"الخان": إرث تاريخي ظل شامخًا حتى يومنا.. فما سر التسمية؟
تاريخ النشر : 2017-04-21
"الخان": إرث تاريخي ظل شامخًا حتى يومنا.. فما سر التسمية؟
سوق الخان بغزة


خاص دنيا الوطن- عمر اللوح
* سمي بالخان، لأنه مفتوح للجميع وليس مخصصاً لأحد والشراء منه بسعر الجملة.
* في بدايته كان الاستيراد من مصر، وبعدها (إسرائيل) والآن من محاصيل المحررات.
* كانت الدوريات (الإسرائيلية) تتواجد فيه بشكل يومي وأغلقه الاحتلال لمدة أسبوع.
* كان بالسابق يستخدم كمكان لحركة تجارية مفتوحة على العالم.

اعتاد الحاج محمد الريفي على ارتياد سوق الخان بغزة، لشراء حاجياته من الخضراوات والفواكه لمحله، ولكن ما لم يخطر بباله بأن يصبح في يوم من الأيام أحد كبار التجار في سوق الخان، استقبلنا الريفي وسط محله المكدس بالخضروات في قلب السوق، وبابتسامة جميلة بدأ حديثه ليخبرنا عن تاريخ سوق الخان قائلاً: " أسس هذا السوق لأجل بيع الخضراوات والفواكه بالجملة وأنشئ قبل آلاف السنين".

مراحل التطور

ويضيف كانت بدايته عبارة عن تجمع لعدد من التجار يبيعون بضائعهم ويغادرون السوق لأنه كان عبارة عن ساحة مفتوحة، ويكمل وبعد عدة سنوات أنشأ عدد من التجار محلات صغيرة من القماش على شكل خيام؛ ليتركوا بضائعهم التي لا تباع إلى اليوم التالي وبعدها صار السوق عبارة عن محلات من الزينكو مغلقة من كافة النواحي، بالإضافة لوجود بعضها من الباطون حتى أصبح على شكله لحالي.

وعن سبب تسميته بسوق الخان، بين الريفي أن معنى كلمة خان أنه مفتوح للجميع للدخول فيه وليس مخصصاً لأحد معين والشراء منه بسعر الجملة، معتبرًا بأن سوق الخان معلم تراثي بقي حاضرًا في أذهان كافة الموطنين، رغم الصعوبات الجمة التي حدثت في تاريخ السوق، وأكد أن مساحة السوق تقارب 25 دونماً، وأشار إلى أنه يعمل في السوق منذ 55 عامًا.

الاستيراد والصعوبات

وعن الأصناف التي تباع في السوق فيوضح الريفي تباع البطاطا والبصل والذرة والخيار والبندرة والثوم، وهذه الأصناف كانت تستورد من خارج القطاع، رغم أنه كان بالإمكان زراعتها بغزة، ولكن عندما تزرع بغزة تكون تكلفتها عالية جدًا وفي حال الاستيراد من الخارج فالتكلفة أقل، ومع ذلك كان بعض المزارعين يزرعونها ثم يبيعونها لكن كانت بكمية قليلة جداً.

وأضاف، كانت الحمضيات تزرع بغزة وكانت مشهورة فيها ولكن خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، أصبحت كافة الأصناف من خضراوات وفواكه تزرع في غزة وتباع على الفور بسبب الاستمرار المتكرر لإغلاق المعابر.

واستدرك الريفي بالقول: كان الاستيراد في بداية السوق من مصر وبعد احتلال (إسرائيل) لفلسطين أصبح الاستيراد من (إسرائيل).

مفتوح كل اليوم

وذكر بأن السوق يبقى مفتوحاً على مدار 24 ساعة حيث كان التجار يخرجون في أي وقت خارج القطاع، لشراء الأصناف المطلوبة وإحضارها، وأخبرنا أن حركة البيع لا تتوقف أبدًا آنذاك ولكن في هذه الأيام لا يستطيعوا الاستيراد إلا بكمية محدودة؛ بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة.

فأصبحت حركة البيع بطيئة نسبياً وصار السوق يفتح من الثالثة فجرًا إلى التاسعة صباحًا، وبنبرات من التأمل ينظر الريفي إلى السوق ثم يعود ليخبرنا أنه تمكن عدد كبير من التجار من زراعة كافة أراضي المحررات بالحمضيات؛ لتوفيرها للسوق المحلي بدلاً من الاستيراد.

