بالصور: "فاطيما" مبدعة الحناء.. جزء من فيلم وثائقي أسباني
تاريخ النشر : 2017-09-26
بالصور: "فاطيما" مبدعة الحناء.. جزء من فيلم وثائقي أسباني
الفنانة التشكيلية "فاطيما"


خاص دنيا الوطن- ريم سويسي
جميلة بكل المقاييس، لديها قوة في حضورها وحديثها ناهيك عن القوة المختبئة في موهبتها، لا تشبه سوى الإصرار ولا يليق بها إلا الاستمرار هي عشيقة الإبداع وسليلة التحدي ولهذا كله فقد اختارتها مؤسسة أسبانية لتكون بطلة فيلم وثائقي مع ثلاث فتيات أخريات من غزة كنموذج لقصص نجاح نساء مبدعات رغم الظروف والأوضاع المأساوية في غزة.

التقت مراسلة "دنيا الوطن" الفنانة التشكيلية "فاطيما" للحديث أكثر عن جديدها في مجال الرسم والنقش بالحناء مروراً بالفيلم المزعم عرضه قريباً عالمياً والذي يتناول حياة أربع نساء من غزة أبدعن في كسر الصورة النمطية للمرأة.

رسم اللوحات بالحناء

تجلس في زاوية بيتها محاطة برسوماتها وفي يدها قرطاس الحنة وكأنها لوحة رسمتها تفاصيل الواقع في غزة، هي امرأة وقفت جبلاً أمام طوفان الظروف والوحدة ومشوار الميل بدأته بخطوة ملؤها الثقة والأمل فكان لها النجاح نديماً. 

تقول فاطيما التي تعرف نفسها بالفنانة التشكيلية التي ترسم بالحناء: "بعدما قطعت شوطاً كبيراً في مجال النقش بالحناء لدى السيدات اتجهت إلى نقش الصور ورسم اللوحات بالحناء الأمر الذي شكل نقلة نوعية في حياتي فشاركت عام 2013 في معرض المرأة والطفل والذي أقيم حينها في مركز رشاد الشوا الثقافي وفي المعرض تم اللقاء بيني وبين السيد سهيل عطالله مدير شركة دي كود والذي طرح أمامي تحدي فيما إن كان باستطاعتي تجسيد معاناة الشعب الفلسطيني وآلامه بالحناء رسماً".

وتسترسل "فاطيما" بالقول: "بدأنا برسم المدن والمخيمات بالحناء الحمراء على قماش أبيض (قماش الأكفان) الأمر الذي حدا بي إلى التعامل حالياً مع أكبر تجار غزة سواء فيما يتعلق بنوعية الحناء أو القماش المستخدم فأنا أول امرأة ترسم بالحناء لوحات ذات حس واقعي وطني كما أنني حاصلة على ملكية الفكرة (رسم اللوحات بالحناء) من وزارة الثقافة بغزة ".

"أرسم بقرطاس الحنة مدناً، معالم فلسطينية غاية في الجمال بالإضافة إلى رسم الأماكن الأثرية والمواقع التاريخية القديمة التي تسلب منك اللب قبل النظر، تواجهني عدة صعوبات في الرسم فأنا أقضي 4-5 ساعات في المرسم أجرب على القماش مراراً وتكراراً حتى أتأكد من جودة اللون الناتج كما أن القماش الوحيد الذي يناسب هذه اللوحات هو قماش الأكفان الأبيض وهنا المفارقة فلم يعد قماش الكفن في نظري إيحاء بالموت بل أصبح حياة من نوع آخر اسمها الإبداع"، على حد قولها.

الفيلم.. جهته وأبطاله

فيما يتعلق بفكرة الفيلم الذي تشارك فيه تقول فاطيما: "الفيلم الوثائقي هو لمؤسسة أسبانية (شركة إنتاج) مدته 90 دقيقة يتناول خمس قصص نجاح لفتيات من غزة استطعن رغم الظروف وتقاليد المجتمع أن يبرزوا جمال غزة من خلال المرأة كي لا يراها العالم من الخارج على أنها فقط حصار وبطالة وانقسام وحروب بل على العكس تماماً، فرسالة الفيلم هي أن غزة تضج بالحياة وهناك أمل في الأفق".

وتضيف: "سيعرض الفيلم بعد شهرين وتم تصوير الفقرة الخاصة بي في بيتي وفي المرسم الخاص بلوحاتي مسلطين الضوء على موهبتي في النقش والرسم بالحناء، طبيعة الأسئلة كانت تتمحور حول حرية المرأة في غزة وفيما إذا كان عملها يتعارض مع تقاليد المجتمع وعاداته وشعوري الجمالي حين أرسم وكيف يأتيني الإلهام والإيحاء وكيف يتم التجسيد على القماش؟ كما تم التصوير في المرسم للتعرف على الجو العام لللوحة وأبعادها الجمالية والنفسية".

