زعيمة سابقة في تنظيم نسائي للقاعدة في السعودية: حملة السكينة غيرت معتقداتي

زعيمة سابقة في تنظيم نسائي للقاعدة في السعودية: حملة السكينة غيرت معتقداتي

غزة-دنيا الوطن

عبرت رئيسة سابقة لأحد تنظيمات "القاعدة" النسائية في حوار أجرته معها إحدى الصحف السعودية عن ندمها لانضمامها إلى ذلك التنظيم"المتطرف"، حيث أكدت أنها قبل الرجوع إلى "طريق الحق" كانت تحارب أمتها ودينها، وأنها لم تكن تفهم معاني الإسلام الجميلة الرائعة التي تجعل من الشخص إيجابيا فاعلا بنّاءً لا سلبيا ناقماً هدّاما.

وأكدت "أم أسامة" لصحيفة "الوطن" أنه كان يجري في تنظيمات القاعدة إعداد برامج مكثفة لإعداد المرأة للدخول فيما كانوا يسمونه "جهادا" دون أن تعرف هؤلاء النسوة ما هو المقصود بالجهاد، وتقول: "كنت أول من طرح هذا الاستفسار. وكان استفساراً وجيهاً وتشجّعت الكثيرات للتفاعل معه، فكيف تُقحمون بنات وزوجات الآخرين ولا تُضحّون بنسائكم".

وتضيف أم أسامة "ثم ظهرت الكثير من الأطروحات المشابهة مثل: لماذا أصلا ندخل مجال العمل الجهادي (الجسدي)؟ خاصة أن دخول المرأة مجال الجهاد الجسدي غير معروف عند أصول وأخبار تنظيم القاعدة، فلماذا الآن صار موجوداً؟".

وتوضح "أم أسامة" أنه حدث خلافات كبيرة بين قادة القاعدة حول "جهاد المرأة"، موضحة أنها كانت تتوقع أن يتدخل أسامة بن لادن شخصيا لحل هذا الإشكال، "توقعنا أن يتكلم أسامة بن لادن عن هذه القضية؛ لأنها فاصلة. ولاحظنا أهميتها لدى القادة الميدانيين فقد كانوا يريدون فعلا دفعنا بقوة إلى الميدان. وبدأت وقتها عمليات كبيرة وواسعة ضد التنظيم في الداخل من قبل الحكومة السعودية، وعمليات لم يكن أحد يتوقعها".

وذكرت أم أسامة أنه لا يوجد حاليا نساء فعالات في التنظيم، "لا توجد امرأة فاعلة وناشطة في الطبقة الأولى، خاصة بعد فشل مشروع أو برنامج إعداد المقاتلات! وإن كان هناك نشطات فهنّ نادرات. والطبقة الثانية هي طبقة الدعم الفكري وجلب المتعاطفين. وتأسيس وجودنا في الإنترنت، وانتشارنا فكريا كان بنسبة 80 %، عن طريق الإنترنت، في هذه الطبقة توجد ناشطات كثيرات، لدينا منتديات وقوائم بريدية وخطط كثيرة لدعم التنظيم فكرياً، ووصلتنا إرشادات كثيرة من قادة التنظيم حتى من أسامة بن لادن امتدح فيها المجاهدين والمجاهدات عبر الإنترنت".

أتمنى الشهادة وأحب الجهاد

وأكدت أم أسامة أن هذا النمط من التفكير لم يعد مسيطراً عليها، موضحة "أنا أتمنى الشهادة، وأحب الجهاد، لكن تغيّرت النظرة للجهاد ولمفهوم الجهاد. في السابق كنت أو كنا نظن الجهاد هو أن تحمل السلاح وتقاتل أو أن تموت برصاص الكفار، لكن الصحيح أن الجهاد أبوابه كثيرة جداً، فإصلاح المجتمع جهاد والمساهمة في بناء حضارة بلادي جهاد، وكدّي في عملي سواء في بيتي أو وظيفتي جهاد، فالعدو لم ينتصر علينا بالقوة العسكرية فقط، لكنه تفوق عسكرياً وتقنياً وفكرياً واقتصادياً".

