أهم الجواسيس الإسرائيليين دخل الى الدول العربية كلاجىء فلسطيني

أهم الجواسيس الإسرائيليين دخل الى الدول العربية كلاجىء فلسطيني

غزة-دنيا الوطن
قبيل نشوب حرب الـ-48 عبر غامليئيل كوهين الحدود الى لبنان متقمصاً شخصية لاجىء فلسطيني ليكون جاسوسا في الدول العربية سنين طويلة. وعلى الرغم من موته ما زال الكشف عن جميع اعماله والمخاطر التي خاطرها صعباً. ألمؤرخ مئير بعيل: "لقد دس نفسه في اماكن لا يستهان بعددها في العالم العربي، ولم يسمع الجمهور عنه لأنه لم يكشف أبداً"
عوديد شالوم
لقد مر خبر وفاة غامليئيل كوهين، أحد مؤسسي وحدة المستعربين في منظمة "البلماح"، أمس في جهاز الاستخبارات. اما الذين عرفوه شخصياً في "الموساد" فهم قليلون. لقد كان الرجل متواضعاً ومستتراً لكن أجهزة المخابرات تناقلت مغامراته من جيل الى جيل، فقد تحول الى أسطورة وضرب فيه المثل. وقال مسؤول رفيع المستوى في "الموساد": "لقد كان بطلاً مجهولاً ولم يطلب المجد مع أنه كان يستحقه".
كان كوهن، في الثمانين من العمر عند وفاته، أول جاسوس إسرائيلي عمل في الدول العربية المجاورة. وقد تحولت مغامراته الى مثاليات في تاريخ الجاسوسية الإسرائيلية. ويقول كبار رجال المخابرات السابقون الآن بعد وفاته إنه مات مجهولاً كونه محترفاً، فلو لم يكن محترفاً لكشف وسمع عنه الجميع. ووصفوه بأنه أهم وكيل مخابرات في تاريخ إسرائيل.
وستحكى قصة كوهين وسيرة حياته المليئة بالمخاطر في يوم من الأيام. وحتى ذلك الحين يمكن الحديث عن مقتطفات من قصة حياته. ولد كوهين في سنة 1922 في دمشق لعائلة قوامها عشرة أفراد، حيث كان ابوه صاحب حانوت أحذية في السوق واب لعائلة متواضعة وسعيدة. وكان غامليئيل عضواً في حركة الشبيبة الصهيونية السرية وتلقى تعليمه في مدرسة "إليانس".

حيث اجاد اللغة العربية والفرنسية والعبرية، الأمر الذي سيساعده في عمله في المستقبل. وفي اواخر سنة 1943 بلغ الــ21 من عمره ترك دمشق برفقة ستة من اصدقائه قادماً الى إسرائيل، متجاوزين طرق ليست بطرق، ملتفين على الحواجز الكثيرة حتى وصلوا الى لبنان وهناك اعتقلهم ضابط لبناني لمدة شهر في مدينة صور. وجددوا مشوارهم الشاق بعد إطلاق سراحهم، لكنهم نجحوا هذه المرة بقطع الحدود والوصول الى قرية غلعادي، ومن هناك الى حيفا.
ولم يحقق كوهين ذاته في حيفا. لقد أراد تحقيق الحلم الصهيوني ولم تجذبه حياة المدينة. فانتقل الى كيبوتس حارود ليجرب حياة الكيبوتس، بناء على توصية اخيه شلومو الذي كان يسكن آنذاك في ماعوز حاييم. ثم بدأ تعليمه في معهد تحقيق الصهيونية في كيبوتس غفعات برنر، وهناك تعرف على فتاتين اعلمتاه بحماس شديد عن وجود مجموعة تأهيل مجندة تابعة لمنظمة "البلماح"، ستتخذ من كيبوتس بيت هعرابا مقراً لها.
لم يتردد كوهين في الانخراط بهذه المجموعة من فرط حبه لبلده الجديد. وقال رئيس الموساد السابق حاكا حوفي كوهين الذي كان احد أفراد المجموعة بأن كوهين كان يختلف عن الآخرين: "الاغلبية كانت من مواليد البلاد. كنا حيويون، تنبض الحياة فينا، لكن كوهين كان نحيفاً، قليل الكلام، منطويا على نفسه، لكني وجدت لديه حزم لم أجده عند كثيرين".
ولا يذكر حوفي بالتحديد متى اختفى كوهين من بيت هعرابا لكنه يذكر أن كوهين ترك المكان في سنة 1945 ولم يعرف الى أين وحتى متى.
واقترح يغئال ألون على كوهين الانضمام الى وحدة ألمستعربين التي اقامها. وقالت زوجته عليزا التي لم تعرفه آنذاك أنه حدثها عن امتحانات القبول التي أجريت له في اللغة العربية وآدابها وفي معرفته للعقلية العربية. لقد كان قسم صغير ولم يحظى الكثيرون في الخدمة فيها. أما الذي تم قبوله فيها فكان عليه أن يتعلم القرآن والتوجيه وعمل الدوريات وجمع المعلومات الاستخبارية قبل العملية. واطلع زوجته على زياراته للقرى العربية في شمال البلاد ومركزها وكيف دخل المساجد وأقام العلاقات والشبكات وجس نبض الناس واطلع المسؤولين عنه على كل ذلك.
سافر كوهين بضع شهور قبل حرب الـ 48 الى بيروت لإقامة خلية لجمع المعلومات. ويذكر حوفي بأنه التقى بكوهين في حيفا واصفاً ذلك: "كان لقاء غريب جداً لقد ارتدى بدلة رسمية فاخرة وعرف أحدنا الآخر على الفور، شعرت بأنني لا يجب أن اتوجه اليه وفعلاً ظني كان في مكانه فقد انتقل كوهين الى الجهة الثانية من الشارع ولم ينظر إلي. فهمت أنه كان في مهمة سرية، واستوعبت لماذا تركنا واختفى".
وصل كوهين الى بيروت متقمصاً شخصية لاجىء فلسطيني من عائلة محترمة. حجز غرفة في الفندق وانتقل فيما بعد الى السكن مع عائلة مسيحية في منطقة فرن الشباك التي يسافرون عبرها الى دمشق. وكان يخرج يومياً ويتجول في شوارع بيروت لكنه تجنب الأحياء التي سكن فيها يهود خوفاً من أن يعرفه أحد.
ورجع الى البلاد بعد شهر واحد وطلب من المسؤولين 600 ليرة لبنانية من أجل استئجار دكان للملابس، وكان قيمة هذا المبلغ آنذاك كبيرة جداً. واقام هناك وبحذر شديد الشبكة في لبنان. كل ما تعرفه زوجته عنه هو ما اطلعها عليه وما قرأت من أقواله في الصحف. لم يكن ثرثاراً.
لقد فشل في بيع الملابس، فقام بشراء صفقة ملابس عصرية لكن أهل الحي محافظون وقسم منهم متدينون. فحول المكان الى دكان للحلوى ومن ثم الى مصنع حلوى صغير. انضم اليه في تلك الفترة كل من كارميلي ويتسحاق شوشان وحفقوق كوهين لاحقاً.
كان لكل واحد منهم عمله، واحد عمل مع كوهين في الحلوى، وآخر سائق تاكسي. وبعثوا كل يوم تقارير عن مواقع عسكرية وعن ميناء بيروت ومعسكرات جيش وعناوين شخصيات لبنانية مشهورة. وقد تشعبت علاقات كوهين وتطورت حتى شقيق رئيس لبنان في تلك الفترة، بشارة الخوري.
*مصادر اسرائيلية

التعليقات