الفلسطينيون المتعاونون مع إسرائيل وعائلاتهم
الفلسطينيون المدعوون بالمتعاونين مع إسرائيل وعائلاتهم
الحلقة الاولى
الفلسطينيون المدعوون بالمتعاونين مع إسرائيل وعائلاتهم
غعداد الدكتور/ سفيان أبو نجيلة رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر بغزة رئيس مركز البحوث الإنسانية والتنمية الاجتماعية
السيد/ يوسف حاج يحيى ماجستير في علم الإجرام جامعة القدس
الدكتور/ إيدي كوفمان المدير التنفيذي لمعهد هاري س. ترومان للأبحاث وخدمة السلام بالقدس
ترجمة سلمـى مصطفى حمـاد
غـرض الدراسة
لقد حظيت دراسة ظاهرة الفلسطينيين المدعوين بالمتعاونين في الأراضي المحتلة بالنذر القليل من الاهتمام سواء على الصعيد الأكاديمي أو السياسي أو العملي (وسواء كان هذا على صعيد مكاتب الخدمات الاجتماعية أو المستشفيات أو المدارس أو الجامعات....الخ). ولم يكن غض الطرف هذا مقصوراً على الظاهرة الفلسطينية فحسب بل كان هنالك شبيهاً لها في أجزاءٍ أخرى من العالم نذكر منها أوروبا على وجه الخصوص والتي وجدت نفسها أيضاً أمام ظاهرة مماثلة تحتم عليها أن تتعامل معها (انظر 1985 Hoidal ). ويرجع السبب –إلى حدٍ ما- في غياب مثل هذا الاهتمام إلى الاتجاه السلبي الحازم للمجتمع تجاه هذه الظاهرة بعينها. وهو ما استدعى بالتالي توجيه نداءات لطرد وإبعاد المشتبه بتعاونهم دون وازع من شفقة ولا رحمة ودون القبول بأية تسويات أو حلول وسط معهم. فكل مشاعر النفور والكراهية والاغتراب تجاه هذه الظاهرة إلى جانب اعتبارها من المحرمات إنما تعكس فقدان الاستعداد الحقيقي والرغبة الفعلية في البحث عن السبل الممكنة لحل هذه المشكلة وعلاجها، وهذا أدى بالتالي إلى إحباط كافة الجهود الرامية إلى حلها وعدم مقدرة أي فرد أو جماعة على إعادة تقييم تلك الاتجاهات الحازمة للمجتمع وعدم إجراء أية دراسة حولها. وتعد ظاهرة المتعاونين ظاهرة عالمية، وتلازم في الواقع كل مرحلة احتلال، أو حتى كل تغير داخلي يطرأ على نظام الحكم. وتعتبر على وجه الخصوص مشكلة معقدة ومتشابكة، خاصة وأنه يتم التعامل مع كل من عمل أو حتى تعاون بأي شكل من الأشكال مع قوى الاضطهاد البغيض على أنه خائن لا يستحق الرحمة. وهناك أمثلة أخرى مشابهة تدلل على حدوث مثل هذه الظاهرة في أماكن أخرى من العالم، ونورد على سبيل المثال لا الحصر جنوب لبنان (حيث تعاون جيش لبنان الجنوبي مع إسرائيل)، والكويت* (حيث تعاون الفلسطينيون والأردنيون مع النظام العراقي أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990)، والجزائر (حيث تعاون الجزائريون مع الفرنسيين أثناء حرب التحرير). وجدير بالذكر أن نشير إلى أن كافة الدول الأوربية شهدت هذه الظاهرة خلال الحرب العالمية الثانية، ونذكر منها على وجه الخصوص حالات التعاون مع الحكومة الفيشية Vichy في فرنسا ونظام حكم الكويسلنج Quisling** في النرويج.
وتعد ظاهرة قتل المدعوين بالمتعاونين ظاهرة متعددة الأشكال والضروب، برزت واتسعت وتضخمت في الأراضي المحتلة نتيجة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والذي لا يزال مستمراً في بعض المناطق حتى الآن. وقد برزت هذه الظاهرة للعيان مع البدايات الأولى لاندلاع الانتفاضة وتزايدت حدتها مع استمرار هذه الانتفاضة، بحيث أصبحت واضحة على نطاق واسع نتيجة للتعليمات والتوجيهات التي كانت تصدرها القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة والتي كانت تضم تحت جناحها عدداً من الفصائل الفلسطينية وهى : فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي. ثم أخذت هذه الظاهرة تتزايد حدتها أو تخبو جذوتها وفقاً للأجواء السياسية المواتية. كما جاءت أيضاً على صورٍ وأشكالٍ عدة دون أن تتخذ لها نسقاً معيناً. حيث تغلغلت هذه الظاهرة في مختلف جوانب المجتمع ولم تترك فئة ولا جماعة إلا طالتها، فلم تفرق بين رجل وامرأة ولا مسلم و مسيحي ولا معتقل ومعتقل سابق ولا متزوج وأعزب فالكل عانى على حدٍ سواء من ذلك الحنق الشديد الذي اجتاح الجميع بسبب قضية الاشتباه بالتعاون. كما تباين أيضاً رد الفعل الاجتماعي العنيف والصارم ضد المتعاونين وأفراد عائلاتهم "زوجاتهم وأطفالهم ووالديهم"، مع أن صور العقاب التي كانت تنزل بحق المدعوين بالمتعاونين اتسمت بالبشاعة في أغلب الأحيان مما أصاب كلاً من الرأي العام العالمي والمحلى بالصدمة. وفى حين كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تعرض يومياً تقارير حول كبر حجم ظاهرة قتل المتعاونين وما كانوا يتعرضون له من مضايقات باستمرار، التزمت وسائل الإعلام الفلسطينية الصمت حيال هذه المشكلة، ونادراً ما كانت تشير إلى أحداث العنف هذه التي اجتاحت المجتمع الفلسطيني.
فما كان يشعر به الفلسطينيون من إحباط أثناء الانتفاضة بسبب الممارسات الإسرائيلية العنيفة ضد المقاومة (مثل فرض حظر التجول بصورة متكررة ولفترات طويلة، وحملات الاعتقال الجماعي، والسجن والتعذيب، تلاها فيما بعد اغتيال خيرة قادة الميليشيات العسكرية مثل الفهد الأسود التابع لحركة فتح، والنسر الأحمر التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس) مهد الطريق أمام تزايد حدة المقاومة تجاه المعتدي بشكل عام وزبانيته في المناطق المحتلة بشكل خاص، وهم المتعاونون وأولئك الذين يعملون في البلديات والإدارة المدنية. ومع استمرار وتيرة المقاومة، لجأت إسرائيل إلى عدد من السبل لتجنيد متعاونين معها من داخل المجتمع الفلسطيني في محاولة منها لإخماد جـذوة المقاومة أو حتى إضعافها. أما أكثر أساليبها استخداماً في تجنيد المتعاونين فكان إما الترهيب عن طريق الابتزاز والتهديد والحرمان والضغط (الجسدي والنفسي)، وإما الترغيب عن طريق إغرائهم بمنحهم امتيازات معينة مثل لم الشمل وإطلاق سراح المعتقلين والتعويضات المالية وتصاريح العمل والزيارة.
ومنذ اللحظة الأولى التي يوافق فيها هؤلاء على التعاون يلصق بهم المجتمع في الحال وصمة الخزي والعار مبرراً بذلك أية عقوبة ينزلها بحقهم وبحق عائلاتهم فيما بعد. إلا أن وصمة الخزي والعار تلك لا تمحى حتى في حال مقتل المشتبه بتعاونه. وفي عام 1989، أشار تاكارا Takara -وهو أحد علماء الإجرام النرويجيين- إلى أن وصمة العار التي التصقت بأولئك الذين تعاونوا مع حكومة الكويسلنج إبان الحرب العالمية الثانية استمرت تلاحقهم على مدى عقود، وأن أبناءهم عانوا الأَمَرَين جراء الخزي والعار الذي جلبه آبائهم عليهم نتيجة تعاونهم مع النازيين. ومن المشاكل التي واجهتهم مشاكل في الزواج، وفى الحياة الاجتماعية، والبحث عن فرص عمل، وتقلدهم المناصب الأكاديمية أو الرسمية أو المجتمعية. وكذلك كان الحال في قضية الفلسطينيين المشتبه بتعاونهم حيث عانت عائلاتهم من تبعات "الخطيئة" التي اقترفها أحد أبنائها. وشملت هذه المعاناة تعرضهم للاغتراب والنبذ والأذى الاجتماعي والنفسي والجسدي.
ومع توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل في سبتمبر من عام 1993 طفت على السطح قضية المدعوين بالمتعاونين بوصفها مسألة جديرة بالبحث والدراسة وتهم كل من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية والرأي العام في كلا المجتمعين والمتعاونين أنفسهم. وشكلت بالنسبة للفلسطينيين مشكلة غاية في الأهمية حيث حتمت عليهم البحث عن سبل للتعامل معها وذلك بالنظر إلي نظام الحكم في المستقبل. فعلى سبيل المثال هل يتوجب إعادة دمجهم في المجتمع الفلسطيني؟ وما هي طبيعة العقوبات التي ينبغي إنزالها بحقهم (في حال تم اتخاذ مثل هذا القرار)؟ أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي فقد أصبحت مسألة إعادة دمج وتأهيل المتعاونين تشكل بالنسبة له قضية مثار بحث ونقاش، حيث رفض الرأي العام الإسرائيلي (سواء العرب منهم أو اليهود) قبول أولئك المتعاونين ليعيشوا معهم في مدنهم وقراهم. لذا تهدف دراستنا -ضمن ما تهدف إليه- إلى تناول هذا الجانب من القضية أيضاً. ويشير بحثنا هذا إلى ظاهرة المتعاونين على أنها ظاهرة اجتماعية نظراً لكونها تطول ذلك العدد الهائل من الأشخاص الذين ينطوون بشكل أو بآخر تحت مظلة التعاون. فاستمرار الآثار الناجمة عن هذه الاتهامات في تلطيخ سمعة المشتبه بتعاونهم وعائلاتهم وسلالتهم نجم عنه انتقال العديد من هذه العائلات للسكن في القرى والمدن العربية داخل الخط الأخضر بحثاً عن ملجأ يحميهم من حكم المجتمع القاضي بتنفيذ حكم الإعدام فيهم. ومن الأهمية بمكان أن نعود ونكرر أن المجتمع الفلسطيني لم يُظهر في أي وقتٍ من الأوقات أية بادرة تعاطف أو تسامح تجاه المتعاونين وعائلاتهم. ونورد على سبيل المثال حادثة قتل أحد المتعاونين من غزة لأحد قادة حماس الذي كان مسئولاً عن تدبير هجمات القنابل داخل إسرائيل. وبعد حادثة التعاون هذه اختفى هذا الرجل وعائلته الكبيرة العدد في الحال لأنه لن يسمح لهم بعد ذلك اليوم الانخراط ثانية في صفوف المجتمع الفلسطيني.
