الجاسوس الإسرائيلي

الجاسوس الإسرائيلي "ريكا" يتذكر عبد الناصر وكان صديقا للضباط الاحرار
الموساد يكشف أوراق قديمة للتغطية على الفشل .. العميل السري كان صديقا للضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو
غزة – دنيا الوطن
"الياهو ريكا" يهودي ولد في إحدى الدول العربية وهاجر الى إسرائيل قبل ان يتحول لعميل سري بشخصية "خليل صدقي" مغترب فلسطيني أرجنتيني ورجل أعمال..
في القاهرة وقف الرئيس "جمال عبد الناصر" في مكتبه منتظرا دخول ضيفه "كمال رفعت" رئيس المخابرات الرئاسية و"خليل صدقي" وما ان دخلا متوجهين نحوه حتى صافحهما بحرارة ليتبادل الطرفان عبارات الترحيب.
كمال رفعت قدم ضيفه "خليل صدقي" لجمال عبد الناصر باعتباره رجل صناعة ناجح من الأرجنتين بينما بادله صدقي عبارات الحماس القومي وقال: "الكثير من المهاجرين العرب يحتلون مواقع هامة في المجتمع والاقتصاد في جنوب أمريكا وحتى اليوم لم نقم بما فيه الكفاية من اجل الأمة العربية ولكن منذ ان صعدت للحكم يا سيادة الرئيس وقدمت العالم العربي ورفعت من احترامنا ونحن نفخر بكوننا أبناء الأمة العربية واعدك ان نعمل من اجل دفع المسائل العربية".
"الياهو ريكا" الذي عمل 11 سنة بمهمة استخبارية كلفه بها الموساد تحت اسم "خليل صدقي" تذكر من شقته المتواضعة في تل أبيب ذلك اللقاء الذي عقده مع رئيس مصر جمال عبد الناصر في 4 أكتوبر 1956 فيقول: "لقد أثرت انطباعا هاما ليديه ،اللقاء جرى بعفوية ولم اكن ممثلا بل كنت كما انا وقد كانت لدي المعطيات والمعلومات للالتقاء به وبغيره من الوزراء والا لم اكن لأفكر بان التقي معه مصافحته ما زالت حية في ذهني حتى هذا اليوم فقد كانت له كف يد كبيرة ومصافحة قوية وبعد اللقاء بأيام علمت ان رئيس مكتبه يريد دمجي واشراكي بالجهود العربية.
وبعد نشر أمر اللقاء في الصحافة ووسائل الإعلام لم اعرف للراحة طعما وقد أغرقوني باللقاءات والمقابلان من كل الجهات.
وبين هذه اللقاءات التقيت احمد الشقيري الذي كان نائب رئيس جامعة الدول العربية ورئيس م.ت. ف. بعد ذلك الفترة.
وكذلك مع مجدي حسين أحد الضباط الأحرار الذين كانوا مع عبد الناصر في ثورة يوليو ضد الملك فاروق.
بعد 42 سنة من اللقاء ظلت مهمته التي خرج لإنجازها في مصر خفية مجهولة وكان هدفها تقليص التهديد المصري وتحجيم التهديد العربي الشامل ضد دولة إسرائيل. ويقول ريكا: "لو انني كنت قد توجهت للمهمة في مصر مسلحا كما تتطلب المهمة الخاصة التي ألقيت على كاهلي وكان علي ان أنفذها على مراحل ربما لم تكن حرب سيناء قد حدثت"!.
الياهو ريكا غادر مصر بكل احترام وباعتباره ضيفا على قدر من الأهمية وتوجه الى روما حيث نزل هناك في فندق "مسيمو دازليو" وارسل برقيتين الى قائده يوسي هرئيل قائد الوحدة 131.
مهمة ريكا في مصر كانت حاسة جدا وخشية التصنت فضل الاثنين تبادل التقارير خلال نزهة في شوارع روما.
يوسي هرئيل علق على ريكا قائلا: "انني أرى انك قد أدخلت رأسك عميقا في كهف الأسود".
من روما توجه ريكا على متن القطار الى باريس ومنها توجه الى إسرائيل على وجه السرعة ليلتقي برئيس شعبة الاستخبارات –آنذاك_ "يهو شفاط هركافي"، و نقل له خلال ساعات طويلة ما جرى معه في مصر بالتفصيل الممل.