معلم تراثي

وبدوره، أكد أحد التجار في سوق الخان الحاج حامد المتبولي (70 عامًا) بأن سوق الخان يعتبر من أقدم الأسواق الموجودة بقطاع غزة، فأصبح من المعالم التاريخية والتراثية الموجودة في فلسطين، وهذا يدل على عراقة وأصالة تاريخ مدينة غزة في إنشاء أسواق لهم، والأسواق دائمًا تعتبر من أهم المقومات الأساسية للحياة؛ لوجود جميع الأطعمة فيها.

ويتوقف الحاج المتبولي ليعود بذاكرته إلى الوراء فيقول:"أغلق الاحتلال (الإسرائيلي) السوق لمدة أسبوع كامل في عام 1970م وكانت الدوريات الإسرائيلية تتواجد بشكل شبه يومي في السوق بذريعة البحث عن مقاومين مختبئين فيه، وذكر بأن سكان المناطق الجنوبية "رفح وخانيونس" كانوا يأتون إلى السوق؛ لشراء البضاعة منه، حيث لم يكن هناك أسواق بالجملة في المناطق الجنوبية.

وقال: إن حركة السوق تبدأ في ساعات الفجر الأولى وحتى التاسعة صباحًا، حيث يحضر أصحاب المحلات المنتشرة بمدينة غزة؛ لشراء بضائع لمحلاتهم، وبملامح الرضا والسعادة التي لم تفارق الحاج المتبولي، وهو يسرد تاريخ السوق قائلاً: "جميع التجار الموجودين بالسوق تربطهم علاقة طيبة، ولم يحدث أي خلافات أو مشاكل بينهم على مدار وجودهم بالسوق رغم أن جميعهم يعملون في مهنة واحدة، مشيراً إلى أنه يعمل بالسوق منذ (56 عامًا).

بضائعنا منه

فيما بين صاحب محلات لبيع الخضراوات والفواكه أحمد عاشور أنه يحضر إلى سوق الخان من الساعة الثالثة فجرًا كي يشتري البضاعة التي يحتاجها محله، ويتابع منذ أن كنت صغيراً ونحن نسمع عن سوق الخان وبعدما افتتحت محلات الخضراوات والفواكه، أصبحت أتوجه إليه فهذا السوق يعتبر معلماً تاريخياً وتراثياً ما زال موجوداً حتى الآن، وهذا يدل على عمق الثقافة المتجذرة لدى الشعب الفلسطيني الأصيل الذي لا يمكنه بأن ينسى تاريخه.

بدوره أشار صاحب عربة متحركة لبيع الخضراوات محمود دغمش إلى أنه يشتري كافة الأصناف التي يحتاجها من سوق الخان قائلًا: والضحكات ترتسم على نبرات وجهه، لا يوجد أي نوع نشتريه إلا من الخان والحمد لله لم يصادف يوم واحد بأنني توجهت لشراء أي صنف مما أحتاجه من خارج الخان، ويتابع إنني أعمل في هذه المهنة منذ عشرين عامًا.

بقي إرثاً شامخاً

وفي ذات السياق، أكد الخبير في التراث الفلسطيني د.ناصر اليافاوي بأن سوق الخان الواقع في قلب مدينة غزة يعود تاريخه لآلاف السنين فهو يقع بغزة القديمة التي تعتبر منطقة أثرية.

ويضيف كانت الأسواق عبارة عن مكان حر يحضر إليه التجار من كافة المناطق في العالم بهدف التبادل التجاري، ومضى د. اليافاوي قائلاً: "يقع السوق في منطقة استراتيجية تربط ما بين غزة القديمة والجديدة والوصول إليها يكون بكل سهولة ويسر لأصحاب المحلات لأخذ ما يحتاجونه من بضائع والمواطن كذلك".

ويستدرك الخبير في التراث الفلسطيني، أنه كان في السابق يعتبر السوق المركزي حيث كان التجار في المناطق الجنوبية والشمالية في القطاع يحضرون لأخذ بضائعهم منه قبل أن يصبح لهم أسواق.

وأشار إلى أن سوق الخان يعتبر إرثاً تاريخياً وتراثياً بقي شامخًا حتى يومنا الحاضر، وهذا له دلالة تثبت حرص الشعب الفلسطيني على إنشاء الأسواق وتحويلها إلى أسواق عالمية، حيث كان في السابق يستخدم كحركة تجارية مفتوحة على العالم.