كما نتناول في هذه الدراسة أيضاً ملابسات حادثة قتل المدعوين بالمتعاونين وذلك بغرض التعرف على طبيعة حياة عائلاتهم، الظروف والملابسات التي أحاطت بحادثة القتل ومردود حادثة القتل من مختلف الجوانب سواء البيولوجية أو الاجتماعية أو النفسية. كما تهدف هذه الدراسة أيضاً إلى معرفة كيف تمكنت عائلات المدعوين بالمتعاونين من التأقلم مع الوضع بعد حادثة القتل، وما هي المشاكل التي تعترضها وما هي الاحتياجات التي تواجهها. ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أنه على الرغم من مدى شمولية هذه الأهداف إلا أنه ينبغي علينا أن نأخذ بالحسبان مدى مقصورية ومحدودية هذه الدراسة التي سنبدأ باستعراضها على النحو التالي : لا تتناول هذه الدراسة إلا ظاهرة القتل حيث تستهدف عائلات المدعوين بالمتعاونين الذين قتلوا في قطاع غزة خلال الانتفاضة في الفترة ما بين (1987-1993). وجديرٌ بالذكر أن نشير إلى أننا لم نتناول بالدراسة لا فترة ما بعد الانتفاضة ولا حتى منطقة الضفة الغربية. وبالإضافة إلى ما سبق، لم تستهدف هذه الدراسة المدعوين بالمتعاونين الجرحى الذين نجوا من حادث القتل ولا أولئك المتعاونين الذين لا يزالون على قيد الحياة ولم يكونوا هدفاً لعمليات القتل سواء توقفوا عن التعاون أم لم يتوقفوا بعد.
ويرجع السبب الأكبر وراء مثل هذا التحديد إلى الافتقار إلى المصادر وإلى حساسية وضبابية هذا الموضوع. ولضمان الوضوح والتمايز لهذا البحث وجدنا أنه من الأفضل أن نقيد حدود دراسة الحالة بدلاً من المخاطرة بالولوج في موضوع شديد الحساسية إلى جانب عدم توفر بيانات واقعية وملموسة فيما يتعلق بقضية المتعاونين في مرحلة ما بعد الانتفاضة. وقد شهدت مرحلة ما بعد توقيع اتفاقات أوسلو عمليات اعتقال وحوادث قتل فلسطينيين على أيدي السلطات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على حدٍ سواء. فالسؤال الذي يدور حول ماهية المتعاون -أو لنقل التعريف الفعلي لمن هو المتعاون- (الذي هو سؤال غامض أصلاً) سيتوارى في غياهب سؤالٍ آخر لامركزي وهو : من يعمل لصالح من ولماذا؟ وهذا الغموض أصبح يرتبط بدائرة أوسع من الأسئلة ألا وهي : من يمتلك حق التحدث باسم الشعب الفلسطيني، وهى مسألة لم تجد لها حلاً إلى الوقت الحاضر لا من قِبل أي من الفصائل الفلسطينية ولا حتى من قِبل السلطة الفلسطينية نفسها التي يزعجها هذا الأمر.
وتنطوي هذه الدراسة على أغراضٍ عدة تتوزع على محاورٍ مختلفة (Berger and Specht 1989). لذا، قمنا بتصنيفها إلى ثلاثة أهداف محددة نستعرضها على النحو التالي :
إعادة الدمج
1. رفع وعي الجمهور على كافة المستويات سواء على مستوى صانعي القرار أو على مستوى الأكاديميين أو في أوساط الجمهور.
2. تحديد احتياجات عائلات المدعوين بالمتعاونين.
3. التعرف على الخدمات والمصادر المتوفرة لديهم ومدى كفايتها بحاجتهم وإلى أي مدى تمت الاستفادة منها.
4. تنمية وتطوير شبكات الخدمات المقدمة لعائلات المدعوين بالمتعاونين.
العلاج الاجتماعي
1. التخفيف من حدة الآثار السلبية الناجمة عن قضية المتعاونين على أفراد عائلاتهم.
2. علاج وتأهيل أولئك الذين عانوا مما نجم عن هذا الموضوع من آثار سلبية وذلك بإتاحة الفرصة لهم للوصول إلى أوسع قطاع من الخدمات التي قد يكونون في أمس الحاجة إليها سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي أو البيولوجي.
3. تحسين القدرة الوظيفية لعائلات المدعوين بالمتعاونين في المجتمع.
4. المساهمة في الجهود الرامية إلى إعادة دمج عائلات المدعوين بالمتعاونين في المجتمع المحلي.
5. ترجمة الاحتياجات والمشاكل إلى استراتيجية عمل مقبولة.
التغيير الاجتماعي والبيئي
1. إحداث تغيير في اتجاهات الجمهور نحو قضية المتعاونين على المستوى المحلى والإقليمي والدولي.
2. إحداث تغيير في المرجعية المجتمعية والنزعات العملية المتعلقة بهذه المشكلة.
ومع ذلك ينبغي علينا أن نتفهم أنه على الرغم من كون هذه الأهداف طموحة للغاية إلا أنه لا يساورنا أدنى شك في أن دراستنا هذه ستكون أكثر من مجرد بداية ترسم لنا معالم تلك المشاكل التي تتطلب حلاً. وقد كان كلٍ من عامل الوقت وتوفر المصادر المتاحة أمامنا محدداً أساسياً في رسم حدود هذه الدراسة، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الحدود النظرية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عدم توفر مراجع نظرية بالعربية إلى جانب عدم توفر الأبحاث الأكاديمية حول هذا الموضوع بشكل عام. ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن حساسية هذا الموضوع قد لعبت دوراً كبيراً في حصر المعلومات التي بإمكاننا الحصول عليها. فقد رفضت جميع الأوساط الرسمية الإسرائيلية بلا استثناء -سواء كان جيش الدفاع الإسرائيلي أو الشرطة أو الأجهزة السرية- تزويدنا بأية معلومات حول هذه الظاهرة، مع أن مشاركة الأجهزة الرسمية في هذا المشروع كانت ضرورية لتنفيذ البحث الميداني حيث كنا نتوقع أن يسهم ذلك إلى حد ما في تنفيذ ما سنخلص إليه من توصيات. ولكن للأسف لم يكن ذلك ممكناً. لذا لا يسعنا إلا أن نأمل أن يؤدى هذا البحث إلى طرح الأسئلة المناسبة التي ستجد لها آذناً صاغية.
وحسب معرفتنا، لم يتم إجراء أي بحث حول هذا الموضوع سوى ورقة بحث قام بها فضل أبو هين من برنامج غزة للصحة النفسية. حيث تناولت هذه الورقة الآثار النفسية التي يعانى منها أطفال المدعوين بالمتعاونين الذين قتلوا على أيدي فلسطينيين آخرين. ويخلص الباحث إلى أن أولئك الأطفال يعانون من مشاكل جمة لا حصر لها. كما يعانى المراهقون أيضاً من عددٍ من المشاكل النفسية مثل : القلق والبارانويا والاكتئاب الحاد وعدم احترام الذات وانخفاض مستوى تحقيق الذات. ويوجه هذا البحث -في إطار التوصيات التي يرفعها- دعوةً إلى المجتمع الفلسطيني بعدم نبذ هؤلاء الأطفال وعائلاتهم. وعلى الرغم من أنه لم يتم نشر هذا البحث في المنشورات الأكاديمية إلا أن صحيفة كول هعير الأسبوعية الإسرائيلية نشرته في عددها الصادر في السابع والعشرين من أغسطس عام 1993.
الفصـل الأول
الإطـار النظـري
أولاً : طبيعة الظاهرة وبعدها السياسي
سنتناول في هذا الجزء من الدراسة العديد من النظريات والمداخل بغرض إطلاع كل من القارئ والباحث على أكبر عدد ممكن من المراجع، وعلى الرغم من أننا نحتاج في إطار دراستنا هذه إلى جزئيات معينة فقط من تلك المراجع إلا أننا أوردناها هنا بغرض عرض ظاهرة المتعاونين في إطار سياق الظروف العامة التي أحاطت بها وتلك التي أحاطت بظاهرة قتل المدعوين بالمتعاونين من منظور اجتماعي ونفسي.
ويدرج وليمز جي كروتي (1971) Williams J. Crottyسبع فئات ذات علاقة بهذا النوع من السلوك السياسي وهى : أ. الهدف : وهو الضحية التي يوجه إليها السلوك.
ب. التنفيذ : طريقة تنفيذ الفعل.
ج. الدافع : ما الذي استحث الشخص على القيام بمثل هذا الفعل (وهل هذا الدافع عميق أم سطحي، تراكمي أم تكثيفي)
د. الرابطة : هل هو عمل منفرد، صغير أم كبير، هل تقوم جماعة معينة بالتخطيط للمؤامرة
ه. تنظيم النشاط : هل يقوم بالعملية قاتل محترف، أم زعيم جماعة، أم التابعين له الذين يشاركون في هذا العمل سواء بمحض إرادتهم الفردية أم بالقوة
و. النمط الثقافي : إدراك أو استحسان لمزاج معياري أو سلوك سياسي
ز. التأثير السياسي والآثار المترتبة على الفعل
وإذا كانت هذه الفئات تُشكل فعلاً خلفية الأعمال السياسية، فسنجد أنه يتوجب علينا أن نأخذ في الاعتبار كل هذه الأمور حينما يتم تحويل الأعمال السياسية إلى جرائم سياسية. ومن المفيد في هذا السياق أن نشير إلى "البناء الاجتماعي للجريمة السياسية" لباول كويسترا (1989)Paul Kooistra ، حيث يشير إلى أن هنالك نذر قليل من الأعمال التي تناولت بالدراسة هذا الموضوع من منظور اجتماعي. وتلتزم بعض التوجهات النظرية بوجهة نظر قانونية تُعَرف الجريمة السياسية على أنها خرق لنصوص معينة من نصوص القانون، ويعتبر القانون السلوك أنه سلوك سياسي محض من النتائج المترتبة عليه والمضاعفات الناجمة عنه (أنظر (Ingrahm and Tokoro 1969 ; Minor 1975 ; and Becker 1962. ومع ذلك فسنجد أن معظم تعريفات الجريمة السياسية تتضمن ما أصبح يُعرف "بالاستحسان" النفسي. وفى هذا الإطار يكون دافع أو غرض المجرم هو الصفة المميزة التي تُفرق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية (أنظر Allen 1974 ; Clinard and Quinny 1967, 1973 ; Killey 1973 ; Krisberg 1975 ; Minor 1975 ; Reasons 1973 ; and Sykes 1978).
ويشير باول كويسترا Paul Kooistra إلى حقيقة أن الجريمة السياسية هي في أساسها ظاهرة اجتماعية لأنها ببساطة تستلزم وجود صراع بين جماعات اجتماعية. في حين يرى روبرت ميرتون (1961) Robert Merton أنه على الرغم من أن البعض ينظرون إلى الجريمة السياسية على أساس كونها عمل ناجم عن دوافع أيديولوجية إلا أن القيم التي تغذي هذه الأيديولوجية هي قيم يتشربها الفرد من القيم الاجتماعية التي يؤمن بها قطاع واسع من المجتمع أكثر من كونها قيماً أيديولوجية بحتة. وهكذا نرى أن من يقتل لوحده لدوافع معينة ويفشل في إقناع الآخرين بصحة ما يقوم به من أعمال يعتبر مجنون، أما من يقتل لأسباب أخلاقية أو سياسية تلقى استحساناً وقبولاً لدى قطاعٍ واسعٍ من الجمهور يعتبر بطلاً وطنياً. هذا، ويضيف كويسترا Kooistra قائلاً إن "أية دراسة أو تحليل لجريمة سياسية لا ينبغي أن تأخذ في الاعتبار طبيعة الجريمة أو تحاول أن تحزر دوافع المجرم فحسب بل يتوجب أن تأخذ في الاعتبار أيضاً التفسير الاجتماعي للسلوك المخالف للقانون لأن رد الفعل الاجتماعي على جريمة ما هو الذي يمنحها الاستحسان السياسي".
