الشباب في مناظرة التطرف والتعصب
تاريخ النشر : 2021-08-01
الشباب في مناظرة التطرف والتعصب
بكر أبو بكر


الشباب في مناظرة التطرف والتعصب  

بقلم: بكر أبوبكر

أين نقف من العنف المستشري في المجتمعات عامة شرقا وغربا؟ وأين نقف من الاتجاه الشبابي المتزايد نحو العنف، وكأنه "موضة" يتم التزيّن بها في مواجهة الآخرين؟ وهل لنا من الامكانيات لوقف التدهور؟

 وربما عشرات الأسئلة الأخرى تثورعند كل حادثة عنف، أو فلتان أمني، أو إرهاب سواء في أمريكا الموبوءة بالعنف، أو استراليا أو في آسيا أو في أوربا، وفي منطقتنا العربية كما في أوغندا وميانمار والهند وأكرانيا ودول البلقان وغيرها.

في التأمل بالعنف بأشكاله سواء اللفظي أوالجسدي أو غيره من الممكن أن نقرأ حالة من الحيرة وربما التشتت والتفكك لدى فئات عدة بالمجتمعات أبرزها الشباب في مرحلة البحث عن النفس، مرحلة القلق على الدور واستكشاف المستقبل والرغبة بإظهار الذات والتميز لا سيما في ظل التعدد الثقافي وانتشاره في كل مكان وسهولة الوصول له، وفي ظل تنوع المداخل ولربما مع افتقاد البوصلة الصحيحة ما يجعل من الحيرة منطقة مظلمة قد تشكل جسرًا نحو التعصب او التطرف.

فقدان الهوية

في صراع القديم والجديد في نفس الانسان جدل وقلق وأرق، وكلّه من مظاهر فقدان الهوية باعتقادي، فالهويات اليوم أصبحت متصادمة وكثيرة العدد لو صنّفنا المنظمات الكثيرة التي ينخرط فيها الشخص ومجموعات وسائل التواصل الاجتماعي القلِقة في السياق، والتي تحفّز الآخر ليكون له الدور، والظهور والبروز، فكيف يكون ضمن جماعة ويكون متميّزا بذاته وبجماعته عن الآخرين وما حدود العلاقات بين الجماعات؟ وكيف الخروج من دائرة المعاني والرموز لدائرة الإيمان والقناعة التي تدخل فيها أبعادٌ تربوية ودينية وقيمية أخلاقية كثيرة ولكن رابطها الرئيس هو رحلة البحث عن الذات وعن الهوية.

الفوضى القيمية

في هذا الزمان يعيش الناس وبين أيديهم وسائل يستطيعون عبرها أن ينقضوا الموروث المستقر، فلم يعد من المخفي الكثير ولم يعد التعليم التقليدي يفي بالغرض، لأنه واقع تحت تأثير محرّكات البحث على الشابكة، التي تكشف فتثير وفي سياقات البحث يظهر لنا تنظيرات صراع الحضارات لا حوارها، ويظهر لنا قيم رفض الآخر كما قيم التواصل الحِدّية التي تسوّر نفسها وتعزل ذاتها حتى لو كانت منفتحة بالآلة على العالم، فتصبح الوسيلة (الاتصالية) نقمة تقوقع وليس نعمة اتصال وانفتاح وتقبّل، ولنضيف للعامل القيمي والروحي ضعف الوازع الديني في ظل عداء الخطاب التقليدي مع متغيرات الدنيا، فلم يعد لدى رجل الدين التقليدي الخطاب من المقدرة والتأثير كما اليوم للمغني أو الممثل أو مقدم البرامج أو لشريط قصير أولجملة انفعالية على فيسبوك!

الخلل في الأدوار

بالاضافة لفقدان الهوية أو البحث المحموم عن الذات وبالإضافة للفوضى القِيمية-الأخلاقية والروحية فإننا نجد مساحة الخلل في الأدوار تتجاوز الكثير من الشخوص والأفراد والمؤسسات سواء في البيت أو المدرسة، أو لدى أهل الرأي فلم تعد الأسرة الحاضنة لوحدها وضعف دور المدرسة التربوي، وتضخمت أدوار أخرى جديدة منها دور المنظمات المجتمعية والمجموعات الافتراضية (على الشابكة والتطبيقات) ودور الاحزاب الشعبوية لا سيما تلك التي ترمي شباكها ليس نحو روح المواطن وقلبه وعقله، وإنما نحو رغباته ونوازعه، فتخاطب أسوأ ما فيها، وهنا يصبح دور السياسييين وقادة الرأي دور الصياد في الماء العكر بانتهازيته وتناقضاته (وشعبويته) التي تبيح له ما لا يبيحه لغيره، وتتيح له التواصل في سدّة الحكم الحزبي أو السلطة او على رقاب الناس ومثل هذه الفئة في ظل ضعف الأيديولوجيات والأفكار التقاربية وقيم الحب والتجاذب تصبح ذات شوكة وغلَبَة وتصبح ذكية الاستغلال للنوازع الشعبوية سواء الدينية أوالقومية أو العشائرية أوالعلمانية الاقصائية أو غيرها.

ضعف التشريعات

لا يمكن إلا أن نشير في هذا السياق الى نقص التشريعات، ففي كثير من البلدان لا يلقي من يمارسون العنف الا الدعم من محيطهم لأسباب قومية أو دينية أو عشائرية أو طائفية ما يعني أن العنف الموجه ضد الكيانات الأخرى (ضد المرأة، ضد العشيرة، الحزب الآخر، أو القرية أو صاحب الإثنية أو الطائفة أو الدين الآخر...) عنفا مقبولًا بل ويحثّ عليه، وقد ينظر فيه للممارسين نظرة الأبطال! ما يستدعي لدى الدول والتنظيمات السياسية القلِقة على مجتماعتها لا على حزبها دق ناقوس الخطر ومراجعة التشريعات كتلك التي تبيح امتلاك الأسلحة فيصبح القتل والإرهاب والعنف في أمريكا يومي، وكتلك التي تتسامح مع ما يسمى جريمة الشرف في منطقتنا العربية، وكتلك التي تتراخى عند قتل فلان لأنه شيعي أو سني أو مسلم أو مسيحي.

