في كتابه "عرفات -حياته كما أرادها ... محاولات بعض الوجهاء وروابط القرى للتهدئة

في كتابه "عرفات -حياته كما أرادها ...  محاولات بعض الوجهاء وروابط القرى للتهدئة
خاص دنيا الوطن - ميسون كحيل 

تناول الكاتب مع استمرار هذا المد الجماهيري فقد ارتفع سقف مطالب الجماهير وأسلوب المقاومة بالإعتماد على العمل النضالي الشعبي واخراج الإحتلال من المدن والقرى والبلدات ووضع قيود على حركة المستوطنين إلى إطلاق سراح المعتقلين ورفع القيود المفروضة من قبل الإحتلال وإلغاء الضرائب ورغم التصلب الإسرائيلي إلا ان الإحتلال بدأ يقدم التنازل من خلال اللجوء إلى بعض الوجاهات لتلعب دور في التهدئة لكن هنا أيضا كما يشرح الكاتب كانت التداعيات عكسية حيث قدمت البلديات ومجالس القرى ورجال الشرطة الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في المناطق العربية كشرطة لتنظيم الوضع وإضافة إلى ذلك قامت الإنتفاضة بتطهير البلاد من المتعاونين والخونة كما حلت اللجنان الشعبية مكان الإدارة المدنية واسقطت الإنتفاضة الحلول الوسط وكافة الأدوار الأخرى التي حاولت بعض الجهات القيام بها بحيث حسمت الجماهير فكرة القيادة البديلة والطروحات البديلة والتمسك بالهدف الرئيسي من خلال وحدة الجماهير في مواجهة الإحتلال والإستعداد لتقديم التضحيات فقد وحدت الإنتفاضة الجماهير بحركة منظمة وشاملة ومتمكنة من زمام المبادرة بيدها ومن أعظم المكاسب التي حققتها هذه الإنتفاضة تلك التي شلت فيها تماما حرية حركة المستوطنين وهزيمة سياسة القبضة الحديدية التي انتهجها جيش الإحتلال وفشل الحل العسكري الذي اعتمدته القيادة الإسرائيلية .

------------------------------------------------------

الفصل الخامس عشر - الجزء الثاني

لقد ربطت الانتفاضة ربطا محكما بين أهدافها المحدودة في بياناتها المتعاقبة وبين الأهداف الوطنية الفلسطينية المقرة في مجالسنا الوطنية انطلاقا من كون الانتفاضة هي الثورة الفلسطينية التي اقتحمت الحدود ودخلت أرض الوطن وولدت على النحو الذي نشاهده ونعيشه يوميا، جماهير ثائرة ومتمردة، تمسك بالحجر وتصنع سلاحها الفردي والجماعي وتواجه العدو وجيوشه وأدوات قمعه دون أن تكل أو تمل أو تتراجع بل تتقدم باستمرار وفي يدها علم فلسطين وأهداف شعبنا في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.

وانطلاقا من هذا الهدف الوطني المركزي (دحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة) طرحت الانتفاضة شعارات وأهدافا مطلبية يومية للجماهير ترتبط عضويا بالهدف السياسي الوطني للانتفاضة، فتركيز الانتفاضة على النضال الشعبي لإخراج قوات الاحتلال من المدن والمخيمات والقرى والأحياء، وشلّ حركة المستوطنين المسلحين، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف هدم البيوت، وإلغاء قوانين الطوارئ ورفع الأحكام العسكرية، ورفض إغلاق الصحف الوطنية والمكاتب الصحفية وإلغاء القوانين التي تقيد الحريات العامة والسماح بحرية الاجتماع وإبداء الرأي ووقف الإبعاد وإطلاق سراح المعتقلين ورفع القيود المفروضة من قبل الاحتلال على الزراعة والصناعة والبناء وإلغاء الضرائب الباهظة المفروضة على المؤسسات والبضائع والأفراد كل هذه الشعارات والأهداف المطلبية الجماهيرية، التي رفعتها قيادة الانتفاضة كشعارات ومطالب يومية للجماهير كان لها فعل النار في الهشيم، فالجماهير التي أرهقها الاحتلال وفرض عليها شروطا غير إنسانية وجدت أن طريق الخلاص يكمن في مواصلة المعركة حتى دحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة، ولم تنفع كافة أساليب ووسائل الاحتلال الصهيوني التي أراد من خلالها تلبية بعض المطالب المعيشية والحياتية على حساب الانتفاضة والهدف الوطني.