وتنفي أم أسامة أن يكون لها أي اتصالات مع القاعدة في الوقت الحالي "القاعدة تفتت إلى خلايا وهذا جيد من جهة وسيء من جهات أخرى، جيد من جهة أنه لن تكون هناك عمليات ضخمة جدا أو عمليات متتابعة، وسيء من جهة متابعتهم فالخلايا لا تعرف بعضها، وليس بينها أي تواصل في الغالب. القيادات الميدانية في السعودية انتهت إما بالقتل، أو بالقبض عليهم أو التراجع، فهناك كثير من القيادات الفكرية تراجعوا، ولأنهم ليسوا بالميدان لا يشعر بذلك إلا القريبون من القاعدة، يعتمدون الآن على خطابات ابن لادن، فخطاباته تحمل التوجيهات وفيها شفرات وعلامات، ويرسم في خطاباته خططا ميدانية، فالخلايا تأخذ هذه التوجيهات والشيفرات وتطبقها، المشكلة أن القيادات الذكيّة ذات الخبرة الطويلة تلاشت، وبقيت قيادات قليلة الممارسة ليس لديهم باع عسكري أو علمي كبير، لذلك جاء خطاب ابن لادن الأخير طويلا جدا وفيه تفصيل كثير بخلاف خطاباته القديمة".

وعن المعتقدات السائدة لديهم في تلك الفترة، تقول أم أسامة "كنا نعتقد أننا في حالة حرب شاملة مع الدولة الكافرة". حسبما تم إفهامنا وطبعا كان لدينا مفهوم خاطئ أنه في حالة جهاد الدفع، تشترك المرأة والصبي، ولا يجب استئذان الزوج حتى ولا ولي الأمر!! بعد ذلك تبين لي أن هذه المفاهيم خاطئة، وأن هذا أقرب ما يكون إلى الفوضى من الجهاد.. الخطأ الذي جرنا إلى تبني هذه الأفكار عدم نشر ضوابط وأصول الجهاد الصحيحة، من الخطأ مثلا ألا يدرّس الطلاب والطالبات الجهاد بمفاهيمه الشرعية الصحيحة؛ لأنهم ببساطة سيكونون جهلة، ومن السهل التلبيس عليهم وإثارة الشبه وغسلهم فكرياً".

حملة السكينة.. و"تكفير" السعودية

وعن مدى تأثرها بحملة "السكينة" لتوعية الشباب عبر الإنترنت والتي قادها 20 شخصا، قالت أم أسامة "في البداية لم أكن أعرف أنها حملة منظمة. ظهر في المنتديات ومواقع الحوار عدد من المحاورين المختلفين يختلفون عن غيرهم، فهناك من يناقشنا أو يناقش القادة بأساليب هابطة واتهامات طويلة وعريضة من الشتائم. وكان خطابهم جافاً وحاداً، هؤلاء لا نخاف منهم مهما قالوا ومهما انتشروا في المنتديات، بالعكس هؤلاء يجعلون الناس يتعاطفون مع القاعدة وتنظيمها ورجالها، بدأنا نخاف من هؤلاء الذين يحاورون بأساليب راقية وعلمية قوية. لا حظنا تعاطف الناس معهم، وشعرنا فعلا أننا بدأنا نفتقد متعاطفين، فكتب قادتنا -الذين لا نعرفهم شخصيا ولكن نتواصل معهم عبر الإنترنت- رسالة تحذير ونفير وأن علينا تكثيف جهودنا في الإنترنت. بدأنا نتناقش معهم وصارت الأفكار التي يطرحونها هي شغلنا الشاغل. وأثاروا عندي، وعند كثيرات ممن أعرف، شبهات ومشاكل حول قناعات كانت راسخة لدينا. الأمثلة كثيرة لكن مثلاً مسألة تكفير الدولة السعودية، هذه كانت لدينا من المسلمات التي لا نقبل فيها أخذاً ورداً، وكان الاعتماد في ذلك على مسألة الولاء والبراء. بعد نقاشات كثيرة وجدنا، أو على الأقل وجدت، أن القواعد العلمية التي كانت تملى علينا خاطئة غير صحيحة، وأن الدولة السعودية بناء على ذلك لا تكون كافرة".

