ميلاد ونشأة المفكر
وتعود أصول أسرته إلى قرية "زرنوقة " بالقرب من يافا في فلسطين المحتلة عام 1948م، وهاجرت أسرته إلى قطاع غزة، مع عشرات آلاف الأسر التي طردتها العصابات (الصهيونية) حيث استقرت في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
توفيت والدة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي وهو في سن الخامسة عشرة من عمره، كما توفي والده الحاج "إبراهيم الشقاقي" بتاريخ 5 - 3 - 2011م، عن عمر يناهز 85 عاماً، وذلك بعد مرور 16 عاماً على استشهاده.
مسيرة التضحية والفداء
كان الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي قبل العام 1967م ذا ميول ناصرية، ولكن هزيمة العام 1967م، أثرت تأثيراً بارزاً على توجهات الشهيد المعلم، حيث قام بالانخراط في سنة 1968م بالحركة الإسلامية إلا أنه اختلف مع الإخوان المسلمين، وبرز هذا الخلاف بعد سفر الشهيد لدراسة الطب في مصر عام 1974م فأسس الشهيد المعلم ومجموعة من أصدقائه حركة الجهاد الإسلامي أواخر السبعينيات.
اعتقل الشهيد فتحي الشقاقي في مصر في 1979م بسبب تأليفه لكتابه «الخميني، الحل الإسلامي والبديل»، ثم أعيد اعتقاله في تاريخ 20/7/1979 بسجن القلعة على خلفية نشاطه السياسي والإسلامي لمدة أربعة أشهر، غادر الشهيد الشقاقي مصر إلى فلسطين في تاريخ 1/11/1981 سراً بعد أن كان مطلوباً لقوى الأمن المصرية.
قاد بعدها الشهيد الشقاقي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وسجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986م وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ: لارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي ونقل أسلحة إلى القطاع"، وحينما أدركوا أن السجن لا يحدّ من نشاط الشقاقي الذي كان يحول المعتقل في كل مرة إلى مركز سياسي يدير منه شؤون الحركة من زنزانته، وقبل انقضاء فترة سجنه قام الاحتلال الإسرائيلي بإبعاده من السجن مباشرة إلى لبنان بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1988م، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، ومنها تنقل بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ويعد الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها في العالم العربي والإسلامي.
كما يعتبر الشهيد المعلم مجدد الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر الجهاد المسلح، فدخلت بذلك طرفاً رئيسياً ضمن قوى الإجماع الوطني الفلسطيني بعد طول غياب.
أمّة في رجل
وجد الشهيد الشقاقي أن الشعب الفلسطيني متعطش للكفاح بالسلاح فأخذ على عاتقه تلبية رغباته، فحمل شعار لم يألفه الشعب في حينها، وهو 'القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للحركة الإسلامية المعاصرة'، فتحول في شهور قليلة من مجرد شعار إلى تيار جهادي متجسد في الشارع الفلسطيني، ومن هنا كانت معادلته (الإسلام – الجهاد - الجماهيرية).
القائد الإنساني
عشق أطفاله الثلاثة: خولة، أسامة، إبراهيم حتى إنه بالرغم من انشغاله بأمته كان يخصص لهم الوقت ليلهو ويمرح معهم، تعلق كثيرًا بابنته خولة؛ لما تميزت به من ذكاء حاد؛ إذ كان يزهو بها حينما تنشد أمام أصدقائه: 'إني أحب الورد، لكني أحب القمح أكثر…'.
لم يكن جبانًا قط، بل إن من شجاعته ورغبته في الشهادة رفض أن يكون له حارس خاص، وهو على دراية تامة بأنه يتصدر قائمة الاغتيالات الإسرائيلية، فضَّل أن يكون كالطير حرًّا طليقًا لا تقيده قيود ولا تحده حواجز.
في أعقاب تنفيذ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي عملية بيت ليد المزدوجة التي نفذها الاستشهاديان أنور سكر وصلاح شاكر، وأدت لمقتل 22 إسرائيلياً وإصابة أكثر من 80 آخرين، بعدها بأيام أصدر رئيس حكومة "الاحتلال" في ذلك الوقت اسحق رابين قراره بإعداد خطة محكمة لاغتيال الأمين العام للحركة الدكتور "فتحي الشقاقي" رداً على العملية النوعية.
رحيل القائد المؤسس
وأعلن المجرم 'إسحاق رابين' سعادته باغتيال الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي بقوله: 'إن القتلة قد نقصوا واحدا'، ولم تمهله عدالة السماء ليفرح كثيرًا"، كما رأى الموساد الإسرائيلي أن عملية اغتيال الشهيد الشقاقي إحدى «أنجح العمليات التي قام بها»، لما كان يشكله من خطورة على الكيان الإسرائيلي.
تشييع جثمان القائد
وفي فجر 31-10-1995م استقبل السوريون مع حشد كبير من الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية بكل فصائلها واتجاهاتها في كل الوطن العربي جثمان الشهيد الذي وصل على متن طائرة انطلقت من مطار 'جربا' في تونس، على أن يتم التشييع في اليوم التالي 1-11-1995م، وتم دفن جثمانه الطاهر في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعد أن تحول التشييع من مسيرة جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بجريمة الاغتيال، حيث استقبله أكثر من ثلاثة ملايين مشيع في وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي تبارك الاستشهاد.