أما بارتون إل. انجراهم (1973)Barton L. Ingrahm فيقول إنني لأرى أن "رد الفعل الاجتماعي على سلوك ما هو الذي يحدد في النهاية السلوك الذي يعتبر سلوكاً إجرامياً، والسلوك الإجرامي الذي يعتبر سلوكاً سياسياً. "إذن فالنقطة المحورية في هذا الموضوع هي أن هناك بعض الجرائم تعتبر أكثر تسييساً من غيرها". ويعلق فرنسيس ألن (1974) Francis Allen على ذلك بقوله "على الرغم من كل هذا، هناك بالفعل فروق بين الخيانة وسرقة الدجاج، وفى النهاية تتوقف درجة تسييس الفعل على الخصائص المميزة للجمهور الذي يرى أن للجريمة دوافع سياسية."
ويثري البروفيسور ستانلي كوهين Stanley Cohen النقاش الدائر حول هذا الموضوع بما أطلق عليه "معايير القتل السياسي" فوفقاً للبروفيسور كوهين Cohen يمكن أن نطلق على جريمةٍ ما أنها جريمةً سياسيةً إذا توافرت فيها المعايير التالية :
لا تبدو المصلحة الشخصية هي الدافع الرئيسي وراء الجريمة.
يكون العمل عملاً جماعياً وليس عملاً شخصياً.
يكون العمل امتداداً لأيديولوجية معلنة.
يروج الفاعل لنواياه خرق القانون، أو يعلن على الملأ مسئوليته عن العمل الذي قام به.
يحدد الفعل شرعية القوانين.
تنطوي الجريمة على مبادئ أخلاقية عليا تطالب إما بتغيير القوانين السارية أو تهدف إلى معارضتها.
لا يقوم الفاعل بأية محاولة للتنصل من مسئوليته الشخصية تجاه الجريمة التي ارتكبها.
وإذا أخذنا كل هذه الأمور بعين الاعتبار فسنجد أننا لا نأتي بجديد إذا ما أطلقنا على قضية قتل المدعوين بالمتعاونين جريمةً سياسيةً لأنها تستوفي جميع معايير تلك الجرائم. ولنأخذ على سبيل المثال، توجيه إنذار مسبق ومسألة إطلاق سراح أولئك المسئولين عن ارتكاب هذه الأعمال. فمتى تم استيفاء هذين الشرطين المعياريين الأساسيين لا يبقى هناك من ريب في أن هذا العمل هو عمل سياسي وليس إجرامي، كما أن الدوافع الشخصية لا تلعب دوراً في هذا الموضوع. وقد حظيت قضية قتل المدعوين بالمتعاونين بصدى اجتماعي هائل في أوساط كل من المتعاونين والوطنيين على حد سواء. وبالإضافة إلى ما سبق أعلاه، وبما أن هذه الجرائم بالتحديد قد أثرت على مدى ارتباط وتفسير وتفهم المجتمع الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي (وإذعانه له)، لذا فيمكننا القول أن قضية قتل المتعاونين قد اصطبغت بكل جلاء ووضوح بصبغة سياسية. لذا، فهي تعد جريمة سياسية أكثر من كونها جريمة جنائية بحتة. كما أن الإشارة إلى هذه الظاهرة على أنها جريمة سياسية ومشكلة اجتماعية في آنٍ واحد لا يوحي بأي تناقض نظراً لأن الجريمة والسياسة أمران متداخلان. فهذه المسألة السياسية لها العديد من الآثار الاجتماعية المختلفة. فقد أثرت هذه الجريمة على أعداد هائلة من الناس، كما أن الآثار السلبية التي ولدتها في المجتمع لعبت دوراً بارزاً في إظهار هذه المسألة السياسية على أنها مشكلة اجتماعية. وبالإضافة لما سبق، ولكي نتمكن من التمييز بين الجريمة السياسية والجنائية نقوم بالربط بين القضية مثار البحث والمجتمع. فرد الفعل الاجتماعي هو الذي يقرر ما إذا كان الفعل فعلاً سياسياً أو جنائياً. وقد تمت الإشارة بوضوح في بحثنا هذا إلى أن هذه القضية هي مشكلة اجتماعية ذات أبعادٍ سياسية والعكس.
والآن، سنسير في بحثنا هذا على هدي الاعتبارات الثلاثة التالية :
حجم المشكلة الحالية
تحديد سبب المشكلة، بمعنى تتبع الأسباب التي تدفع بالمشكلة إلى التوسع والتضخم.
تحليل ردود الفعل، أي استعراض ما تم فعله تجاه هذه الظاهرة على مستويات التدخل المختلفة.
وإننا نرى أنه من الأهمية بمكان قبل أن نسير قدماً في مدخلنا هذا، أن نناقش التعريفات المختلفة لظاهرة المتعاونين. وحالما تتم مناقشة هذه التعريفات فإنه سيتشكل لدينا فهم أوضح لظاهرة المتعاونين مما سيفسح المجال أمامنا للتعمق في الخطة التي أشرنا إليها أعلاه.
ثانياً : تعريف الظاهرة إننا نرى أنه من الأهمية بمكان في هذا السياق أن نحدد الإطار العام لتعريفات المصطلحات التي درجنا على استخدامها دون أن نتحمل مسئولية تذكر عن مدى دقتها. فوجود مصطلح "المتعاون" على صور وأشكال شتى ألقى عليه هالة من الغموض، من الواضح أنها أدت إلي إحداث مزيد من الغموض في هذا المجال وهو ما ترتب عليه حدوث عمليات القتل المتلاحقة. وبالإضافة إلى ما سبق، نجد أن ظاهرة "التعاون" تحمل في طياتها أحد العناصر الأساسية للذاتية، مما يجعل أولئك الذين يبحثون عن تعريف للأمور من زاوية "الحق الأخلاقي" وأولئك الذين اختاروا تحدى هذا الحق محل تفسير وتأويل. لذا سنعرض في بحثنا هذا تعريفات لظاهرة المتعاونين من أربع مصادر مختلفة، تمثل في الواقع أربعة مشارب مختلفة. ونسعى من وراء استعراضنا لهذه التعريفات المختلفة للمتعاونين إلى محاولة سبر أغوار ذلك الغموض الذي يكتنف هذا المصطلح وتلك الذاتية التي يستلزمها.
أدبيات منظمة التحرير الفلسطينية : جاء في قانون العقوبات الثوري -الفصل الثاني تحت عنوان "الجرائم التي تقع على أمن الثورة الخارجي" في الجزء الخاص بموضوع "الخيانة"- العديد من المواد التي تتناول قضايا الخيانة والتجسس والتعاون التي جاءت على مسميات مختلفة، وسنبدأ بالمادة 130 التي تنص على أنه يعاقب بالإعدام كل من حمل السلاح على الثورة الفلسطينية أو التحق بأي وجه كان بقوات العدو المسلحة. كما تنص المادة 131 على أنه يعاقب بالإعدام كل من سعى لدى دولة أو جهة معادية للثورة أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدوانية ضد الثورة. وتنص المادة 132 على أنه يعاقب بالإعدام كل من دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته على الثورة الفلسطينية.
وتنص المادة 133 على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى العدوان ضد الثورة أو ليوفر الوسائل إلى ذلك وإذا أفضى عمله إلى نتيجة عوقب بالإعدام. وتنص المادة 134 على أنه يعاقب بالإعدام كل من أقدم بأية وسيلة كانت بقصد شل الدفاع الثوري عن طريق الإضرار بالمنشآت والذخائر والأسلحة والمؤن وسبل المواصلات. أما المادة 135 فتنص على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة كل من قدم سكناً أو طعاماً أو لباساً لجندي من جنود الأعداء أو لجاسوس للاستكشاف أو ساعده على الهرب أو سهل الفرار لأسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين. وتنص المادة 136 على أنه يعاقب بالإعدام كل من أتلف أو عطل عمداً أسلحة أو وسائل مواصلات أو مؤناً أو أدوية أو غير ذلك مما أعد للدفاع عن الثورة. وتنص المادة 137 على أنه يعاقب بالإعدام كل من سلم إلى العدو وسائل الدفاع التي لديه. وتنص المادة 138 على أنه يعاقب بالإعدام كل من قام بعمل أدى إلى وقف القتال. وتنص المادة 139 على أنه يعاقب بالإعدام كل من هجر الثورة أو تخلى عنها وكذلك كل من سلم نفسه أو سلاحه للعدو. في حين تنص المادة 140 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد : أ) ألقى سلاحه بصورة شائنة، ب) تخابر مع العدو أو أعطاه أخباراً بصورة تنطوي على الخيانة أو أرسل إلى العدو راية المهادنة عن خيانة أو جبن، ج) أمد العدو بالأسلحة أو المؤن أو آوى أو أجار عدواً، د) قام بأي عمل من شأنه أن يعرض للخطر نجاح أي عمليات تقوم بها قوات الثورة. وتنص المادة 141 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد قام بعد وقوعه بالأسر بأي عمل في خدمة العدو باختياره. في حين تنص المادة 142 على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة كل فرد : أ) وقع في قبضة العدو واستعاد منه حريته بشرط أن لا يحمل السلاح عليه بعد ذلك، ب) وقع أسيراً لعدم اتخاذه ما يلزم من احتياطات أو لمخالفته الأوامر قصداً. أما المادة 143 فتنص على أنه يعاقب بالإعدام كل أسير من الأعداء أُسر من جديد وهو يحمل السلاح على الثورة. وتنص المادة 144 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد يعطي للعدو وثائق أو معلومات من شأنها أن تضر الأعمال السرية أو أن تضر سلامة وأمن المراكز والخدمات العسكرية للثورة. وتنص المادة 145 على أنه يعاقب بالإعدام كل من خبأ أو غطى على الجواسيس أو المتعاونين أو الأعداء. أما المادة 146 فتنص على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة كل فرد : أ) حَرف ثم استغل الأخبار المتعلقة بمهاجمة العدو، ب) أذاع باللفظ أو الكتابة أو بواسطة الإشارات أو بأية صورة أخرى إخبارات من شأنها أن تسبب رعباً أو قنوطاً أثناء العمليات الحربية، ج) استعمل ألفاظاً من شأنها أن تسبب رعباً أو قنوطاً في أثناء المعركة أو قبل ذهابه إليها، د) تسبب في إيقاع الذعر في أوساط القوات خلال العمليات العسكرية أو قام بأعمال من شانها عرقلة أعمالها. في حين تنص المادة 147 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد يعطي عن خيانة الأسماء السرية أو كلمة المرور أو كلمة السر لأي شخص لا يحق له أن يتلقاها وخلافاً للأوامر التي أعطيت له. كما تنص المادة 148 على أنه يعاقب بالإعدام كل من دل العدو على أماكن قوات الثورة أو دل هذه القوات للسير على طريق غير صحيح.
ويلي المادة 148 قسماً آخراً جاء تحت عنوان "التجسس" ويبدأ بالمادة 149 التي تنص على أنه يعد جاسوساً ويعاقب بالإعدام كل من يدخل إلى موقع حربي أو إلى مؤسسة عسكرية أو إلى معسكر من معسكرات القوات الثورية ليحصل على وثائق أو معلومات ليتم استخدامها ضد الثورة. وتنص المادة 150 على أنه يعاقب بالإعدام أيضاً كل من سرق معلومات كالتي ذكرت في المادة السابقة. أما المادة 151 فتنص على أنه من كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات التي ذكرت في المادة (149) فأبلغها أو أفشاها دون سبب مشروع عوقب بالأشغال الشاقة. وتنص المادة 152 على أنه يعاقب بالإعدام كل عدو يدخل متنكراً إلى أماكن الثورة. أما المادة 153 فتنص على أنه يعد مجنداً لصالح العدو كل من يجند نفسه أو غيره لصالح العدو ويعاقب بالإعدام أو الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن سبع سنوات. كما تنص المادة 154 على أنه يحكم بالأشغال الشاقة كل من تقاعس عن الإخبار بالجرائم المذكورة أعلاه. وتنص المادة 155 على أن الثورة تعفي من العقوبة الشريك في ارتكاب الجرائم السابقة الذكر إذا أخبر بأمر الجرم في وقت يمكن فيه الحيلولة دون وقوعه أو حدوث الضرر. وتنص المادة 156 على أنه يعتبر سراً من أسرار الدفاع كل من : أ) المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية، ب) المكاتبات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء الضرورية لمصلحة الثورة، ج) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتحركاتها وعتادها وكل ما له مساس بالشئون العسكرية والاستراتيجية ولم يكن قد صدر إذن من القيادة العامة للقوات بنشره، د) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالإجراءات التي تتخذ للتحقيق في الجرائم المنصوص عليها أعلاه.
