سمات الكتابة النسائية بين الماضي والحاضر

سمات الكتابة النسائية بين الماضي والحاضر

غزة-دنيا الوطن

في يوم الثلاثاء الموافق 2/ مارس/ 2004م اجتمع رواد صالون نون مع الأستاذ الدكتور

نبيل أبو علي –أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية، ومدير الهيئة الإدارية

للجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين - اجتمعوا حول مائدة الكتابة النسائية وسماتها

المتغيرة بين الماضي والحاضر، أدارت الجلسة الأستاذة فتحية إبراهيم صرصور مؤسسة في

الصالون، قدّمت الأستاذة فتحية للموضوع بسؤال مشكل وهو: هل يمكن تأنيث الأدب أو

تذكيره؟ متعرضة لاختلاف الآراء وتباينها حول هذا الموضوع، ففي حين يرى البعض أن

للأدب مقومات متى توفرت في شخص ما يحكم بأدبيته رجلا كان أم امرأة، يرى آخرون أن

للأدب النسائي خصوصية تميزه عن أدب الرجال، ومنهم الأديب نهاد سيريس حيث يقول: أنت

تكتشف من الصفحة الأولى أسلوبية وهموما خاصة تتميز بها الكاتبات، مضيفا بأن هذا ليس

عيبا أو انتقاصا لهن فطبيعي أن الأدب الذي يكتبه كاتب يقدم للقارئ كيف يرى هذا

الكاتب عالمه، وكذلك ما تكتبه المرأة يكشف للقارئ عن رؤية المرأة كامرأة لهذا

العالم، إلا أنه يقترح أن نقول أدب كتبه رجل وأدب كتبته امرأة.

كذلك الباحثة السورية ماجدة محمود ترى أن للكتابة النسائية خصوصية تظهر في

كتاباتها، ومنها أن صيغة المتكلم هي الأكثر انتشارا في رواية المرأة.

أما منى المحافري فترى أن كتابة المرأة في اليمن لا تزال تتبنى الخطاب الذكوري، أي

ترى نفسها من خلال عينيّ الرجل، وكأنها تكتب من أجل إرضائه وجذب أنظاره.

لكن ما لا يقبل مجالا للشك هو أن المرأة عموما والعربية خصوصا كتبت وأبدعت ، عبّرت

عن همومها الشخصية وعن الهم الجمعي للوطن، وهي الأقدر على التعبير عن ذاتها كإنسان

وأن ترسم معالمها وأن تحمّلها بلغة الكشف والبوح والأسرار، هذه المقدرة التي لا

يجاري المرأة فيها أحد. وقد سجلت المرأة العربية نسبة أعلى من المرأة الغربية في

الكتابة الأدبية.

وإن كانت كتب تاريخ الأدب تؤرخ للرواية العربية بصدور رواية (زينب) لحسين هيكل عام

1914م نجد الدكتورة بثينة شعبان تؤرخ لها برواية ( حسن العواقب أو غادة الزهراء)

للكاتبة اللبنانية زينب فواز التي نشرت عام 1899م أي قبل خمسة عشر عاما من صدور

رواية هيكل، وتلت رواية حسن العواقب رواية (قلب الرجل) للكاتبة لبيبة هاشم، وحسناء

سالونيك للكاتبة لبيبة ميخائيل صويا، إضافة لست روايات للكاتبة عفيفة كرم من أشهرها

(بديعة وفؤاد، وغادة عمشيت) وكل هذه الروايات صدرت قبل صدور رواية هيكل.

بقيت إشكالية سؤال البداية مطروحة أمام الدكتور نبيل أبو علي ليبدأ حديثه بالرد علي

السؤال حيث قال : إن الأدب لا جنس له، وما يحكم بأدبية الأديب هو امتلاكه لمقومات

الأدب من استعداد فطري، لغة، عاطفة وصورة، بالإضافة لامتلاكه الخبرة والدربة، لكن

ما يفرق المرأة عن الرجل فينحصر في عنصرين:

الأول: بيولوجي، حيث يترتب على المكونات البيولوجية بناء الجهاز الصوتي الذي يجنح

للنعومة والرخاوة عند المرأة بينما يتميز عند الرجل بالخشونة وسيطرة حروف الاطباق

والأصوات الانفجارية كالقاف والضاد التي تتجنبهما المرأة .