"لوحاتي التي أرسمها بالحناء فلسطينية تتحدث عن التراث المسلوب، رسمت القدس فهي أمنيتي التي أحلم يوماً بزيارتها، أحاول تجريد اللوحة قدر الإمكان بمعنى انتقاء معالمها الأصلية من الواقع"، على حد قولها.

فيما يتعلق برسالتها إلى المرأة عبر الفيلم تؤكد فاطيما: "يجب على المرأة ألا تكون عاطفية في كل الأوقات وألا تستسلم للظروف والواقع بل عليها أن تكون قوية، عليها احترام العادات والتقاليد في إطار عدم تقييد حريتها وإبداعها فالمرأة ليس فقط مكانها البيت والمطبخ بل المرأة هي أيقونة نجاح كل المراحل في الحياة".

النقش بالحناء للسيدات هي مهنتها الأساسية التي لا تستغني عنها فلديها أكثر من 16 ألف متابع على صفحتها الشخصية على موقع "الفيسبوك" باسم ""Pretty Tattoo والتي تعني النقش الجميل.

الجديد لدى فاطيما هو معرض بعنوان "أرض وحناء" وهو معرض للوحاتها والذي في الأغلب سيكون خارج غزة لعرض الفن والإبداع الغزي ففي العامين الماضيين رسمت 4-5 لوحات وفي عام 2018 ستعرض فيه عبر المعرض 20-25 لوحة جديدة للبيع والتي قد يصل سعر الواحدة منها ما بين 500-2000 دولار.

حول الأدوات التي تستخدمها في الرسم تقول: "أرسم بنوع معين من الحنة وبمادة معينة وعلى قماش معين (قماش الأكفان الأبيض لأنه الأجود لرسم الحناء حيث امتصاصه للحناء دون عناء ونرش مادة بعد الانتهاء من رسم اللوحة لتصبح ضد الماء اللوحة ويستغرق رسم اللوحة معي شهر ونصف".

"فاطيما".. ربة البيت والزوجة

من الجدير ذكره أن فاطيما (37 عاماً) أم لخمسة أبناء وربما تصبح جدة قريباً وحول الظروف التي أحاطتها ودفعتها لشق طريقها تقول: "سافر زوجي إلى الخارج وبسبب الحصار والإغلاق والمعابر بقيت لوحدي مدة طويلة كنت خلالها مسؤولة عن أولادي بلا معيل ولم يكن هناك من يساعدني في مصروف ومتطلبات بيتي وأولادي وهنا قررت البدء بنقش الحناء فأنا من مواليد الإمارات وهناك تعلمت الرسم على أصوله لذلك قررت أني أبدأ عملي بالحناء وأواصل طريقي طالما أنني أحافظ على نفسي وسمعتي التي هي رأس مالي خاصة في مجتمعنا كوني بلا زوج".

وتضيف: "أكملت دراستي الجامعية تخصص تعليم أساسي إذ لا أؤيد جلوس المرأة في البيت فلا لضعف المرأة وخنوعها، عليها الانطلاق طالما في حدود المسموح والمعقول، بالنسبة للمجتمع أنا تحديت جيش من النظرات والكلام والقيل والقال ومشيت ضد التيار فلم يكون مشواري سهل مطلقا بدأته بقرطاس الحنة الذي أرسم به ولا زلت".

وفي سؤالها عن واقع الفن في غزة تقول فاطيما: "هناك فن في غزة وهناك العديد من الفنانين والمبدعين لكن للأسف ليس هناك من يدعمهم أو يتبناهم فعلى سبيل المثال بالنسبة لي فالأيام والظروف هي التي جعلتني فنانة".

يذكر أن الفيلم عبارة عن فيلم وثائقي عن خمس فتيات من ضمنهم "فاطيما" بالإضافة إلى المهندسة نسمة السلاق والتي ابتكرت تطبيقاً للهاتف المحمول يمكن المستخدم من التجول الافتراضي داخل المواقع الأثرية في غزة في خطوة نوعية هي الأولى من نوعها في فلسطين والتوأم سجى وأسماء الخالدي (you tubers) وإيناس نوفل بطلة ركض وهي عداءة غزة الأصغر.

إذا هي المرأة في غزة والتي تستطيع بإرادتها أن تجعل المستحيل واقعاً وتمثل فاطيما نموذجاً حياً ورائعاً للمرأة التي ما أن تضع هدفاً نصب عينيها حتى يتحول إلى حلم تعيشه يوماً بعد يوم، فنعم المرأة ونعم الزوجة ونعم الأم ونعم الفنانة تلك التي لا تعرف لها الظروف سبيلاً ويكفيها غزة فخراً بهذه النساء اللواتي يقلن بعلو الصوت أن غزة ليست مكان للدمار والحصار بل مكاناً للحياة والإبداع.