في ذكرى حصار التسعينات على العراق.. كارثة إنسانية وتداعيات مستمرة
تاريخ النشر : 2019-08-07
في ذكرى حصار التسعينات على العراق.. كارثة إنسانية وتداعيات مستمرة
صورة ارشيفية


رام الله - دنيا الوطن
تمر اليوم الـ 6 من آب/ اغسطس الذكرى الـ 29 لفرض الأمم المتحدة حصارا دوليا شاملا على العراق، شمل مختلف القطاعات الصحية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، إضافة إلى حظر طيران شامل مدني وعسكري.

عانى العراق وعلى مدى 13 عاما من تبعات هذا الحصار، عشرات آلاف العراقيين ماتوا متأثرين بنتائج هذا الحصار والذي لا يزال العراقيون يعانون منه بعد 16 عاما على الغزو.

حصار شامل.. الأهداف والتطبيق

فرضت الأمم المتحدة حصارا شاملا على العراق في الـ  6 من آب/ اغسطس 1990، وذلك وفق قرار أممي صدر عن مجلس الأمن الدولي بالرقم (661).

وفي هذا الصدد يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد “محسن قاسم” في حديثه لوكالة “يقين”، إن الأمم المتحدة فرضت حصارا اقتصاديا شاملا على العراق بغية إجبار العراق على سحب قواته التي دخلت الكويت في وقت سابق.

ويضيف قاسم أنه وعلى الرغم من سحب العراق لقواته من الكويت بعد أشهر على القرار، إلا أن الحصار استمر مفروضا على البلاد بحجة التأكد من خلو العراق منأسلحة الدمار الشامل، وتطبيقه قرارات مجلس الأمن.

قاسم أوضح أنه وعلى الرغم من أن القرار استثنى المواد الغذائية والدواء، إلا أن واقع الحصار كان منع توريد أي شيء للعراق، فحتى البضائع والسلع الاستهلاكية والأدوية منع العراق من استيرادها على اعتبار أنها تتطلب تعاملات مالية مع المصارف المعترف بها دوليا، واستمر الحال على ما هو عليه حتى عام 1996 عندما سمح للعراق بتبادل النفط مقابل الغذاء والدواء.

وعن الدواء والسلع الغذائية، يقول قاسم: “ضمت البنود الأصلية للحظر الاقتصادي بتحريم كل أنواع المعاملات التجارية مع العراق وتجميد أمواله في جميع دول العالم، إلا أن القرار استثنى الغذاء والمواد الطبية، استيراد من دون تصدير، وبما أن العراق منع من إجراء أي معاملات مالية مع دول العالم، فإن العراق لم يستطع دفع فاتورة الاستيراد، لذا بات الاستثناء الغذائي والدوائي لا معنى له.

وفي هذا الصدد، يقول النائب الأسبق في مجلس النواب “نور الدين الحيالي” إنالحصار الذي فرض على العراق عام 1990 واستمر إلى ما بعد الغزو، أدى إلى تدمير العراق وإرجاعه عشرات السنوات إلى الوراء.

وأكد الحيالي على أن آثار الحصار الذي فرض على البلاد ستستمر حتى جيلين قادمين، إذ أن الجيل الذي نشأ في فترة التسعينات عانى وما زال من آثار صحية بالغة؛ بسبب نقص الغذاء والدواء، وهو ما أدى إلى نشوء جيل عليل، فضلا عما خلفه الحصار من تراجع كبير في مجالات الصناعة والزراعة والبنى التحتية.

وعلى الرغم من أن الحظر الاقتصادي على العراق رفع رسميا في الـ 15 من كانون الأول/ ديسمبر 2010، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من ويلات ذلك الحصار، وبحسب الحيالي، فإن الحكومات المتعاقبة لم تبادر إلى إعادة تفعيل أي قطاع كان قد دمر خلال الحصار وأولها قطاع الكهرباء، إذ أن الفساد والامتثال للتدخلات الأجنبية كبدا العراق خسارة تقدر بمئات مليارات الدولارات، بحسبه.

تبعات الحصار

تشير تقارير اليونيسيف التي اطلعت عليها وكالة “يقين” إلى أن أكثر المناطق التي تأثرت في البلاد بسبب الحصار، هي المنطقة الجنوبية والوسطى، حيث يقطنها أكثر من نصف سكان البلاد آنذاك.

وتؤكد تقارير اليونيسيف على أن معدل وفيات الأطفال دون سن الـ 5 زاد على الضعف، إذ قفز من 56 حالة وفاة لكل ألف مولود خلال الفترة من 1984-1989 إلى 131 حالة وفاة في الفترة من 1994-1999. وكذلك تزايد معدل وفيات المواليد من 47 لكل ألف مولود إلى 108 حالة وفاة خلال نفس الفترة السابقة.

