أحد أسباب الاكتئاب في غزة قد ينتجه نقص فيتامين "د"
تاريخ النشر : 2018-01-14
أحد أسباب الاكتئاب في غزة قد ينتجه نقص فيتامين "د"
صورة تعبيرية


خاص دنيا الوطن
ما إن يأتي الليل حتى تشعر بثقل شديد يجثو على صدرها، وفي النهار تعاني من تقلب شديد في المزاج، فلم يخطر ببالها أن هناك نقصاً هرمونياً لديها سببه نقص فيتامين "د".

وتبدأ نجوى نزيه (39 عاماً) حديثها حول تجربتها مع فيتامين "د" بالقول: "أنا أعمل ريجيماً بشكل مستمر، ولست من النوع المهتم بالأكل الصحي، نظراً لكوني أعمل مدرسة أخرج صباحاً وأعود بعد الظهيرة".

وتضيف: "تلك الخنقة التي كانت تنتابني في صدري، أرهقت تفكيري، الأمر الذي حدا بي إلى الخضوع لبعض التحاليل وفقاً لما نصحني به الطبيب، وفعلاً بعد القيام بكافة التحاليل، أكد لي الطبيب أني بخير وأموري "في السليم".

استمر ضيق النفس والحالة المزاجية التي تنتابني، فاعتقدت أن الأمر له علاقة بالضغوط اليومية والتوتر الذي نعيشه وعند مراجعتي للطبيب، وإخباره أن عصبيتي ما زالت مستمرة بالإضافة إلى ضيق الصدر الذي أشعر به، طلب مني فحص فيتامين "د" وما كان مني إلا أن قمت به وبعد الحصول على التحاليل كانت النتيجة كارثية إذ تبين أني أعاني نقصاً حاداً في فيتامين "د" وهنا أكد لي الطبيب، أنها قد تكون السبب وراء ما أشعر من ضيق وقلق".

أما الثلاثينية عتاب محمد فتقول: "أعاني من الأعصاب وأتعالج دائماً لكنني كنت دائماً أتساءل حول ما يحدث لي، قبل مدة ألم بي تعب شديد، فطلب مني الطبيب إجراء بعض الفحوصات للاطمئنان على وضعي، وبعد صدور النتائج صعق الطبيب لنسبة فيتامين "د" لدي بأنه منخفض بشكل مخيف إذ كانت النتيجة 19 نانوغرام- مل".

"وهنا نصحني الطبيب بتناول الدواء اللازم من فيتامين "د" والكالسيوم سواء كحبوب أو كجزء من النظام اليومي الغذائي وها أنا مواظبة على العلاج خوفاً من المزيد من الأعراض".

هذا وتعود الإصابة بنقص فيتامين "د" إلى سوء التغذية وعدم التعرض لأشعة الشمس، وتقول بعض الأبحاث الطبية: إن هذا الأمر شائع لدى المرضى الذين يعانون من الاضطرابات النفسية كتقلب المزاج وحدة الطباع والاكتئاب والقلق.

دكتور تغذية: هناك علاقة لكن لا يجزمها الطب

تؤكد أخصائية التغذية الدكتورة سعاد عبيد العلاقة بين نقص فيتامين "د" والاكتئاب بقولها: "هناك دراسات وأبحاث بعضها يؤكد وجود علاقة بين نقص فيتامين "د" في الدم والإصابة بأعراض الاكتئاب لكن الطب لا يجزم بهذه العلاقة بشكل رسمي".

"هناك نظريات تفسر كيف يؤدي نقص فيتامين "د" إلى الاكتئاب، واحدة من هذه النظريات تقول إن لفيتامين "د" مستقبلات عصبية منتشرة في الدماغ ونقص الفيتامين يؤثر على وظائف الدماغ والتي بدورها تؤدي إلى نقص في مادة الدوبامين والتي تعد السبب وراء حدوث الاكتئاب وفرص الإصابة بأمراض نفسية أخرى"، على حد قولها.

وتضيف عبيد: "هناك نظرية أخرى تقول إن فيتامين "د" ينشط إفراز المواد الكيماوية المسؤولة عن تحسين الحالة المزاجية للشخص، فأي نقص في هذه المواد يؤدي إلى أعراض الاكتئاب".

أما النظرية الثالثة وفقا لحديث الدكتورة فإن: "هناك ما يسمى الاكتئاب الموسمي الشتوي، والذي ينتج بسبب قلة التعرض للشمس، ومن ثم يؤدي إلى هبوط فيتامين "د" وبالتالي يكثر وقتها الإحساس بالاكتئاب".

وتختم حديثها بالقول: "هناك ما يؤكد وجود العلاقة وهناك من ينفي والشيء الذي دفع العلم مؤخراً لإثبات العلاقة بين نقص الفيتامين والإصابة بالاكتئاب هو أنه تبين أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يعانون نقصاً في فيتامين "د".