ووفقاً لهذه المعايير، نخلص إلى أن عقوبة الجريمة المذكورة آنفا لم تكن عريضة المدى. فقد ورد ذكر عقوبتين بغض النظر عن الظروف والملابسات التي أحاطت بالواقعة حيث يعاقب المجرم إما بالإعدام أو بالأشغال الشاقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هل حُددت العقوبات التي تلائم الجرائم أم حددت الجرائم التي تلائم العقوبات؟ فالتعريف الذي حددته حركة المقاومة واضح جداً ورحب للغاية لدرجة أن أي عمل يمكن اعتباره لصالح العدو –وبضمن ذلك المساعدات غير المباشرة- مما سيعرض كل من سيتورط في مثل هذه الأعمال لمواجهة عقوبة الإعدام. وهكذا نرى أن هذا التفسير قد سمح بتطبيق المواد الوارد ذكرها أعلاه على جميع حالات القتل سواء تلك التي طالت أشخاصاً عملوا بشكل مباشر مع العدو أو أولئك الذين لم ينصاعوا لأوامر المقاومة فحسب.
ولكي نخرج بتعريف عملي لكلمة "متعاون" سنقوم أولاً بتقسيمها إلى ثلاثة مستويات أولهما إفشاء المعلومات عن نشاطات ومواقع القوات الثورية، وثانيهما : تعطيل نشاطات الانتفاضة، أو بعبارة أخرى، عدم تقديم المساعدة لنشطائها. أما ثالثهما فهو التسبب في إحباط تنفيذ النشاطات الثورية. ففي إطار هذا المستوى –على سبيل المثال- يعتبر الشخص متعاوناً إذا تقاعس عن مد يد العون لنشطاء الثورة للاختباء، أو قام بإزالة المتاريس التي وضعت في الطرق لأغراض ثورية. فالرسالة واضحة وتنص على أن كل أمر من شأنه أن يسبب الضرر أو التعطيل أو يسيئ إلى القضية الفلسطينية وينال من تطلعاتها يعتبر عملاً شائناً وشكلاً من أشكال التعاون. وقد جاء هذا الأمر منسجماً مع الرغبة والقرار الجماعي الذي اتخذته جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت.
وإلى جانب تعريف منظمة التحرير الفلسطينية للتعاون–والذي أوردناه أعلاه- سنحاول في هذا المقام أيضاً أن نسوق تعريفات أخرى له حسبما وردت في عدد من المصادر، لنوضح أكثر المدى الرحب للجرائم التي اعتبرت شكلاً من أشكال التعاون.
أوردت مجلة المصور المصرية مقالاً في عددها الصادر في فبراير عام 1990 عرفت فيه المتعاون على أنه "كل من يعمل مع الموساد الإسرائيلي ضد أبناء شعبه، أو من يزود الموساد بأية معلومات، أو من اشتبه بتعاونه مع الموساد فأعلن ندمه على ذلك، ولكنه ضبط مرة أخرى متلبساً وهو يساعد السلطات الإسرائيلية، لذلك يعتبر هؤلاء مجرمين خارجين عن القانون". في حين نشرت جريدة المنار المصرية في عددها الصادر في أكتوبر عام 1988 مقالاً تناولت فيه مسألة قتل المتعاونين وجاءت بتعريفٍ أوسع للمتعاون. وتصنف هذه المقالة المتعاونين إلى فئتين هما : "فئة كبار العملاء" وهم أولئك الخونة الذين يزودون أجهزة الأمن الإسرائيلية بمعلومات وتقارير عن الانتفاضة ونشطائها، أما "فئة صغار العملاء" فتضم أولئك الذين عملوا مجبرين أو بمحض إرادتهم في مناصب في السلطات المحلية أو عُينوا في مناصب فيها بعد أن تم حل المجالس المنتخبة عام 1982، إلا أن هؤلاء لم يقوموا بتزويد أجهزة الأمن الإسرائيلية لا بالمعلومات ولا بالتقارير.
وإننا نرى أنه من الأهمية بمكان أن نورد في هذا السياق تعريفاً للمتعاون كما يراه أحد الزعماء الروحيين للانتفاضة. ففي مقابلة أجرتها منظمة بتسيلم–المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة- مع الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس في سجن أشمورت سئل الشيخ ياسين عن تعريفه للمتعاون فأجاب : "إن المتعاون هو كل من وقع في قبضة جهاز الأمن العام الإسرائيلي وأعداء شعبه ووافق على أن يعمل معهم وينفذ كل ما يطلبونه منه ضد مصلحة وطنه وشعبه ودينه. فالمتعاون هو ذلك الشخص الذي تعرض لمحنة كبرى ولم يستطع التغلب عليها ومن ثمّ وافق على التعاون. وبما أن هذا الشخص هو ضحية أيضاً، فأنا أرى أنه لا يجب قتله قبل أن يُعطى فرصةً لإعلان توبته، فإن لم يفعل ينفذ فيه حكم القتل" (بتسيلم 1994).
وعلى النقيض من هذا التعريف، نجد الأخصائي الاجتماعي الإسرائيلي رونى شاكد (1989) Roni Shaked يصنف التعاون إلى الفئات الست التالية :
السماسرة : هم أولئك الأشخاص الذين يتعاملون مع إسرائيليين أو يقومون ببيع الأراضي إليهم، وعلى الرغم من أن هذه الفئة تعتبر أكثر الفئات غير المألوفة إلا أنها أكثرها احتقاراً.
عملاء جهاز الأمن : وهم أولئك الأشخاص الذين يعملون–بطرق شتى- لصالح جهاز الأمن الإسرائيلي وتزويدهم بالمعلومات المختلفة. ويسمح بقتل هؤلاء المتعاونين لأن ما يقومون به من أعمال غالباً ما تفضي إلى مقتل نشطاء فلسطينيين.
المخبرون "المباحث" : كانت العلاقة مع هؤلاء الأشخاص متسامحة للغاية لأنهم يعملون على حماية المجتمع.
المتعاونون : هم أولئك الأشخاص الذين يتعاونون مع الإدارة المدنية الإسرائيلية في نشاطات شتى.
المخاتير : وهم أشخاص من ذوي المكانة الرفيعة ومن أبناء العائلات الكبرى، وقد اعتبرتهم إسرائيل حلقة الوصل بين الإدارة المدنية الإسرائيلية والفلسطينيين، وهذا بالمناسبة يتوافق مع الصورة التي رسمها لهم تماري Salim Tamary (1989, 1990) في مقالة له بعنوان "في تحالف مع الصهاينة" حيث صورهم بأنهم أولئك الأشخاص الذين فضلوا أن يعقدوا اتفاقاً مع إسرائيل بدلاً من أبناء شعبهم.
القادة السياسيون : وهم أولئك الأشخاص الذين تولوا مناصب مختلفة في الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وأخيراً سنعرض التعريفات التي وضعتها منظمة بتسيلم لحقوق الإنسان (1994). وإننا نرى أن هذه القائمة تحتوي على أدق صورة رسمت للمتعاون -على الأقل- كما كان يراها الجمهور الفلسطيني أيام الانتفاضة.
عملاء المخابرات : يستخدم هذا المصطلح بمعناه التقليدي ليشير إلى أولئك المتعاونين الذين تم تجنيدهم من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلية بغرض تزويده بمعلومات معينة ومحددة. وقد استُخدم هؤلاء المتعاونين في ثلاثة مجالات رئيسة هي : تجنيد متعاونين آخرين، التغلغل في صفوف المنظمات المختلفة (بدءً من الخلايا السرية ومكاتب الصحافة....الخ)، وتقديم "المساعدات العملية" كالمساعدة في اعتقال المطلوبين وكشف النشاطات السرية.
المتعاونون في مراكز الاعتقال (العصفور) : لقد تم استخدام العديد من العملاء الفلسطينيين في السجون، وتمثلت المهمة الرئيسة المناطة بهم في مساعدة المحققين في انتزاع المعلومات والاعترافاتمن المساجين والمعتقلين.
السماسرة : وفى هذا النوع من التعاون يكون أحد الفلسطينيين بمثابة وسيط يعمل على شراء أراض لصالح إسـرائيليين. وينظر في الغالب إلى هذا النوع من التعاون على أنه أسوأها، ونال مؤخراً اهتمام العالم أجمع بعدما صدر عن السلطة الفلسطينية قراراً غير رسمي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل من يمارسه.
الوسطاء : وهم أولئك الفلسطينيون الذين يوافقون على العمل لصالح الإسرائيليين إذا حصلوا -في مقابل ذلك- على ضمانات تكفل لهم تلبية مطالبهم المختلفة. ويُنظر على نطاق واسع إلى هذا النوع من التعاون على أنه جاء نتيجة فشل السلطات الإسرائيلية في تقديم الخدمات للسكان الفلسطينيين بشكل يفي بحاجاتهم ويلبي مطالبهم، مما أدى بالتالي إلى تفشي الفساد. وتزايدت الحاجة إلى وجود مثل أولئك الوسطاء مع تطبيق أساليب العقاب الجماعي وفرض القيود المختلفة، الأمر الذي زاد من صعوبة حصول سكان المناطق على هذه الخدمات.
موظفو الحكومة ومساعديها : وهم أولئك الأشخاص الذين ارتبطوا بالإدارة الإسرائيلية، ومن ضمنهم العديد من المخاتير، وأعضاء روابط القرى المحلولة، وأفراد الشرطة السابقين، وموظفو الإدارة المدنية الإسرائيلية.
التعاون الأخلاقي والمتعلق بشرف العائلة (الإسقاط) : وهم أولئك الفلسطينيون الذين ينظر إليهم على أنهم منحرفون اجتماعياً وذوي سلوك لاأخلاقي. ويضم هؤلاء الزانيات والعاهرات، وتجار المخدرات ومدمنوها، واللوطيون، وأولئك الذين يعملون على نشر وتوزيع الصور والكتابات الإباحية.
إن هذه القائمة التي استعرضناها أعلاه تظهر بوضوح المدى الشاسع في تعريف مصطلح "المتعاون". مما نجم عنه بالتالي تشابك وتداخل واضح للعيان. فمرة نجد له تعريفاً "صارماً" يرى أن المتعاون هو كل من شارك بصورة فعالة في جمع المعلومات عن نشطاء الانتفاضة. ومرةً نجده مثقلاً بأمورٍ ثانوية خاصة حينما يتعلق الأمر بمسألة "المساعدة"، و"المعايير الأخلاقية"، حيث صُور المتعاون في تلك الحالات على أنه أكبر بكثير من كونه مجرد عامل مساعد.
