عند سفح الجبل، حيث يقيم فريقه في مبنى أخضر أطلقوا عليه اسم «بستاشيو». وكان هؤلاء يسارعون بتحويل الرسائل الإذاعية إلى تقارير استخبارية، بأسرع فرصة ممكنة، لتوصيلها إلى رئاسة الوكالة في لانغلي بفرجينيا.
وردت رسالة من أعلى الجبل تقول: « بستاشيو، بستاشيو، هنا جونز تاون». فقد تسلمت جونزتاون رسالة للتو من أحد أعضاء الروكستارز، وكان واحدا من فريق الأمن الخاص بصدام حسين، يشرف على جزء من شبكة الاتصال الخاصة التي يستخدمها صدام حسين وهو يتحرك بين قصوره وغيرها من الأماكن. قال هذا المصدر انه سمع للتو من روكستار آخر كان قد ذهب إلى مزرعة الدورة للمشاركة في تشغيل شبكة الإتصال أنه لاحظ أنهم يخزنون الأطعمة والمؤن في تلك المزرعة. وقال إن ما رأه كان شبيها بتجمع عائلي.
نقل تيم هذه الرسالة إلى سول، رئيس مجموعة العلميات العراقية، برئاسة «سي آي إيه»، والذي كان يفحص حينها آخر الصور الواردة من بغداد. ويا لغرابة ما رأى. فتحت أشجار النخيل بمزرعة الدورة كانت هناك 36 سيارة أمن. كان ذلك عددا هائلا، ولا يمكن أن يكون مخصصا لشخص أو شخصين. في لحظة ما بعد الساعة 12:30 بعد الظهر (8:30 مساء بتوقيت العراق)، تلقى تيم تقريرا يفيد بأن روكان، وهو أحد الروكستارز ويشرف على الأمن بمزرعة الدورة، رأى صدام حسين، الذي كان قد غادر المزرعة قبل 8 ساعات، ولكنه سيعود ليقضي ليلته هناك مع ابنيه قصي وعدي. وقال إنه متأكد بنسبة 100 في المائة أن صدام « يجب» أن يعود. وكان تيم يعرف أن «يجب» هنا معناها «ربما» ولكن كان عليه أن يبلغ ما وصله من معلومات.
* الساعة 3.15 مساء:
* ذهب تينيت وجون ماكلوخلين وسول وعدد من موظفي «سي آي إيه»، على وجه السرعة، إلى البنتاغون وهم يحملون تقرير تيم الاستخباراتي، ومجموعة من صور الاقمار الصناعية للاجتماع بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد. كان رامسفيلد متابعا لتقارير الروكستارز، وكان يعتقد أنها تستحق أن تنقل إلى الرئيس. وكان الرهان على أن المجموعة صادقة في تقاريرها، إذ أنها لا يمكن أن تعرض نفسها للخطر من دون أن تكون واثقة مما تقول. ولكن مثلها مثل كل المعلومات الاستخباراتية لم تكن تلك التقارير محكمة. وتحدث رامسفيلد مع فرانكس الذي كان يعتقد أن مزرعة الدورة تمثل هدفا جيدا، وطلب منه وزير الدفاع أن يكون متأكدا تماما من استعداد القوات لضربها.
ثم اتصل رامسفيلد بكارد وقال له: « هناك بعض التطورات. واريد أن أحضر وأتحدث عنها».
نقل كارد طلب رامسفيلد إلى الرئيس.
سرعان ما وصل رامسفيلد، وماكلوخلين وتينيت وسول واثنان آخران من الـ«سي آي إيه»، إلى المكتب البيضاوي ودخلوا إلى قاعة الطعام الرئاسية. قال تينيت: «لدينا اثنان مقربان من صدام». ثم تحدث بسرعة عن الحارس روكان، والعنصر الأمني الآخر الذي ذهب للمساعدة في تشغيل شبكة الاتصالات. وعرض تينيت الصور التي تحدد موقع المزرعة غرب بغداد بالقرب من منحنى نهر دجلة. كانت هناك عدة منازل داخل المزرعة. وقال تينيت ان صدام وولديه كانا هنا، وربما يعودون مرة أخرى، إذا لم يعودوا بالفعل. ووكالة الـ«سي آي إيه» على اتصال مباشر مع المصدرين.