وهكذا تحول كل تنازل يقدمه العدو لضرب الانتفاضة انجازا وطنيا، وخطوة إلى الأمام على طريق تحقيق الهدف الأكبر وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة، إن وحدة وصلابة الجماهير، تحول التراجعات التكتيكية التي يقدم عليها العدو المحتل، لاستمالة بعض القطاعات أو الوجاهات التقليدية لتلعب دورا مهدئا، تنقلب ضده وتنظر الجماهير إلى مناورات العدو على هذا الصعيد، على أنها تنازلات مفروضة عليه وتتصرف على هذا الأساس، وتبدأ بالنضال من جديد لفرض المزيد من التنازلات عليه، ومن المهم هنا أن نتوقف عند واقعة مركزية في الصراع بين الانتفاضة وجيش الاحتلال، ونعني بذلك مسألة السلطة التي تدير شؤون المواطنين، لقد ترتب على استقالات البلديات المعينة وكذلك المجالس القروية، واستقالة رجال الشرطة، وتطهير الجبهة الداخلية من المتعاونين والخونة، ترتب على هذا كله انهيار جهاز الإدارة المدنية الصهيونية التي تخضع هذه الدوائر لها وتنفذ تعليماتها، وقد حلت اللجان الشعبية محل جهاز الإدارة المدنية في تسيير شؤون المواطنين، وأصبحت هذه اللجان هي السلطة الفعلية في المدن والقرى والمخيمات، ولكون مسألة السلطة هي المسالة المركزية في كل صراع، فإن تسليم العدو للجان الشعبية بسلطتها على القرى والمدن والمخيمات قد مكن الانتفاضة وقيادتها، من تنظيم وتأطير  الجماهير وقيادتها قيادة ناجحة لإدارة صراع طويل ومديد ضد الاحتلال الصهيوني، إن وحدات جيش الاحتلال التي تقوم بحملات التطويق والحصار تواجه اليوم جماهير موحدة ومنظمة معبأة بأهداف آنية مطلبية وبهدف الاستقلال والحرية، ولها قيادة تنفذ تعليماتها بدقة، في مواجهة سلطة القمع الصهيوني، التي فقدت قدرتها على التأثير على حركة الجماهير واتجاهاتها. وقد ترتب على حسم مسألة السلطة لصالح اللجان الشعبية وقيادة الانتفاضة صلابة وطنية لا نظير لها في التمسك بالهدف الوطني ورفض كل المشاريع التي يطرحها العدو والولايات المتحدة الأمريكية، أليس أمرا له دلاله تاريخية عميقة أن جورج شولتز انتظر نصف ساعة في ( الأميركان كولوني) الشخصيات الفلسطينية التي طلب مقابلتها، وبعد يأسه من وصول أحد ألقى بيانه أمام الصحفيين وغادر القاعة؟

 لقد أسقطت الانتفاضة نظرية الحلول الوسط بين الاحتلال والدولة المستقلة، وأسقطت الأطراف التي تلعب دور الوسط في هذه العملية، وأسقطت الانتفاضة الدور الأردني الذي يقوم بدور القابلة القانونية لتوليد حل وسط إقليمي يقوم على إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية وتغييب الشخصية الوطنية الفلسطينية، وإسقاط دور المنظمة وصياغة تقاسم وظيفي جديد يضمن للعدو الصهيوني ولنظام الوصاية الأردني قمع كفاح الشعب الفلسطيني وإهدار أهدافه في الحرية والاستقلال. 

في ذكراها الثانية : دنيا الوطن تنشر فيلم وثائقي "لمجزرة رفح" .. شاهد