مركـز البحـوث الإنسانيـة والتنميـة الاجتماعيـة بغـزة
الحلقة الاولى
الفلسطينيون المدعوون بالمتعاونين مع إسرائيل وعائلاتهم
غعداد الدكتور/ سفيان أبو نجيلة رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر بغزة رئيس مركز البحوث الإنسانية والتنمية الاجتماعية
السيد/ يوسف حاج يحيى ماجستير في علم الإجرام جامعة القدس
الدكتور/ إيدي كوفمان المدير التنفيذي لمعهد هاري س. ترومان للأبحاث وخدمة السلام بالقدس
ترجمة سلمـى مصطفى حمـاد
غـرض الدراسة
لقد حظيت دراسة ظاهرة الفلسطينيين المدعوين بالمتعاونين في الأراضي المحتلة بالنذر القليل من الاهتمام سواء على الصعيد الأكاديمي أو السياسي أو العملي (وسواء كان هذا على صعيد مكاتب الخدمات الاجتماعية أو المستشفيات أو المدارس أو الجامعات....الخ). ولم يكن غض الطرف هذا مقصوراً على الظاهرة الفلسطينية فحسب بل كان هنالك شبيهاً لها في أجزاءٍ أخرى من العالم نذكر منها أوروبا على وجه الخصوص والتي وجدت نفسها أيضاً أمام ظاهرة مماثلة تحتم عليها أن تتعامل معها (انظر 1985 Hoidal ). ويرجع السبب –إلى حدٍ ما- في غياب مثل هذا الاهتمام إلى الاتجاه السلبي الحازم للمجتمع تجاه هذه الظاهرة بعينها. وهو ما استدعى بالتالي توجيه نداءات لطرد وإبعاد المشتبه بتعاونهم دون وازع من شفقة ولا رحمة ودون القبول بأية تسويات أو حلول وسط معهم. فكل مشاعر النفور والكراهية والاغتراب تجاه هذه الظاهرة إلى جانب اعتبارها من المحرمات إنما تعكس فقدان الاستعداد الحقيقي والرغبة الفعلية في البحث عن السبل الممكنة لحل هذه المشكلة وعلاجها، وهذا أدى بالتالي إلى إحباط كافة الجهود الرامية إلى حلها وعدم مقدرة أي فرد أو جماعة على إعادة تقييم تلك الاتجاهات الحازمة للمجتمع وعدم إجراء أية دراسة حولها. وتعد ظاهرة المتعاونين ظاهرة عالمية، وتلازم في الواقع كل مرحلة احتلال، أو حتى كل تغير داخلي يطرأ على نظام الحكم. وتعتبر على وجه الخصوص مشكلة معقدة ومتشابكة، خاصة وأنه يتم التعامل مع كل من عمل أو حتى تعاون بأي شكل من الأشكال مع قوى الاضطهاد البغيض على أنه خائن لا يستحق الرحمة. وهناك أمثلة أخرى مشابهة تدلل على حدوث مثل هذه الظاهرة في أماكن أخرى من العالم، ونورد على سبيل المثال لا الحصر جنوب لبنان (حيث تعاون جيش لبنان الجنوبي مع إسرائيل)، والكويت* (حيث تعاون الفلسطينيون والأردنيون مع النظام العراقي أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990)، والجزائر (حيث تعاون الجزائريون مع الفرنسيين أثناء حرب التحرير). وجدير بالذكر أن نشير إلى أن كافة الدول الأوربية شهدت هذه الظاهرة خلال الحرب العالمية الثانية، ونذكر منها على وجه الخصوص حالات التعاون مع الحكومة الفيشية Vichy في فرنسا ونظام حكم الكويسلنج Quisling** في النرويج.
وتعد ظاهرة قتل المدعوين بالمتعاونين ظاهرة متعددة الأشكال والضروب، برزت واتسعت وتضخمت في الأراضي المحتلة نتيجة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والذي لا يزال مستمراً في بعض المناطق حتى الآن. وقد برزت هذه الظاهرة للعيان مع البدايات الأولى لاندلاع الانتفاضة وتزايدت حدتها مع استمرار هذه الانتفاضة، بحيث أصبحت واضحة على نطاق واسع نتيجة للتعليمات والتوجيهات التي كانت تصدرها القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة والتي كانت تضم تحت جناحها عدداً من الفصائل الفلسطينية وهى : فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والحزب الشيوعي. ثم أخذت هذه الظاهرة تتزايد حدتها أو تخبو جذوتها وفقاً للأجواء السياسية المواتية. كما جاءت أيضاً على صورٍ وأشكالٍ عدة دون أن تتخذ لها نسقاً معيناً. حيث تغلغلت هذه الظاهرة في مختلف جوانب المجتمع ولم تترك فئة ولا جماعة إلا طالتها، فلم تفرق بين رجل وامرأة ولا مسلم و مسيحي ولا معتقل ومعتقل سابق ولا متزوج وأعزب فالكل عانى على حدٍ سواء من ذلك الحنق الشديد الذي اجتاح الجميع بسبب قضية الاشتباه بالتعاون. كما تباين أيضاً رد الفعل الاجتماعي العنيف والصارم ضد المتعاونين وأفراد عائلاتهم "زوجاتهم وأطفالهم ووالديهم"، مع أن صور العقاب التي كانت تنزل بحق المدعوين بالمتعاونين اتسمت بالبشاعة في أغلب الأحيان مما أصاب كلاً من الرأي العام العالمي والمحلى بالصدمة. وفى حين كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تعرض يومياً تقارير حول كبر حجم ظاهرة قتل المتعاونين وما كانوا يتعرضون له من مضايقات باستمرار، التزمت وسائل الإعلام الفلسطينية الصمت حيال هذه المشكلة، ونادراً ما كانت تشير إلى أحداث العنف هذه التي اجتاحت المجتمع الفلسطيني.
فما كان يشعر به الفلسطينيون من إحباط أثناء الانتفاضة بسبب الممارسات الإسرائيلية العنيفة ضد المقاومة (مثل فرض حظر التجول بصورة متكررة ولفترات طويلة، وحملات الاعتقال الجماعي، والسجن والتعذيب، تلاها فيما بعد اغتيال خيرة قادة الميليشيات العسكرية مثل الفهد الأسود التابع لحركة فتح، والنسر الأحمر التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس) مهد الطريق أمام تزايد حدة المقاومة تجاه المعتدي بشكل عام وزبانيته في المناطق المحتلة بشكل خاص، وهم المتعاونون وأولئك الذين يعملون في البلديات والإدارة المدنية. ومع استمرار وتيرة المقاومة، لجأت إسرائيل إلى عدد من السبل لتجنيد متعاونين معها من داخل المجتمع الفلسطيني في محاولة منها لإخماد جـذوة المقاومة أو حتى إضعافها. أما أكثر أساليبها استخداماً في تجنيد المتعاونين فكان إما الترهيب عن طريق الابتزاز والتهديد والحرمان والضغط (الجسدي والنفسي)، وإما الترغيب عن طريق إغرائهم بمنحهم امتيازات معينة مثل لم الشمل وإطلاق سراح المعتقلين والتعويضات المالية وتصاريح العمل والزيارة.
ومنذ اللحظة الأولى التي يوافق فيها هؤلاء على التعاون يلصق بهم المجتمع في الحال وصمة الخزي والعار مبرراً بذلك أية عقوبة ينزلها بحقهم وبحق عائلاتهم فيما بعد. إلا أن وصمة الخزي والعار تلك لا تمحى حتى في حال مقتل المشتبه بتعاونه. وفي عام 1989، أشار تاكارا Takara -وهو أحد علماء الإجرام النرويجيين- إلى أن وصمة العار التي التصقت بأولئك الذين تعاونوا مع حكومة الكويسلنج إبان الحرب العالمية الثانية استمرت تلاحقهم على مدى عقود، وأن أبناءهم عانوا الأَمَرَين جراء الخزي والعار الذي جلبه آبائهم عليهم نتيجة تعاونهم مع النازيين. ومن المشاكل التي واجهتهم مشاكل في الزواج، وفى الحياة الاجتماعية، والبحث عن فرص عمل، وتقلدهم المناصب الأكاديمية أو الرسمية أو المجتمعية. وكذلك كان الحال في قضية الفلسطينيين المشتبه بتعاونهم حيث عانت عائلاتهم من تبعات "الخطيئة" التي اقترفها أحد أبنائها. وشملت هذه المعاناة تعرضهم للاغتراب والنبذ والأذى الاجتماعي والنفسي والجسدي.
ومع توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة إسرائيل في سبتمبر من عام 1993 طفت على السطح قضية المدعوين بالمتعاونين بوصفها مسألة جديرة بالبحث والدراسة وتهم كل من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية والرأي العام في كلا المجتمعين والمتعاونين أنفسهم. وشكلت بالنسبة للفلسطينيين مشكلة غاية في الأهمية حيث حتمت عليهم البحث عن سبل للتعامل معها وذلك بالنظر إلي نظام الحكم في المستقبل. فعلى سبيل المثال هل يتوجب إعادة دمجهم في المجتمع الفلسطيني؟ وما هي طبيعة العقوبات التي ينبغي إنزالها بحقهم (في حال تم اتخاذ مثل هذا القرار)؟ أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي فقد أصبحت مسألة إعادة دمج وتأهيل المتعاونين تشكل بالنسبة له قضية مثار بحث ونقاش، حيث رفض الرأي العام الإسرائيلي (سواء العرب منهم أو اليهود) قبول أولئك المتعاونين ليعيشوا معهم في مدنهم وقراهم. لذا تهدف دراستنا -ضمن ما تهدف إليه- إلى تناول هذا الجانب من القضية أيضاً. ويشير بحثنا هذا إلى ظاهرة المتعاونين على أنها ظاهرة اجتماعية نظراً لكونها تطول ذلك العدد الهائل من الأشخاص الذين ينطوون بشكل أو بآخر تحت مظلة التعاون. فاستمرار الآثار الناجمة عن هذه الاتهامات في تلطيخ سمعة المشتبه بتعاونهم وعائلاتهم وسلالتهم نجم عنه انتقال العديد من هذه العائلات للسكن في القرى والمدن العربية داخل الخط الأخضر بحثاً عن ملجأ يحميهم من حكم المجتمع القاضي بتنفيذ حكم الإعدام فيهم. ومن الأهمية بمكان أن نعود ونكرر أن المجتمع الفلسطيني لم يُظهر في أي وقتٍ من الأوقات أية بادرة تعاطف أو تسامح تجاه المتعاونين وعائلاتهم. ونورد على سبيل المثال حادثة قتل أحد المتعاونين من غزة لأحد قادة حماس الذي كان مسئولاً عن تدبير هجمات القنابل داخل إسرائيل. وبعد حادثة التعاون هذه اختفى هذا الرجل وعائلته الكبيرة العدد في الحال لأنه لن يسمح لهم بعد ذلك اليوم الانخراط ثانية في صفوف المجتمع الفلسطيني.
