أحد أشهر قصص الطفولة التي تربينا عليها هي قصة الجميلة النائمة التي يوقظها الأمير الساحر، أما في الحقيقة فقد كشف فريق من علماء الآثار من معهد سانت بطرسبرغ للتاريخ والثقافة (الأكاديمية الروسية للعلوم) بقايا محنطة لامرأة شابة، لُقبت بـ"الجميلة النائمة"، ويُعتقد أنها دُفنت منذ 1900 إلى 2000 سنة مضت.
اكتشف العلماء قبر "الجميلة النائمة" على ضفاف خزان عملاق يغذي سد سايانو شوشنسكايا وهو تاسع أكبر سد كهرومائي في العالم، ففي شهر مايو ويونيو من كل عام تنحسر المياه، هذه المرة هبط منسوب المياه بدرجة كافية ليكشف لعلماء الآثار المناطق المحيطة بالخزان ويتيح عمل الحفر والبحث اللازم.
يُعد هذه الاكتشاف استثنائيًا لأن الموقع ظل عقودًا طويلة تحت الماء منذ بدأ الخزان بالفيضان عام 1980.
نجى الجسد بحالة رائعة وممتازة، وهو ما يعد بمثابة معجزة، ويرجع ذلك إلى أن الحجر المستخدم لإنشاء القبر شكل حاجزًا منيعًا ضد ظروف العالم الخارجي، كما ساهم القبر الحجري في عملية التحنيط، وعلى الرغم من أن الجسم لم يُحنط بالمواد الكيميائية إلا أنه تم حفظه من خلال عملية فريدة من تحنيط الطبيعية.
تقول عالمة الآثار الدكتورة"مارينا كالينوفسكايا":"هذه ليست مومياء كلاسيكية، ففي هذه الحالة كان الغطاء الحجري للقبر مغلقًا بإحكام ما أتاح حدوث عملية تحنيط طبيعية، هذه العملية تحدث عندما يكون هناك عوامل متطرفة من البرد أو الجفاف أو عدم وجود أكسجين كافي ليوقف عملية الانحلال الطبيعي".
وهناك أمثلة أخرى في جميع أنحاء العالم على عملية التحنيط الطبيعية مثل أوتزي otzi رجل الثلج الذي عُثر عليه في جبال الألب الإيطالية، ويعود الاسم إلى مومياء رجل حُفظت بشكل طبيعي في الجليد منذ العصر النحاسي أو نهاية العصر الحجري الحديث حسب تصنيف علماء الآثار في أوروبا نحو 3400 قبل الميلاد.
عثر الزوجان الألمانيان "أيريكا" و"هلموت سيمون" عليه سنة 1991 بالصدفة في موقع يسمى "هاوسلابيوخ" في منطقة ألب آوتزتال على الحدود بين النمسا وإيطاليا، فنسب إليها.
كان طول الرجل المحنط بالثلج 160 سنتمتراً، ووزنه 50 كيلوغراماً وتوفي عن عمر يُقدر بنحو 45 عامًا، بقي محفوظاً لمدة 5300 عام، وبفضل الجو القاسي احتفظ الجسد بأعجوبة بالكثير من ملامحه الأصلية.
هناك أيضًا رجل "تولند" في الدنمارك حيث في عام 1950، وتحديداً في قرية تولوند الدنماركية، اكتشف شخصان كانا يستخرجان الفحم من أحد المستنقعات مومياء لرجل مضطجع داخل المستنقع، اعتقد الاثنان أنهما أمام جريمة قتل حديثة؛ لذلك قاما بإخبار الشرطة، احتار رجال الشرطة في معرفة وقت وفاة صاحب الجثة، فتم استدعاء أحد علماء الآثار الذي أكّد بعد فحصه للجثة أنها تعود لأكثر من ألفي سنة خلت، وأنها على الأرجح قد قُدّمت قرباناً لـ "الإله نيرثوس"، إله الخصوبة في معتقدات شمال أوروبا القديمة، حيث عُثر على العديد من الجثث في مستنقعات في عدة دول أوروبية.
كانت حالة الجثة على قدر كبير من التماسك، وأظهرت الفحوصات التي تمت بالأشعة السينية أن الأعضاء الداخلية مثل القلب والكبد والرئتين بحالة جيدة، وأظهر الفحص كذلك أن رجل تولوند شُنِق حتى الموت؛ حيث عثر على بقايا أثر الحبل واضحة على رقبته، وكان يرتدي لحظة وفاته قبعة من الجلد ويرتدي حزاماً جلدياً حول خصره، أما لحيته فكانت محلوقة وشعرة قصير.
وفي المنطقة العربية، وتحديدًا في مصر عُثر على مومياوات "جبلين" في مقابر رملية صغيرة قرب مدينة جبلين، مكانها الحالي مدينة نجع الغريرة قرب قنا، في الصحراء الغربية، تعود إلى عصر ما قبل الأسرات وهي ست مومياوات حُنّطت تحنيطًا طبيعيًا تعود لنحو 3400 قبل الميلاد من نهاية عصر ما قبل الأسرات في مصر، وتعد أول جثامين كاملة تُكتَشَف من عصر ما قبل الأسرات.
بالعودة إلى قصة الجميلة النائمة، لم يكن الجسد بهيئته فقط هو ما تم الحفاظ عليه، لحسن الحظ عُثر على بعض المقتنيات التي رافقت جسد الفتاة في القبر الحجري، وهما وعاءان أحدهما يتخذ شكل أواني حرق الجثث.
ووجد أيضا على صدر المومياء صنوبر ومكسرات وبجانبها صندوق خشبي يحتوي على مرآة من الخزف الصيني.
وأفادت صحيفة "سيبيريا تايمز" أن المومياء كانت ترتدي ملابسًا حريرية، مع حزام مطرز ومشبك شعر، واستنادا إلى المعلومات حتى الآن، يعتقد علماء الآثار بأن المومياء كانت تحظى بتقدير كبير، وربما تعود إلى أصول نبيلة أو تكون عضوة في امبراطورية الهون، وهي امبراطورية ناجحة بشكل كبير، أرهبوا أوروبا خلال القرنين الرابع والخامس ميلادي بعد أن شقوا طريقهم من خلال آسيا وروسيا.
بقايا الجميلة النائمة الآن مع فريق الترميم في معهد سانت بطرسبرغ الذين يعملون على النظر في كيفية الحفاظ علي الجسم بشكل جيد، وسيتم إجراء مزيد من التحليل لتوفير نظرة ثاقبة لحياة وثقافة هذه المرأةا لغامضة.