"عرفات - حياته كما أرادها" للكاتب أحمد عبدالرحمن : وبدأت الانتفاضة ..

"عرفات - حياته كما أرادها" للكاتب أحمد عبدالرحمن : وبدأت الانتفاضة ..
دنيا الوطن – ميسون كحيل

بات واضحا أن التراجع العربي وانهيار الجبهة العربية المقاتلة ( إن وجدت ) خلق حالة جديدة في النضال الوطني الفلسطيني اشعرت الشعب الفلسطيني بالخطر جراء السياسة الإسرائيلية وانتهاكاتها ومن عمليات ضم للأراضي والعمليات القتل والإعتقالات واستباحة الأرض الفلسطينية من قبل المستوطنين وتجاهل اسرائيل للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ما ساهم هذا وأكثر منه بكثير في تعبئة الجماهير الفلسطينية ضد الإحتلال والمستوطنين الذين قاموا بالعديد من الهجمات المتعددة ذكر الكاتب جزء منها في مدن وقرى الضفة الغربية وتحديدا منذ عام 82 ولغاية عام 86 لتبدأ الجماهير بتنظيم نفسها في اصرار على انهاء وتدمير ما عرف بروابط القرى من انطلاقة الانتفاضة بشكلها الذي عرفها العالم به وذلك في ديسمبر 1987 ما ادى إلى ظهور نقلة نوعية في المواجهة وعلى كافة المستويات .

 وأكد الكاتب ما هو مؤكد أن الانتفاضة استطاعت من خلال لجانها واطرها تنظيم الجماهير على المستوى الوطني وسرعة استجابة هذه الجماهير لمتطلبات المواجهة وقد فشل الاحتلال فشلا ذريعا في كبح جماحها رغم كثافة وقوة واسلوب تعامل الاحتلال مع الانتفاضة من عمليات ومحاولات لتطويق مراكز ومواقع الانتفاضة  واقتحامات واعتقالات وتكسير عظم وكل اشكال العمل العسكري الفاشي والنازي والعنصري . واستمرت الجماهير على وتيرة واحدة من المواجهة اليومية مع الإحتلال وبفضل هذه الجماهير الفلسطينية الوطنية وايمانها وقناعاتها بلجانها وهيئاتها الشعبية من فرض السيطرة على الأرض بتلاحم فريد شكل حلقة وطنية نضالية اصبحت بعد ذلك نهج تتخذه الشعوب المضهدة ضد العنصرية والديكتاتورية في بقاع الأرض . فقد جاءت الإنتفاضة بعد عشرين عام من الإحتلال وبناء المستعمرات وجلب المستوطنين وبعد أن تلاشت عربيا على أقل تقدير الخيار العسكري ! فقررت الجماهير المواجهة دون رادع أو خوف وبإيمان فحولت الأراضي المحتلة إلى ساحة حرب أضطرت اسرائيل على أثر هذا المد الجماهيري الزج بالاف الجنود وبزيادة العدد مع تقدم الأيام حتى وصل عدد الجنود الإسرائيليون إلى ما يقارب 100 ألف جندي مسلح في مواجهة طفل فلسطيني حاملا نعشه وحجر. 

الفصل الرابع عشر – الجزء الثاني

            ويمكننا أن نلتمس عمق وعي الانتفاضة وجماهيرها عبر محطات الألم والمعاناة التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني ووعد بلفور المشئوم مرورا بنكبة عام 48 وقيام الكيان الصهيوني وحتى عدوان حزيران 67 وسقوط الوطن الفلسطيني كله في قبضة الاحتلال الصهيوني، وفي هذا التاريخ الدامي للطليعة – الثورة في علاقاتها بأقطار المواجهة العربية. هل يمكن لفلسطيني أن ينسى أيلول الأسود وتل الزعتر والهجوم السوري في عام 76  وحقيقة أن الثورة الفلسطينية أخرجت من لبنان مرتين في عامين متتاليين 82 و 83 الأولى على يد جيش العدو والثانية على يد جيش عربي يقوده حافظ الأسد؟ وهل محنة المخيمات ومأساتها ومجازرها خلال ثلاث سنوات تمر هكذا دون أن تشكل صدمة للوعي الوطني الفلسطيني؟