كما نتناول في هذه الدراسة أيضاً ملابسات حادثة قتل المدعوين بالمتعاونين وذلك بغرض التعرف على طبيعة حياة عائلاتهم، الظروف والملابسات التي أحاطت بحادثة القتل ومردود حادثة القتل من مختلف الجوانب سواء البيولوجية أو الاجتماعية أو النفسية. كما تهدف هذه الدراسة أيضاً إلى معرفة كيف تمكنت عائلات المدعوين بالمتعاونين من التأقلم مع الوضع بعد حادثة القتل، وما هي المشاكل التي تعترضها وما هي الاحتياجات التي تواجهها. ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أنه على الرغم من مدى شمولية هذه الأهداف إلا أنه ينبغي علينا أن نأخذ بالحسبان مدى مقصورية ومحدودية هذه الدراسة التي سنبدأ باستعراضها على النحو التالي : لا تتناول هذه الدراسة إلا ظاهرة القتل حيث تستهدف عائلات المدعوين بالمتعاونين الذين قتلوا في قطاع غزة خلال الانتفاضة في الفترة ما بين (1987-1993). وجديرٌ بالذكر أن نشير إلى أننا لم نتناول بالدراسة لا فترة ما بعد الانتفاضة ولا حتى منطقة الضفة الغربية. وبالإضافة إلى ما سبق، لم تستهدف هذه الدراسة المدعوين بالمتعاونين الجرحى الذين نجوا من حادث القتل ولا أولئك المتعاونين الذين لا يزالون على قيد الحياة ولم يكونوا هدفاً لعمليات القتل سواء توقفوا عن التعاون أم لم يتوقفوا بعد.
ويرجع السبب الأكبر وراء مثل هذا التحديد إلى الافتقار إلى المصادر وإلى حساسية وضبابية هذا الموضوع. ولضمان الوضوح والتمايز لهذا البحث وجدنا أنه من الأفضل أن نقيد حدود دراسة الحالة بدلاً من المخاطرة بالولوج في موضوع شديد الحساسية إلى جانب عدم توفر بيانات واقعية وملموسة فيما يتعلق بقضية المتعاونين في مرحلة ما بعد الانتفاضة. وقد شهدت مرحلة ما بعد توقيع اتفاقات أوسلو عمليات اعتقال وحوادث قتل فلسطينيين على أيدي السلطات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على حدٍ سواء. فالسؤال الذي يدور حول ماهية المتعاون -أو لنقل التعريف الفعلي لمن هو المتعاون- (الذي هو سؤال غامض أصلاً) سيتوارى في غياهب سؤالٍ آخر لامركزي وهو : من يعمل لصالح من ولماذا؟ وهذا الغموض أصبح يرتبط بدائرة أوسع من الأسئلة ألا وهي : من يمتلك حق التحدث باسم الشعب الفلسطيني، وهى مسألة لم تجد لها حلاً إلى الوقت الحاضر لا من قِبل أي من الفصائل الفلسطينية ولا حتى من قِبل السلطة الفلسطينية نفسها التي يزعجها هذا الأمر.
وتنطوي هذه الدراسة على أغراضٍ عدة تتوزع على محاورٍ مختلفة (Berger and Specht 1989). لذا، قمنا بتصنيفها إلى ثلاثة أهداف محددة نستعرضها على النحو التالي :
إعادة الدمج
1. رفع وعي الجمهور على كافة المستويات سواء على مستوى صانعي القرار أو على مستوى الأكاديميين أو في أوساط الجمهور.
2. تحديد احتياجات عائلات المدعوين بالمتعاونين.
3. التعرف على الخدمات والمصادر المتوفرة لديهم ومدى كفايتها بحاجتهم وإلى أي مدى تمت الاستفادة منها.
4. تنمية وتطوير شبكات الخدمات المقدمة لعائلات المدعوين بالمتعاونين.
العلاج الاجتماعي
1. التخفيف من حدة الآثار السلبية الناجمة عن قضية المتعاونين على أفراد عائلاتهم.
2. علاج وتأهيل أولئك الذين عانوا مما نجم عن هذا الموضوع من آثار سلبية وذلك بإتاحة الفرصة لهم للوصول إلى أوسع قطاع من الخدمات التي قد يكونون في أمس الحاجة إليها سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي أو البيولوجي.
3. تحسين القدرة الوظيفية لعائلات المدعوين بالمتعاونين في المجتمع.
4. المساهمة في الجهود الرامية إلى إعادة دمج عائلات المدعوين بالمتعاونين في المجتمع المحلي.
5. ترجمة الاحتياجات والمشاكل إلى استراتيجية عمل مقبولة.
التغيير الاجتماعي والبيئي
1. إحداث تغيير في اتجاهات الجمهور نحو قضية المتعاونين على المستوى المحلى والإقليمي والدولي.
2. إحداث تغيير في المرجعية المجتمعية والنزعات العملية المتعلقة بهذه المشكلة.
ومع ذلك ينبغي علينا أن نتفهم أنه على الرغم من كون هذه الأهداف طموحة للغاية إلا أنه لا يساورنا أدنى شك في أن دراستنا هذه ستكون أكثر من مجرد بداية ترسم لنا معالم تلك المشاكل التي تتطلب حلاً. وقد كان كلٍ من عامل الوقت وتوفر المصادر المتاحة أمامنا محدداً أساسياً في رسم حدود هذه الدراسة، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الحدود النظرية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عدم توفر مراجع نظرية بالعربية إلى جانب عدم توفر الأبحاث الأكاديمية حول هذا الموضوع بشكل عام. ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن حساسية هذا الموضوع قد لعبت دوراً كبيراً في حصر المعلومات التي بإمكاننا الحصول عليها. فقد رفضت جميع الأوساط الرسمية الإسرائيلية بلا استثناء -سواء كان جيش الدفاع الإسرائيلي أو الشرطة أو الأجهزة السرية- تزويدنا بأية معلومات حول هذه الظاهرة، مع أن مشاركة الأجهزة الرسمية في هذا المشروع كانت ضرورية لتنفيذ البحث الميداني حيث كنا نتوقع أن يسهم ذلك إلى حد ما في تنفيذ ما سنخلص إليه من توصيات. ولكن للأسف لم يكن ذلك ممكناً. لذا لا يسعنا إلا أن نأمل أن يؤدى هذا البحث إلى طرح الأسئلة المناسبة التي ستجد لها آذناً صاغية.
وحسب معرفتنا، لم يتم إجراء أي بحث حول هذا الموضوع سوى ورقة بحث قام بها فضل أبو هين من برنامج غزة للصحة النفسية. حيث تناولت هذه الورقة الآثار النفسية التي يعانى منها أطفال المدعوين بالمتعاونين الذين قتلوا على أيدي فلسطينيين آخرين. ويخلص الباحث إلى أن أولئك الأطفال يعانون من مشاكل جمة لا حصر لها. كما يعانى المراهقون أيضاً من عددٍ من المشاكل النفسية مثل : القلق والبارانويا والاكتئاب الحاد وعدم احترام الذات وانخفاض مستوى تحقيق الذات. ويوجه هذا البحث -في إطار التوصيات التي يرفعها- دعوةً إلى المجتمع الفلسطيني بعدم نبذ هؤلاء الأطفال وعائلاتهم. وعلى الرغم من أنه لم يتم نشر هذا البحث في المنشورات الأكاديمية إلا أن صحيفة كول هعير الأسبوعية الإسرائيلية نشرته في عددها الصادر في السابع والعشرين من أغسطس عام 1993.
الفصـل الأول
الإطـار النظـري
أولاً : طبيعة الظاهرة وبعدها السياسي
سنتناول في هذا الجزء من الدراسة العديد من النظريات والمداخل بغرض إطلاع كل من القارئ والباحث على أكبر عدد ممكن من المراجع، وعلى الرغم من أننا نحتاج في إطار دراستنا هذه إلى جزئيات معينة فقط من تلك المراجع إلا أننا أوردناها هنا بغرض عرض ظاهرة المتعاونين في إطار سياق الظروف العامة التي أحاطت بها وتلك التي أحاطت بظاهرة قتل المدعوين بالمتعاونين من منظور اجتماعي ونفسي.
ويدرج وليمز جي كروتي (1971) Williams J. Crottyسبع فئات ذات علاقة بهذا النوع من السلوك السياسي وهى : أ. الهدف : وهو الضحية التي يوجه إليها السلوك.
ب. التنفيذ : طريقة تنفيذ الفعل.
ج. الدافع : ما الذي استحث الشخص على القيام بمثل هذا الفعل (وهل هذا الدافع عميق أم سطحي، تراكمي أم تكثيفي)
د. الرابطة : هل هو عمل منفرد، صغير أم كبير، هل تقوم جماعة معينة بالتخطيط للمؤامرة
ه. تنظيم النشاط : هل يقوم بالعملية قاتل محترف، أم زعيم جماعة، أم التابعين له الذين يشاركون في هذا العمل سواء بمحض إرادتهم الفردية أم بالقوة
و. النمط الثقافي : إدراك أو استحسان لمزاج معياري أو سلوك سياسي
ز. التأثير السياسي والآثار المترتبة على الفعل
وإذا كانت هذه الفئات تُشكل فعلاً خلفية الأعمال السياسية، فسنجد أنه يتوجب علينا أن نأخذ في الاعتبار كل هذه الأمور حينما يتم تحويل الأعمال السياسية إلى جرائم سياسية. ومن المفيد في هذا السياق أن نشير إلى "البناء الاجتماعي للجريمة السياسية" لباول كويسترا (1989)Paul Kooistra ، حيث يشير إلى أن هنالك نذر قليل من الأعمال التي تناولت بالدراسة هذا الموضوع من منظور اجتماعي. وتلتزم بعض التوجهات النظرية بوجهة نظر قانونية تُعَرف الجريمة السياسية على أنها خرق لنصوص معينة من نصوص القانون، ويعتبر القانون السلوك أنه سلوك سياسي محض من النتائج المترتبة عليه والمضاعفات الناجمة عنه (أنظر (Ingrahm and Tokoro 1969 ; Minor 1975 ; and Becker 1962. ومع ذلك فسنجد أن معظم تعريفات الجريمة السياسية تتضمن ما أصبح يُعرف "بالاستحسان" النفسي. وفى هذا الإطار يكون دافع أو غرض المجرم هو الصفة المميزة التي تُفرق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية (أنظر Allen 1974 ; Clinard and Quinny 1967, 1973 ; Killey 1973 ; Krisberg 1975 ; Minor 1975 ; Reasons 1973 ; and Sykes 1978).
ويشير باول كويسترا Paul Kooistra إلى حقيقة أن الجريمة السياسية هي في أساسها ظاهرة اجتماعية لأنها ببساطة تستلزم وجود صراع بين جماعات اجتماعية. في حين يرى روبرت ميرتون (1961) Robert Merton أنه على الرغم من أن البعض ينظرون إلى الجريمة السياسية على أساس كونها عمل ناجم عن دوافع أيديولوجية إلا أن القيم التي تغذي هذه الأيديولوجية هي قيم يتشربها الفرد من القيم الاجتماعية التي يؤمن بها قطاع واسع من المجتمع أكثر من كونها قيماً أيديولوجية بحتة. وهكذا نرى أن من يقتل لوحده لدوافع معينة ويفشل في إقناع الآخرين بصحة ما يقوم به من أعمال يعتبر مجنون، أما من يقتل لأسباب أخلاقية أو سياسية تلقى استحساناً وقبولاً لدى قطاعٍ واسعٍ من الجمهور يعتبر بطلاً وطنياً. هذا، ويضيف كويسترا Kooistra قائلاً إن "أية دراسة أو تحليل لجريمة سياسية لا ينبغي أن تأخذ في الاعتبار طبيعة الجريمة أو تحاول أن تحزر دوافع المجرم فحسب بل يتوجب أن تأخذ في الاعتبار أيضاً التفسير الاجتماعي للسلوك المخالف للقانون لأن رد الفعل الاجتماعي على جريمة ما هو الذي يمنحها الاستحسان السياسي".