الخبير الاقتصادي “أنمار العبيدي” كشف في حديثه لوكالة “يقين” عن أن العراق وبعد الدمار الكبير الذي أصاب بناه التحتية في حرب الخليج عام 1991، استطاع إعادة إعمار جزء كبير مما دمرته الحرب، وخاصة ما يتعلق بالأبنية وبناء الجسور، إذ اعتمدت الحكومة العراقية آنذاك على المواد الأولية المحلية من الاسمنت والحديد والطابوق، واستطاع العراق إعادة إعمار جميع الجسور فضلا عن بناء مشاريع عملاقة في وقتها.

لكن العبيدي يعتقد أن العراق لم ينجح في إعادة إعمار كثير من المرافق الأخرى، خاصة المتعلقة بالمصانع الحيوية وقطاع الكهرباء، إذ أن الحصار الذي فرض على البلاد منعه من استيراد قطع الغيار الأساسية التي دمرت بفعل الحرب، ما أدى إلى انهيار كبير في منظومة الكهرباء، فضلا عن كثير من القطاعات الصناعية الأخرى.

أما المحلل السياسي “ذنون العلاف” فيعتقد أن الهجمة الكبيرة التي تعرض لها العراق وحكومته التي سبقت الغزو الأمريكي عام 2003، كانت شرسة جدا إلى الحد الذي صور فيه العراق على أنه البلد النازي الجديد.

ويضيف العلاف أنه ورغم كل ذلك، وعلى الرغم من الانفتاح الاقتصادي الكبير الذي شهده العراق بعد عام 2003، إلا أنالحكومات المتعاقبة لم تفلح في بناء أي مستشفى تعليمي جديد في البلاد، فضلا عن القصور الكبير في منظومة الطاقة الكهربائية التي ما يزال العراق يعاني من تبعاتها على الرغم من صرف قرابة الـ 43 مليار دولار على الكهرباء من دون أي تحسن ملموس.

بين الأمس واليوم

من جانب آخر، يؤكد مدير قسم التخطيط في وزارة الزراعة في الحكومة العراقية قبل الغزو “فرحان الدليمي” على أن العراق استطاع بجهود محلية من الاكتفاء ذاتيا فيما يخص المواد الغذائية الأساسية كالقمح والخضراوات، لافتا إلى أن الحكومة العراقية آنذاك دعمت القطاع الزراعي بالوقود والأموال من أجل تشجيع الفلاحين على الزراعة.

وعن سوء التغذية التي ألمت بالعراقيين وخاصة الأطفال منهم، أكد الدليمي على أن ذلك كان بسبب منع العراق من استيراد السلع التي لم تكن متوفرة محليا كالحليب المعزز بالبروتين والخاص للأطفال، إضافة إلى بعض أنواع الفواكه التي لا تزرع محليا.

واعتبر الدليمي أن الحكومات العراقية التي اعقبت الغزو الأمريكي عام 2003 دمرت القطاع الزراعي وأرجعته عشرات السنين إلى الوراء، وخير دليل على ذلك ازدياد مساحات التصحر في البلاد وسوء إدارة الثروة المائية، بحسبه.

من ناحية أخرى، إذ وعلى الرغم من أن حرب عام 1991 والحصار الذي رافقها أدى إلى تدمير أعداد كبيرة من المدارس في مختلف محافظات العراق وخاصة الوسطى والجنوبية، وتراجع مستوى الدخل إلى أدنى مستوياته بسبب الحصار، والذي أدى إلى تسرب أعداد كبيرة من الطلاب من الدراسة، إلا أن الإحصائيات التي نشرتها اليونيسيف في موقعها الرسمي تشير إلى أن سنوات التسعينات كانت أفضل حالا مما هي عليه اليوم.

إذ يعاني العراق اليوم من تسرب أعداد كبيرة من الطلاب من المدارس، فضلا عن حاجة العراق إلى نحو 8 آلاف مدرسة، بحسب اليونيسيف، يضاف لكل ذلك ارتفاع نسبة الأمية إلى ما يقرب من 35%.

كل هذه الأرقام وبمقارنة بسيطة بين الأمس واليوم تبين أن العراق في سنوات الحصار كان أفضل حالا مما هو عليه اليوم وفي أكثر من قطاع، على الرغم من الميزانيات الانفجارية التي ذهبت جلها لجيوب الفاسدين.