            إن الانتفاضة هي في الواقع تعبير عن سيطرة الوعي الثوري وتعميمه على مستوى الجماهير هذا الوعي الذي جسدته حركة فتح قبل أكثر من عشرين عاما على المستوى الوطني كله. الانتفاضة دقت المسمار الأخير في نعش الطروحات المضادة للدور الطليعي للإرادة الوطنية في عملية إنهاء الاحتلال، فهذه التطورات أصابت في مقتل مراكز الوعي المضاد للثورة وللدور الطليعي الفلسطيني في معركة التحرير في الحياة الوطنية فالمراكز العربية الثلاثة التي كانت تتجاذب الوعي الجماهيري الفلسطيني وجدت طروحاتها في حالة إفلاس كامل أمام طروحات الثورة. وسقط الوعي الزائف أمام الوعي الثوري الذي قدمته فتح، فالمركز السوري سقط وطنيا بالحرب التي يشنها ضد الثورة الفلسطينية وبالمجازر ضد المخيمات التي يقف وراءها، وبخروجه السافر على أبسط مفاهيم التضامن العربي مع الثورة الفلسطينية، أما المركز الأردني، فعلى الرغم من غيابه في أوساط الأجيال الفلسطينية الصاعدة، إلا أن سلطته على الضفة الغربية وعلاقاته الإدارية جعلته عاملا سلبيا لإغراء القوى التقليدية في المجتمع الفلسطيني داخل الأرض المحتلة بالبقاء بعيدا عن الخيار الثوري وانتظار دور وهمي للملك يعيد به الضفة الغربية إلى مملكته في علاقة جديدة( المملكة العربية المتحدة).

             إن اضطراب العلاقة وغموضها بين الثورة-الطليعة وبين أقطار دول المواجهة، واعتماد قضية فلسطين وسيلة للدعاية لدى هذه الأقطار ومحاربة الثورة في ذات الوقت، قد أربك الوعي الفلسطيني لسنوات طويلة، قبل أن تحسم الجماهير أمرها في نهاية الأمر، على أخذ المهمة الوطنية كلها بين يديها، ومواجهة العدو الصهيوني بالانتفاضة التي شكلت وتشكل أرقى حالة يعيشها الوعي الوطني الفلسطيني منذ عام (1948) وحتى عام (1988) على المستوى الجماهيري.

            إن سقوط الخيار العسكري العربي، وانهيار جبهة الصمود والتصدي بعد افتضاح الدور المعادي للنظام السوري ضد الثورة الفلسطينية، ومحاولات الملك حسين المستميتة لإلغاء مقررات قمة الرباط ، هذه التطورات السلبية الخطيرة أسقطت الأوهام والرهانات، ووجد الشعب الفلسطيني بجماهيره العريضة أن الطريق الوحيد المفتوح والمتاح لتحرير الوطن وطرد الاحتلال إنما هو طريق الثورة، وعندما تتحد الطليعة والجماهير على هذا النحو في الوعي وفي الوسائل تقع الانتفاضة الوطنية الكبرى.

            إن انهيار الجبهة العربية المقاتلة، قد خلق واقعا جديدا في وطننا المحتل، تمثل بحملة مسعورة لبناء مئات المستوطنات، والسباق المحموم بين الليكود والعمل لخلق الوقائع المصطنعة وتكريس الأمر الواقع في فلسطين وكأنه حقيقة أبدية، ولم يعد الاحتلال الصهيوني بحاجة إلى ستر عورته، وظهر شارون وكهانا وليفنجر وزئيفي، وايتان يقدمون صورة قاتمة للمستقبل الفلسطيني، إذا سمح الشعب الفلسطيني باستمرار هذا الاحتلال أعواما أخرى.

 

            إن سياسة الإلحاق والضم وبناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، وهجوم المستوطنين على المدن والقرى والاعتداء على الطلبة والعمال، دون الاكتراث بردود الفعل الفلسطينية والعالمية، إن هذه السياسة السافرة في عدائها للشعب الفلسطيني ومحاولاتها الدائمة للقضاء عليه والخلاص منه، قد أدخلت بدورها الشعور بالخطر من استمرار الاحتلال إلى كل بيت وإلى كل أسرة وإلى كل عقل سواء في المخيمات أو في المدن أو في القرى النائية، لقد استشعر الشعب كل الشعب الخطر المحدق بوجوده وبكيانه، ولم يعد قادرا على الاستمرار في قبول الحياة تحت وطأة وحشية الاحتلال التي راحت تتفاقم وتتحول إلى تهديد يومي حقيقي لحياة المواطنين الفلسطينيين وعملهم ومصدر رزقهم.

            وقد عبرت الهيئات الوطنية والدينية عن القلق العام والسخط الجماهيري طوال الأعوام المنصرمة وبلغ الغضب والسخط الجماهيري أوجهما عندما قام اسحق شامير بالتغطية على دور أجهزة الموساد بقتل الفدائي بعد أسره، وقام حاييم هيرتزوغ باستخدام سلطاته للعفو عن عتاة وقطعان المستوطنين الذين أدانتهم المحاكم بقيامهم بجريمة الاعتداء على حياة رؤساء البلديات المنتخبين.

التعليقات