أما بارتون إل. انجراهم (1973)Barton L. Ingrahm فيقول إنني لأرى أن "رد الفعل الاجتماعي على سلوك ما هو الذي يحدد في النهاية السلوك الذي يعتبر سلوكاً إجرامياً، والسلوك الإجرامي الذي يعتبر سلوكاً سياسياً. "إذن فالنقطة المحورية في هذا الموضوع هي أن هناك بعض الجرائم تعتبر أكثر تسييساً من غيرها". ويعلق فرنسيس ألن (1974) Francis Allen على ذلك بقوله "على الرغم من كل هذا، هناك بالفعل فروق بين الخيانة وسرقة الدجاج، وفى النهاية تتوقف درجة تسييس الفعل على الخصائص المميزة للجمهور الذي يرى أن للجريمة دوافع سياسية."
ويثري البروفيسور ستانلي كوهين Stanley Cohen النقاش الدائر حول هذا الموضوع بما أطلق عليه "معايير القتل السياسي" فوفقاً للبروفيسور كوهين Cohen يمكن أن نطلق على جريمةٍ ما أنها جريمةً سياسيةً إذا توافرت فيها المعايير التالية :
لا تبدو المصلحة الشخصية هي الدافع الرئيسي وراء الجريمة.
يكون العمل عملاً جماعياً وليس عملاً شخصياً.
يكون العمل امتداداً لأيديولوجية معلنة.
يروج الفاعل لنواياه خرق القانون، أو يعلن على الملأ مسئوليته عن العمل الذي قام به.
يحدد الفعل شرعية القوانين.
تنطوي الجريمة على مبادئ أخلاقية عليا تطالب إما بتغيير القوانين السارية أو تهدف إلى معارضتها.
لا يقوم الفاعل بأية محاولة للتنصل من مسئوليته الشخصية تجاه الجريمة التي ارتكبها.
وإذا أخذنا كل هذه الأمور بعين الاعتبار فسنجد أننا لا نأتي بجديد إذا ما أطلقنا على قضية قتل المدعوين بالمتعاونين جريمةً سياسيةً لأنها تستوفي جميع معايير تلك الجرائم. ولنأخذ على سبيل المثال، توجيه إنذار مسبق ومسألة إطلاق سراح أولئك المسئولين عن ارتكاب هذه الأعمال. فمتى تم استيفاء هذين الشرطين المعياريين الأساسيين لا يبقى هناك من ريب في أن هذا العمل هو عمل سياسي وليس إجرامي، كما أن الدوافع الشخصية لا تلعب دوراً في هذا الموضوع. وقد حظيت قضية قتل المدعوين بالمتعاونين بصدى اجتماعي هائل في أوساط كل من المتعاونين والوطنيين على حد سواء. وبالإضافة إلى ما سبق أعلاه، وبما أن هذه الجرائم بالتحديد قد أثرت على مدى ارتباط وتفسير وتفهم المجتمع الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي (وإذعانه له)، لذا فيمكننا القول أن قضية قتل المتعاونين قد اصطبغت بكل جلاء ووضوح بصبغة سياسية. لذا، فهي تعد جريمة سياسية أكثر من كونها جريمة جنائية بحتة. كما أن الإشارة إلى هذه الظاهرة على أنها جريمة سياسية ومشكلة اجتماعية في آنٍ واحد لا يوحي بأي تناقض نظراً لأن الجريمة والسياسة أمران متداخلان. فهذه المسألة السياسية لها العديد من الآثار الاجتماعية المختلفة. فقد أثرت هذه الجريمة على أعداد هائلة من الناس، كما أن الآثار السلبية التي ولدتها في المجتمع لعبت دوراً بارزاً في إظهار هذه المسألة السياسية على أنها مشكلة اجتماعية. وبالإضافة لما سبق، ولكي نتمكن من التمييز بين الجريمة السياسية والجنائية نقوم بالربط بين القضية مثار البحث والمجتمع. فرد الفعل الاجتماعي هو الذي يقرر ما إذا كان الفعل فعلاً سياسياً أو جنائياً. وقد تمت الإشارة بوضوح في بحثنا هذا إلى أن هذه القضية هي مشكلة اجتماعية ذات أبعادٍ سياسية والعكس.
والآن، سنسير في بحثنا هذا على هدي الاعتبارات الثلاثة التالية :
حجم المشكلة الحالية
تحديد سبب المشكلة، بمعنى تتبع الأسباب التي تدفع بالمشكلة إلى التوسع والتضخم.
تحليل ردود الفعل، أي استعراض ما تم فعله تجاه هذه الظاهرة على مستويات التدخل المختلفة.
وإننا نرى أنه من الأهمية بمكان قبل أن نسير قدماً في مدخلنا هذا، أن نناقش التعريفات المختلفة لظاهرة المتعاونين. وحالما تتم مناقشة هذه التعريفات فإنه سيتشكل لدينا فهم أوضح لظاهرة المتعاونين مما سيفسح المجال أمامنا للتعمق في الخطة التي أشرنا إليها أعلاه.
ثانياً : تعريف الظاهرة إننا نرى أنه من الأهمية بمكان في هذا السياق أن نحدد الإطار العام لتعريفات المصطلحات التي درجنا على استخدامها دون أن نتحمل مسئولية تذكر عن مدى دقتها. فوجود مصطلح "المتعاون" على صور وأشكال شتى ألقى عليه هالة من الغموض، من الواضح أنها أدت إلي إحداث مزيد من الغموض في هذا المجال وهو ما ترتب عليه حدوث عمليات القتل المتلاحقة. وبالإضافة إلى ما سبق، نجد أن ظاهرة "التعاون" تحمل في طياتها أحد العناصر الأساسية للذاتية، مما يجعل أولئك الذين يبحثون عن تعريف للأمور من زاوية "الحق الأخلاقي" وأولئك الذين اختاروا تحدى هذا الحق محل تفسير وتأويل. لذا سنعرض في بحثنا هذا تعريفات لظاهرة المتعاونين من أربع مصادر مختلفة، تمثل في الواقع أربعة مشارب مختلفة. ونسعى من وراء استعراضنا لهذه التعريفات المختلفة للمتعاونين إلى محاولة سبر أغوار ذلك الغموض الذي يكتنف هذا المصطلح وتلك الذاتية التي يستلزمها.
أدبيات منظمة التحرير الفلسطينية : جاء في قانون العقوبات الثوري -الفصل الثاني تحت عنوان "الجرائم التي تقع على أمن الثورة الخارجي" في الجزء الخاص بموضوع "الخيانة"- العديد من المواد التي تتناول قضايا الخيانة والتجسس والتعاون التي جاءت على مسميات مختلفة، وسنبدأ بالمادة 130 التي تنص على أنه يعاقب بالإعدام كل من حمل السلاح على الثورة الفلسطينية أو التحق بأي وجه كان بقوات العدو المسلحة. كما تنص المادة 131 على أنه يعاقب بالإعدام كل من سعى لدى دولة أو جهة معادية للثورة أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدوانية ضد الثورة. وتنص المادة 132 على أنه يعاقب بالإعدام كل من دس الدسائس لدى العدو أو اتصل به ليعاونه بأي وجه كان على فوز قواته على الثورة الفلسطينية.
وتنص المادة 133 على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من دس الدسائس لدى دولة أجنبية أو اتصل بها ليدفعها إلى العدوان ضد الثورة أو ليوفر الوسائل إلى ذلك وإذا أفضى عمله إلى نتيجة عوقب بالإعدام. وتنص المادة 134 على أنه يعاقب بالإعدام كل من أقدم بأية وسيلة كانت بقصد شل الدفاع الثوري عن طريق الإضرار بالمنشآت والذخائر والأسلحة والمؤن وسبل المواصلات. أما المادة 135 فتنص على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة كل من قدم سكناً أو طعاماً أو لباساً لجندي من جنود الأعداء أو لجاسوس للاستكشاف أو ساعده على الهرب أو سهل الفرار لأسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين. وتنص المادة 136 على أنه يعاقب بالإعدام كل من أتلف أو عطل عمداً أسلحة أو وسائل مواصلات أو مؤناً أو أدوية أو غير ذلك مما أعد للدفاع عن الثورة. وتنص المادة 137 على أنه يعاقب بالإعدام كل من سلم إلى العدو وسائل الدفاع التي لديه. وتنص المادة 138 على أنه يعاقب بالإعدام كل من قام بعمل أدى إلى وقف القتال. وتنص المادة 139 على أنه يعاقب بالإعدام كل من هجر الثورة أو تخلى عنها وكذلك كل من سلم نفسه أو سلاحه للعدو. في حين تنص المادة 140 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد : أ) ألقى سلاحه بصورة شائنة، ب) تخابر مع العدو أو أعطاه أخباراً بصورة تنطوي على الخيانة أو أرسل إلى العدو راية المهادنة عن خيانة أو جبن، ج) أمد العدو بالأسلحة أو المؤن أو آوى أو أجار عدواً، د) قام بأي عمل من شأنه أن يعرض للخطر نجاح أي عمليات تقوم بها قوات الثورة. وتنص المادة 141 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد قام بعد وقوعه بالأسر بأي عمل في خدمة العدو باختياره. في حين تنص المادة 142 على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة كل فرد : أ) وقع في قبضة العدو واستعاد منه حريته بشرط أن لا يحمل السلاح عليه بعد ذلك، ب) وقع أسيراً لعدم اتخاذه ما يلزم من احتياطات أو لمخالفته الأوامر قصداً. أما المادة 143 فتنص على أنه يعاقب بالإعدام كل أسير من الأعداء أُسر من جديد وهو يحمل السلاح على الثورة. وتنص المادة 144 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد يعطي للعدو وثائق أو معلومات من شأنها أن تضر الأعمال السرية أو أن تضر سلامة وأمن المراكز والخدمات العسكرية للثورة. وتنص المادة 145 على أنه يعاقب بالإعدام كل من خبأ أو غطى على الجواسيس أو المتعاونين أو الأعداء. أما المادة 146 فتنص على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة كل فرد : أ) حَرف ثم استغل الأخبار المتعلقة بمهاجمة العدو، ب) أذاع باللفظ أو الكتابة أو بواسطة الإشارات أو بأية صورة أخرى إخبارات من شأنها أن تسبب رعباً أو قنوطاً أثناء العمليات الحربية، ج) استعمل ألفاظاً من شأنها أن تسبب رعباً أو قنوطاً في أثناء المعركة أو قبل ذهابه إليها، د) تسبب في إيقاع الذعر في أوساط القوات خلال العمليات العسكرية أو قام بأعمال من شانها عرقلة أعمالها. في حين تنص المادة 147 على أنه يعاقب بالإعدام كل فرد يعطي عن خيانة الأسماء السرية أو كلمة المرور أو كلمة السر لأي شخص لا يحق له أن يتلقاها وخلافاً للأوامر التي أعطيت له. كما تنص المادة 148 على أنه يعاقب بالإعدام كل من دل العدو على أماكن قوات الثورة أو دل هذه القوات للسير على طريق غير صحيح.
ويلي المادة 148 قسماً آخراً جاء تحت عنوان "التجسس" ويبدأ بالمادة 149 التي تنص على أنه يعد جاسوساً ويعاقب بالإعدام كل من يدخل إلى موقع حربي أو إلى مؤسسة عسكرية أو إلى معسكر من معسكرات القوات الثورية ليحصل على وثائق أو معلومات ليتم استخدامها ضد الثورة. وتنص المادة 150 على أنه يعاقب بالإعدام أيضاً كل من سرق معلومات كالتي ذكرت في المادة السابقة. أما المادة 151 فتنص على أنه من كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات التي ذكرت في المادة (149) فأبلغها أو أفشاها دون سبب مشروع عوقب بالأشغال الشاقة. وتنص المادة 152 على أنه يعاقب بالإعدام كل عدو يدخل متنكراً إلى أماكن الثورة. أما المادة 153 فتنص على أنه يعد مجنداً لصالح العدو كل من يجند نفسه أو غيره لصالح العدو ويعاقب بالإعدام أو الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن سبع سنوات. كما تنص المادة 154 على أنه يحكم بالأشغال الشاقة كل من تقاعس عن الإخبار بالجرائم المذكورة أعلاه. وتنص المادة 155 على أن الثورة تعفي من العقوبة الشريك في ارتكاب الجرائم السابقة الذكر إذا أخبر بأمر الجرم في وقت يمكن فيه الحيلولة دون وقوعه أو حدوث الضرر. وتنص المادة 156 على أنه يعتبر سراً من أسرار الدفاع كل من : أ) المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية، ب) المكاتبات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء الضرورية لمصلحة الثورة، ج) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتحركاتها وعتادها وكل ما له مساس بالشئون العسكرية والاستراتيجية ولم يكن قد صدر إذن من القيادة العامة للقوات بنشره، د) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالإجراءات التي تتخذ للتحقيق في الجرائم المنصوص عليها أعلاه.