المواجهة العسكرية لا تكفي

وترى أم أسامة أن المواجهة العسكرية وحدها لا يمكن أبدا أن تقضي على التطرف والإرهاب، فمن اختار هذا الطريق في الغالب لا يخاف من الرصاص والسجن، يجب التركيز، مع هذه المواجهة العسكرية، على المواجهة الفكرية، الحوار وطرح المواضيع ونشر العلم الشرعي الصحيح والمفاهيم الصحيحة، يعني خلال ثلاث سنوات لم أقرأ أو أسمع بمثل الأطروحات التي طرحتها حملة السكينة!

ونفت أم أسامة أي تواجد لتنظيم نسائي في مدارس تحفيظ القرآن، كما يُثار، أو في المدارس الحكومية، ولكن ذلك لا ينفي احتمال وجود متعاطفات في كل مكان، أنا أتكلم عن طبقتي وجيلي، لكن لو استمرّ الوضع على ما هو عليه الآن من عدم تركيز الجهود على الاستئصال الفكري والمعالجة الشرعية الفكرية وتكثيف الحوار وكشف الشبهات سوف نحصل على طبقة وجيل جديد من القاعدة لا ينتمي إلى خلية ولا ينضم إلى مجموعة فهو وحده أو هي وحدها خلية وتنظيم، وهذا أخطر بكثير من الوضع الحالي، لذلك يجب التسريع بالحل الفكري. لا تقولوا لي بأن الوسائل المرئية أو غير المرئية مثل التلفزيون والصحف لا بأس بها، لكن في الحقيقة لا أحد يسمع لها ولا يأخذ منها، خاصة وأساليب إعلامنا بدائية، نحن نحتاج الوصول إلى المتعاطفين، وإلى الأعضاء ومحاورتهم، نحتاج إلى نشر المنهج المعتدل والعلم الصحيح، نحتاج إلى وقفة مع الكتّاب في الصحف الذين يستفزون الشباب والفتيات الملتزمين، فالوضع لا يحتمل شحنا نفسيا.

وتقول أم أسامة عن التجربة التي مرت بها "إنها لم تكن تجربة سهلة أبدا لا قبل التوبة والرجوع إلى الحق ولا في الفترة الانتقالية ولا بعدها، فقبل التوبة والرجوع إلى الحق كنّا أو كنتُ أحاربُ أمتي، نعم، كنت عونا لأعداء ديني وبلدي وأهلي، ووقتها كنت أظن أنني أخدم ديني وبلادي!! لم أكن أفهم معاني الإسلام الجميلة الرائعة التي تجعل من الشخص إيجابيا فاعلا بنّاءً لا سلبيا ناقماً هدّاماً!! الفترة الانتقالية كانت صعبة جداً، ولكن الحمد لله الذي جعل في طريقي من يدلني بأسلوب مقبول، من الصعب تغيير قناعات ترسّخت خلال سنوات طويلة جداً، من الصعب على امرأة في مكانة قيادية فكرية أن تتحوّل إلى الطرف الآخر الذي كانت تُكفّره وتصفه بالخيانة والنفاق. فترة ما بعد التوبة كذلك ليست سهلة فأنا الآن أحمل همّ بنات جنسي وشباب بلدي الغالي، الذين غُرر بهم وبهنّ ولم يجدوا اليد الحانية التي ترعاهم وتفهم شبهاتهم وبما ذا يفكرون.

وأنصح إخواتي في الأمة الإسلامية ألا يقبلن من يستغلهن لصالح مبتغياته المنحرفة، وألا يجعلن العاطفة هي شريعتهن، وعليهن حماية بيوتهن ومدارسهن من الدخلاء ومن الأفكار التي تنهش بعقول الصغار والكبار، وعليهن نشر مفاهيم الاعتدال والتدين والوسطية.

التعليقات