تساءل بوش حول المصدرين. من هما؟ وأي نوع من الناس هما؟
وقال سول إن مفتاح شبكة الروكستارز هو ضابط الاتصالات الذي يعمل مباشرة مع هذين المصدرين بمزرعة الدورة. وقال إن هؤلاء الرجال الذين جندهم الضابط المشار إليه اتضح أنهم على درجة عالية من الكفاءة. وقال سول للرئيس، «قياسا بالعملاء العراقيين الذين نشرف عليهم، نعتقد أنه من أفض العناصر التي يمكن الاعتماد عليها». وعندها قال الرئيس:
« هذا جيد جدا. يبدو أنه جيد فعلا».
وتساءل الرئيس: ما هي نوع الاسلحة التي ستستخدمونها؟
قال الجنرال رتشارد مايرز، رئيس هيئة الأركان المشتركة والذي كان قد التحق بالاجتماع قبل وقت قصير، إن الاسلحة ستكون صواريخ كروز من طراز توماهوك. واقترح حزمة من 15 إلى 17 صاروخا. ولكن بوش كانت تراوده بعض الشكوك. وتساءل مجددا: كيف يتوزعون على المباني؟ اين سيكون صدام؟ وهل لأبنائه أطفال؟ وأين زوجته؟ هل سيكون صدام مع زوجته؟ وهل نحن متأكدون أننا لن نسدد ضربتنا إلى الموقع الذي يقيم فيه الأطفال؟
كان لدى الرئيس مزيد من الأسئلة. فقد تساءل «هل سيشل ذلك خطة تومي؟». وكانوا قد قضوا ما يزيد على عام على تلك الخطة. ماذا سيكون التأثير؟ هل سيزيل عنصر المباغتة؟ ومن المفترض أن تكون قوات العمليات الخاصة التي دخلت للتو الى هناك قوات سرية. فهل سيؤدي هذا الى كشفهم؟ وقد طلب من رامسفيلد «اذهب واسأل تومي».
ووصل مايرز اخيرا الى فرانكس. وسأل مايرز «ما رأيك في اطلاق على هدف مزرعة الدورة؟».
وكان فرانكس يراقب الأهداف الحساسة زمنيا على نحو دقيق، وكان قد علم الليلة الماضية ان وكالة المخابرات المركزية كانت تقترب من صدام حسين، ربما في مزرعة الدورة. وتبدو مثل هدف لصاروخ توما هوك، وكان فرانكس قد أمر قوات البحرية ببرمجة بعض الصواريخ الموجهة الى الهدف. ولكن ما زال ذلك خلال الساعات الثماني والأربعين التي حددها الرئيس كفترة انذار لصدام ونجليه لغرض المغادرة. وكان فرانكس يشعر بقوة كبيرة وكان قد تشاور مع رامسفيلد واتفقا على عدم اطلاق شيء خلال تلك الفترة. انها فترة من نوع فترات السماح.
وسأل مايرز بعد ذلك «هل يمكنك أن تفعل ذلك خلال ساعتين؟».
فأجاب فرانكس ان بوسعهم ذلك. فصواريخ توما هوك مستعدة للانطلاق.
وقد وصل آخر تقرير من الروكستارز الى غرفة تقييم الأوضاع وأخذ مباشرة الى المكتب البيضاوي.
وقال تينيت «انهم يقولون انهم معه الآن! كلا النجلين هنا». وزوجاتهم كن هناك. وكذلك العوائل. وكان متوقعا أن يعود صدام في وقت يتراوح بين الثانية والنصف والثالثة فجرا، وهو ما يعني خلال اقل من ساعتين بتوقيت العراق.