ووفقاً لهذه المعايير، نخلص إلى أن عقوبة الجريمة المذكورة آنفا لم تكن عريضة المدى. فقد ورد ذكر عقوبتين بغض النظر عن الظروف والملابسات التي أحاطت بالواقعة حيث يعاقب المجرم إما بالإعدام أو بالأشغال الشاقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هل حُددت العقوبات التي تلائم الجرائم أم حددت الجرائم التي تلائم العقوبات؟ فالتعريف الذي حددته حركة المقاومة واضح جداً ورحب للغاية لدرجة أن أي عمل يمكن اعتباره لصالح العدو –وبضمن ذلك المساعدات غير المباشرة- مما سيعرض كل من سيتورط في مثل هذه الأعمال لمواجهة عقوبة الإعدام. وهكذا نرى أن هذا التفسير قد سمح بتطبيق المواد الوارد ذكرها أعلاه على جميع حالات القتل سواء تلك التي طالت أشخاصاً عملوا بشكل مباشر مع العدو أو أولئك الذين لم ينصاعوا لأوامر المقاومة فحسب.
ولكي نخرج بتعريف عملي لكلمة "متعاون" سنقوم أولاً بتقسيمها إلى ثلاثة مستويات أولهما إفشاء المعلومات عن نشاطات ومواقع القوات الثورية، وثانيهما : تعطيل نشاطات الانتفاضة، أو بعبارة أخرى، عدم تقديم المساعدة لنشطائها. أما ثالثهما فهو التسبب في إحباط تنفيذ النشاطات الثورية. ففي إطار هذا المستوى –على سبيل المثال- يعتبر الشخص متعاوناً إذا تقاعس عن مد يد العون لنشطاء الثورة للاختباء، أو قام بإزالة المتاريس التي وضعت في الطرق لأغراض ثورية. فالرسالة واضحة وتنص على أن كل أمر من شأنه أن يسبب الضرر أو التعطيل أو يسيئ إلى القضية الفلسطينية وينال من تطلعاتها يعتبر عملاً شائناً وشكلاً من أشكال التعاون. وقد جاء هذا الأمر منسجماً مع الرغبة والقرار الجماعي الذي اتخذته جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت.
وإلى جانب تعريف منظمة التحرير الفلسطينية للتعاون–والذي أوردناه أعلاه- سنحاول في هذا المقام أيضاً أن نسوق تعريفات أخرى له حسبما وردت في عدد من المصادر، لنوضح أكثر المدى الرحب للجرائم التي اعتبرت شكلاً من أشكال التعاون.
أوردت مجلة المصور المصرية مقالاً في عددها الصادر في فبراير عام 1990 عرفت فيه المتعاون على أنه "كل من يعمل مع الموساد الإسرائيلي ضد أبناء شعبه، أو من يزود الموساد بأية معلومات، أو من اشتبه بتعاونه مع الموساد فأعلن ندمه على ذلك، ولكنه ضبط مرة أخرى متلبساً وهو يساعد السلطات الإسرائيلية، لذلك يعتبر هؤلاء مجرمين خارجين عن القانون". في حين نشرت جريدة المنار المصرية في عددها الصادر في أكتوبر عام 1988 مقالاً تناولت فيه مسألة قتل المتعاونين وجاءت بتعريفٍ أوسع للمتعاون. وتصنف هذه المقالة المتعاونين إلى فئتين هما : "فئة كبار العملاء" وهم أولئك الخونة الذين يزودون أجهزة الأمن الإسرائيلية بمعلومات وتقارير عن الانتفاضة ونشطائها، أما "فئة صغار العملاء" فتضم أولئك الذين عملوا مجبرين أو بمحض إرادتهم في مناصب في السلطات المحلية أو عُينوا في مناصب فيها بعد أن تم حل المجالس المنتخبة عام 1982، إلا أن هؤلاء لم يقوموا بتزويد أجهزة الأمن الإسرائيلية لا بالمعلومات ولا بالتقارير.
وإننا نرى أنه من الأهمية بمكان أن نورد في هذا السياق تعريفاً للمتعاون كما يراه أحد الزعماء الروحيين للانتفاضة. ففي مقابلة أجرتها منظمة بتسيلم–المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة- مع الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس في سجن أشمورت سئل الشيخ ياسين عن تعريفه للمتعاون فأجاب : "إن المتعاون هو كل من وقع في قبضة جهاز الأمن العام الإسرائيلي وأعداء شعبه ووافق على أن يعمل معهم وينفذ كل ما يطلبونه منه ضد مصلحة وطنه وشعبه ودينه. فالمتعاون هو ذلك الشخص الذي تعرض لمحنة كبرى ولم يستطع التغلب عليها ومن ثمّ وافق على التعاون. وبما أن هذا الشخص هو ضحية أيضاً، فأنا أرى أنه لا يجب قتله قبل أن يُعطى فرصةً لإعلان توبته، فإن لم يفعل ينفذ فيه حكم القتل" (بتسيلم 1994).
وعلى النقيض من هذا التعريف، نجد الأخصائي الاجتماعي الإسرائيلي رونى شاكد (1989) Roni Shaked يصنف التعاون إلى الفئات الست التالية :
السماسرة : هم أولئك الأشخاص الذين يتعاملون مع إسرائيليين أو يقومون ببيع الأراضي إليهم، وعلى الرغم من أن هذه الفئة تعتبر أكثر الفئات غير المألوفة إلا أنها أكثرها احتقاراً.
عملاء جهاز الأمن : وهم أولئك الأشخاص الذين يعملون–بطرق شتى- لصالح جهاز الأمن الإسرائيلي وتزويدهم بالمعلومات المختلفة. ويسمح بقتل هؤلاء المتعاونين لأن ما يقومون به من أعمال غالباً ما تفضي إلى مقتل نشطاء فلسطينيين.
المخبرون "المباحث" : كانت العلاقة مع هؤلاء الأشخاص متسامحة للغاية لأنهم يعملون على حماية المجتمع.
المتعاونون : هم أولئك الأشخاص الذين يتعاونون مع الإدارة المدنية الإسرائيلية في نشاطات شتى.
المخاتير : وهم أشخاص من ذوي المكانة الرفيعة ومن أبناء العائلات الكبرى، وقد اعتبرتهم إسرائيل حلقة الوصل بين الإدارة المدنية الإسرائيلية والفلسطينيين، وهذا بالمناسبة يتوافق مع الصورة التي رسمها لهم تماري Salim Tamary (1989, 1990) في مقالة له بعنوان "في تحالف مع الصهاينة" حيث صورهم بأنهم أولئك الأشخاص الذين فضلوا أن يعقدوا اتفاقاً مع إسرائيل بدلاً من أبناء شعبهم.
القادة السياسيون : وهم أولئك الأشخاص الذين تولوا مناصب مختلفة في الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وأخيراً سنعرض التعريفات التي وضعتها منظمة بتسيلم لحقوق الإنسان (1994). وإننا نرى أن هذه القائمة تحتوي على أدق صورة رسمت للمتعاون -على الأقل- كما كان يراها الجمهور الفلسطيني أيام الانتفاضة.
عملاء المخابرات : يستخدم هذا المصطلح بمعناه التقليدي ليشير إلى أولئك المتعاونين الذين تم تجنيدهم من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلية بغرض تزويده بمعلومات معينة ومحددة. وقد استُخدم هؤلاء المتعاونين في ثلاثة مجالات رئيسة هي : تجنيد متعاونين آخرين، التغلغل في صفوف المنظمات المختلفة (بدءً من الخلايا السرية ومكاتب الصحافة....الخ)، وتقديم "المساعدات العملية" كالمساعدة في اعتقال المطلوبين وكشف النشاطات السرية.
المتعاونون في مراكز الاعتقال (العصفور) : لقد تم استخدام العديد من العملاء الفلسطينيين في السجون، وتمثلت المهمة الرئيسة المناطة بهم في مساعدة المحققين في انتزاع المعلومات والاعترافاتمن المساجين والمعتقلين.
السماسرة : وفى هذا النوع من التعاون يكون أحد الفلسطينيين بمثابة وسيط يعمل على شراء أراض لصالح إسـرائيليين. وينظر في الغالب إلى هذا النوع من التعاون على أنه أسوأها، ونال مؤخراً اهتمام العالم أجمع بعدما صدر عن السلطة الفلسطينية قراراً غير رسمي يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بكل من يمارسه.
الوسطاء : وهم أولئك الفلسطينيون الذين يوافقون على العمل لصالح الإسرائيليين إذا حصلوا -في مقابل ذلك- على ضمانات تكفل لهم تلبية مطالبهم المختلفة. ويُنظر على نطاق واسع إلى هذا النوع من التعاون على أنه جاء نتيجة فشل السلطات الإسرائيلية في تقديم الخدمات للسكان الفلسطينيين بشكل يفي بحاجاتهم ويلبي مطالبهم، مما أدى بالتالي إلى تفشي الفساد. وتزايدت الحاجة إلى وجود مثل أولئك الوسطاء مع تطبيق أساليب العقاب الجماعي وفرض القيود المختلفة، الأمر الذي زاد من صعوبة حصول سكان المناطق على هذه الخدمات.
موظفو الحكومة ومساعديها : وهم أولئك الأشخاص الذين ارتبطوا بالإدارة الإسرائيلية، ومن ضمنهم العديد من المخاتير، وأعضاء روابط القرى المحلولة، وأفراد الشرطة السابقين، وموظفو الإدارة المدنية الإسرائيلية.
التعاون الأخلاقي والمتعلق بشرف العائلة (الإسقاط) : وهم أولئك الفلسطينيون الذين ينظر إليهم على أنهم منحرفون اجتماعياً وذوي سلوك لاأخلاقي. ويضم هؤلاء الزانيات والعاهرات، وتجار المخدرات ومدمنوها، واللوطيون، وأولئك الذين يعملون على نشر وتوزيع الصور والكتابات الإباحية.
إن هذه القائمة التي استعرضناها أعلاه تظهر بوضوح المدى الشاسع في تعريف مصطلح "المتعاون". مما نجم عنه بالتالي تشابك وتداخل واضح للعيان. فمرة نجد له تعريفاً "صارماً" يرى أن المتعاون هو كل من شارك بصورة فعالة في جمع المعلومات عن نشطاء الانتفاضة. ومرةً نجده مثقلاً بأمورٍ ثانوية خاصة حينما يتعلق الأمر بمسألة "المساعدة"، و"المعايير الأخلاقية"، حيث صُور المتعاون في تلك الحالات على أنه أكبر بكثير من كونه مجرد عامل مساعد.
مركـز البحـوث الإنسانيـة والتنميـة الاجتماعيـة بغـزة
التعليقات