درويش يحاصرهم

درويش يحاصرهم
عمر حلمي الغول

هزة إعلامية ثقافية وسياسية من الوزن الثقيل في إسرائيل. ميري ريغف، وزيرة اللاثقافة وافيغدور ليبرمان، وزير الحرب ولفيف غيرهم من الموتورين المتطرفين في حكومة نتنياهو، أعلنوا الاستنفار على بث برنامج لا يزيد على 23 دقيقة في إذاعة الجيش الاسرائيلية، المعروفة ب"غالي تساهيل" بعنوان "الجامعة الاذاعية"، الذي استضاف المحرر والشاعر الطيب غنايم، وتحدث فيه عن حياة وسيرة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش. تم قراءة ابيات من قصيدته الشهيرة "بطاقة هوية" باللغتين العربية والعبرية، التي يقول فيها "أنا لا أكره الناس .. ولا أسطو على أحد .. ولكني إذا جعت آكل لحم مغتصبي.. حذار حذار من جوعي ومن غضبي". ولا نهم لا يفهون معنى ما جاء على لسان شاعر فلسطين الكبير، هاجوا وماجوا، حتى بدا ان درويش حاصرهم في زاوية نتاج جهلهم من جانب، ولرفضهم لثقافة الاخر من جانب آخر.

ريغف قالت عن الاذاعة "انها فقدت أعصابها". والحقيقة ليس معروفا من الذي فقد اعصابه الوزيرة الامية ام الاذاعة، التي تستضيف بشكل دوري ودائم في برنامجها المذكور مثقفين ومحاضرين للحديث في الشأن الثقافي؟ وهاجمت وزيرة اللاثقافة الاذاعة لاستحضار سيرة وقصائد شاعر فلسطين، ورمزها الثقافي الاول محمود درويش. الذي إعتبره وزير الحرب، رجل العصابات والمافيات بمثابة إستحضار لكتاب "كفاحي" لهتلر. وقام على إثر ذلك باستدعاء يرون ديكل، رئيس الاذاعة لتوبيخه، مؤكدا ان "ما حدث لا يمكن تجاهله، ويجب التحقيق في اسباب بث هذا البرنامج عبر الاذاعة الرسمية للجيش الاسرائيلي." ولا يعرف المرء، إن كان افيغدور ليبرمان، المستوطن الاستعماري يدرك دلالات ومغزى الكلمات، التي ادلى بها ام انه يلقي الكلام على عواهنه او بحكم الثقافة المزورة والكاذبة، التي نهل منها قال ما قال؟

كما جاء في افتتاحية صحيفة "هآرتس" اول امس وبعض كتاب الرأي الاسرائيائيليين، الذين عالجوا الضجيج الغوغائي العنصري، بشيء من الروية والحكمة، فإكدوا ان محمود درويش، هو شاعر شعب يعيش أكثر من 22% من ابنائه داخل دولة إسرائيل، ويحملون الجنسية الاسرائيلية، ويمثل ايضا اربعة ونصف مليون فلسطيني، يعيشون تحت سيف الاحتلال الاسرائيلي منذ خمسة عقود خلت، هذا بالاضافة للتعبير عن آمال وآلام ما يزيد عن ستة ملايين انسان فلسطيني في دول الشتات والمهاجر. وهو يمثل شعب الضحية المنكوب باقامة إسرائيل الاستعمارية، والتي قامت بإحتلال باقي اراضي فلسطين التاريخية عام 1967، والمشردين نتاج النكبة 1948 والنكسة 1967. وعبر ويعبر عن هويتهم واحلامهم وطموحاتهم وعذاباتهم. وكما قال النائب ايمن عودة، رئيس القائمة المشتركة في الكنيست، ان لم تستطع ريغف تعلم او معرفة ثقافة الآخر، فكيف يمكن خلق ثقافة التعايش؟ والى متى ستبقى إسرائيل وقادتها من اليمين المتطرف تضع شريطة سوداء على عيونها، كي لا ترى ثقافة ما يزيد على الاثني عشر مليونا من الشعب الفلسطيني، الذي تحتل ارضه وتحاربه؟ واليس هذا هو منطق الاستعلاء والعنصرية والفاشية الاسرائيلية، التي لا ترى سوى ثقافة الموت وقتل "الاغيار" الفلسطينيين، وشطب ثقافتهم وهويتهم الوطنية؟ وهنا يبرز سؤال إضافي لريغف وليبرمان ومن لف لفهم من العنصرين الاستعماريين، من هو، الذي  يماثل هتلر ويستحضره درويش الشاعر العظيم، المدافع عن ماضي وحاضر ومستقبل شعبه ام المستعمرين القتلة من العنصريين امثالكم؟ إسألوا العالم كله من اقصاه إلى اقصاه بما في ذلك مؤيديكم من الاميركيين والاوروبيين غيرهم، من هو شبيه هتلر وموسوليني وغيرهم من الفاشيين؟

درويش وكل شعراء الشعب العربي الفلسطيني وكتابه ومثقفيه واعلاميه وساسته، ليسوا رواد حرب، ولا يرغبون بنشر ثقافة الدم والاغتصاب والارهاب المنظم، كما دولة الاحتلال الاسرائيلي، بل هم رواد سلام، وصناع ثقافة الحياة والامل بغد افضل لكل شعوب المنطقة، ودعاة تعايش على اسس تحترم تقرير مصير شعبهم وحريته واستقلاله وعودته للديار، التي شرد منها. فهل يدرك المتطرفون الصهاينة فائدة معرفة ثقافة الفلسطيني العربي المنغرس في ارضه ام لا؟

[email protected]

[email protected]