كيف يؤثر نقص الفيتامين على حياة الشخص؟

حول هذا الموضوع يقول الدكتور مازن صافي صيدلي في مستشفى ناصر: "تثبت الإحصائيات أن سكان نصف الكرة الأرضية يعانون من نقص فيتامين "د" وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق في العالم معاناة من نقص هذا الفيتامين في الدم، وقد سجلت إحصائيات حديثة ارتفاع نسبة النقص في فلسطين، وهذا يندرج على كل الفئات العمرية، وخاصة كبار السن والأطفال".

أما حول أهميته لصحة الإنسان فيؤكد صافي: "ينظم هذا الفيتامين توازن الكالسيوم في الجسم، ويساعد على توفير المعادن العظمية، ويمنع ترقق العظام، ويعالج مرضى الحساسية كما ويعالج أعراض مرض الانفلونزا والامراض الصدرية المزمنة مثل "الربو"، وكما تكمن أهمية في تدعيم وظائف القلب، والبنكرياس، ومكافحة الشيخوخة، وصحة الجلد، ويعالج اضطرابات النوم، والسمع، ويدخل في تدعيم الصحة الإنجابية".

"وأظهرت دراسات حديثة أن نقص فيتامين (د) مرتبط بالاكتئاب، وكلما انخفض تناول فيتامين (د)، كلما زادت فرصة الاكتئاب"، على حد قوله.

كما وتقول المصادر الطبية أن نقص فيتامين (د) يسبب بطء النمو، وتأخر التسنين، وضعف الأسنان والكساح عند الأطفال، وهشاشة العظام لدى البالغين، ويزيد من فرص الولادة القيصرية، مما تسبب في آلام العضلات المزمنة، وصعوبة المشي، والوقوف أو تسلق السلالم، وآلام حادة في الساقين.

هذا وتؤكد الأبحاث أن الاعتماد على مصدر الشمس للفيتامين غير كافٍ، كما أن تناول الأطعمة المختلفة أيضاً غيرك كافٍ وهذا يستدعي إجراء الفحوصات المخبرية لمن لديهم مشاكل متوقعة مع الفيتامين.

وهؤلاء يجب أن يعتمدوا على الأغذية المشبعة بالفيتامين مثل الأسماك وزيت كبد الحوت والسلمون والتونة والسردين والكبد وصفار البيض والجبن والفول السوداني وعصائر البرتقال وشرب اللبن، وفي حال استمر النقص في الدم يتوجب أن يأخذوا بعد استشارة الطبيب جرعات علاجية من مكملات فيتامين (د) لكيلا يعانوا من مضاعفات نقص الفيتامين، والتي يمكن أن تؤثر على غالبية أجهزة الجسم.

صيدلي: 80% من سكان قطاع غزة يعانون نقصاً منه

يقول الصيدلي تامر خليل: "تكمن مشكلة قطاع غزة في أن هناك نقصاً في التعرض للشمس، وذلك بسبب الازدحام السكاني والذي يفرض مباني سكنية متلاصقة تحجب دخول الشمس إلى كثير من البيوت، وهنا يكمن لب المشكلة في المعاناة من نقص فيتامين "د".

ويضيف: "وفقاً لأحدث إحصائية طبية تم العمل عليها اعتماداً على عينات عشوائية في أكثر من مكان تبين أن 80% من سكان قطاع غزة يعانون هذا النقص".

"يومياً هناك طلب على أدوية فيتامين "د" ما بين 2-3 حالات وأكثرهم شريحة الأطفال في مرحلة النمو والنساء بعد انقطاع الدورة الشهرية، الأمر الذي يتسبب في الإصابة بهشاشة العظام"، على حد قوله.

طبيب نفسي يوضح

في سؤال عن علاقة نقص فيتامين "د" بالاكتئاب يوضح الدكتور عبد العزيز ثابت (طبيب نفسي) العلاقة بالقول: "نقص مادة الدوبامين والسيروتونين في المستقبلات والخلايا العصبية للدماغ هي الأسباب البيولوجية للاكتئاب، بالإضافة إلى الأسباب التي تتعلق بالظروف المحيطة المعيشية التي يعيشها الفرد".

إحصائياً

وفقاً لأحدث إحصائية قامت بها وزارة الصحة في غزة عام 2013 فإن نسبة انخفاض ونقص فيتامين "د" بلغت 64% بين الأطفال من عمر (6- 59 شهراً) بينما 60% للمراهقين و95% للمراهقات أما السيدات الحوامل والمرضعات فقد بلغت 98-100%.

هذا واكتشف مؤخراً بأنّ الاكتئاب من أهمّ الأعراض التي يعاني منها الأشخاص المصابون بنقِص في فيتامين "د" فهو المسؤول عن تحسين مستويات الناقل العصبي السيروتونين الذي يرفع بشكلٍ كبير المَعنويات في جسم الإنسان، وبالتالي فإنّ نقصه يُسبّب التعب والإرهاق والإصابة باضطرابات النوم، وتدنّي المزاج.

الجدير بالذكر، أن الدراسات الحديثة تقدر الحاجة اليومية من هذا الفيتامين بـ 20 ميكروغرام، وأن معدله الطبيعي يجب أن يتراوح ما بين 20- 50 نانوجرام في المل الواحد في الدم، بحسب موقع "مركز الصحة" الألماني.