هركافي علق على تقرير ريكا بالقول ان الأنباء التي حملها تؤكد ما يوجد من معلومات وصادق على خروجه الى الأرجنتين لترتيب أوضاعه والعودة من هناك الى مصر مرة أخرى بهدف تنفيذ المرحلة التالية والنهائية من المهمة الخاصة التي كلف بها.
ريكا طلب من هركافي قبل خروجه ا يرفعه من رتبة ملازم أول الى رتبة رائد بين السنوات 1950- 1964.
خدم الياهو ريكا او "خليل صدقي" كعميل للمخابرات الإسرائيلية في لبنان، الأردن مصر، أمريكا الجنوبية، وأوروبا وخلال سنوات نشاطه كان مرشحا لمنصب القنصل الفخري لدولة عربية في الأرجنتين.
رفض خلال فترة نشاطه محاولات المخابرات اللبنانية تجنيده والعمل في إطار جامعة الدول العربية وكان على اتصال مباشر مع القيادة المصرية.
لم يوزع الأموال ولم يعقد الولائم الفاخرة رغم انه ظهر كإنسان عري ثري فلسطيني يحمل الجنسية الأرجنتينية ورجل أعمال ناجح الا انه كان يعيش يتواضع وبساطة وكانت مخاوفه الكبرى من حبل المشنقة..
ولد الياهو ريكا في دمشق عام 1930 وعندما كان في الثالثة عشر من عمره وصل لدمشق مبعوثين من إسرائيل منشيه هرئيل الملقب بـ"امنون"، وفتاة باسم "ريفكا" وقام كلاهما بتأطير الفتيان اليهود في إطار حركة المشاهدين اليهود وكان نشاطها يهدف لإعداد اليهود للهجرة وما ان بلغ الرابعة عشرة حتى هاجر الى إسرائيل مع مجموعة من رفاقه ماشيا على الأقدام من القنيطرة.
في فلسطين انضم ريكا للبالما الذي وضعه في القسم العربي حيث اجتاز التدريبات اللازمة بما فيها دراسة الإسلام والصلاة في المسجد ومع اندلاع الحرب انضم لوحدة "المستعربين" التابعة لسلاح البحرية عام 1948.
أرسل في مهمته الأولى خلف الخطوط حيث كلف بتفجير السفينة "ايفريس" واسميت عملية "عملية دافيد".
سفينة ايفريس كانت يختا خاصا بهتلر وكانت هنالك معلومات تفيد بأنه يتم إمداد السفينة بالإرسال لمصر وهي مزودة بأجهزة اتصال حديثة.
توجه ريكا الى بيروت لتفجير السفينة الألمانية التي رست هناك وبمساعدة عميلين إسرائيليين آخرين هناك توجه للمكان ووضع العبوات التي انفجرت الأولى بعد 17 يوما والثانية بعد 43 يوما.
ريكا ابتدع وهو في بيروت خطة للخروج من لبنان وان يغطي نفسه بشخصية مصور صحفي يحصل على جواز سفر عربي ويتوجه الى مصر وفي لبان قام بتعديل الخطة وطلب شراء سفينة توسل اليه جاره "سمير سالم" ان يسافر معه الى دمشق ليتبن له لاحقا انه يعمل مع المخابرات اللبنانية وانه يريد ان يجنده في صفوفها الا انه رفض ليتحول بعدها الى مصر لصحيفة "الهدية" التي يحررها ايلي نور وانضم الى حركة "البناءين الأحرار".
بعد شهرين في لبنان سافر ريكا الى الأردن محاولا الحصول على تأشيرة من هناك لدخول مصر الا ان السفارة هناك رفضت ذلك واضطر الى العودة الى بيروت بعد عودته بأسابيع ثارت شكوك بان احد جيرانه اشتبه بأنه إسرائيلي فجاءته الأوامر ان يغادر على الفور.
ريكا توجه لصور وأعيد من هناك الى نهاريا على متن سفينة مهرب لبناني معاد الى إسرائيل ثم أرسل لدورة ضباط ويعدها لدورة مظليين في أواخر 1952 واندمج في دورة بحارة في سلاح الجو.
سلاح الجو أراده لمهمة أخرى وهي شراء سفينة عربية فأرسل للوحدة 131 مرة أخرى من اجل ترتيب ومتابعة الخطة في تلك المرحلة طرح ريكا استخدام الأرجنتين كخشبة قفز للدول العربية وكحكاية تغطية لهويته الحقيقية وبذلك كان اول من استخدم هذه الطريقة ليتبعه فيها ايلي كوهين الذي زرعته الموساد في سوريا.