 

نمو الفكر الإقصائي

أما العامل الخامس في انتشار التطرف ونمو سباق التعصب في النفوس، ففي ظني يأتي لسبب كل ما سبق وهو الحاضنة أو البيئة بيئة الفوضى والفقدان والتناقض والخلل التي تعتبر بيئة خصبة لإثمار الفكر الإقصائي، مع العوامل الاقتصادية الشاحنة،والسلطوية المستبدة، والرأسمالية الجشعة، فتجعل من رد الفعل المقابل هو التقوقع والانعزال ضمن شرنقة ما، دواء وعلاج وما يحدثه ذلك من من تلبية الحاجات وإثبات الذات وتحقيق التميز.

ولا يمكن أن نترك هذه النقطة دون أن نشير لدور بعض الحكومات ذات العقلية الاستعمارية والاستغلالية، ولما لقوة الاحتلال الصهيوني كمثال فاقع من قدرة على صناعة العنف بل والإرهاب، وما يقابله في هذا الشأن، مميزين قطعا بين الكفاح الوطني بكافة أشكاله الذي أقرته الشرائع الدولية وبين العنف المدان والإرهاب.

قوة الفكر المغلق

إن الفكر الاقصائي، الفكر المغلق الفكر الأحادي، يحمل في طياته قوة داخلية عميقة فكرية ونفسية فهو يمنح معتنقه شعورا بالقوة والتفوق! لأنه فكر بالحقيقة مبني على مرجعية صلبة البناء الداخلي أكانت صحيحة بالنسبة لي أو لك أو فاسدة، إلا أن سندها ومناظرتها الداخلية حتى لو استندت لخرافات فهي قوية وقادرة على الاقناع من جهة وقادرة على دغدغة النوازع السلبية في النفس الانسانية من جهة اخرى.

أضف لما سبق أن التفسيرات المتطرفة أو حتى الغريبة بل والشاذة قد تلقى هوى في عقول أونفوس الشباب، فما بالك إن كان الاستغلال من السياسيين للاوضاع الاجتماعية القلِقة للمستهدَف شمالا ويمينا أكان مسيحيا أو قوميا أو مسلما أو بوذيا، فتلقى من الخطاب المستخدم ما يشعر متلقّيه ومتبنّيه بالثقة والفخر! فأنا أنا وذاتي هنا، وأنا ضمن جماعة وجماعتي متميزة ما يتوافق مع طبيعة الشباب المتمثلة بالحماس والاندفاع والإقدام أحيانا غير محسوب العواقب، وفي كل هذه البيئة لا تجد من السياسيين من جهة ولا تجد من بعض قادة الرأي إلا الاستغلال فتكوين جيش من فاقدي العقول (قطيع) أكثر قدرة لهم للفوز والتقدم وافتكاك السلطة سواء بالدول الديمقراطية أو الدول غير الديمقراطية.

الحل الأمني والحل الثقافي

إن الحل الأمني يُثار دوما عند الحديث في مثل هذا الموضوع، وهو اليوم في ظل زخم حالة التواصل الاجتماعي الفضائي مطلوب، لا سيما وقراصنة الأرض والسماء لا يتركون شاردة ولا واردة إلا واستغلوها لأغراضهم الشريرة من بلبلة وتشكيك وبث الإشاعات، وتدمير، كلٌّ حسب الجهة المحرّكة له، أكانت شخصيات قلقة أو جماعات متطرفة أو دول امبريالية أوفاشلة.

اللجوء الى الحل الأمني لوحده بالقفز عن العامل الثقافي والمجتمعي والاقتصادي، بل والنفسي الشخصي  يعتبر أمرا غير مقبول برأيي، لأن تكامل التعامل مع مختلف العوامل مفتاح الحل.

مما لا شك فيه أن تاثيرات القيم الاستهلاكية سواء لدى الأثرياء أو الفقراء هي تأثيرات طاغية للرأسمالية العفنة، وهي تأثيرات سلبية فتجد في التطرف من كل الفئات فلم تعد تجده فقط لدى الفقير أبدا، وانما لدى مختلف الفئات، وإن كانت بيئة الفقر مرتعًا سهل المنال بالطبع فالمال يفعل أفاعيله الى جانب التربيتة على الكتف ومسح الدموع، وتلبية الاحتياجات الانسانية.

والى ذلك فلا غنى عن التشريعات الرادعة مجتمعيا وقانونيا، فلا نشد الأيدي على القتلة لأسباب طائفية أو جهوية او تمييزية.

وبكل وضوح نضيف لما سبق جميعا في آليات الحل هو الضرب بيد من حديد على العابثين من جهة (بالقانون قطعًا)، وتطوير مناهج التفكير لدينا نحن لنتعامل بطرق تتسق مع متغيرات العصر مع الشباب فلم يعد للوعظ أو الإرشاد المباشر نفس القوة السابقة ما يستدعي المخاطبة العاقلة والعاطفية المحترِسة معا دون إسفاف ودون ابتذال وهو ما يرتبط ببناء ثقافة جديدة تعزز قيم التسامح والاعتراف وقيم التقبل والتجاور وقيم الالتقاء لا التباعد.