وكان باول المسؤول الوحيد الغائب، وفي حوالي الساعة الخامسة والربع قال الرئيس لرايس «يحسن أن تتصلي بكولن».
وقالت وهي تتصل به في وزارة الخارجية «كولن تعال الى البيت الأبيض». وكانت فظة ولم تقدم توضيحا. وعندما وصل باول خلال دقائق قدموا له ملخصا للوضع. وقال أخيرا «اذا ما توفرت لدينا فرصة لقتلهم فالأمر يستحق ذلك».
واتصل مايرز بفرانكس على هاتف مأمون، هل بوسعه أن يعد طائرة ستيلث مقاتلة تحمل اثنتين من قنابل اي جي بي يو لغرض شن الهجوم؟ وبحث فرانكس. لقد كانت القوات الجوية في ظل متابعتها التقارير الاستخبارية، قد اعدت في الليلة السابقة طائرة من طراز «إف 117». وتلقى السرب الجوي في قطر معلومات ذلك اليوم بامكانية القاء القنبلتين معا بطريقة آمنة، بالرغم من عدم محاولة ذلك من قبل.
وسأل فرانكس ما هي الاحتمالات لتحليق طائرة «اف 117» والقاء قنبتلتين معا. وجاء الرد ان القوات الجوية يمكنها فقط القول بوجود فرصة 50 في المائة للنجاح.
وامر فرانكس بإعداد قاذفتين، من منطلق امكانية تحسين الفرصة.
وفي قطر، تمكن سرب القوات الجوية من اعداد طائرة ثانية من طراز 117 .
وبعث فرانكس بكلمة الى المكتب البيضاوي انه من الممكن، ولكنه في حاجة الى قرار نهائي في حوالي الساعة 7:15 مساء لكي يتمكن من ارسال الطائرة اف 117 الى المناخ الجوي العراقي وخروجها منه قبل الفجر.
اشار باول الى تأثير التلفزيون. سيمكن مشاهدة الهجوم فورا. فقد كان الصحافيون الذين يقيمون في فندق الرشيد في بغداد قريبين لمشاهدته وسماعه. عشرات من صواريخ كروز وقنابل مدمرة مخابئ. وكانت وسائل الاعلام مستعدة لاعلان «لقد بدأت، لقد بدأت» وستزدحم السماء بنيران المدافع المضادة للطائرات. وستبدأ الحرب بهذا الحدث.
وقال الرئيس «لو لم تكن الحياة معرضة للخطر، لاعلنت النبأ».
وقال بوش «لقد تعهدت للناس بابلاغهم عندما تبدأ الحرب. واذا كانت الحرب ستبدأ اليوم، ستتعرض حياة الناس للخطر، يجب ان أبلغ الشعب الاميركي انني وجهت القوات الاميركية للحرب».
اتصلت رايس بالأمير بندر بن سلطان السفير السعودي، وسألته: هل يمكن ان نلتقي في الساعة 7:45؟
وفي العادة فإن أي اجتماع بعد الساعة السادسة والنصف مساء هو رسالة مشفرة، تعني ان بندر سيقابل الرئيس. وكان سفير السعودية لدى واشنطن قد حجز مطعما عربيا صغير بأكمله في حي جورج تاون بواشنطن تلك الليلة ليتناول العشاء مع اسرته وبعض الاصدقاء. وقال لزوجته ان تذهب للمطعم. ووصل الى بهو الجناح الغربي ولاحظ وجود مصور. امر غريب. واخيرا عندما جرى اصطحابه في الساعة 8:28 خرجت رايس من مكتبها لتستقبله، اضاء الفلاش! وقفز بندر قائلا «آمل انه يعمل معك»، ويقصد المصور.
وردت رايس: «نعم نعم لا تقلق».
والتقط المصور صورة اخرى وهما يهمان بالجلوس ومرة ثالثة بعد جلوسهما.
وبدأت رايس الحديث «لقد طلب الرئيس..».
وقاطعها بندر متمما جملتها «طلب مني ان ابلغك، اننا دخلنا الحرب».