عشية توجهه الى أمريكا الجنوبية تلقى التوجهات والإرشاد من بنيامين جبلي رئيس شعبة الاستخبارات.
توجه الياهو ريكا الى الأرجنتين حيث امتزج في صفوف الجالية العربية هناك تحت اسم "خليل صدقي" وسرعان ما اصبح شخصية معروفة وكتبت عنه وسائل الإعلام العربية في الأرجنتين.
رغب ريكا بالحصول على جواز سفر كمرحلة ثانية في الخطة وبما ان الأردن لم يمتلك سفارة في بوينس ايريس توجه الى تشيلي حيث التقى السفير هناك "اسكندر" وهو فلسطيني من بيت لحم وتحول الى صديق مقرب منه ومن أسرته واصبحا شريكين في التجارة.
ومن خلال "اسكندر" حصل على جواز السفر وتعرف على الجالية العربية في أمريكا الجنوبية.
حصل على تأشيرات لسوريا لبنان مصر وأضاف بمبادرة منه العراق ولبيا.
في صيف 1956 وصلته تعليمات بالعودة لإسرائيل حيث تم تزويده برسائل توجيه موجه لشخصيات مختلفة في الدول العربية!!.
"خليل صدقي" جمع حاجياته وتوجه الى روما حيث كان ممثل الوحدة 131 بانتظاره واخبره ان عليه ان يتوجه الى إسرائيل مرة أخرى حيث كان قائد الوحدة 131 يوسي هرئيل ونائبه يوسكا ياريف بانتظاره في مطار اللد.
بعد فترة أعلمه يهود شفاط هركافي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية انهم يريدونه في مهمة هامة لمساعدة فرنسا في حربها ضد الجزائريين وتفجير صوت القاهرة المساند للجزائريين حسب طلب باريس.
ومن اجل هذه المهمة توجه ريكا الى باريس حيث تدرب على العبوة وبعدها جلس بانتظار التوجه الى القاهرة حيث يلتقي بعميل فرنسي يعطيه العبوة الا ان هرئيل حاءه بعد أيام وقال له ان المهمة قد استبدلت بمهمة أخرى.
"يوفال نئمان" مساعد رئيس شعبة الاستخبارات وصل الى باريس خصيصا لتدريب ريكا على المهمة الجديدة الأهم من الأولى.
المهمة الجديدة في القاهرة لم يكشف "ريكا" النقاب عنها لكنها جاءت في إطار حرب سيناء حيث ساد توتر شديد في أجواء الشرق الأوسط وكانت خطة التعاون الفرنسي – الإنجليزي – الإسرائيلي قد تبلورت في حينه.
ريكا قال لمسئوليه خلال الحديث حول المهمة ان لقاؤه بجمال عبد الناصر سيسهل المهمة كثيرا.
عاد "خليل صدقي" الى روما وحصل على جواز سفره الأرجنتيني ومن هناك توجه الى جنيف حيث فتح حسابا في البنك أودع فيه عدة آلاف من الدولارات.
على متن الطائرة المتوجهة الى القاهرة تعرف على مجموعة من الضباط المصريين العائدين من زيارة للصين الشعبية ودول أوروبا الشرقية وبينهم مجدي حسنين من الضباط الأحرار وكان يرأس مشروع التنمية الزراعي الاجتماعي الاشتراكي هذا التعارف ساعده في التوغل عدة خطوات في تنفيذ مهمته في القاهرة.
"رياض اسكندر" ابن سفير الأردن في تشيلي وكان يعمل في محطة الإذاعة في القاهرة وكان رياض على علاقة صداقة مع "كمال رفعت" رئيس المخابرات الرئاسية المصرية الذي عرفه لاحقا على جمال عبد الناصر.
جمعت الصداقة بين "الياهو ريكا" وكمال رفعت وانسجم معه كثيرا ليحافظ على علاقة صداقة استمرت حتى انتهاء مهمته الاستخبارية والتقى معه آخر مرة عام 1963 قبل ان يتوفى رفعت بعدة اشهر.
عاد عام 1965 الى الأرجنتين بعد انتهاء الحرب حيث كان احد أصدقائه "جورج سيف" الذي كان أحد مصادر ايلي كوهين في سوريا.
في صيف 1960 قرر "ريكا" او "خليل صدقي" التوجه لدراسة القانون في جنيف وطلب من الاستخبارات عدم تكليفه بأي مهمة ولكنهم طلبوا منه مهمة جديدة في القاهرة ورفض وتخاصم مع ضباط الاستخبارات.. وانتهت مهماته المثيرة.

التعليقات