الثاني: حدود وضعها المجتمع عبر العصور فالمجتمع الزراعي يختلف دور المرأة فيه عن

دورها في المجتمع المدني أو البدوي.

• نجد الكتابة النسائية تختلف باختلاف البيئات، ففي العصر القديم حيث سيطرت المجتمع

الذكوري كانت المرأة تابع له لا تستطيع البوح بمشاعرها، وإن أتيح لها ذلك تعبر على

استحياء ولا تجرؤ على تحبير تلك المشاعر.

• كما أن للمرحلة العمرية دور في مساحة الحرية الممنوحة للمرأة؛ فالصغيرة لا تملك

حرية البوح عن مشاعرها، أما إذا ما كبرت وبلغت سن اليأس فإنها تصبح أكثر حرية في

التعبير، ويسمح لها الاختلاط مع الرجال، أعطى الأستاذ الدكتور مثالا على ذلك ليلى

الأخيلية التي ردت على من عيّرها بأنها امرأة قائلة:

تعرضني داء بأمك مثله …….. وأي حصان لا يقال له هلا

لو كانت ليلي صغيرة السن لما أمكنها أن ترد بهذه الجرأة.

كتبت في المدح والفخر وفاقت بكتابتها الرجال، كما تجرأت بأن تندرت من الحجاج وأسمته

أبو الذباب.

• وللغرض دوره في تغير الخصائص والسمات، فأفضل ما قيل في رثاء الرسول هو ما قالته

فاطمة ابنته التي صورت الحياة بعد النبي وقد اغبرّ آفاق السماء وكورت شمس النهر

وأظلم العصران، والأرض بعد النبي كئيبة.

• ثم إن مساحة الحرية الممنوحة للمرأة تضيق وتتسع بحسب الحاكم والعصر الذي تحياه

المرأة، فالعصر العباسي وإن كان فيه اختلاف إلا أنه خلاف لا يخرجه عمّا رأيناه في

المجتمع المدني في المدينة المنورة، فالمولدات أدخلن كثير من الحرية؛ لكن المرأة

الحرة بقيت تابعة للمجتمع الذكوري ولا يتاح لها التعبير في الحرب وبعض الشئون

الخاصة بالرجل.

في العصر العثماني والمملوكي دخلت المرأة الحرملك وعانت من ضغوط كثيرة لم تتح لها

حرية التعبير عن حبها حتى لابنها، ومع ذلك هناك بعض النساء خرجت للحياة العامة.

في العصر الحديث تقدمت فلسطين على باقي البلدان العربية إذ احتلت المرأة مكانة

مرموقة قبل نساء الوطن العربي، وذلك بفعل البعثات التبشيرية التي دخلت فلسطين من

القرن السابع عشر، حتى أن الاسكندر البيتجالي بدأ يطالب بالحد من حرية المرأة، حيث

كانت المرأة تباهي في الحديث عن حبها.

• أما عن السمات الدقيقة للإبداع الأدبي عند المرأة فأجملها الدكتور نبيل في لفظ

ومعنى، عاطفة وخيال، ولأن العاطفة لدى المرأة تسبق العقل فهي أكثر تفوقا في لونين

من الشعر هما: الرثاء والغزل.

مصادر الصورة عند المرأة في القديم محكوم بمشاهداتها، أما في العصر الحديث فمحكوم

بثقافتها.

ينضاف إلى ذلك رقة اللغة ورخاوة الأصوات.

اكتفى الدكتور بهذا القدر من الحديث عن سمات الأدب النسائي، وحين فتح باب الحوار

عبر الحاضرون - الذين زاد عددهم عن ستين مثقف ومتخصص في الأدب- عن اعجابهم بموضوع

الندوة وتوجه عدد منهم بمداخلات واستفسارات أجاب الدكتور نبيل عنها جميعا إلا أنهم

طالبوا بجلسة أخرى حول نفس الموضوع كي يستوفى حقه ويكتمل عرض الدراسة التي أعدها

الأستاذ الدكتور نبيل أبو علي.


*جماعة صالون نون الأدبي

فتحية صرصور

التعليقات