كان الامر واضحا.. انتهاء فترة الانذار ووجود المصور. وقال لها «لقد التقيت بك في هذا المكتب مرات على مدى عامين ولم يظهر مصور من قبل. وانا لن اتقاعد لكي تلتقط صور تذكارية. وانت لن تتقاعدين».
وقالت رايس «في الساعة التاسعة مساء ستفتح ابواب الجحيم. وصديقك، الرئيس، صمم على ابلاغك على الفور».
وسأل بندر «اين الرئيس الآن؟».
انه يتناول العشاء مع السيدة الاولى ثم قرر البقاء وحيدا.
ودق هاتف رايس في الساعة 8:29 مساء.
«نعم، نعم، سيادة الرئيس، لا لقد أبلغته... هو هنا... نعم، هو معي. لقد أبلغته».
وغادر بندر. وكانت المسافة من الجناح الغربي الى سيارته بالخارج تبدو وكأنها الف ميل. ولفح الهواء البارد وجهه.
وكان رتب شفرة لابلاغ ولي العهد الامير عبد الله اذا ما علم مبكرا، اشارة الى الروضة وهي واحة خارج الرياض. وقال بندر من هاتف سيارته الى السعودية «تشير التوقعات الليلة الى امطار ثقيلة في الروضة».
تجمع كل من رايس وكارد وبارتليت وفلايشر حول التلفزيون في مكتب رايس. وفي الساعة التاسعة والنصف مساء اذيعت تقارير عن سماع صوت صفارات الانذار في بغداد. واعقبتها طلقات المدافع المضادة للطائرات. وقالت رايس لفلايشر المتحدث بإسم البيت الابيض «اخرج الآن الى الصحافيين».
وخرج الى المنصة في الساعة 9:45 «لقد بدأت المراحل التمهيدية لنزع سلاح العراق. وسيوجه الرئيس خطابا الى الامة في الساعة 10:15».
وابلغ مايرز هادلي ان طائرات «إف ـ 117» قد ألقت بنجاح قنابلها، ونقل هادلي التقرير الى بوش ورايس.
* الساعة 10.16
* ظهر الرئيس على التلفزيون، وخلفه الاعلام وصور عائلية. وقال ان «المراحل المبكرة» للحملة العسكرية ضد صدام قد بدأت، بدون ان يقدم اية تفاصيل. وقبل دقائق من حلول منتصف الليل في واشنطن (الثامنة صباحا بتوقيت العراق) بعث تيم بتقرير يقول ان رئيس مجموعة روكستار ذكر ان صدام واولاده في مزرعة الدورة عندما اصابتها القنابل والصواريخ، ولكنه لم يعرف وضعهم. ولم يكن تيم يريد ارسال تقارير اخري الى ان يكون متأكدا تماما من انهم اصابوا صدام. وقبل حلول الفجر في واشنطن (حوالي الظهر بتوقيت العراق) بعث ببرقية اخرى. وكان عليه ان يكرر من قاله عملاء الروكستار، ولكنه لم يكن متأكدا لانه كان يحصل على معلومات متفرقة من عملاء روكستارز يهربون من المواقع. وكان روكان، مصدرهم، قد قتل بعد اصابته بصاروخ كروز. وخرج واحد من ابناء صدام حسين، لم يكن من الواضح من هو وهو يصيح «لقد تمت خيانتنا واطلق النار على واحد آخر من العملاء في ركبته. وظهر الابن الآخر من وسط الحطام ملطخا بالدماء، غير انه لم يكن من المعروف ما اذا كان الدم دمه ام دم شخص آخر. وقد اصيب صدام، طبقا لشاهد من مجموعة روكستارز، وتم اخراجه من وسط الحطام. ولم يوقظ احد الرئيس. وبعد وصول بوش الى المكتب البيضاوي في الساعة 6:30 يوم الخميس 20 مارس. بدا وكأن صدام تمكن من النجاة.
* «واشنطن بوست»
التعليقات