حلب: "ممرات إنسانية" أم "ممرات الموت" أم "ممرات السيطرة"على المدينة؟

حلب: "ممرات إنسانية" أم "ممرات الموت" أم "ممرات السيطرة"على المدينة؟
رام الله - دنيا الوطن - وكالات 
يلازم سكان الاحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب بشمال سوريا منازلهم الجمعة 29 تموز ـ يوليو 2016، نتيجة القصف العنيف الذي تتعرض له مناطقهم وفي ظل تحذير الفصائل المقاتلة من خطورة سلوك المعابر الإنسانية التي قرر النظام فتحها أمام الراغبين بالمغادرة، والتي وصفتها المعارضة بـ"ممرات الموت".

وعرضت الأمم المتحدة الجمعة الإشراف على هذه "الممرات الإنسانية"، تزامنا مع تشكيك وزير الخارجية الأمريكي وقال إن مسألة "الممرات الإنسانية" التي اقترحتها روسيا في حال كانت حيلة فإنها "ستعرض التعاون" بشأن حل سياسي في سوريا للخطر.

وليست الخارجية الأمريكية الطرف الوحيد الذي يشكك بنوايا النظام السوري وروسيا من فكرة "المعابر الإنسانية"، فكذلك يشكك محللون ومنظمات حقوقية وإغاثية في نوايا النظام السوري وحليفته روسيا، في ظل الحصار الكامل المفروض على الأحياء الشرقية حيث يعيش 250 ألف شخص وفق الأمم المتحدة.

ويجمع محللون على أن تطبيق المبادرة الروسية سيؤدي إلى سيطرة قوات النظام بالكامل على مدينة حلب، في خطوة ستشكل ضربة قاسية للفصائل المعارضة.

وغداة إعلان النظام وروسيا الخميس 28 تموز ـ يوليو 2016، فتح "معابر إنسانية" مع الاستمرار بقصف المدينة، خلت الشوارع من المارة، إذ لزم السكان منازلهم خوفا من القصف وتوقفت المولدات الكهربائية في عدد من الأحياء بسبب نفاد الوقود.

وحسب مراسل فرانس برس، فإن المعابر كافة كانت لا تزال مقفلة اليوم. وهو ما أكده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، مشيرا إلى أن "المعابر عمليا مقفلة من ناحية الفصائل لكنها مفتوحة من الجانب الآخر، أي في مناطق سيطرة قوات النظام".

وأوضح عبد الرحمن أن "نحو 12 شخصا فقط تمكنوا من الخروج عبر معبر بستان القصر منذ الخميس 28 تموز ـ يوليو، قبل أن تشدد الفصائل المقاتلة إجراءاتها الأمنية وتمنع الأهالي من الاقتراب من المعابر".

وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الخميس 28 تموز ـ يوليو، بدء "عملية إنسانية واسعة النطاق" في حلب، قبل أن تعلن قوات النظام فتح ثلاثة معابر أمام المدنيين الراغبين في الخروج من الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب.

وذكر شويغو أن ممرا رابعا سيفتح في الشمال على طريق الكاستيلو ليسمح "بمرور المقاتلين المسلحين بشكل آمن".

وتشهد مدينة حلب منذ صيف العام 2012 معارك مستمرة وتبادلا للقصف بين الفصائل المقاتلة التي تسيطر على الأحياء الشرقية وقوات النظام التي تسيطر على الأحياء الغربية وتكثف غاراتها وعمليات القصف بالبراميل المتفجرة التي أوقعت مئات القتلى.

ووضع التلفزيون السوري الرسمي الجمعة 29 تموز ـ يوليو، شعار "حلب تنتصر"، تزامنا مع بث مشاهد من الأحياء الغربية تخللتها مقابلات مع سكان ومسؤولين محليين يحتفلون بإنجازات الجيش.

وبحسب عبد الرحمن، "يريد الروس والنظام من خلال فتح المعابر الإنسانية الإيحاء بأنهم يريدون حماية المدنيين لكنهم يستمرون في المقلب الآخر في قصفهم للأحياء الشرقية".

"الإشراف" على الممرات

وقال عضو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" السورية أحمد رمضان "ليس هناك اي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، الممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت".

وأضاف "نعتبر الإعلان الروسي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، مشيرا إلى "مخطط يشارك فيه الطيران الروسي والحرس الثوري الإيراني لتهجير الأهالي من مدينتهم".

ورأى أن ما يجري في حلب "تدمير كامل ومنهجي للمدينة على سكانها سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين"، في وقت اعتبرت عضو وفد المعارضة إلى جنيف بسمة قضماني في بيان أن "هذه المعابر ليست مخصصة لإدخال المساعدات إنما لإخراج الناس".

وتتهم المعارضة والفصائل قوات النظام باستخدام سياسة الحصار لتجويع المناطق الخارجة عن سيطرتها وإخضاعها، بهدف دفع مقاتليها إلى تسليم سلاحهم.

واقترح الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا الجمعة 29 تموز ـ يوليو 2016، في مؤتمر صحافي في جنيف أن "تترك لنا روسيا الممرات التي فتحت بمبادرتها"، موضحا أن "الأمم المتحدة وشركاءها الإنسانيين يعرفون ما ينبغي القيام به، لديهم الخبرة".

وأضاف "نؤيد مبدئيا وعمليا الممرات الإنسانية في الظروف التي تسمح بحماية المدنيين"، مكررا الدعوة إلى "هدنات إنسانية من 48 ساعة لإتاحة العمليات عبر الحدود وعبر خطوط الجبهة" في حلب.

وانتقدت فرنسا بدورها "الممرات الإنسانية". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية رومان نادال إن "فرضية إقامة ممرات انسانية تقضي بالطلب من سكان حلب أن يغادروا المدينة لا تقدم حلا مجديا للوضع".

"معضلة وجودية"

وبحسب مصدر دبلوماسي غربي، "يريد الروس والنظام دفع الناس إلى تسليم أنفسهم". وأضاف "ما يريدونه هو الاستسلام وتكرار ما حدث في حمص" العام 2014 حين تمّ إخراج نحو ألفي مقاتل من المدينة القديمة بعد عامين من الحصار المحكم والقصف شبه اليومي من قوات النظام.

ويرى مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار أن "سكان حلب يواجهون معضلة وجودية رهيبة، إذ غالبا ما يضطرون إلى الاختيار بين خطري الموت جوعا أو خلال فرارهم".

ويضيف "سكان حلب في محنة ويعيشون حالة من انعدام الثقة وهو أمر مفهوم بعدما أثبتت المأساة السورية أن الجانب الإنساني غالبا ما يوظف كخدعة لتعزيز مصالح جيوسياسية".

ويقول بيطار "سقوط حلب يعني أن الأسد وبوتين حققا أحد أهدافهما الرئيسية واستعادا اليد الطولى" في سوريا.

ويوضح الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية اميل حكيم من جهته أن خسارة الفصائل لحلب يعني "هزيمتها في شمال سوريا" وأنها "لم تعد تشكل تهديدا استراتيجيا للنظام".

التعليقات